الربيع العربي والخريف الليبي والشتاء السوري, اين هي الثورة اليمنية
بقلم/ د. محمد البنا
نشر منذ: 13 سنة و 4 أسابيع
الأحد 13 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 04:59 م

اشتعلت فجاة في تونس غضبة شعبية بسبب إهانة عسكري لمواطن خارج العاصمة وصلت الى العاصمة واخرجت بن علي فقط من الخريطة السياسية. في مصر وبسبب مقتل مواطن تحت التعذيب في مركز شرطة خارج العاصمة اشتعلت انتفاضة اغلقت العاصمة المصرية واطاحت بحسني فقط من الخريطة السياسية. هذان الحدثان تمت تسميتهما بالربيع العربي وابرزا الى الواجهة الحركات الاسلامية في البلدين, مما استدعتا تعاطفا ودعما شعبيا عربيا منقطع النظير. فما الذي يجمعهما؟

1. النظامان في مصر وتونس تابعان للغرب اقتصاديا وسياسيا وامنيا, وقدما للغرب خدمات جليلة على حساب شعوبهم وامتهم العربية والاسلامية .

2. البلدان لديهما معارضة اسلامية قوية ومحاصرة امنيا, وزاد من حصارها تشديد الخناق على امكانياتها بقوانين مكافحة الارهاب, دفعها الى قبول التعاون مع الغرب .

3. اكتفت التحركات في البلدين وبايعاز من الغرب الى اعطاء الاسلاميين امكانية الوصول الى مواقع صنع القرار دون تغيير شكل النظام السياسي القائم .

4. البلدان يحدان ليبيا من الجانبين .

تفاجئت الشعوب العربية باعلان حلف شمال الاطلسي (الناتو) عن ثورة اسلامية في ليبيا تدعمها دول خليجية استطاعت ان تخرق ميثاق جامعة الدول العربية بكثرتها وعزل ليبيا عن محيطها العربي بتجميد عضويتها, وقطع بث قنواتها الفضائية, والموافقة على السماح للغرب بضربها عسكريا بل والمشاركة بضربها. من كل ذلك يمكن القول بان الربيع العربي في مصر وتونس لم يكن الا مقدمة وتهيئة للشعوب العربية والاسلامية بتقبل وتاييد ضرب ليبيا عسكريا تنفيذا لخطة بريطانية وفرنسية بمشاركة اميركية وعربية للتخلص من النظام الليبي, واظهار الهجوم الغربي على انه ثورة من ثورات الربيع العربي بواجهة اسلامية ايضا .

يعلم الجميع ان ليبيا تمتلك مخزونا هائلا من النفط, يتم انتاجه وتصديره بشروط تختلف عن شروط دول الخليج واليمن, حيث تعود النسبة الاكبر من دخل النفط لصالح ليبيا, ويستخدم النفط ورقة ضغط قوية في مواجهات ليبيا الكثيرة مع الغرب. كما يعلم الجميع بتعرض ليبيا لضربات جوية اميركية وحصار اقتصادي في السابق بسبب اتهام الغرب لليبيا بدعم الجيش الجمهوري الايرلندي والقيام بتفجيرات في اوروبا اهمها تفجير لوكربي الذي سجن بسببه (المقراحي) احد المواطنيين الليبيين, عملت ليبيا على اخراجه بصفقة مع الحكومة البريطانية تمنح بمقتضاها شركة بي بي البريطانية امتيازات استثنائية في المجال النفطي الليبي .

ارتكبت السلطات الليبية خطا جسيما بعد استعادتها لمواطنها (المقراحي) من سجون الغرب بتلك الصفقة النفطية, عندما تعمدت تسريب تفاصيلها للمعارضة البريطانية بهدف اضعاف الحكومة البريطانية, مما تسبب بردة فعل الحكومة البريطانية لرد الصفعة الليبية. حيث خططت بريطانيا مع حلفائها لاسقاط النظام الليبي عبر هجمة عسكرية مدروسة مستفيدة من المقدمات التي خلقتها في محيط ليبيا, واظهرت هجومها العسكري على انه ثورة داخلية بواجهة اسلامية لضمان مزيد من التاييد الشعبي العربي, حتى بعد انكشاف حجم الدمار والضحايا البشرية الهائل الذي خلفه العدوان الغربي على ليبيا, والتصرفات الهمجية وغير الاخلاقية ضد الاسرى والمدنيين وممتلكاتهم واعراضهم من قبل من يسميهم الغرب بالاسلاميين .

ما لذي يدفعنا الى هذا الاعتقاد؟

ان الثورة الشبابية السلمية في اليمن بدات مع بداية ظهور ربيع الناتو العربي, دون ان يعيرها العالم الديمقراطي ادنى اهتمام. كما قامت تحركات ثورية في البحرين لاقت هي الاخرى نفس الاهمال بل اسوا من ذلك. من ناحية اخرى تجري حاليا محاولة جديدة للغرب لخلق حالة مشابهة للحالة الليبية في سوريا, رافقتها تعقيدات تتداخل مع الوضع اللبناني والعراقي والبحريني والفلسطيني والايراني والمواجهة مع العدو الصهيوني, اضافة الى الانقسام الطائفي لسكان الخليج .

لقد مرت على ثورة الشباب في اليمن تسعة اشهر سقط خلالها الكثير من الضحايا المدنيين, وجرت اثنائها الكثير من المساومات مع دول الخليج التي عرقلت ذهاب الملف اليمني الى اية جهة غيرها بهدف الابقاء على حليفها, وصل مؤخرا وبعد معاناة طويلة مع الرفض الخليجي الى مجلس الامن وصدور قراره رقم 2014 حول اليمن الذي نص صراحة على :

1. التأكيد على وجهة نظر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن عدم منح أية حصانة, لضمان المحاسبة الكاملة .

2. الإدانة الشديدة لانتهاكات حقوق الإنسان المتواصلة التي ترتكبها السلطات اليمنية، من قبيل الاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين المسالمين, اضافة الى أعمال العنف، واستخدام القوة، وانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الاطراف الفاعلة الأخرى، وشدد على ضرورة محاسبة كل المسئولين عن ارتكاب اعمال العنف وانتهاك حقوق الإنسان والاعتداء عليه .

3. ضرورة التزام رئيس اليمن بالتوقيع (فورا) على مبادرة مجلس التعاون الخليجي .

4. مطالبة السلطات اليمنية بالعمل (فورا) بالامتثال للالتزامات الواقعة على عاتقها بموجب الاحكام السارية للقانون الدولي الانساني وحقوق الانسان, والسماح للشعب اليمني بالتمتع بحقوق الانسان وممارسة حرياتهم الأساسية, ومنها حقهم في التجمع السلمي للمطالبة برفع المظالم عنهم, وحرية التعبير، بما في ذلك حرية التعبير للعاملين في وسائط الإعلام، وان تتخذ الاجراءات اللازمة لإنهاء الهجمات التي تشنها قوات الامن على المدنين والأهداف المدنية .

5. مطالبة كافة المجموعات المسلحة بازالة جميع الأسلحة من مناطق التظاهر السلمي، والامتناع عن ارتكاب اعمال العنف والاستفزاز وعن تجنيد الاطفال، وحث كافة الأطراف على عدم استهداف البنية التحتية الحيوية .

6. مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بتقديم تقرير عن تنفيذ هذا القرار في غضون 30 يوما من اتخاذه، وكل 60 يوما بعد ذلك .

وكما نرى في هذا القرار فان المجتمع الدولي يتخلى عن وظيفته فيما يدور في اليمن, بل ويساعد على انتهاك القانون الدولي والانساني. ففي حين يدين القرار بشدة انتهاكات السلطات اليمنية المتواصلة لحقوق الانسان, وتشديده على ضرورة محاسبة كل المسؤولين عنها وعدم منح اية حصانة من المسائلة القانونية, ومطالبته للسلطات اليمنية بالامتثال لالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الانسان, الا انه ووفقا لهذه الصياغة لايحيل ملف تلك الانتهاكات التي ادانها بشدة الى المحكمة الدولية المختصة بل الى المبادرة الخليجية التي تنص صراحة على منح صالح وكل من عمل معه طوال فترة حكمه حصانة قانونية من الملاحقة القضائية. من ناحية اخرى وبالرغم من تاكيده على ضرورة توقيع الرئيس اليمني على المبادرة الخليجية فورا ومطالبته الحكومة اليمنية بالامتثال فورا لكل التزاماتها الدولية وانهاء هجمات قوات الامن الرسمية على المدنيين والاهداف المدنية وازالة جميع الاسلحة من مناطق التظاهر السلمي, الا ان القرار يعطي لتلك السلطات التي يدينها بشدة, فترة سماح مفتوحة بمطالبته لامين عام الامم المتحدة بتقديم تقريره عن تنفيذ القرار خلال ثلاثين يوما وبعدها كل ستين يوم وإبقاء الموضوع قيد النظر. اذن لماذا يعطي مجلس الامن كل هذه الفترة للتاكد من تنفيذ البنود التي وصفها بالفورية ويرتبط بها بشكل وثيق تنفيذ بقية بنود القرار الاممي؟ الا يمكن اعتبار هذه الفترة موافقة ضمنية منه للسلطات اليمنية بمواصلة واستكمال مخططها الاجرامي ضد الشعب اليمني .

بخلاف تعامله مع الملف اليمني, نرى تكالب المجتمع الدولي والعربي على سوريا وامطارها بكل انواع العقوبات الفردية والجماعية والحصار الاقتصادي والاعلامي والسياسي دون ان تكون الاحداث التي ينشرها الاعلام عن سوريا بالوضوح والدقة في الصورة والمعلومة والحدث كما هو في اليمن. لكننا نعتقد بان الخليج والمجتمع الدولي يريد ان تصل الامور في اليمن الى ما يشبه النموذج المصري مع بعض الرتوش التجميلية وبقاء الوضع على ما هو عليه عمليا مع تغيير بعض الوجوه الشكلية وصولا الى انهاء ثورة الشباب السلمية .