طارق صالح يتوعد عبدالملك الحوثي بمصير بشار ويقول أن ''صنعاء ستشهد ما شهدته دمشق'' تطورات مفاجئة… الجيش الروسي يطوق قوات أوكرانيا بلينكن يحدد شروط اعتراف الولايات المتحدة بالحكومة السورية الجديدة دعوة إلي عقد مؤتمر مانحين عاجل لدعم اليمن وقف النار في غزة واتصالات سرية لإنجاز الصفقة شرطة كوريا الجنوبية تدهم مكتب الرئيس... ووزير الدفاع السابق يحاول الانتحار دول عربية تبدأ بإرسال مساعدات لدعم الشعب السوري بعد سقوط الأسد روسيا تطلق تصريحات جديدة حول الاسد وتجيب عن إمكانية تسليمه للمحاكم الجيش السودانى يجبر قوات الدعم السريع على الانسحاب من شمال الخرطوم رسائل نارية من الرئيس أردوغان بخصوص سوريا وأراضيها وسيادتها خلال لقائه بقيادات حزب العدالة والتنمية
مأرب برس - خاص
إن الحديث عن مفهوم حقوق الإنسان ، ومرجعياته والأدوار الموزعة على الفرد والمجتمع والدولة كنظام وسلطة، هو حديث التأصيل بين هذه المرجعيات من معاهدات واتفاقيات ومواثيق وعهود وإعلانات، وبين فوضى الأدوار التي غالبا ما تصطدم بمعيقات مصطنعة، تحول دون اتخاذ الجهة المعنية لدورها الحقيقي ، وبالتالي يصبح مفهوم حقوق الإنسان مفهوما غائبا بين التقصير والغفلة، ومغيبا بين الإرادات السياسية والآليات السلطوية القائمة على مبادئ أولويات النظام لا أولويات المواطنة .. فنتوه جميعا في مطالبات تنتشلنا من الفقر والجوع والأذية و الاستبداد والإقصاء والتهميش ، ونهرب مهجرين خوفا من اغتيال شخصيتنا .. ولكننا دائما نخطئ العنوان .. فنطلب الحرية من أنظمة سجينة بقرار القوى العظمى ونطلب العدل من نخب وصلت إلى السلطة بناء على معايير غير عادلة، ونطلب الحقوق من أنظمة مسلوبة الإرادة والقرار ، ونطلب حق المواطنة في شراكتنا في صنع القرار ، من أنظمة مغلوبة على أمرها، وكأنها أداة تنفيذ لا أداة تشريع... إن نظرة تأمل واحدة في واقعنا العربي، وانجرار أنظمتنا إلى التوجهات السياسية العالمية التي تنطق بمنطوق القوة ، تجعلنا نصفق بحرارة وألم للمنطق القائل ( إن فاقد الشيء لا يعطيه ) .
إن الأدوار التي تلعبها الحكومات، ومنظمات المجتمع المدني، وموجهو الرأي العام ،وأصحاب الفكر في قضايا " حقوق الإنسان " أدوار فاعلة بلا شك، إلا أنها تتسم - للأسف- بالفوضوية التي تقلص تأثيراتها وتجعلها نقطة نفور لا قبول في مجتمعات معينة، وخاصة تلك المجتمعات التي تعيش حالة من إرهاب الدولة، أو الإرهاب العالمي، وحيث حاولت الأمم المتحدة تنظيم هذه الأدوار عبر المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية ، إلا أن السقوط في متاهات فوضى الأدوار حتّم على واقعنا العربي اختلالات كبيرة فبرزت جهات مشبوهة المنطلق على شكل مراكز أبحاث ودراسات، صارت تتبنى في ناحية ما فكر الدولة أو السلطة بدعم وتمويل كامل منها، أو تتبنى فكرا خارجيا تصطدم ثقافته المادية بالفكر الإنساني في درجة من أدنى درجات الجاسوسية، ولكن من أخطرها بلا نقاش , كما ولدت هذه الفوضى هيئات حكومية جافة غير مؤهلة بمسميات كبيرة ، للدفاع عن حقوق الإنسان، وكأن الدولة ليست طرفا من إطراف الانتهاك لهذه الحقوق .... وهنا تضاربت الأدوار خاصة في النظرة إلى السلطة أو النظام أو الدولة من حيث : هل هي في ضفة حماية هذه الحقوق أم على ضفة منتهكيها وخاصة على الصعيد السياسي ؟ مع إقرارنا بأن أعداء الداخل في كل بقعة عربية ، يستمتنون فوضى الأدوار الحقوقية ويزايدون على الثوابت الوطنية ،فشرخ يضرب المواطنة في العراق ، وشرخ يضرب الحوار في لبنان ، وشرخ يضرب الاستقرار في الصومال ، وشرخ يضرب ملامح وجه العدو في فلسطين ، وشرخ يضرب الوحدة في السودان ، وشروخ أخرى هنا وهناك ... ليبقى الأمل حادينا أن كل يد عابثة لابد أن تقطع إرادة الإخلاص جذورها ، و أولها اليد التي تعبث بأرقى إنجازات التاريخ العربي الحديث في الوحدة والتوحيد .
إن الواقع العالمي يقول أن مرجعيات حقوق الإنسان، حيدت محاسبة الانتهاكات التي تقوم بها الدول لاعتبارات سياسية أو اقتصادية ، و صارت على استحياء تام ، تدعم من هنا وهناك منظمات المجتمع المدني عبر منظومة الأمم المتحدة، ووفق اعتبارات ومعايير خاصة أيضا ، شارعة بذلك بوابة التساؤلات الفارضة نفسها على الواقع التنموي والحقوقي العالمي بالمنظور العام ، والعربي بالمنظور الخاص والتي تقول : هل التزمت الحكومات العربية بتقديم تقارير للجان المعنية حول مدى إ نفاذ تعهداتها المتعلقة بالاتفاقيات الدولية في مجال حقوق الإنسان ؟
و هل التبريرات الحكومية المقدمة تحت مسميات " السيادة الوطنية " و " المحافظة على وحدة الجبهة الداخلية " و " أولوية النمو الاقتصادي " و " محاربة الإرهاب " هي واقع قابل للتصديق لتعطيل آليات حقوق الإنسان ؟ و هل الممارسات الحكومية المتمثلة بثقل الأجهزة، والبيروقراطيات القاتلة، والإرادة المغيبة لاحترام حقوق الإنسان.. هي السبيل للتخلص من استحقاقات احترام كرامة الشعوب ؟
وكم فرد أو جماعة أو منظمة أو هيئة .. تعاني من أساليب الإقصاء والتهميش، بل والردع العنيف أحيانا من حكوماتها ، إذا ما طرحت قضايا تتعارض مع سلطة الأنظمة الحاكمة ؟
و ما هو حجم حقوق الإنسان الفعلي في ظل أنظمة تنتهج سياسات "عزلة الحرمان من الموارد" و "ترتيب المواقع حسب الثروة والممتلكات" و "الموقع الاجتماعي " و "الإقصاء القسري من الفعل السياسي " و "تطويع القاعدة القانونية لخدمة الهيمنة والتمييز" و "احتكار التنمية والمعرفة " و" اغتيال لغة الإبداع " ؟
و ما هو ترتيب الأدوار الحقيقي لضمان مفهوم العدل المرتكز عل نشر ثقافة المساواة وبناء مجتمعات واعية ؟
و ما هي مكونات " المواطنة "، والواجبات التي يفرضها مفهوم " المواطن "، في غياب تكافؤ الفرص على كافة المستويات، والتي ولدت مزيدا من الاختلالات الطائفية والعنصرية التي تعد الآفة الأولى من آفات انتهاك حقوق الإنسان ؟
و هل يمكن أن تترتب الأدوار وفق معطيات المرجعيات الخاصة بقضايا حقوق الإنسان ، في ظل عدم احترام مبادئ المشاركة، والرفض التام لاستيعاب المختلف سياسيا وجنسيا ولغويا وثقافيا وفكريا ؟ وأخيرا هل يمكن لنا أن نبني ثقافة حقوق الإنسان على هذه المرجعيات بانسجام تام مع الأدوار ونحن حتى اليوم لا نملك إطارا مرجعيا تربويا يوضح المبادئ والأسس الخاصة بهذه الثقافة ؟
إن الإجابة على هذه التساؤلات تتطلب منا الاعتراف أن القوى العالمية تمارس مفاهيم التنمية والحقوق على جغرافيتها وشعوبها فقط دون أي اعتبارات إنسانية خارج هذه الحدود ،وأن الفشل العربي لحق بالمنظومة التنموية بأكملها، وأن الإرهاب النووي يحاصر مناطق العالم، والتقدم العلمي والتكنولوجي صار آلة الحرب الأولى لدمار البشرية، والغزو الفكري والثقافي لمنظومة القيم الأخلاقية الإنسانية ،و أن الأنظمة غير الواعية حولت حقوق شعوبها إلى قيود، بعد أن حجرت على الإبداع العلمي ، واعتبرت هموم شعوبها مناطة بقوانين طوارئ ، أو خدمات تطوعية خيرية... وإن شملت الدساتير والأنظمة ما يفيد غير ذلك ... فإن الواقع لا يتحدث إلا بذلك... و ليبقى السؤال المطروح دائما : هل الحق في التنمية هو أحد حقوق الإنسان , أم أن حقوق الإنسان هي المنظومة المجتمعية التي تقود إلى التنمية ؟
هذا السؤال الشائك لا تعطينا عليه الإجابات الوافية إلا الأنظمة التي تستطيع التفريق وبامتياز بين تنمية الحق، وحق التنمية، وفق ما يخدم مصالحها !! لأن التنمية بمفهومها الشامل أصبحت خطراً على السلطة ، فتصدت سطوات الأنظمة لتمارس بحق معارضيها، ومَن يخالفها الرأي، أو يتجرا في الطرح إلى حد المكاشفة، الاختفاء القسري أو الاختفاء القسري الظاهري, بمعنى أن الشخصية موجودة كواقع جسدي، وعلى مرأى الناس، لكنها مجردة من كل أدواتها الروحية والفكرية والنفسية، عبر سطوة الإقصاء والتهميش ، فأغلب الانتهاكات الممارسة مصدرها الحكومات ، وإذا ما كان الحديث عن مساءلة المسؤولين فإنها لا يمكن أن تتم ... لأن المسؤولين هم النخبة السلطوية في هذه الحكومات ، و أما تطوير الحكم الرشيد والوفاء بالالتزامات الدولية في المواثيق، ودعم التحول الديموقراطي ... فهي قضايا سياسية خالصة تطوعها الأنظمة بالطريقة التي تخدم السلطة المستدامة لا التنمية المستدامة ، في ظل استئثار الحكومــات بالدور الواحد، والرأي الأوحد .
وخلاصة القول أن المرجعيات الدولية أو الإقليمية أو المحلية، افتقرت للنقطة المفصلية المحورية في تقسيم الأدوار المناطة بكل جهة لتنفيذ هذه الاتفاقيات، وشرعت باستخدام مصطلح " الدول " ثم عرجت على ثقافة الفرد والجماعة والمنظمة على استحياء، رغم أن منظمات المجتمع المدني هي الأقدر - حتى من الحكومات - على بناء الكرامة المتأصلة لكافة حقوق الإنسان، وتدعيمها دون تجزئة، وحسن التعامل مع القانون، وتوطيد احترام الحريات الأساسية، واحترام الذات الإنسانية، وفهم طبيعة الكرامة الإنسانية، واحترام كرامة الآخرين، والدفاع عن حقوق الإنسان، وخاصة ذوي الحالات الخاصة من معوقين ومرضى وعجزة ومسنين وفقراء ومهشمين وذوي اعتبارات خاصة، إضافة إلى إدراك إمكانية تحسين الحالات غير العادلة، وتحليل العوامل المسببة لانتهاكات حقوق الإنسان وممارسة الظلم في شتى مواقعه والبؤر المنتجة له ،خاصة وأن المدافعين عن حقوق الإنسان وحملة رسالتها ، هم أصحاب خلفيات اجتماعية ومهنية ومعرفية وسياسية متنوعة ، وهذا التنوع يضفي قوة جديدة على أدوات العمل الجاد في هذا الإطار .
وعلى كل ما سبق فإن المرجعيات الإنسانية سواء ذات الطابع العام، أو الخاص، أو المجموعات التي تضم اتفاقيات منظمة لموضوعات معينة، أو مبادئ أو قواعد صادرة عن الأمم المتحدة، أو ذات المستوى الإقليمي، هي مرجعيات أحدثت فوضى الأدوار التنفيذية شرخا كبيرا بها، فأصابها الاضطراب الذي انعكس سلبا على المدافعين عن حقوق الإنسان من غير الحكومات، الأمر الذي أدى إلى استلاب الثقافة وضعف الانتماء لقضايا حقوق الإنسان ، وبالتالي الخسارة التنموية الحضارية للبناء الإنساني .
إن الحقيقة الأخيرة الواجب إقرارها أن حقوق الإنسان، ليست ملكيات حكومية أو فردية قابلة للمنح أو التنازل ، إنما هي ضرورات إنسانية كاملة ، كفلتها الشريعة و الشرعية ، وقامت على أسسها الدساتير والأنظمة .. ولا بقاء لأي دولة أو نظام بلا دستور ديمقراطي ... ولا دستور ديمقراطي بلا مرجعية أساسها حقوق الإنسان .
وأخيرا وليس آخراً فإن الحق الذي تطلب مني أن أقدم هذه الاعترافات ، هو ذاته الذي يتطلب مني أن أعتز بتجربة التوحيد في الفكر السعودي ، ورسالته النبيلة التي كفلت ما كفلت من الحقوق ، وفي مقدمتها حق الأمن بمفهومه الشامل ... وبالأمن تنعم البلاد و يستفيء العباد بالاستقرار والرخاء ، ما دامت هناك قيادات وأنظمة مازالت مؤمنة بفكر الوحدة والتوحيد .
* الباحث الرئيسي المشرف العام على مركز أبحاث الشرق الأوسط للتنمية الإنسانية وحقوق الإنسان .