متن الثورة وهوامشها..!
بقلم/ صالح البيضاني
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 28 يوماً
الخميس 12 يناير-كانون الثاني 2012 04:56 م

منذ سنوات والوضع السياسي في اليمن يزداد تأزماً بالتزامن مع تدهور اقتصادي وانهيار متسارع للمنظومة الإجتماعية.. كانت كل المؤشرات تتجه صعوداً نحو انفجار قادم لم يكن أحد قادراً على التكهن بنوع هذا الإنفجار الذي كان قدومه حتمياً فيما كانت جهود تحاشيه شبه معدومة في ظل احتقان سياسي بلغ ذروته في الأشهر الأخيرة التي سبقت اندلاع ثورات الربيع العربي .

لقد كانت السياسة القائمة على وضع كل المشاكل في “قمقم واحد” ومحاولة الإغلاق عليها بشكل مؤقت أمراً يوحي بأن الانفجار القادم سيكون كبيراً بقدر تلك المشاكل التي كان يتم استخدامها كوسائل لمحاربة مشاكل أخرى.. الأمر الذي خلق غيمة سوداء من التعقيدات خرجت من عنق الزجاجة لتضع الوطن بأسره أمام مفترق طرق تتساوى فيه فرص الانفراج باحتمالات السقوط.

لقد تسببت سياسة ترحيل الأزمات والتلاعب بعواملها في خلق جو سياسي يمتلىء بالضبابية ويجعل من المستقبل القريب مجهولاً ومرعباً لجيل تتجاوز نظرته الأفق المرسوم ..الأمر الذي جعل من الثورة أمراً حتمياً لامفر منه وساهم في نزع الأقنعة وإظهار الوضع الذي يعيشه اليمن على بشاعته الحقيقية ومن دون مساحيق تجميل..

بدا المشهد السياسي اليمني خلال الأشهر الماضية أكثر هزالة مما يعتقده الكثيرون وبدت حقيقة الصراعات والتقاسمات التي حكمت اليمن لعقود وتسربت الأحقاد السياسية والاجتماعية من بين أصابع الثورة لتظهر الوضع كما هو :صراعات سياسية عاصفة ..وضع اقتصادي أكثر هشاشة مما يعتقده أكثر المتشائمين ووضع اجتماعي متخلف لاينتمي للزمان ولا المكان في الكثير من الأحيان .

الثورة كانت حتمية نعم وساهمت في اختزال الزمن الذي كان يحجب الحقيقة ويعيق التغيير.. والأسوأ الذي كنا ننتظره أن يطل برأسه ربما بعد سنوات وجدنا أنفسنا فجأة نقف أمامه وجهاً لوجه .

الثورة كانت ضرورة لأنها كانت البديل الأفضل لإحداث نقلة قوية وفاعلة في ظل وجود قائمة طويلة من البدائل التي كانت تهدد اليمن وتهدد وجوده نتيجة غياب أي محاولة للتغيير من داخل النظام الذي بدا جامدا وغير قادر على التفاعل مع تطورات الأحداث التي كان يمكن لأي مواطن بسيط استشعار كارثيتها من خلال سلسلة من الأحداث الأمنية والسياسية التي عصفت بالبلاد وأعطت مؤشراً من اللون الأحمر على أن دوام الحال من المحال .!

ومن يشاهد اليوم مظاهر الاحتجاجات التي تعصف بكل زاوية من زوايا الوطن ويسمع الأصوات التي تتعالى للمطالبة بالحقوق المسلوبة يظن أن حتى الأموات نهضوا من قبورهم للمطالبة بإنصافهم ..ويدرك أن الثورة كانت حتمية سياسية لامفر منها ولكن يمكن أن نضع في هامش تلك الثورة العديد من التساؤلات التي لاتمس المتن بأي حال من الأحوال .

وأبرز إشكاليات ذلك الهامش يكمن في نظرة البعض للثورة كغاية وليست كوسيلة للتغيير فضلا عن المخاوف من بعض أدوات ورموز الثورة والإسراف في تحويلها إلى (إيقونات) في طريقها لتصبح أصناما تنتج ذات النتائج التي قادت للثورة بعد نحو نصف قرن من ثورة سابقة تحولت أهدافها إلى مجرد شعارات فيما تحول أبطالها إلى رموز لم تستطع أو ربما لم تحاول أن تكمل مشروعها الثوري الذي أوصلها إلى قمة الهرم السياسي ذات يوم.

على الهامش يتصاعد أيضاً التساؤل :هل هي أزمة أم ثورة ؟ في القولين لايخلو الأمر من المنطق السياسي حيث تقاطعت الأزمة السياسية التي بلغت ذروتها مع الثورة الشعبية ..الأزمة كانت نتيجة صراع النخبة بينما كانت الثورة نتيجة مباشرة لأنين الشعب ..

وإذا كان الشباب هم جوهر الثورة وابرز مكوناتها لكن هذا الجوهر بدا في الكثير من الأوقات منقسما بين المكونات الفكرية والسياسية التقليدية .

في الهامش كذلك وبعيداً عن مشروعية المتن تبرز قضية حصانة الثورة التي يحاول البعض اقتناصها كفرصة لتبييض تاريخ طويل من السواد وفي المقابل يحاول البعض الآخر التعلق بحصانة المبادرة الخليجية ..وهنا يتساءل البعض هل الثورة تجب ماقبلها وهل الحصانة تجب ماقبلها كذلك؟.!

قد يستوقف البعض أيضا بعض الأخطاء التي اعترضت مسير الثورة والمتأمل لتلك التناقضات والصدامات التي وقعت في (الساحات) مثلا يجد أن طول فترة الثورة كان السبب الرئيس في ظهور إرهاصات مابعد الثورة في سياقها ..إضافة إلى ابتلاع الثورة لإخفاقات الأزمة السياسية في ذات الوقت .

في الواقع لاتوجد ثورات مقدسة فالثورات عادة ماتستهدف المقدس أو مايراد له أن يبدو كذلك من قيم سياسية واجتماعية والثورة ليست فعلاً أخلاقياً بل هي تمرد على ركام هائل من القوانين التي تختفي خلف الأخلاق ولكنها لاتقوم (القوانين) بعمل أخلاقي..

وأخيراً :أحلام الشعوب حتى تلك الثائرة منها لابد أن تصطدم يوما بلصوص الثورات هكذا يقول التاريخ .. والثورات (عدوى) لأنها تقوم على ثقافة الإلهام والاستلهام كما هو حال الفعل الإبداعي ..وهي كذلك (الجمر) الذي يتوهج يوما في النفوس عندما يتلاشى شعاع الأمل.