عاجل إلى الإخوان المسلمين في مصر
بقلم/ د شوقي القاضي
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 5 أيام
السبت 26 مايو 2012 04:06 م

يا " إخواننا " تذكَّروا أن جيش المسلمين هُزِمَ في أحد ، وكان قائدهم صفي الله ونبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، ذلك لأنهم قصَّروا في أسباب النصر المادية ، ومنها عدم التزام الخطة ، وضعف الانضباط بالأوامر وغيرها.

وهُزِمُوا في حنين بسبب غرورهم واعتقادهم بالاكتفاء والاستغناء وقولهم " لن نُهْزَم اليومَ عن قِلَّة " فكان الدرس القاسي الذي لُقِّنوه { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ }.

وأنتم اليوم على المحك ، وفي أول اختبار حقيقي لكم ، حققتم فوزاً ثميناً في انتخابات مجلس الشعب المصري، لأسباب كثيرة منها: مشاركتكم الفاعلة في ثورة 25 يناير 2011 ، وتاريخكم النضالي السلمي ضد نظام مبارك وأجهزته القمعية ، وإسهامكم في تنمية المجتمع وتعليمه وتطبيبه وكفالة الفقراء فيه ، والذي يشهد لكم بذلك الجميع ، ومدكم يد التعاون والتشارك لمكونات المجتمع المصري وقواه الإسلامية واليسارية والقومية والمسيحية وغيرها.

ولكنكم ـ وكما يعاتبكم عليه محبوكم وشركاؤكم ـ تعثرتم عند خطوات الجد ، و" الله الله ع الجد ، والجد الله الله عليه "!! عندما استغنيتم عن شركائكم ، فانفردتم برئاسة لجان البرلمان أو اللجان المهمة فيه ، وتعاملتم بأنانية في لجنة الدستور ، وانفردتم بخطوة الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية ، وشاع عن بعضكم أن " الإخوان سيفوزون حتى لو رشَّحوا كلباً أجرباً "!!!

وها أنتم اليوم على المحك ، يحصل مرشحكم على ما يقارب 25 % ، بينما يحصل مرشح " الفلول " والنظام السابق على 24 % ، ويحصل مرشحو شركائكم من أنصار الثورة على ما يقارب 37 % ، وتعجزون عن حسم الجولة الأولى ، وتحتاجون إلى الجولة الثانية ، ولو فعلها شركاؤكم ، المجروحون منكم ، وصوَّتوا لخصمكم ، لكانت الكارثة عليكم وعلى مصر كلها ، وعلى الربيع العربي كله ، ولكن عشمنا أنهم سيكونون كباراً ، وسيتعاملون بمسؤولية تاريخية مع مصر ومستقبلها ، وسيثبتون أنهم أعقل وأنضج منكم وأحرص على التغيير والثورة.

يا " إخواننا " إياكم أن تعتقدوا أن مجتمعاتكم صوَّتت لكم لأنكم " مسلمون " فغيركم أيضاً مسلمون ، وهناك من منافسيكم من يدَّعي ـ ومعه قناعات الكثير من أفراد المجتمع ـ إنه أكثر إسلاماً وتديناً منكم ، ولربما اتَّهَمَكم بالتفريط بالدين ، خاصة بعد أن كُرِّسَت ثقافة [ الدِّين اللحية الكثَّة والثوب القصير ] ، وانشطرت مفاهيم التدين بين المدرستين [ السعودية والإيرانية ] ، ولا تعتقدوا أن مجتمعاتكم صوَّتت لكم لأنكم أكثر تنظيماً من غيركم ، ولئن كان هذا أحد العوامل المادية والتنظيمية لكنه ليس السبب الجوهري.

إنني أجزم أن الجماهير التي صوَّتت لكم إنما فعلتها لاعتقادها أنكم الأقرب إلى تحقيق أحلامها وطموحاتها ، كونكم الأكثر التصاقاً بها والأعرف بهمومها ومشاكلها ومعاناتها ، من خلال لجانكم المسجدية وتشكيلاتكم التنظيمية الخدمية في الحارات والأحياء والمناطق.

كما أجزم بأن الشعوب التي قادها شبابُها في ثورات الربيع العربي لم تخرج نُصْرَة للشريعة الإسلامية ولا مُطالبة بالإسلام ، لأننا إذا استثنينا بعض مضايقات النظام التونسي لبعض مظاهر التدين ، فإن حسني مبارك وعلي صالح والقذافي ، لم يمنعوا أحداً من إعلان إسلامه ، ولا إقامة شعائر الصلاة والزكاة والصيام ولحج ، بل نصَّت دساتيرهم على اعتماد الإسلام والشريعة ، وانتشرت في عهدهم المساجد العظيمة والمؤسسات الدينية وهيئات وجمعيات العلماء ، وبلغ عدد حُفَّاظ القرآن الكريم في ليبيا برعاية القذافي الأب والبنت الملايين من شباب ليبيا ذكوراً وإناثاً ، وكانت أكبر جائزة لحفظ القرآن الكريم هي " جائزة القذافي "!!

إنما خرجت شعوب الربيع العربي ضد الاستبداد والفساد والديكتاتورية ، ضد سياسات القمع والإفقار والتجويع ، ضد المحسوبية والرشوة وإرهاب أجهزة الأمن ، خرجت للمطالبة بالحقوق والحريات والمواطنة المتساوية والأمن والتنمية ، بدليل خروج جميع مكونات المجتمع بلا استثناء ، فقد خرج المتدينون كما خرج غيرهم ، وخرج المسلون وبجانبهم المسيحيون ، وخرج الإسلاميون واليساريون والقوميون والليبراليون وغيرهم ، وخرج الرجل الملتحي والمرأة المُنَقَّبة كما خرج الشاب الحليق والمرأة المُتَبَرِّجة ، وخرج إمام المسجد وخطيب الجمعة كما خرج جواره الفنانون والفنانات ومن لا يرتاد المسجد وربما لا يصلي ، وخرج طلاب المدارس والمعاهد والجامعات الدينية بعد أن خرج ـ قبلهم ـ طلاب الجامعات العامة ومعاهد اللغات والفنون ، بل إن أول من صرخ " كفاية " في مصر هم ناشطون ومحامون ومثقفون مُتَّهمون بالليبرالية والعلمانية.

يا " إخواننا " .. إياكم وغرور الكثرة فقد أهْلَكَتْ من قبلكم ، وإياكم ووساوس " المتشددين والمتنطعين " من أتباعكم وتلبيساتهم ، فقد ضيَّعوا دولاً ، وفوَّتوا فُرَصَاً ، فهم لا يُحسِنون بناء الدول ، ولا إقامة الأنظمة ، ولا إشادة الحضارات ، إنما يجيدون الصياح ، ويتفننون بإلقاء التُّهَم ، ويُحسِنون نشر الخصومات والاختلافات والعداوات.

يا " إخواننا " .. مجتمعكم هو سندُكم ـ ومعهم الله ـ ودليل التحامكم بمجتمعاتكم هو شراكتكم الفعلية والفاعلة والحقيقية مع قواه ومكوناته السياسية والحزبية والعرقية والدينية والطائفية والاتجاهات الفكرية المتباينة ومنظمات المجتمع المدني ومنه " مؤسسات المرأة " و" الأقليات " وغيرها.

فمُدُّوا أيديكم للجميع ـ بعد أن تمتلكوا شجاعة الاعتذار والاعتراف ـ واتركوا الفرصة لكل أبناء الوطن يسهم في القيادة والبناء والتنمية ، واحذروا أن تَتَلَبَّسَكم الديمقراطية الصورية والزائفة ، التي لعب بها حكامنا فلعبت بهم وأوردتهم المهالك ، واستوعبوا جميع الرؤى والأفكار والثقافات ، فإن أمامكم عقبات وتحديات لا يمكن أن تتجاوزوها منفردين.