القاعدة ..لماذا استهدافت الحوثيين؟!
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 14 يوماً
الثلاثاء 29 مايو 2012 05:17 م

لم يمض على حادثة السبعين التي راح ضحيتها مئات من جنود الأمن المركزي بين قتلى وجرحى حتى فوجئنا بالقاعدة تتجه لاستهداف الحوثيين حيث تبنت قبل أيام تفجيران أحدهما في منطقة الحزم بمحافظة الجوف أودى بعشرات من مسلحي الحوثي بين قتيل وجريح وآخر في مدينة صعدة يوم الجمعة الماضي حيث أودى بحياة أكثر من 20 حوثيا وجرح العشرات بحسب بيان القاعدة الذي جاء مخالفا لبيان المكتب الإعلامي التابع لعبد الملك الحوثي الذي نفى مقتل أي شخص غير المهاجم نفسه رغم أن الانفجار وقع أثناء تظاهر آلاف الحوثيين في مظاهراتهم الأسبوعية التي يقيمونها كل جمعة ، صحيح أننا نختلف مع جماعة الحوثي ونراها جماعية متمردة على الشرعية وإرهابية بكل المقاييس إلا أننا ندين وبشدة هذه العمليات الانتحارية ونسأل الله أن يلطف بهذا البلد ويجنبه كل شر ومكروه آمين ..

كل المؤشرات والمعطيات في الواقع تؤكد أننا سنشهد في الأيام القادمة المزيد من هذه العمليات التي سيتبناها تنظيم القاعدة الذي توعد في بيانه الذي أعلن فيه تبنيه لتفجير السبعين من أسماهم " الطغمة المرتشية التي تقود الجيش وقوات الأمن في اليمن" بمزيد من هذه العمليات الانتحارية ولم يكن أحد يتوقع أن القاعدة أو أنصار الشريعة سيتجهون لتبني عمليات انتحارية ضد الحوثيين خاصة وأنهم يصرحون مرارا أن معركتهم هي مع أمريكاء وبيان القاعدة الأخير أو أنصار الشريعة حول تفجير السبعين وفي سياق تحريض الجيش على قادته قال : ( لقد أعلنا لكم مرارا وتكرارا أن معركتنا في أساسها هي مع أمريكا فلا تقفوا حائلا بيننا وبينها ) .

والسؤال الذي يدور في أذهان الكثيرين : لماذا توجهت القاعدة لاستهداف الحوثيين الآن ؟!

سأحاول في هذه السطور تقديم بعض الأجوبة عن هذا السؤال من متابعتي للمشهد بما يمر به من أحداث ومستجدات مع التطرق لخلفيات الصراع بين القاعدة والحوثيين .

من وجهة نظري فإن القاعدة أرادت في استهدافها للحوثيين في الجوف أن تحقق عدة أهداف وتوجه عدة رسائل ولعدة أطراف وهي :

1- أرادت القاعدة من عملية الجوف كما يبدو كسب ولو بعض التأييد الشعبي لها خاصة أن هذه العملية جاءت بعد عملية السبعين التي ضاعفت السخط الشعبي عليها حيث ما تزال إداناتها تتوالى حتى الآن خاصة وأن القاعدة تدرك مدى السخط الشعبي على جماعة الحوثي المتمردة ومليشياتها المسلحة التي تقتل على الهوية ويدوس بعض أفرادها المصاحف كما ظهر في تسجيل مصور كما أن الحوثيين عند اقتحامهم بعض مديريات حجة دمروا مدارس تحفيظ القرآن ودنسوا المساجد وحولوها لمقيل للقات والمداعة وزرعوا آلاف الألغام التي راح ضحيتها عشرات الأطفال والرجال والنساء مما أوجد استياءا شعبيا واسعا ضدهم والقاعدة بهذه العلميات تستثمر هذا السخط الشعبي ضد الحوثيين وتريد أن تسجل لها لدى الرأي العام نقاط إيجابية وقد يقول البعض وهل للقاعدة ايجابيات؟!!

و نقول : رغم اختلافنا مع القاعدة والموالين لها كـ "أنصار الشريعة" فكريا ونهجنا غير نهجهم في تصورنا لتطبيق الشريعة حيث نرى الشريعة بشمولية تتجاوز حصرها إقامة الحدود وفي ظروف غير سوية وبتلك الحرفية البعيدة عن الإلمام المطلوب بالعلم الشرعي والفقه الإسلامي فنحن نرفض العنف كوسيلة للتغيير ونشدد على النهج السلمي في التغيير ونشدد كذلك على حرمة دم المسلم وحرمة النيل من المعاهدين من الأجانب ونرى أن تطبيق الشريعة لابد له من مقدمات وتهيئة وتسبقه أولويات كثيرة فلا بد من أن يطعم الناس من جوع ويأمنوا من الخوف ولا بد من إدراك الواقع وفقهه وإعمال المصالح فحيث ما وجدت مصلحة الناس فثم شرع الله وكذلك نرى الاستفادة من المشترك الإنساني بما يخدم ديننا ومصالحنا فالحكمة ضالة المؤمن ونحن نختلف معهم في أمور كثيرة ولنا عليهم ملاحظات كثيرة ليس هذا المقام محلها إلا أننا نعترف بأن لأنصار الشريعة نقاط إيجابية منها مثلا الإفراج عن الجنود الأسرى الذين كانوا في قبضتها قبل أسابيع وكذلك العمل على استتباب الأمن والأمان في المناطق التي يحكمونها وتوفير بعض الخدمات للأهالي في المناطق التي أداروها.

2- من وجهة نظري فإن القاعدة تريد توجيه رسالة للجميع بأنها رغم ما تواجهه في هذا الظرف العصيب التي في المناطق التي تسيطر عليها في أبين من حربا يشنها الجيش اليمني النظامي مسنودا باللجان الشعبية والخبراء العسكريين الأجانب والقصف الذي يشنه الطيران الحربي والدعم الدولي الغير مسبوق إلا أنها في تبنيها لعمليات ضد الحوثيين في الجوف وصعده قادرة على فعل الكثير وباستطاعتها ضرب أهداف في مناطق عدة وضد جهات عدة داخلية وخارجية وأن الحرب في أبين تدفعها للتوسع في حرب العصابات وتعطيها مجال تحرك أوسع في عموم اليمن .

3- تدرك القاعدة أن هناك فئات وشرائح من المجتمع اليمني لديها شعور كبير بمدى خطورة الحوثيين على السلم الاجتماعي وعلى مستقبل اليمن وأمنه واستقراره وتضع محاربة الحوثيين في رأس أولوياتها كالسلفيين على سبيل المثال خاصة بعد أن حاولت مليشيات الحوثي استئصال أحد أهم المراكز العلمية للسلفيين وهي دار الحديث بدماج والذين يختلفون معهم فكريا فجاءت هذه العملية التي استهدفت مسلحي الحوثي الذين قدموا من صعدة للجوف كرسالة لهذه التيارات لسان حالها : عدونا واحدا فضعوا أيديكم في أيدينا فالعدو مشترك والهدف واحد ولكننا الآن مشغولون بالأمريكان .

4- بين القاعدة والحوثيين ثأر قديم فمنذ سنوات والحوثيين يحرضون ضد القاعدة في منشوراتهم المختلفة في صعدة وغيرها وفي وسائل الإعلام التابعة لهم ويصفونها بأنها صنيعة الاستخبارات الأمريكية والقاعدة من جهتها قامت ضدهم بسلسلة من العمليات منها عملية التي أدت إلى مقتل زعيم الحوثيين الروحي بدر الدين الحوثي وبعض رفاقه في صعدة كما تبنت عملية تفجير استهدفت موكب من الذي قدموا صعدة للاحتفال بما يسميه الإثناعشرية "عيد الغدير" كما تبنت القاعدة قبل أسابيع عملية تفجير في صعدة وقد أودت ببعض القتلى والجرحى

5- على إثر حادثة السبعين توالت الإدانات وتركزت حملة إعلامية في الصحف والمجلات والفضائيات والإذاعة وفي منابر المساجد حتى أن البعض قال أن هذه الحادثة التي تبنتها القاعدة وفرت الغطاء الشرعي والأخلاقي لحربها وكان من الطبيعي حدوث مثل هذه الحملة لبشاعة الحادثة الإجرامية ويبدو أن القاعدة أرادت باستهدافها للحوثيين أن تشتت تركيز الرأي العام عليها وتخفيف الحملة الإعلامية التي كانت ولا تزال موجهة ضدها ومن جميع المنابر والجهات.

6- لا تختلف نظرة القاعدة كثيرا للحوثيين عن نظرة سائر أبناء اليمن لهذه الجماعة التي جاءت بفكر دخيل يهدد السلم الاجتماعي ويعمل على تخريب اليمن وإيجاد عصابة مسلحة تكون يدا لإيران في المنطقة ولو على حساب حياة أبناء اليمن وأمنهم ومستقبلهم ولذا فالقاعدة ترى في الحوثيين خطرا على الشعوب الإسلامية وعائقا أمام تطبيق الشريعة واستقرار اليمن كما أن أدبيات القاعدة تتوعد بتطهير البلاد من الحوثيين ولعل في هذه العمليات ترجمة فعلية لنظرة القاعدة للحوثيين ..

7- أظهرت هذه العمليات التي قامت بها القاعدة أو أنصار الشريعة ضد الحوثيين هشاشة الحوثيين أمنيا حيث اخترقتهم القاعدة وضربت في عقر دارهم ضربات موجعة أرعبتهم وهذه رسالة أرادت منها القاعدة إظهار مدى انكشاف الحوثيين وضعفهم عسكريا وامنيا وسهولة اختراقهم والنيل منهم.

8- ربما أن القاعدة من وجهة نظري أرادت بهذه العمليات أن تقول للحوثيين وللجميع : إن هذه الحرب التي تدور رحاها في أبين لن تكتوي بنارها هي وحدها وإنما ستتطاير شررها على الجميع وفي المقدمة قادة السلطة والقادة العسكريين الكبار وكذلك الأطراف التي تدعي أنها تحارب أمريكا وتستغل الحرب الأمريكية ضدها لتحاول التوسع وتنفيذ مخططات وأجندات إيران التخريبية في اليمن فالحوثيين يستفيدون مما يجري بأبين وانشغال الرأي العام بالقاعدة واعتبار الحوثيين من الأطراف الوطنية ودعوتهم للحوار الوطني وكأنهم تيار سياسي سلمي وليس عصابة إرهابية تفوق جرائمها جرائم القاعدة بكثير لكن الرضا الأمريكي على الحوثيين هو ما دفع السلطة للتواصل مع الحوثيين ومنحهم ثلاثين مقعدا بما يوازي حصة المشترك بكل مكوناته وكذلك إخراج معتقليهم من السجون وغيرها من الامتيازات التي نالوها رغم جرائمهم التي تفوق جرائم القاعدة بأضعاف مضاعفة.

9-لا نستبعد أن يكون موظفي الأمن القومي المخترقين للقاعدة قد دفعوا بعض شباب القاعدة وبإيعاز من عائلة صالح الإجرامية للقيام بهذه العمليات لدفع الحوثيين لمزيد من التلاحم والتحالف مع عصابة صالح وبغية خلط الأوراق وغرباك المشهد السياسي وتنفيذ لمخطط الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار في اليمن الذي تتبناه عائلة صالح الإجرامية حتى يأتي يوم يترحم الناس على صالح وأيامه وحتى تفشل حكومة الوفاق وحتى يتم إنتاج نظام صالح وبأشكال أخرى ويعود بشكل المنقذ للبلد مرة أخرى ..