وزيرة حقوق ألإنسان اليمنية
بقلم/ الاهرام المصرية
نشر منذ: 17 سنة و 6 أشهر و 13 يوماً
الإثنين 28 مايو 2007 09:33 م

نشرت «الأهرام العربي» المصرية حوارا مع د.هدى البان وزيرة حقوق الانسان أجراه معها الزميل جمال مجاهد.. وفيما يلي نص الحوار

:التقارير التي تصدرها الخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان في العالم وتشمل طبعا اليمن ما موقفكم منها؟

- اليمن يرحب باستمرار بأي تقارير خارجية عن أوضاع حقوق إنسانها ، سواء تقرير الخارجية الأمريكية ، أم تقرير منظمة العفو الدولية ، أم تقرير منظمة مراقبة حقوق الإنسان ، أم تقرير بيت الحرية وغيرها من التقارير التي تساعدنا علي تلمس مواطن الخلل إن وجدت، انطلاقا من مبدأ (رحم الله امريء أهدي إلي عيوبي ).

فليس لدينا ما نخجل من إبرازه ، أو تضليل الرأي العام بشأنه . فتجربتنا الديمقراطية مفتوحة علي كل العالم، وليست كتابا منزلا غير قابل للمراجعة والتعديل، وأنت تعرف أن في اليمن اليوم ما يزيد على 150 مراسلا عربيا وأجنبيا لكل وسائل الإعلام العربية والدولية، ووكالات الأنباء العالمية يحظون جميعا بكل التسهيلات التي تمكنهم من استقاء المعلومات ومراقبة الأحداث والوقائع دون رقابة أو حظر .

وتحفظنا علي تقرير الخارجية الأمريكية والتقارير الدولية الأخري يكمن في منهجية استقاء هذه التقارير معلوماتها ، واعتمادها على مراجع أحادية البعد والهدف توقعها في كثير من الأحكام المتعجلة أو المبالغ فيها أو المجافية للحقيقة . فإصدار الأحكام ينبغي أن يعتمد على معلومات وبيانات موثوقة المصدر ، وصادقة الطرح .

كما أن هذه التقارير كثيرا ما تثير مواضيع بعينها قد تكررت إثارتها في سنوات سابقة ، فأنت ترى مثلا أن تقرير الخارجية الأمريكية لعام 2006 ، قد تناول أحداثا وقضايا سبق أن أشار إليها في تقاريره للأعوام 2005,2004,2003 ، وقد قامت بلادنا بالرد عليها ردا مفصلا وشفافا .

 فما الحكمة من إثارتها في كل تقرير ، ولماذا لا تؤخذ ردود بلادنا الرسمية بالاعتبار عند إعداد هذه التقارير؟

واليمن سيداوم على تقديم رد رسمي علي كل الملاحظات ويفند مضامينها كلما دعت الحاجة إلي التفنيد . ووزارة حقوق الإنسان تعكف حاليا بالتعاون مع كل الوزارات المعنية بالرد علي ملاحظات التقرير الأمريكي ، على صياغة تقرير واف ، للرد بآلية مختلفة عن الردود السابقة ، وإن كان التقرير الأمريكي لعام 2006 قد اتسم بكثير من المبالغات والنأي عن حقائق الأمور كسابقه من التقارير السنوية .

وعندما يرد اليمن على هذا التقرير أو غيره ليس من قبيل أنه معني بالرد ، أو أنه موضع اتهام أو تشكيك ولكن من باب إجلاء الحقائق ، ووضع النقاط علي الحروف أمام الرأي العام العربي والدولي الذي قد يفسر السكوت على مضمون تقرير الخارجية الأمريكية على أنه إقرار بما تناولـه أو اعتراف ضمني بالخروقات التي أثارها .

ونؤكد أن اليمن من الدول السباقة في انتهاج خيار الديمقراطية والدعوة إلى احترام حقوق الإنسان وإقرار مبدأ التعددية السياسية والحزبية ، والنص على إقامة انتخابات عامة حرة ومباشرة لأعضاء مجلس النواب والسلطة المحلية ، وانتخاب رئيس الجمهورية .

فتجربتنا مازالت في طور الحداثة، وتحتاج إلى مزيد من الرعاية والتصحيح وهذا قول لا يخجل فخامة رئيس الجمهورية في ترديده والاعتراف به ، ويؤمن بحسه الواعي أن تجربتنا الواعدة عرضة للأخطاء والقصور وأن الكمال لله وحده . وترحب بلادنا بأي نقد بناء يعتمد على تصوير واقع حقوق الإنسان تصويرا فوتوغرافيا مجردا دون زيادة أو مبالغة ، حتي يتم التعامل معه تعاملا خلاقا ، يقود إلى تنقية الشوائب وإصلاح أي اعوجاج .

وكنا نتمنى من معدي التقرير الأمريكي أن يتناولوا أوضاع حقوق الإنسان في الولايات المتحدة أو يعرفوا العالم بحجم الانتهاكات السافرة التي تحدث في حق الإنسان العربي والمسلم والأقليات، والانتهاكات الفاضحة التي يرتكبها الجنود الأمريكيون في معتقل جوانتانامو ، وفي معتقل أبو غريب وعلى كل شبر من تراب العراق ، والصومال وعدد من دول عالمنا النامي .

كنا نريد أن نحس بمصداقية هذا التقرير، من خلال تعامله مع أوضاع حقوق الإنسان في العالم كافة، دون تحيز لدولة علي حساب أخرى، واستخدامه معيارا واحدا لقياس الأوضاع والانتهاكات في مواطن حدوثها .

< البرلمان اليمني ألغى أخيرا تصويتا قد أجراه بإقرار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (نظام روما الأساسي) حول انضمام اليمن إلى هذه الاتفاقية . هل تؤيدين الرأي الذي يرى بتعارض بعض مواد نظام المحكمة مع الدستور اليمني والسيادة الوطنية؟

- مجلس النواب اليمني سلطة مستقلة، يمثل أعضاؤه الشعب اليمني بأكمله ، وليس هناك سلطان على قرارات أعضائه، وهو مجلس تشريعي ورقابي ، يستوعب مضامين الدستور والقوانين التي خرجت بعد مناقشة مستفيضة من تحت قبته .

وعندما يقر مجلس النواب بالإجماع بأن بعضا من مواد نظام المحكمة الجنائية تتعارض مع روح الدستور وتمثل انتهاكا للسيادة الوطنية ، فهو واع لما يقول ومستوعب بالتأكيد للعواقب التي قد تترتب على أي قرار يتخذه .

وأنا أشاطر في الحقيقة أعضاء المجلس في رأيهم الذي ذهبوا إليه ، وإذا ما استقرأنا مضمون النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، لوجدنا أن الضرورة تقتضي إجراء تعديل على بعض مواد الدستور ، وإحداث مواءمة شاملة لكثير من قوانيننا الوطنية التي لا تتفق بعض موادها مع مواد نظام روما الأساسي .

فكان إذن أمرا منطقيا أن يمتنع البرلمان اليمني عن إقرار هذه الاتفاقية التي كان اليمن من الدول العربية السباقة في التوقيع عليها.

فكيف يتم الإقرار بها قبل أن تحدث مواءمة متكاملة لبعض مواد الدستور والقوانين الوطنية النافذة . ثم ما الضمانات القانونية التي تؤمن لنا التزام القيمين على تنفيذ هذه الاتفاقية بالسير العادل على مضامينها ، وعدم صبغها بصبغات سياسية، واعتمادها مكيالين في تطبيق الاتفاقية، كما هو حاصل في كثير من المحاكم الدولية المنشأة عبر الأمم المتحدة . فتوقيع بلادنا على هذه الاتفاقية طواعية يؤكد حرصها على إعمال القانون الدولي حيال الانتهاكات المرتبطة بمجرمي الحرب ، والجرائم ضد الإنسانية ، وجرائم الإبادة الجماعية ، وجرائم الاعتداء الآثم ، واليمن دائما مع فكرة تحقيق عدالة كونية تكرس سيادة القانون ، والعدالة وقدسية كرامة الإنسان .

لكنني أعتقد أن تحقيق هذا الحكم تسبقه أولا السيطرة على عناد السياسات الواقعية ، وقوة المصالح الدولية التي تمثل حتى اللحظة عائقا منيعا يحول دون تحقق هذا الحلم . ثم هل تملك هذه الاتفاقية قوة محاسبة الولايات المتحدة - التي ترفض بشدة التوقيع على هذه الاتفاقية أو التعامل معها - هل تملك قوة محاسبتها على الأفعال التي ارتكبتها ولاتزال في كثير من أقطار العالم؟ بالتأكيد لا ... وهذا ما يجعلنا نراعي خطانا ، والتمهل في إقرار الحالة ، قبل تطبيع التشريعات والقوانين الوطنية مع مواد هذه الاتفاقية والتأكد من قدرتها على إعمال قوة القانون الدولي على كامل حقوق الإنسان الكونية .

< معلومات غير مؤكدة أفادت بأن اليمن إحدى سبع دول رفضت استعادة مواطنيها المعتقلين في جوانتانامو . ما مدى صحة هذا الكلام؟ وهل لديكم ما تقومون به تجاه المعتقلين اليمنيين في جوانتانامو؟

- حسنا فعلت عندما أشرت إلى أنها معلومات غير مؤكدة ، وهي فعلا معلومات غير دقيقة . فاليمن من الدول التي سعت في غير مناسبة إلى المطالبة بتسليم جميع المعتقلين اليمنيين في جوانتانامو لمحاكمتهم في بلادهم محاكمة عادلة ، يفصل فيها القضاء اليمني علي أساس الدستور والقوانين النافذة، وأظن أن اليمن هو الدولة الوحيدة التي أرسلت وزير خارجيتها للتفاوض مع الجانب الأمريكي بشأن تسليم المعتقلين اليمنيين ، وزيارتهم إلى معتقلهم لتلمس مشاكلهم ومطالبهم ، ولعل أيضا بلادنا هي الدولة الوحيدة التي تسلمت عددا من المعتقلين اليمنيين في جوانتانامو ليعاد محاكمتهم وطنيا .

كما أن اليمن هو الدولة الوحيدة التي سمحت لعدد من المحامين المتطوعين من منظمة العفو الدولية بالتقاء أسر المعتقلين اليمنيين في جوانتانامو ، والوحيدة التي سمحت بعقد مؤتمرين دوليين لمنظمة العفو الدولية بالتنسيق مع منظمة (هود) اليمنية علي أرضها لمناقشة أوضاع المعتقلين اليمنيين في جوانتانامو .

ولاتزال وزارتنا تمثل همزة الوصل بين المعتقلين اليمنيين وأسرهم في بلادنا ، ونحاول أن نؤمن لهم طرق التواصل عبر الهاتف مع أبنائهم وإخوانهم المعتقلين ، ولاتزال وزارة حقوق الإنسان تساعد الزوار من منظمة العفو الدولية على إتمام مهمتهم الإنسانية حيال المعتقلين وأسرهم . ويمكنك استخلاص طبيعة الجهد الوطني الذي تبذلـه بلادنا في سبيل الوصول إلى الحل الإنساني المرضي للقضية التي أثرتها في سؤالك .

< ماذا عن الحريات الصحفية في اليمن، وإلى أي مدى يرتبط تعزيزها بإقرار قانون الصحافة والمطبوعات الجديد؟

- جميع الحريات وبالأخص الحريات الصحفية مكفولة بنص دستوري صريح ، وكل مواد قانون الصحافة والمطبوعات الحالي عكست روح الاستحقاق الدستوري، ونظمت العلاقة بين الصحفي وأجهزة الدولة المختلفة وحرمت مساءلة الصحفي عن رأيه ، أو فصله من عمله بسبب الرأي ، وأعطته حق الامتناع عن الإفصاح عن مصادر معلوماته، وحق انتقاد الفساد أينما كان ، وليس عيبا أن تشترط مواده أن تكون الأخبار والموضوعات الصحفية المنشورة موثوقة وصادقة وأمينة ، وهي ما يسميها خبراء الإعلام المسئولية الاجتماعية. فالحرية غير المسئولة تؤدي إلى فوضى تمس حقوقا وتنتهك حريات أخرى . فحريتك تنتهي عندما تبدأ حرية غيرك . فرمي الناس بتهم دون بينة أو دليل ليس من الحريات وحقوق الإنسان في شيء والتشهير بالأفراد والجماعات لمجرد التشهير والإثارة وزيادة مبيعات الصحيفة أو المجلة سلوك مخالف لتعاليم ديننا الإسلامي، وكل رسالات السماء ، ولا يقر به الله ولا الرسول ولا الداعون إلى الحرية وحقوق الإنسان .

فالحريات الصحفية في ازدهار ونمو ملحوظ . وإن أردنا تبين هذه الحقيقة علينا أن نحلل مضمون صحافتنا اليمنية قبل الوحدة وبعدها ، لنكتشف أن حراكا كبيرا قد حدث في حرية الرأي والتعبير ، ولوجدنا أن هامش الحرية الممنوح قد فاق كل متوقع . فصحافتنا اليمنية تطالعنا منذ إعلان وحدة أرضنا والإنسان عام 1990 ، بأخبار ومقالات وتحليلات تناولت الحكومة رئيسا وأعضاء ، ومجلس النواب رئيسا ونوابا وأعربت عن رأيها ومازالت بحرية وشفافية كاملة . حتى إن قانون الصحافة والمطبوعات كان منفذوه يسكتون عن كثير من المخالفات غير القانونية ، تقديرا لحداثة التجربة المحتاجة إلى مزيد من التسامح والتعزيز . ولعل قرار رئيس الجمهورية المعلن قبل عامين تقريبا الداعي إلى منع حبس الصحفي بسبب آرائه الصحفية يؤكد حرص الدولة على تعزيز الحريات الصحفية والنهوض بمستواها إلى الطموح المأمول . والتعديل المرتقب لقانون الصحافة والمطبوعات سيتضمن إدخال مادة تحظر حبس الصحفي، والإبقاء على كل المواد السابقة التي ترتقي بمهنة الصحافة وتساعد على أداء الصحفي لرسالته الاجتماعية على النحو الأمثل ، ولن تتضمن مواد مشروع القانون أي مادة من شأنها تكميم الأفواه ، أو تقليص هامش الحرية كما يشاع ، بل سترى أن هذا الهامش قد اتسع ، بما يؤمن لكل المشتغلين في بلاط صاحبة الجلالة الضمانات والحماية القانونية اللازمة .

< كيف ترين حقوق الإنسان في الوطن العربي، وهل هناك أفق لتحسنها أو الحد من الانتهاكات التي تتعرض لها؟

- حقوق الإنسان في وطننا العربي ، لا تختلف كثيرا عن حقوق الإنسان في عدد من الدول الكبرى التي صاغت الإعلان العالمي والعهدين الدوليين والاتفاقيات والصكوك والقانون الدولي ، وسبقتنا بمئات السنين في هذا المضمار الإنساني . وأؤكد أن حراكا نسبيا قد حدث فيها ، وبدأت ملامح الاهتمام بها تلوح في الأفق ، وتنبئ الإجراءات التشريعية والقانونية التي اتخذتها كثير من الدول العربية، بتغيير وشيك في صالح حقوق الإنسان فيها . مع ضرورة الأخذ بالاعتبار خصوصية كل قطر عربي، وعاداته وموروثه الثقافي والإنساني وقد يتعارض جوهرها مع مضمون ثقافة حقوق الإنسان الغربية . وأظنك تتفق معي في أن أي ضغط خارجي لإحداث أي تحول سياسي أو اجتماعي هو جهد غير إنساني ويحمل معه عوامل الفشل الذريع . ولنا في جهود التدخل الخارجي في شئون العراق ولبنان وفلسطين ودارفور عبرة يجب أن يستوعبها هؤلاء المتدخلون .

وأظن أن القادة العرب معنيون اليوم أكثر من أي عهد سابق بأن يعيدوا النظر في كثير من السياسات وبرامج العمل السياسي، وترتيب البيت من الداخل قبل أن يأتينا التغيير مفروضا من الخارج على نحو غير مرض . فاهتمام وطننا العربي بحقوق إنسانه يعد مأثرة وإنجازا يقوي دعائم الوحدة الاجتماعية والسياسية ويخلق عوامل القوة والتماسك وليس الضعف . وشريعتنا الإسلامية قد أعطت الإنسان حقوقه السياسية والاقتصادية والدينية ، منذ ما يربو على 14 قرنا مضت .(متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

فاحترام حقوق الناس وصون كرامتهم ، وحماية هذه الحقوق مبدأ إسلامي مستمر حتى يرث الله الأرض ومن عليها . فأنا أرى ( والرأي شخصي هنا) أن الديمقراطية اليوم تعد خيارا إستراتيجيا إن لم تكن مطلبا أساسيا لأنظمتنا العربية ، وتشكل أرضية صلبة لإشاعة قيم حقوق الإنسان ، واحترام ممارستها في مناشط الحياة اليومية . ووحدها تمثل سياجا منيعا لكبح جماح التحديات الدولية ، وتحد من التدخلات والضغوط التي لها أبعاد سياسية واقتصادية بعيدة المدى .

فعلى الرغم من التحول البطيء الذي بدأ يسري في شرايين الجسد العربي في ميدان حقوق الإنسان، إلا أن كثيرا من الإرباكات العملية لاتزال بحاجة إلى معالجات سريعة وجادة ، ويجب أن يعمل الجميع على قاعدة أن احترام حقوق الإنسان ليس توجها سياسيا أو ديكورا ، أو مسلكا ظرفيا إنما هو قرار مبدئي ، وخيار صحي دائم .

فأنا متفائلة بأن أنظمتنا العربية قادرة على إحداث هذا التحول الإيجابي في مجال حقوق الإنسان، والبرهنة على أن مواكبة ثورات العصر أضحت من أهم الواجبات السياسية التي يتعين أن نوليها عناية أكبر . فتحرك المياه الساكنة هو بداية الطريق المشرق الذي يتطلع إنساننا العربي للسير في مناكبه ، وبـناء المستقبل على ترابه العزيز .

< سؤال أخير . أنت كأستاذ اقتصاد ، كيف ترين العلاقة بين تخصصك وبين العمل في مجال حقوق الإنسان؟

- الاقتصاد قاسم مشترك أعظم لكل مجالات الحياة وليس لحقوق الإنسان فحسب . والفقر باعتباره عدو حقوق الإنسان الأول لا يكون إلا بسبب تدهور أوضاع الناس الاقتصادية . وأن كثيرا من الانتهاكات تحدث بسبب هذا التدهور الذي يقود إلى القتل ، والسرقة والاختلاس والرشاوى والبطالة ، والفساد الشامل ، وكلها جرائم تصيب حقوق الإنسان في مقتل، وترتب نتائج غير محمودة تقود إلى الانتقام والثأر وإقلاق السكينة العامة ، وإرباك الأمن والاستقرار، وغيرها من الآفات التي تتعارض مع حقوق المواطن وحرياته الأساسية .

وإذا نظرت إلى كثير من انتهاكات حقوق الإنسان في عدد من الدول المتخلفة اقتصاديا لرأيت أن مردها في الأساس اقتصادي بحت . حتى الانتهاكات الدولية الحاصلة في العراق وفلسطين وغيرهما سببها اقتصادي مغلف بغطاء سياسي، فمصالح الدول الكبرى في النفط والمعادن والطرق التجارية ، تجعلها لا تبالي بحقوق الإنسان ما دامت النتيجة بلوغ هذا الهدف .

وعندما بدأ اليمن يطبق برنامج الإصلاح الشامل منذ عام 1995 ، كان واعيا ومدركا تماما الآثار السلبية التي ستترتب على السكوت عن معالجة الوضع الاقتصادي .

فالاقتصاد منذ بدء الخليقة هو محور الخلافات الدولية ، وأساس التقاء المصالح ، فدول أوروبا التي فرقتها الحروب العالمية وحصدت منها ملايين البشر ، جمعتها من جديد المصالح الاقتصادية ، ووحدت صفها بعد طول شتات .

فالعلاقة كما ترى مترابطة ترابطا عضويا بين الاقتصاد وبين حقوق الإنسان عامة .