الحراك الجنوبي أمام مفترق طرق
بقلم/ عبدالله بن عامر
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و 16 يوماً
الثلاثاء 12 فبراير-شباط 2013 04:54 م

بدايةً أعترف بأنه لا قدسية للوحدة لكن الواقع السياسي يفرض علينا التعامل معه وفق معادلة الربح والخسارة , ولهذا فإني لابد أن أقول أني كنت وسأظل مناصراً للقضية الجنوبية مهما أرتفعت حجم مطالبها فلا ممنوع أو محرم ولا ثوابت امام نضالات الشعوب لكن المناخ المتغير والظروف الطارئة والمستجدات الراهنة هي من دفعت بنا الى إعادة دراسة الواقع وفق تلك الظروف والمستجدات المحتمة علينا التفكير بالمنطق الرياضي القائم على الحسابات الدقيقة القادرة على تفكيك تعقيدات التاريخ وتحليل مساراته وتوقع إتجاهات الأحداث ومآلاتها بناءاً على ما أنكشف لنا بفعل الغير أو ما كشفناه من حالة غموض بفعل أنفسنا فقد تتكرر الأحداث بفعل الصدفة التاريخية فنظن أن حتميات القدر أرادت ذلك لكن حقيقة الأمر هو أننا سنصبح أمام مستجدات ووقائع جديدة قد يربطها بغيرها في بعض أوجه الشبه ومعالم التفاصيل , لكن لا يمكن لها أن تتحد في مجملها , ولهذا فعلينا إعادة دراسة الواقع كلما أستطعنا الى ذلك سبيلا حتى نحدد مكان الوقوف لا مكان التوقف وعلى ضوئه نستطيع مواصلة المسير والعبور بمؤشرات عالية لضمان تحقيق الإنتقال نحو الخطوة القادمة .

يجزم الكثير من المتابعين والمراقبين للوضع اليمني عموماً والقضية الجنوبية تحديداً أنها تعيش أياماً مفصلية وعلى مفترق طرق فإما أن تواصل فيما آلت إليه عبر قيادات بعض فصائل الحراك الجنوبي من المطالبة بالإنفصال وإستعادة الدولة وإما أن تسعى لتحقيق مكاسب سياسية وإجتماعية عن طريق الإلتحاق بعملية التسوية السياسية سيما وان هناك الكثير من المحفزات المعروضة على تلك القيادات قبيل إنعقاد مؤتمر الحوار الوطني ليتوج الحراك السلمي نضاله بالحصول على إمتيازات خاصة ستنعكس إيجاباً على الوضع في المحافظات الجنوبية وكذلك على قيادات الحراك التي أصبح بإمكانها اليوم أن تمارس دورها السياسي في صناعة مجمل التغيرات على الساحة الوطنية ككل والضغط بإتجاه تحقيق رؤيتها للمستقبل من خلال أدواتها الجماهيرية والسياسية فلا يمكن للقوى السياسية الحالية أن تمضي باليمن منفردةً دون العودة الى القوى الصاعدة وعلى رأسها الحراك الجنوبي الذي لا يزال حتى اللحظة ماضياً نحو المجهول إذا ما أستمر في عناده الرافض للحوار والمطالبة بإستعادة دولة الجنوب .

الحراك على مفترق طرق :

الحراك الجنوبي لا يستطيع هو ولا حتى القوى السياسية في صنعاء تحديد مستقبل المحافظات الجنوبية فتعقيدات المشهد والتركيبة الإجتماعية والخلفيات التاريخية المتحكمة والمستندة الى صراعات قديمة جديدة قد تجعلنا أمام رؤية ضبابية لا نستطيع تحديد ملامحها أو رسم إحتمالات مسالكها ودروبها حتى تصل الى ما تريد فإذا ما قرر الحراك بفصائله المختلفة المضي قدماً نحو إستعادة الدولة في ظل العوامل والمتغيرات الحالية فبالتأكيد سيكون أمام خيار صعب فالظرف السياسي الراهن غير مشجع لإتخاذ مثل تلك الخطوة بل ستتعمق فكرة الحماقة السياسية المتهم بها بعض قادتة وأبرزهم الرئيس علي سالم البيض الذي كان بإمكانه عقب إعلان الوحدة صنع الكثير في طريق فرض رؤيته المدنية التي كانت تحظى بإجماع النخبة السياسية والثقافية في الشمال حتى أنه أستطاع في فترة لاحقة وتحديداً في مرحلة ما قبل إندلاع حرب94تحقيق إنتصار سياسي على صالح من خلال شق صف التحالف القبلي سواءً من حاشد أو من بكيل فقد كان من أبرز حلفاءه سنان أبو لحوم ومجاهد أبوشوارب ولولا حماقة البيض في إعلان الحرب وبيان الإنفصال عن الشمال دون العودة الى قيادات الحزب الإشتراكي نفسه .

هذه هو التاريخ وعلى ما يبدو أن قيادات الحراك حالياً تعيش مرحلة ينبغي عليها إستشعار مسئولياتها التاريخية تجاه القضية الجنوبية التي أصبحت حاملاً أساسياً لها فهي إذا ما استطاعت دراسة الواقع الحالي ومتغيراته وأسبابه ومآلاته لاستطاعت الخروج من مرحلة الدراسة والقراءة بقرارات شجاعة تحفظ لها البقاء كفاعل أساسي على الخارطة السياسية وتعيد الكثير من الحقوق لأبناء المحافظات الجنوبية لكن إذا أستمرت في حالة الصعود على الواقع وتجاوز المرحلة إستناداً الى الخطاب الثوري الناتج عن ما وصل إليه الحراك حالياً وقد لا يستطيع هذا الخطاب وضع الخطوط العريضة او قراءة ما بعد تحقيق الأهداف المعلنة وهل الوضع السياسي والخارطة السياسية والإجتماعية في الجنوب نفسه قادرة على التوافق والتلاؤم ضمن كيان سياسي واحد .

تحديات أمام الحراك :

وعلى ما يبدو أن هناك الكثير من التحديات تقف أمام الحراك الجنوبي سيما تلك المتعلقة بحالة الإنقسام الداخلي حول الرؤية للمستقبل والموقف من الإنفصال أو الفيدرالية وبالتالي الحوار الوطني وكذلك ما أنتجته الثورة الشعبية السلمية والذي مثلت إحراجاً كبيراً للحراك عند إندلاعها مما أدى إلى تدنى مستوى الإستجابة الشعبية في الكثير من محافظات الجنوب لمطالب الإنفصال لولا أخطاء القوى التقليدية في صنعاء وإتهامها بالإستيلاء على الثورة وإدخال الوطن ككل في دوامة لتظل تلك القوى تتبادل المناصب وتتقاسم السلطة على حساب قضايا الشعب .

أما الإحراج الآخر الذي تعرضت له قوى الحراك فهو بوصول القيادات الجنوبية الى أعلى مراكز في السلطة فالرئيس هادي ومن ثم باسندوة كرئيس للوزراء جعل الكثير من الحراكيين يرون الى أن الإنفصال قد يكون مستحيلاً سيما مع إستعانة هادي بالكثير من ضباط وقادة جنوبيين قام بتعيينهم في مواقع حساسة وقرارات أخرى وإن كانت غير معلنة أعادت الكثير من القيادات الى مواقعها ومجمل هذه القرارات والمعالجات أدت الى إنحسار دعوات الإنفصال وبروز تيارات قد نستطيع تسميتها بالعقلانية تلك التي بدأت تتعاطى مع الواقع والمستجدات الراهنة بمنطق عقلاني لا ثوري وهذا ما يفصلها على تيارات آخرى لها إرتباطات بقيادات في الخارج لا تزال حتى اللحظة تقوم بالتعبئة والحشد الإعلاميين لتصعيد النضال لإستعادة الدولة .

غير أن سوء الحظ لا يزال يرافق تلك القيادات إبتداءً بالبيض الذي لم يحصل على دعم مالي وإعلامي إلا بعد أن تغيرت الكثير من الامور كوصول هادي وباسندوة الى السلطة رغم ان حجم الدعم والحشد ساهم في إعادة التنظيم داخل صفوف الحراك وإنتاج أدوات إعلامية كل ذلك أدى الى إستعادة بعض النفوذ للحراك في مناطق الجنوب الذي أستفاد ايضاً من الحالة الأمنية في تلك المحافظات وما أنتجته الثورة من مناخ ملائم للتنظيم والحشد والتعبئة حتى أن الكثير من الأصوات الحراكية بدأت مؤخراً تدعو للتصعيد نحو الكفاح المسلح سيما بعد ان أستطاع الحراك الدخول الى عدن التي كانت ممنوعة على ناشطيه وكوادره .

موقف دولي لا يعترف :

أما ما يقف فعلاً كعراقيل كبيرة أمام الحراك الجنوبي فهو الموقف الدولي فحتى اللحظة يصر المجمتع الدولي ممثلاً بالدول الكبرى على وحدة اليمن وهذا قد لا يحدث في بلد آخر فقد لا تجتمع روسيا والولايات المتحدة مثلاً على موقف موحد ورؤية واحدة تجاه اي قضية في العالم عدا اليمن وهذا ما جعل الحراكيين يشعرون بصعوبة المهمة الملقاة على عاتقهم سيما اولئك ممن يمسكون بملف العلاقات الخارجية وأبرزهم قادة جنوبيين في الخارج وبعد أن خذلتهم روسيا بموقفها كذلك دول الخليج وأبرزها المملكة العربية السعودية التي لا تزال حتى اللحظة ترفض التعامل الرسمي مع تلك القيادات وإن كانت تلتقي بهم بطريقة غير معلنة الأمر الذي أضطر رموز الحراك الى التلويح بأكثر من مرة بإستخدام أدوات معينة وخطاب إعلامي محرض ضد السعودية بعد ان كانوا يتوددون لها طيلة السنوات الماضية حتى يكسبونها الى جارهم وما زاد الطين بلة هو إتهامات خليجية للحراك بتلقي دعماً إيرانياً وإن كان هذا صحيحاً فقد يكون كردة فعل متوقعة سيما بعد ان أغلقت كل الأبواب أمامهم حتى أن بعض الدول الخليجية أبلغت قيادات جنوبية بعدم ممارسة النشاط السياسي من أراضيها مما أضطر تلك القيادات الى الإنتقال الى بلدان أخرى .

تبدو المهمة صعبة جداً لإنجاز إختراق في الموقف الدولي الرافض لمطالب الإنفصال فمجلس الأمن بأكمله وعند وصول أعضائه ومندوبية الى صنعاء كانت في نفس اللحظة فعاليات الحراك الجنوبي تحاول رفع صوتها إلا انهم لم يسمعوا لها وهم في صنعاء فكيف إذا كانوا في مقرهم الدائم .

عوامل داخلية غير مشجعة :

ليس كل ما ذكر سابقاً إلا قليلاً من العوامل والمتغيرات الواقعية التي لا يمكن لأي سياسي حصيف ان تمر عليه بسهولة وسيتعامل معها بمنطق عقلاني فكيف إذا كان ما جئنا نقوم بدارسة الواقع السياسي والإجتماعي في الجنوب نفسه الذي عانى من الصراعات الجهوية خلال الفترة السابقة والذاكرة لا تزال مثخنة بالجراح جراء تلك الصراعات ثم أن خطاب الحراك نفسه جعله محصوراً أمام جماهير نظام الحزب الإشتراكي ومناصريه فإستعادة الدولة تعد مشكلة بحد ذاتها لان كل أبناء الجنوب ليسوا من انصار الدولة السابقة (ما قبل1990) وليسوا أيضاً من مناصري الإنفصال إبتداءً وإذا أستجابوا لدعواته فبالتأكيد ليس لإستعادة الدولة وإنما لإقامة دولة جديدة وهنا تكمن الإشكالية عبر الصراع بين قوى الماضي التي سارعت مؤخراً الى تأكيدها على خيار قيام دولة جديدة وقوى الحاضر التي لا تزال غير واثقة تماماً بقيادات الحراك سيما وأغلبها يعود الى العهد الشمولي فهمها حاولت التصالح والتسامح معه نفسها إلا أنها تظل أمام المواطن العادي قيادات ماضوية رغم انها أجتازت مراحل الألم كما يقال بأسلوب إيجابي عبر التصالح والتسامح وكأنها تعترف بأنه لا يمكن لهم إستعادة الدولة ما لم تتحقق الوحدة الجنوبية نفسها .

حضرموت ومن ورائها المهرة :

حضرموت هي الأخرى لا تزال بعيدة جغرافياً وسياسياً عن الحضور في خضم التفاعلات اليومية للحراك ومن وراء حضرموت المهرة كذلك لتنحصر القضية الجنوبية جغرافياً في مناطق كانت هي الأشد إنتماءً للفكر الإشتراكي كعدن والضالع ولحج وأبين وأجزاء من شبوه التي حافظت على طابعها القبلي كثيراً ولهذا فإنه من الممكن أن تستقل حضرموت والمهرة وأجزاء من شبوه في مشروع خاص فتلك المناطق لم تكن على علاقة جيدة مع نظام الحزب الإشتراكي وكذلك الحال مع دولة الوحدة وهنا تبرز مشكلة كبيرة تقف أمام قيادات الحراك التي يبدو وكأنها تجر الجنوب نحو التمزق .

خيارات أمام الحراك :

البعض يتساءل أنه وفي ظل العوامل المحلية في اليمن بشكل عام والمحافظات الجنوبية بشكل خاص والظروف الدولية المحيطة فلا يوجد هناك ما يعزز المضي نحو الإنفصال إذاً فما هو الطريق الذي يمكن لقيادات الحراك ان تسلكه ؟

بدايةً سنقول أن عليها أولاً أن تفكر بعقلانية وأن تحسن دراسة الموقف فلو أستغلت الإعتراف الرسمي بالقضية الجنوبية وحجم الإغراءات والعروض المقدم لها من النظام الحالي ومن المجتمع الدولي وسعت نحو فرض رؤيتها لكن مع التخلي عن فكرة الإنفصال ستستطيع بذلك ان تنجز الكثير فهي قد تعيد كل الحقوق الى أهلها مع تعويضات مناسبة ناهيك عن حجم حضورها الفاعل سياسياً ودورها التاريخي الذي سيحفظ لها في النضال السلمي من أجل الحقوق أما إذا ما أستمرت في ما هي ماضية عليه الآن فبالتأكيد ستصل الى طريق مسدود وستصطدم مع السلطة أولاً ومن ورائها المجتمع الدولي ثم مع أبناء المحافظات الجنوبية نفسها الذين بالتأكيد سيرون أنفسهم داخل نفق مظلم في ظل حالة العزل المحلي والدولي بالتزامن مع إصلاحات ومعالجات حقيقية على الأرض وهذا ما سيعمل على سحب البساط على الحراك من خلال الإستعانة بقيادات جديدة من محافظات جنوبية ستتولى فيما بعد محاصرة نفوذ القيادات التاريخية عبر إستدعاء الماضي الذي بالتأكيد لن يكون جيداً بالنسبة لقيادات الحراك الحالية ناهيك عن مجمل العوامل الحالية الذي تصب في مصلحة الحفاظ على الوحدة , ثم يجب أن لا ننسى مدى تداخل وترابط العلاقات الإجتماعية بين أبناء المحافظات الجنوبية والمحافظات الشمالية إضافةً الى وجود علاقات نفوذ وولاء سواءً لمراكز نفوذ شمالية وأخرى جنوبية وكل ذلك يجعلنا امام أرضية غير مهيأة لتحقيق أي تصعيد سلمي كان أو مسلح بإتجاه إستعادة الدولة أو الإنفصال .

نعم قد يستطيع الحراك عبر عناصره زعزعة الأمن والإستقرار لكنه بالتأكيد لن يصل الى ما يريد خاصةً لو أستطاعت الدولة بسط نفوذها وتحقيق هيبتها عبر سيادة القانون وتحقيق العدالة وهذا وحدة الكفيل بإنهاء الظاهرة المتسعة للحراك ليعود الحراك لو أستمر في حماقته وبعد ان يسحب البساط عليه الى مجرد ظاهرة صوتية تماماً كما كان صالح يصفها بها الحراك قبل أعوام .

الواقع السياسي وليس قدسية الوحدة :

هنا لا ننكر حجم قوته الحالية وإتساع نشاطه لكن حجم التحول التاريخي يفرض عليهم قراءة الواقع السياسي بعناية فائقة قبل أن يجروا أنفسهم الى نفق ليس له نهاية في حين أن بإمكانهم تحقيق التغيير بمواصلة نضالهم حتى إستعادة كافة الحقوق لكن تحت سقف الوحدة وهنا أقول الوحدة ليس تأكيداً لها أو إستشعاراً لأهميتها فأنا أتحدث سياسياً عن ما يمكن للحراكيين فعله والإستفادة منه فأنا كنت وسأظل منادياً بالحرية بدون سقف محدد فلا قداسة للوحدة لكن الواقع السياسي سيفرض ذلك وعلى الحراكيين ان يستغلوا الفرصة في إقتناصها بذكاء وجني ثمار نضالهم طوال السنوات الماضية الذي أدى الى ظهورهم كقوة لا يستهان بها وكقضية أصبحت محل حديث الجميع وإهتمام الكل في الداخل والخارج .