الأول بالتاريخ... فوز ترمب يساعد ماسك على تحقيق ثروة تتخطى 400 مليار دولار دعوات دولية لتعزيز الاستجابة الإنسانية في اليمن وسط تصاعد الأزمة قرار بغالبية ساحقة.. الجمعية العامة تدعو لوقف فوري للنار بغزة بوتين يعلن إطلاق تحالف دولي في الذكاء الاصطناعي بالتعاون مع دول مجموعة بريكس إسرائيل تضرب مواقع عسكرية سورية في اللاذقية وطرطوس لليوم الرابع على التوالي من مرسى نيوم إلى حديقة الملك سلمان... مناطق مشجعين خيالية إردوغان يعلن عن اتفاق تاريخي بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات عاجل: المبعوث الأممي إلى اليمن يكشف أمام مجلس الأمن عن أبرز بنود خارطة الطريق اليمنية التي ترعاها الأمم المتحدة بدعم امريكي .. البنك المركزي اليمني يعلن البدء بنظام جديد ضمن خطة استراتيجية يتجاوز صافي ثروته 400 مليار دولار.. تعرف على الملياردير الذي دخل التاريخ من أثرى أبوابه
يعتبر الإنشاد الديني هو ذاك الفن الغنائي الذي يتناول موضوعات لها سمت ديني كالعشق الإلهي، أو مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، أو الوحدانية والملكوت الأعلى وغيرها.
وهو فن اقتصر في جل مراحل تطوره بالأصوات الرجولية فيما كان اقتراب النساء إليه محدودا بعوامل ثقافية وتاريخية واجتماعية.
فلم تحظ مشاركة النساء في الإنشاد الديني، قديما في بلد كمصر، بمساحة كبيرة من الاهتمام، سواء في الابتهال أو التواشيح أو في الحضرات الصوفية والموالد؛ بل اقتصرت المشاركة على الشيوخ والمكبرين منذ عهد "أحمد بن طولون" 332هـ عبر مجموعة من المكبرين الذين تناوبوا التكبير والتهليل والنشيد في ليالي رمضان أو قبل صلاتي الفجر والجمعة.
واستمر الحال كذلك إلى أن تطور الأمر خلال القرن التاسع عشر بظهور مجموعة من مشاهير المنشدين، مثل: المسلوب، والشيخ محمد عثمان. كما تألق في بداية القرن العشرين الشيخ سلامة حجازي والشيخ سيد درويش، والشيخ زكريا أحمد.
غير أن نجومية المنشدين ومكانتهم زادت بعد نشأة الإذاعة والتلفزيون المصريين في الثلاثينيات وحرصهما على نقل المدائح والابتهالات في المساجد الكبيرة ليبرز عدد كبير من الشيوخ، مثل: الشيخ سيد النقشبندي، والشيخ نصر الدين طوبار.
بدايات ضعيفة
كانت بدايات المشاركة النسائية الفعلية، وإن كانت ضعيفة، في إطار الموالد والمناسبات الدينية الأخرى كالإسراء والمعراج، وهي بدايات جاءت متأخرة عن العهد الذي بدأت فيه الاحتفالات بالأولياء في الحضرات الصوفية التي انطلقت في عهد صلاح الدين الأيوبي في القرن السادس الهجري، حيث انتشرت في مصر الطرق الصوفية، وظهر منشد لكل طريقة ينشد قصائد المديح لكبار الشعراء من أمثال حسان بن ثابت رضي الله عنه.
وكان للاحتفال بالمولد النبوي الذي أشاعه الفاطميون في مصر أثره في إثراء الإنشاد الديني، وكان دافعا للاحتفال بموالد الأولياء التي تم إدخال الآلات الموسيقية إليها، مثل: الناي، والرق، والعود، والكمنجة.
وفي مطلع القرن العشرين ظهرت مجموعة أخرى من المنشدين في شمال مصر تنشد القصص الدينية في قوالب زجلية أو مواويل، وبفعل كون منطقة الدلتا في شمال مصر أكثر انفتاحا عن الصعيد ظهرت المنشدات والمغنيات من الأتراك والأجانب، أما في جنوب مصر فقد اقتصر الغناء على "الغجريات".
ومع افتتاح الإذاعة المصرية في الثلاثينيات وتطور التعليم ظهر الكثير من المنشدات في الخمسينيات، مثل: "هنايات شعبان"، و"وفاء المرسي"، و"سمية عبد العليم"، و"هناء خميس".
ولعل أفضل مثال للمنشدات كان "أم كلثوم" التي بدأت منشدة في الموالد وتعلمت الغناء من المشايخ.
المنشدة الأشهر
عمليا تعتبر "خضرة محمد خضر" من أشهر فنانات الفلكلور الشعبي؛ فقد نشأت لوالدين مغنيين، حيث رافقتهما في الموالد والأفراح، واستطاعت أن تشكل فرقة موسيقية شعبية خاصة بها بعد فترة وجيزة من عملها بالإنشاد الذي بدأته كمداحة بعد أن حفظت الكثير من الأغاني الشعبية والقصص الدينية.
غير أن التحول الكبير في حياة خضرة كان في عام 1955 عندما كان يجوب الشيخ "زكريا الحجاوي" في القرى والمدن باحثا عن مؤدين شعبيين للمشاركة في إحدى مسرحياته الاستعراضية فالتقى بها وكون معها فرقة "النيل" التي اشتهرت بتقديم عروض في المسارح والقرى والموالد.
ومع "الحجاوي" فُتحت لها أبواب الشهرة؛ فعرفتها وسائل الإعلام المختلفة، وأقامت علاقات مع الوسط الفني. كما استطاع "الحجاوي" أن يجمع مادة أشهر ألبوماتها عام 1985 الذي عرف بـ"أيوب المصري" الذي سجلَّه لها في الإذاعة، كما أعد لها قصة "سعد اليتيم"، وألَّف لها "ملاعيب شيحة".
والواقع أن "زكريا الحجاوي" لعب دورًا مميزًا في اكتشاف خضرة وفي صقل موهبتها، واختيار كلمات أغانيها؛ وهو ما جعل فنها قريبا من الجمهور على اختلاف طبقاته.
ومن أغاني خضرة في شريط "أيوب المصري":
يا مسعد يا لي تصلي على النبي الصبر طيب للأمارة يصبروا
ياما اللي كان صابر ينول المغفرة واللي معاه صابر يلاقيه في الآخرة
ياما جرى لأيوب على حكم الزمن وادي بنت عمه على البلاوي صابرة
موجة التسعينيات
ومع مطلع التسعينيات ظهرت موجة جديدة من المنشدات أمثال: الشيخة نبيلة عطوة، والشيخة نورا مصطفى، وفي تلك الفترة بدأ يطلق لقب شيخة على المنشدة لمدحهن الرسول عليه الصلاة والسلام، كما أصبح للمنشدات زي خاص بهن يتمثل بتاج على الرأس ولباس طويل وعباءة فضفاضة.
وتعتبر الشيخة "نبيلة عطوة"، 55 عاما، أحد أهم نماذج المنشدات الجدد التي قدمت القصائد الصوفية والمدائح النبوية.
وقد اكتسبت الشيخة نبيلة عطوة شهرة عالمية بمشاركتها في حفلات نظمها المركز الثقافي البريطاني في لندن عام 2003، ومن نماذج مدائحها:
أنا بمدح نبي زين أشهد له الفن بالمغنى
لي في مديحك يا طه من كل لون معنى
واللي بيحب النبي ينصت ويسمعنا
يسمع مديحك يا طه وتحلا له المغنى
نورا.. نموذج مختلف
وتعد الشيخة نورا نموذجًا مختلفًا عن غيرها من المنشدات بما تتميز به من صوت جميل وأداء مميز بفعل ما وفرته أسرتها لها التي يغلب على جميع أفرادها مهنة الإنشاد. فقد بدأت مسيرتها مذ كان عمرها 9 سنوات بعد أن لاحظ أحد إخوتها دندنتها وإنشادها لبعض المدائح وطلبها منه أن يصطحبها معه في الحفلات التي يقيمونها، وبالفعل انجذب الجمهور لها وأصبح يطلبها بالاسم لتقدم مقاطع في حفلات معينة.
وتقدم الشيخة نورا مجموعة كبيرة من المواويل مقتبسة من كتب السيرة، حيث تعمد على تحويلها إلى زجل قابل للغناء، كما تأخذ المدائح من الشاعر "عبد الفتاح العرسي" دكتور الشريعة الإسلامية في الأزهر، ومن أمثلة ذلك:
يا بختك يا أمنه
لما حملت فيه
حملت فيه في رجب
وربيع وضعت فيه
حكت عليه أمنه
وقالت لما حملت فيه
ما شفت لحظة ألم
وجت الملايكة باركو عليه
وبجانب الحفلات التي تقدمها في الموالد فهي تحيي الأفراح وأعياد الميلاد، وتغني بعض القصائد لأم كلثوم، مثل: "الأطلال" و"أروح لمين" و"ولد الهدى".
سمات ومميزات
ويشير الدكتور إبراهيم عبد الحافظ المدرس في معهد الفنون الشعبية والباحث في الفن الشعبي إلى أنه لم تختلف المنشدات عن المنشدين من حيث الفرق الموسيقية والكلمات إلا في القليل في المجالات؛ فهناك تشابه كبير في الكلمات والموضوعات حيث تعتبر كتب التراث التي يلجئون إليها واحدة وتحديدا تلك المعبرة عن حب الله والحب النبوي والحج وزيارة الكعبة والعمرة وغيرها من المناسبات الدينية إلى جانب المواضيع الدينية كالقصص الاجتماعية عن الصداقة والأخوة والمواعظ والعبر في قصص الأنبياء، كما تؤخذ بعض الأغاني لكبار الفنانين كأم كلثوم وفريد الأطرش وتوظف للحب النبوي.
وبرأي "عبد الحافظ" فإن أهمية ظاهرة المنشدات تنبع في الحفاظ على التراث الشعبي؛ فالمنشدات يقمن بتسجيل شرائط لأهم الأناشيد والقصص النبوية والاجتماعية مثال ذلك "خضرة محمد خضر" كما في كاسيت "أيوب المصري"، كما هناك من ألَّف وزاد على التراث الشعبي مثل الشيخة "نورا".
وعن سمات المنشدات يرى عبد الحافظ أن المنشدات يتميزن برقة الصوت وعذوبته، غير أنهن لا يحترفن الابتهالات والتواشيح، ولا يقدمن نتاجهن في الراديو والتليفزيون إلا ما ندر، ويرى أن السبب في ذلك الفهم المغلوط للفن الذي تقدمه هؤلاء المنشدات من القائمين على الفضائيات؛ فهناك من ينظر لهذا الفن بأنه دوني وبالتالي يحرصون على عدم عرضه رغم أن هناك اهتماما عالميا بالفلكلور والتراث الشعبي على اختلاف أنواعه.
**صحفية مصرية.