هكذا انتقل الرئيس السابق إلى المعارضة؟؟
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 7 أيام
الثلاثاء 06 مارس - آذار 2012 05:27 م

لطالما هدد رأس النظام، وتوعد من سيحكم بعده بأنه سينتقل إلى المعارضة، ومما قاله ذات مرة "سأنتقل إلى صفوف المعارضة وسأعلمهم كيف تكون المعارضة" وهي تعبير تهكمي على المعارضة اليمنية بأنها لا تجيد كيف تعارض، ويتضمن في ما وراء السطور ما معناه "إنكم لم تكونوا تجيدوا معارضتي" وهو معنى لا يخلو من الحقيقة، ذلك إن المعارضة اليمنية ظلت تعمل بحسن النوايا ومعالجة المعضلات من خلال التوافقات التي يكون الأقوى فيها هو صاحب الغلبة في تقرير مخرجات أي توافق، وقلما يكون فيها مكانا للمصلحة الوطنية العليا التي تخدم تطلعات السواد الأعظم من الناس.

الآن بدأ الرئيس المخلوع عمله كمعارض، وتجلى ذلك في محافظات أبين والبيضاء وحضرموت، ومحافظات أخرى، لكن اللافت أن الرجل لا يعمل كمعارض بقوة قضية يتبناها ولا بتفوق أخلاقي ينافس فيه غرماءه ولا بقانون ودستور يتقيد بمقتضياتهما في منافسة الخصوم السياسيين ولا بمشروع يدعي أنه سيتبناه من أجل هزيمة منافسيه السياسيين، بل إنه يعمل بإمكانيات وأجهزة الدولة التي ما يزال أقرباؤه يسيطرون عليها وبأموال البلد التي نهبها على مدى ما يزيد على ثلث قرن من الزمن وحصل على ضمانات قانونية بعدم محاسبته عليها، والأهم من هذا إنه يعمل باستخدام ورقة الإرهاب التي طالما تبجح وخادع كل العالم مدعيا بأنه يعمل مع المجتمع الدولي على محاربته.

تنامي العمليات الإرهابية التي شهدتها محافظات أبين والبيضاء وحضرموت تبين أن الرئيس السابق قد انتقل فعلا إلى صفوف المعارضة وأنه فعلا يرينا معارضة لم نألفها من قبل، إنها المعارضة القائمة على الشراكة مع الصديق الخفي والدائم وأهله وشلته المخلصة.

قلنا مرارا إنه لا يمكن فهم سقوط مدينتين في محافظة أبين بغمضة عين بيد تنظيم القاعدة إلا من خلال فهم الشراكة الخفية والدائمة بين علي عبد الله وتنظيم القاعدة، . . . . لقد وجه الرجل بسحب قوات الأمن المركزي والنجدة والأمن السياسي والأمن العام وقوات الحرس الجمهوري، وهي قوات يزيد مجملها عن خمسة آلاف جندي وضابط وصف ضابط، لتخلي السبيل لمائتي مسلح ليستولوا على مدينتين يتجاوز سكانهما الربع مليون نسمة، ويتحول هؤلاء السكان إلى نازحين، وهو ما يعني أن علي عبد الله صالح كان يتدرب على شغل المعارضة حينما كان ما يزال في قصر السبعين.

أما حوادث أبين الأخيرة وما تزامن معها أو سبقها من خيبات متواصلة لمن يفترض أنهم مسئولون عن أمن البلد وحماية المواطنين ومصالحهم فقد عرفها القاصي والداني، فقائد المنطقة الجنوبية، المنقول، الذراع الأيمن للرأس النظام السابق ما يزال يتلقى تعليماته من الرجل حتى لو ذهب إلى المريخ، ولأن أي نجاح يحققه الرئيس الجديد في محاربة الإرهاب بعد ذهاب الأخير سيكشف عن عدم جدية السلف في المهمة ذاتها، فلا بد أن يسعى الرجل وأبناؤه وأقرباؤه إلى إحباط أي عمل جاد في مكافحة الإرهاب والمنظمات الإرهابية، ذلك تماما ما فعله مهدي مقولة عندما وجه قواته بالانسحاب من دوفس والعلم قبل وصول أنصار الشريعة بساعات، ليستولي الأخيرون على عتاد جيش كامل من الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، ويتحولوا إلى جيش حقيقي يقاوم أي مساعي لخليفته للقبام بأية مهمات فيما لو فكر التصرف بمنأى ‘ن شخص يفترض أنه اعتزل الحياة السياسية والعسكرية بعدما أستنفد كل ما أمكنه من قدرات ومقدرات البلد.

لا يستطيع مهدي مقولة ولا سواه مثلما لم يستطيعوا سابقا أن يبينوا لكل صاحب أبسط المعارف العسكرية وكذا من يعرف جغرافية وتضاريس مدن أبين الساحلية ، كيف سقط لواء وكتيبة بكامل قوامهما وعتادهما العسكري في أيدي عشرات وربما مئات، أو حتى ألف من المسلحين ذوي القدرات المحدودة، دونما مقاومة تذكر.

لا يمكن أن تشهد اليمن، وجنوبها على وجه الخصوص أي استقرار أو سكينة، دعك من حكاية مكافحة الإرهاب والتنمية وبناء الدولة المدنية، في ظل بقاء الأجهزة الأمنية والعسكرية بيد الحاشية التي عاثت في الأرض فسادا على مدى ثلث قرن، ذلك إن الإرهاب قد غدا مشروعا استثماريا يجني من ورائه هؤلاء عشرات الملايين من الدولارات، فكيف يقضون على مصدر رزقهم وثرائهم الأبديين، أما وقد صار الإرهاب وسيلة لإثبات فشل ورثائهم وقدرتهم وحدهم على التحكم بعوامل اللعبة فإن النجاح سيظل أمرا ميئوسا منه، وأي رغبة جادة في تحقيق ولو قدر يسير من الاستقرار والأمن في البلد فإنه يظل مرهونا بالتخلص من بقايا نفوذ العائلة في أجهزة الأمن والدفاع، عندها فقط يمكن الحديث عن البداية في الحرب الجادة مع الإرهاب التي قد لا تنتهي في اليوم التالي أو حتى بعد عام لكن النجاح يغدو أمرا مأمولا وممكنا.

القيادة اليمنية الجديدة لا تحارب القاعدة وحدها ، بل إنها تحارب قاعدة أخرى تنطلق من دار الرئاسة في السبعين ومن معسكر السواد لتمتد حيثما يوجهها فخامته وإنى شاء ليعلمنا كيف تكون أصول المعارضة كما وعد ذات يوم.

برقيات:

* بعث لي صديق عزيز من كندا برسالة عبر بريدي الإلكتروني يستحسن فيها التوقف عن التعرض لعلي عبد الله صالح خاصة بعد أن ترك السلطة وحصل على الحصانة من المساءلة، ورددت عليه بأنني أشاطره نفس الإحساس وأتمنى أن أفعل ذلك لكن ما الحل ونحن نصطدم كل يوم بموروثه الثقيل من الألغام والمتفجرات المنتشرة في كل ميادين ومجالات حياتنا والتي لا نستطيع ملامسة أي قضية في حياة اليمنيين دون الاصطدام بها.

* في حالة كهذه يكون على من يرغب في الكتابة عن اليمن دون التعرض لعلي عبد الله ومساوئ فترة حكمه أن يكتب فقط في علوم الفضاء أو فيزياء الكم أو الهندسة الفراغية أو اللوغاريتمات وما شابهها، فقد تكون تلك المجالات وحدها وما شابهها خالية من بصمات الرجل وتدخلاته.

* قال الشاعر الكبير عبد الله البردوني:

لِمْلا نُنَـضِّجُ ii فـــــــــينا *** بِدْءًا أجلَّ وأَنْــــــــــصَعْ؟

شَمْسِا مِنَ الشَّمْسِ أَصْبَىْ ***أَرْضًا مِنِ الأَرْضِ أَوْسَعْ

أمَاْ ابْــتَدَأْنَاْ؟ ii نَوَيْــــــــــنَاْ *** وَالْآنُ مِــــنَّاْ سَنَــــــشْرَعْ

فَلْنَــــــــحْتَرِقْ عَلَّ بَـرْقًا *** مِنِ الْرَمَاْدِ سَيَـــــــــــــلْمِعْ