معارك مازالت تخوضها فصائل المعارضة السورية التي أطاحت بنظام الأسد معلومات جديدة حول هروب المخلوع بشار الأسد من سوريا أسماء الخلية الحوثية التي صدرت بحقها أحكام إعدام وسجن طارق صالح يتوعد عبدالملك الحوثي بمصير بشار ويقول أن ''صنعاء ستشهد ما شهدته دمشق'' تطورات مفاجئة… الجيش الروسي يطوق قوات أوكرانيا بلينكن يحدد شروط اعتراف الولايات المتحدة بالحكومة السورية الجديدة دعوة إلي عقد مؤتمر مانحين عاجل لدعم اليمن وقف النار في غزة واتصالات سرية لإنجاز الصفقة شرطة كوريا الجنوبية تدهم مكتب الرئيس... ووزير الدفاع السابق يحاول الانتحار دول عربية تبدأ بإرسال مساعدات لدعم الشعب السوري بعد سقوط الأسد
تواجه الجمهورية اليمنية العديد من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتزامنة التي باتت تهدد، ليس فقط الاستقرار السياسي الذي شهد تدهورا كبيرا خلال السنوات القليلة الماضية، ولكن أيضا وهو الأهم، الوحدة الجغرافية والوطنية للبلاد.
وقد جاء اتفاق حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك المعارضة في أواخر فبراير الماضي على تأجيل الانتخابات النيابية التي كان مقررا إجراؤها في السابع والعشرين من هذا الشهر لمدة عامين كاملين ليعكس إدراك القوى السياسية في السلطة والمعارضة لعمق الأزمة الوطنية.
ومع أن الاتفاق على تأجيل الانتخابات لم يحل أياً من الأزمات العديدة التي تعصف بالبلاد إلا أنه قد وضع تلك القوى السياسية على الطريق الصحيح الذي يمكن أن يجنب البلاد الكثير من المخاطر والمنزلقات.
ويبرز خيار تشكيل حكومة وحدة وطنية بشكل واضح رغم الغموض الكبير الذي يحيط بالمشهد السياسي اليمني ورغم غياب اليقين بشأن المستقبل. وسيكون من الصعب على القوى السياسية في السلطة والمعارضة تجاوز خيار حكومة الوحدة الوطنية دون دفع تكلفة باهضة.
وتنبع الحاجة إلى قيام حكومة وحدة وطنية في هذا الظرف التاريخي الدقيق من تاريخ اليمن من عدة اعتبارات.
أولا، بحلول ال27 من ابريل 2009 ستنتهي شرعية الحكومة القائمة والأغلبية البرلمانية التي تمتع بها حزب المؤتمر الشعبي العام والتي ارتكزت على الآلية الانتخابية رغم ما يعتور الأخيرة من مثالب، وستبرز بدلا عن ذلك شرعية الوفاق الوطني التي أسس لها اتفاق تأجيل الانتخابات الموقع في أواخر فبراير 2009.
وسيكون من الصعب، ومن الخطأ أيضا، أن ينفرد أي طرف بتشكيل الحكومة، وإذا ما حدث مثل ذلك الأمر فإن أي حكومة يتم تشكيلها ستفتقر إلى المشروعية الدستورية والقانونية وإلى الشرعية السياسية التي تجعلها قادرة على مواجهة الأزمات القائمة والتي تمتد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن السياسة إلى الاقتصاد والاجتماع.
ثانيا، تواجه اليمن حركة انفصالية قوية في الجنوب، مرشحة في ظل غياب التعاطي المسئول والعقلاني مع المظالم الجنوبية في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، للتحول إلى حركة نضال مسلح.
كما تواجه البلاد أيضا حركة تمرد قوية في شمال البلاد لم تزدها الحروب المتلاحقة منذ عام 2004 وحتى اليوم سوى قوة وتمكينا في حين انعكس أثر تلك الحروب سلبا على النظام السياسي وعلى اقتصاد البلاد ووحدته الوطنية.
ويعتبر تحدي الحوثية في شمال البلاد وخطر الانفصال في الجنوب أزمات سياسية عميقة لا يمكن لأي حزب أو قوة سياسية التعاطي الإيجابي معها بمعزل عن القوى الأخرى على الساحة، وهو ما يحتم قيام اصطفافاً وطنياً يمكنه العمل على تفكيك الأزمتين بلا ضرر ولا ضرار.
ومثل هذا الاصطفاف لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن شراكة في صنع القرار الوطني تتجسد من خلال حكومة وحدة وطنية تمارس اختصاصاتها الدستورية كاملة، ومن خلال توافق أولي على مبادئ وتوجهات وآليات الإصلاحات التي تتطلبها المرحلة.
ثالثا، إذا كانت الطفرة النفطية خلال السنوات الماضية قد مكنت النظام اليمني من البقاء والاستمرار في مواجهة الكثير من الأزمات، فإن تداعيات الأزمة المالية العالمية وأثرها على اليمن تجعل النظام اليمني بل والبلاد ككل في مواجهة أزمة من نوع جديد قد تهلك الحرث والنسل وتأكل الأخضر واليابس.
ولا يمكن لأي قوة سياسية منفردة على الساحة اليمنية مواجهة التداعيات المستقبلية المحتملة للأزمة المالية والتي تهدد كيان الدولة اليمنية والسلم الاجتماعي.
ويعد خيار حكومة الوحدة الوطنية الشرط الضروري لخلق اصطفاف وطني في مواجهة الزلزال المالي المدمر الذي جعل الحكومة اليمنية تتخذ قرارا بخفض موازنتها للعام الجاري بنسبة 50% قبل أن تبدأ تنفيذها والذي قد يتطلب خلال الفترة القادمة اتخاذ قرارات لا تحظى بشعبية في الشارع اليمني.
رابعا، سيعتمد مستقبل اليمن خلال السنوات القليلة القادمة في ظل التحديات القائمة على طبيعة العلاقة مع المانحين الإقليميين والدوليين والذين ستكون مواقفهم بمثابة المرجح للخيارات والمسارات التي تتخذها البلاد.
ومن الملاحظ أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد قابلا إعلان القوى السياسية تأجيل الانتخابات لمدة سنتين بامتعاض شديد بعد أن كانا ينظران إلى الانتخابات كنافذة يمكن أن تمر عبرها بعض الإصلاحات الجوهرية.
وهناك شك عميق لدى الأمريكيين والأوروبيين من أن النظام اليمني ومن خلال تأجيل الانتخابات إنما يحاول التهرب من استحقاقات الإصلاحات المطلوبة.
وقد وجه الأمريكيون، الذين لا يشعرون بالرضا عن ما حققته اليمن في الحرب على الإرهاب وفي تحقيق التنمية الاقتصادية وغير ذلك من القضايا، العديد من الرسائل الضمنية للنظام اليمني والتي لم تخل من محاولة للي الذراع.
وفي مواجهة هذا الوضع الدولي غير الداعم للنظام اليمني تبرز الحاجة إلى حكومة وحدة وطنية قادرة على أن تطمئن المجتمع الدولي من خلال أشخاصها والبرامج التي تتبناها، وقادرة أيضا على الحصول على الدعم الدولي للمالية العامة وتوظيف ذلك الدعم بكفاءة في احتواء الفقر والبطالة وتجفيف منابع الإرهاب.
خامسا، اتسم أداء الحكومات المتعاقبة التي شكلها المؤتمر الشعبي العام بشكل منفرد منذ عام 1997 وحتى اليوم بالضعف الشديد وبالفساد الذي ظل يتفاقم عاما بعد آخر وهو ما انعكس على شكل تدهور في الأوضاع الاقتصادية والأمنية والمعيشية للناس.
وبلغ ضعف الحكومة حدا عجزت معه عن استيعاب حوالي 6 مليارات دولار التزم بها المانحون في مؤتمر لندن الذي عقد في أواخر عام 2006. ولم يزد ما تمكنت الحكومة من الحصول عليه وتوظيفه حتى هذا التاريخ عن ال5% من ذلك المبلغ.
وفي الوقت الذي تحتم فيه المصالح العليا للبلاد والتي هي المصالح المشتركة لكل اليمنيين تشكيل حكومة وحدة وطنية تتجاوز الولاءات السياسية الضيقة إلى الكفاءة وتتكامل فيها الأدوار بما يعظم من فرص اليمن في تجاوز محنه، فإن العقبة الكأداء التي تحول حتى الآن دون بلورة هذا المشروع الوطني الطموح هي القوى المهيمنة على السلطة والتي تغلب مصالحها الأنانية الضيقة وغير المشروعة على مصالح الشعب اليمني، وترفع شعار «مصلحتي ومن بعدها الطوفان».
عن القدس العربي