التدويل..هل يمنع انفجار الوضع؟
بقلم/ عادل أمين
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 23 يوماً
الأحد 09 أكتوبر-تشرين الأول 2011 05:53 م

مثلما كان متوقعاً فقد غادر مبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر العاصمة صنعاء خالي الوفاض, كما غادرها قبله أمين عام مجلس التعاون الخليجي, الذي حوصر بطريقة همجية من قبل بلاطجة صالح في السفارة الإماراتية في مايو الفائت كخطوة وقائية فيما لو حضرت المعارضة إلى القصر الجمهوري لتوقيع المبادرة! ورغم تجاهل الرجل الإهانة, فقد أعيته الحيلة في إقناع صالح قبل وبعد حادثة مسجد الرئاسة بالتوقيع. ومؤخراً شرع أزلام صالح وسفهاؤه يتطاولون على الزياني في وقاحة قلّ أن نجد لها نظير. كما أن جون برينان الذي تربطه بصالح علاقات صداقة قديمة مذ كان مسئول محطة استخبارية أمريكية في السعودية, أخفق هو الآخر في محاولاته الرامية لإقناع صديقه بالتوقيع, وأن يدع اليمنيين وشأنهم في اختيار من يريدون رئيساً لهم وبالطريقة التي تناسبهم, وسيتدبر الأمريكيون أمرهم بشأن التعامل مع ملف الإرهاب في اليمن, لكن صالح يصر على أن يُشرف بنفسه على الانتخابات الرئاسية كرئيس للبلاد, رافضاً دمج الجيش وإعادة هيكلته, ويصر كذلك على الاحتفاظ بملف الإرهاب إلى آخر ورقة, خشية أن يتسبب خروجه من يده بانكشاف محتوياته, وهو ما سيقود حتماً إلى افتضاح الكثير من ملفاته الأخرى. صالح الذي لم يكل أو يمل من اللعب بورقة الإرهاب, عاد مجدداً لمغازلة الأمريكيين ورمى لهم هذه المرة بورقة أنور العولقي على أمل أن يبتلعوا الطُعم, ويعيدوا حساباتهم من منظور الربح والخسارة, لكن الأمريكيين كانوا قد انتهوا بالفعل من إعادة حساباتهم وتقويم مصالحهم, وتوصلوا إلى نتيجة حاسمة مُخيبة لآماله وبقايا نظامه, تركزت حول ضرورة تنحيه على الفور, بصرف النظر عما يجري على الأرض مع القاعدة, فالوقت لم يعد يسمح بالمزيد من المماطلة والتسويف والرهان على أوراق مكشوفة لم تعد ذات جدوى, وقد تفاجأ صالح ونظامه برد الأمريكيين وحلفائهم, وهو ما دعاه لمهاجمتهم ووصفهم بأنهم لا يحترمون من يتعاون معهم, وهو مؤشر واضح على أن صالح بدأ يخسر حلفائه ليس في الخارج وحسب, بل وفي أوساط حزبه أيضاً, فتصريح النائب بأن ملف اليمن يتجه صوب مجلس الأمن نتيجة تعنت الرئيس وحزبه, يؤذن ببداية تصّدع العلاقة بين الرجلين, والواقع أن صالح نفسه لم يحفل بتلك العلاقة ولم يرعها, بدليل اتهامه لنائبه- بطريقة غير مباشرة- بالتآمر عليه وتورطه في مشروع انقلابي ضده عبر توقيع بيان يهدف إلى نزع مشروعيته, وهو يقصد بالطبع رغبة النائب في توقيع المبادرة الخليجية وفقاً لآلية تنفيذها المتفق عليها مع جمال بن عمر والمعارضة, وطبقاً للتفويض الممنوح له بقرار جمهوري, لكن صالح يُبدي تمسكاً شديداَ بالسلطة ورغبة جامحة في البقاء على أي صورة ومهما كانت النتائج, منطلقاً في ذلك من شعور متوقد لديه بأن كل شيء في هذا البلد هو ملكه, وأن السلطة حق من حقوقه أكتسبها بكده وعرقه, وبالتالي لا يجوز للآخرين منازعته إياها وإن كانوا هم الشعب! لذا عمد إلى علماء البلاط ليفصلوا له فتوى على مقاسه تحرم منازعته السلطة وتعد ذلك جُرماً وبغياً عليه!! والفتوى في حقيقة الأمر عكست إحساسه بخذلان المجتمع الدولي له, وبالتالي فقد حاول أن يستبق الأمر ويسند موقفه الضعيف بتلك الفتوى الهزيلة التي لم تُقنع حتى مؤيديه. وعلى أية حال, فثمة ما يحفز علي صالح الآن ويدفعه لتفجير الوضع على طريقة (علّي وعلى أعدائي) وهو كثيراً ما كان يردد مثل هذه العبارة. أولى تلك المحفزات هي نزعة الانتقام لديه ممن سلبه ملكه وسلطانه الذي ظل يبنيه طيلة ثلاثة وثلاثين عاماً, الانتقام من الشعب الذي لفظه ونادى برحيله غير مأسوفاً عليه, ومن المعارضة التي لم يتخيل قط أن تحل مكانه يوماً ما, الثانية هي: شعور الرجل بتفرق حلفائه من حوله, ووطأة ضغوطهم عليه, بل وتهديدهم بمعاقبته ما لم يُذعن لرغبة الشعب التي صارت رغبة المجتمع الدولي أيضاً, وعلى هذا الأساس, وفي ظل استمرار تعنت الرجل وتشبثه بالسلطة ومحاولة توريثها لعائلته كحق مشروع حسبما يعتقد, واستناداً إلى تاريخه الطويل الحافل بالدماء والمكر والدسائس في سبيل السلطة, ومع وصوله إلى طريق مسدود بشأن الحل السياسي مع المعارضة, فالمتوقع أن يلجأ إلى استخدام القوة كحل أخير لفرض سياسة الأمر الواقع, وإرغام الداخل على القبول بشروطه, والمجتمع الدولي لمراجعة موقفه بشأن تسليم السلطة وضمان عدم إقصاء بقايا نظامه العائلي أو تهميشهم, بل والحصول على ضمانات أكيدة بعدم الملاحقة القضائية والحجز على أمواله في الخارج. سلاح الحرب الأهلية سيكون آخر ما سُيلوح به علي صالح ضد الداخل والخارج, لأجل ذلك مازالت شحنات الأسلحة تصل تباعاً إلى الموانئ اليمنية رغم الضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد, وربما يكون صالح ما يزال يحظا بدعم خارجي من قبل بعض دول الإقليم التي ربما مازالت تراهن على قدرته في حسم الموقف لصالحه, لكن يظل الأمر مجرد استنباط تعوزه المعلومة الأكيدة, ويبقى الأمر متعلقاً بمدى موافقة دول الإقليم على سحب ملف اليمن إلى مجلس الأمن, وموافقتها كذلك على العقوبات المحتملة ضد صالح, وسيكون ذلك مقياساً جيداً لمعرفة مدى جديتها في الضغط على صالح لتسليم السلطة وتجنيب البلاد مخاطر الانزلاق إلى حرب أهلية ستكون أول من يصطلي بنارها في حال سمحت لصالح بتمرير مخططه أو تغاضت عما ينوي القيام به معتقدة قدرته على الحسم. ويبقى السؤال: هل يحول التدويل دون تفجر الوضع في اليمن؟ وهل بمقدور مجلس الأمن أن يردع صالح عن استخدام القوة وإشعال حرباً أهلية أخذ يُلوح بها؟ أم أن الأمر متوقف في نهاية المطاف على جدية واشنطن والرياض في ممارسة ضغوطاً قوية على بقايا النظام لمنع تفجر الموقف؟ المسألة متوقفة في النهاية على مصالح الأطراف الدولية والإقليمية, وما إذا كانت ما تزال تؤمل في استمرار صالح ونظامه على سدة الحكم, والأرجح أن هذه الأطراف وصلت إلى قناعة بأهمية مسايرة التغيير, والتعاطي معه ومحاولة احتوائه قدر الإمكان, وهي ترى بأن مصالحها في اليمن تقتضي الحيلولة دون إشتعال حرباً شاملة أو حتى حرباً محدودة, بالرغم من أن بقايا النظام يمكن بالفعل أن يشنوا حرباً محدودة في إطار مخطط ترويع الداخل وإرهاب الخارج بقصد الابتزاز والمساومة كما قلنا آنفا, لكن تجربة إشعال حرباً محدودة تظل محفوفة بالمخاطر, وليس ثمة ضمانات أكيده بعدم خروجها عن السيطرة لتتحول فيما بعد إلى حرباً شاملة, وهذا ربما ما يجعل الأطراف الخارجية حذرة من مغبة السماح بحدوث مثل ذلك تحت أي ذريعة كانت, فالحرب مهما كانت صغيرة أو كبيرة, محدودة أو غير محدودة, تظل أسوأ الخيارات, ولا يمكن التكهن بعواقبها ونتائجها, والأفضل هو عدم السماح بشوبها ابتداء, وعليه فكل المؤشرات تنحو صوب ممارسة الأطراف الخارجية لضغوط قوية على صالح وعائلته لمنع انزلاق البلد نحو حرباً أهلية سيكون من الصعب على أي كان فيما بعد احتوائها وضبط مسارها وتحديد نهايتها.