معارك مازالت تخوضها فصائل المعارضة السورية التي أطاحت بنظام الأسد معلومات جديدة حول هروب المخلوع بشار الأسد من سوريا أسماء الخلية الحوثية التي صدرت بحقها أحكام إعدام وسجن طارق صالح يتوعد عبدالملك الحوثي بمصير بشار ويقول أن ''صنعاء ستشهد ما شهدته دمشق'' تطورات مفاجئة… الجيش الروسي يطوق قوات أوكرانيا بلينكن يحدد شروط اعتراف الولايات المتحدة بالحكومة السورية الجديدة دعوة إلي عقد مؤتمر مانحين عاجل لدعم اليمن وقف النار في غزة واتصالات سرية لإنجاز الصفقة شرطة كوريا الجنوبية تدهم مكتب الرئيس... ووزير الدفاع السابق يحاول الانتحار دول عربية تبدأ بإرسال مساعدات لدعم الشعب السوري بعد سقوط الأسد
في إحدى القرى في اليمن استمر نزاع حول قطعة أرض أكثر من 30 سنة. بدأها المتشارعون " وهو الإسم الذي يستخدمه اليمنيون لوصف الداخلين في إجراءات التقاضي" وكانوا شباباً وها هم الآن شيوخاً كهولاً.
سأل أحد الأشخاص في القرية أحد طرفي النزاع، على ماذا تتنازعون؟
رد عليه، إذا أردت الحقيقة، لم نعد نعرف، بدأناها قبل أكثر من 30 عاماً، والآن كما ترى، الكثير من القضايا.
استمرار الصراع لفترة طويلة يسبب التيه ويجعل كل طرف من الأطراف المتصارعة يحيد عن أهدافه التي خاض الصراع لأجلها أصلاً. أو تجعله يعظم الأهداف الجزئية ويعطيها الأولوية على حساب الغايات الرئيسية. ينتج عن ذلك تشققات داخل كل طرف، وقد تحارب الأطراف نفسها أو قد تتفق جزئياً أو كلياً مع عدوها الرئيسي. في الصراع في اليمن، بدأت بوادر التصدعات في كلا الطرفين بشكل متزامن تقريباً.
بالنسبة لطرف الإنقلابيين بدأت التصدعات بالإتهامات المتبادلة بالفساد وعدم رفد الجبهات بالمقاتلين، واستحواذ أحد الأطرف على الوظائف القيادية، والأهانات التي ظل أعضاء المؤتمر وكوادره يتعرضون من قبل المشرفين الحوثيين. بلغت هذه التصدعات أوجها بانتفاضة صالح الفاشلة التي أدت الى مقتله في النهاية، ونتج عنها التهام الحوثيين لشريكهم حزب المؤتمر العفاشي بالكامل. بالتالي لم يعد هناك احتمال لتشققات جديدة، إلا تسربات بعض المؤتمريين العفاشيين الذين يغادرون طرف الحوثيين الى طرف آخر، لكن ليس شرطاً أن يكون الشرعية.
أما بالنسبة لطرف الشرعية وداعميه أو الطرف المناوئ للحوثيين فالصورة أكثر تعقيداً وتبدو قاتمةً للغاية. فمكوناته كثيرةٌ وموزعة على مستويات عدة والتصدعات فيه متعددة أيضاً. فهناك المستوى المحلي المكون للشرعية وفيه المؤسسات الرسمية للدولة ممثلة بالرئاسة والحكومة وبيروقراطيتها والأحزاب المنضوية فيها كحزب الإصلاح وحزب المؤتمر غير العفاشي والقوى الجنوبية وحزب الرشاد السلفي وبقية الأحزاب والتيارات الصغيرة، وأخيراً القادمون الجدد من المؤتمريين العفاشيين. وهنا نجد أنه باستثناء المؤتمريين العفاشيين وبعض القوى الجنوبية فقد كان هناك قدر معتبر من التماسك داخل هذا المستوى ، والخلافات فيه كانت بأدنى حد أو أنها لم تكن موجودة أصلاً إلا ما حاول أحد مكونات المستوى الإقليمي زرعه وقد نجح في ذلك الى حد كبير.
المستوى الثاني، الدول الأقليمية الداعمة للشرعية. والتصدعات في هذا المستوى بدأت مبكراً. فبعد إستبعاد قطر، والغموض الذي يكتنف دور السودان بعد فتور علاقتها بالسعودية والحياد غير المعلن للكويت وبعض الدول، لم يبق إلا الإمارات والسعودية كأطراف فاعلة في تحالف دعم الشرعية. وفي هذا المستوى قدر من التصدعات ولكنها تبدو ظاهريةً فقط. منها الخلافات بين السعودية والإمارات حول التعامل مع حزب الإصلاح، حيث العداء المطلق من جانب الإمارات والتقبل المتحفظ من جانب السعودية. وكذلك الخلافات حول مؤسسات الدولة الشرعية بما فيها الرئاسة ورئاسة الوزراء، ففي الوقت الذي تحتضن السعودية فيه الشرعية كانت الإمارات ولا تزال تعمل بشكل واضح على تقويضها. لكن إحجام السعودية عن كبح جماح الإمارات رغم قدرتها المفترضة على ذلك يجعل من هذه الخلافات ظاهريةً فقط وغير ذات مصداقية، ويجعل توزيع الأدوار هو التفسير الأكثر قبولاً لما يجري خاصة أن الملف اليمني برمته هامشي مقارنة بملفات أخرى بالنسبة للتحالف السعودي الإماراتي كالملف الإيراني والعلاقات مع قطر، وحربهما الجارية على حركات الإسلام السياسي.
المستوى الثالث هو المستوى الدولي، وفي هذا المستوى أيضاً قدر كبير من التماسك أيضاً، فبسبب سياسة النأي بالنفس التي تتبعها روسيا والصين، تفردت الولايات المتحدة وبريطانيا بتوجيه دفة الصراع في اليمن. وكما هو معروف تقف الدولتان الى جانب التحالف الداعم للشرعية وتوفران للتحالف ليس فقط الأسلحة والمساعدات اللوجستية والفنية بل والغطاء السياسي أيضاً. وفي هذا المستوى لا توجد مؤشرات على خلافات بين مكوناته بشأن الوضع في اليمن، كما لا توجد دلائل على الربط بين الملفين اليمني والسوري كما كانت تتكهن بعض التحليلات في بداية الحرب.
يتضح من ذلك أن التصدعات تبدو منعدمة تقريباً داخل كل مستوى، ولكنها تبرز بشكل خطير بين مستوى ومستوى. فأكثرها حضوراً هو التصدعات بين المستوى الأول أي الشرعية ومكوناتها والمستوى الثاني أي الدول الإقليمية الداعمة لها. فقد عملت عملت الامارات كإحدى دول دعم الشرعية على إضعاف كيان الشرعية وحاربت بشكل علني بعض مكوناتها وعملت على تفريخ مليشيات تعمل خارج إطار الدولة اليمنية لمحاربة بعضها البعض أو لمحاربة الشرعية ومنازعتها مشروعيتها. لقد منعت الرئيس من العودة الى العاصمة المؤقتة، عدن. كما عرقلت تحقيق الحكومة لأي إنجازات اقتصادية فمنعت وصول الأموال الى البنك المركزي، وحظرت تصدير النفط ومنعت استخدام الموانئ اليمنية. لقد وصلت الإختلافات مع الشرعية أوجها في الإشتباكات المسلحة بين القوات الحكومية وقوات المجلس الإنتقالي المدعوم من الإمارات وتدخل القوات الجوية الإماراتية بقصف الالوية الرئاسية.
ومع ذلك فإن هذه التصرفات العدائية تبدو باتجاه واحد. فالشرعية ملتزمة الى حد مبالغ فيه بضبط النفس والإلتزام بالشراكة مع التحالف رغم التمادي الإماراتي في إهانتها. فلا يزال الخطاب الرسمي لمسؤولي الشرعية يوجه الشكر للتحالف العربي ممثلة "بالسعودية والإمارات" في كل مناسبة. ولم يخرج عن هذا السياق إلا تصريحات نائب رئيس الوزراء وزير الخدمة المدنية عبد العزيز جباري، الذي حمل بعض دول التحالف مسؤلية تأخر حسم المعركة مع الإنقلابيين ولمح الى سوء تقدير بعض دول التحالف لمواقفها من بعض القوى السياسية وخصوصاً حزب الإصلاح، كما حمل التحالف مسؤلية عدم تحرير محافظة تعز رغم سهولة ذلك. ولكن التصريحات الأكثر جرأة وتقدماً كانت من وزير النقل صالح الجبواني الذي وجه الإتهامات للإمارات -تصريحاً- بالعمل على تقويض الشرعية وإنشاء كيانات ومليشيات تعمل على تفتيت الدولة اليمنية والعمل ضد الأهداف المفترضة للتحالف العربي ودعا إلى اتخاذ قرار سيادي يصحح العلاقة القائمة مع الإمارات.
تبدو التواصلات بين المستوى المحلي والمستوى الدولي محصورة من خلال المستوى الإقليمي. فالقوى الدولية تكتفي بالتواصل مع التحالف العربي بشأن القضية اليمنية. لا أدل على ذلك من اجتماعات اللجنة الرباعية التي تضم وزراء خارجية بريطانيا وأمريكا والسعودية والإمارات حيث تعقد اجتماعاتها بدون مشاركة الحكومة اليمنية. هذا يعني أنه لا توجد أرضية تؤدي الى خلاف بين المستوى المحلي والمستوى الدولي بشأن القضية اليمنية، إلا إذا أعتبرنا أن عدم التواصل خلاف في حد ذاته.
ومن جانب آخر، فإن طول فترة الحرب وزيادة الأخطاء التي يرتكبها التحالف، وتفاقم الوضع الأمني والمعيشي أدى الى بداية تصدعات بين القوى الإقليمية والدولية. فقد سبب ذلك إحراجاً للدول الغربية، بالذات فيما يتعلق بالملف الحقوقي والإنساني. نتج عنه بداية التململ الغربي من عدم قدرة السعودية على التعامل مع الملف اليمني. وبضغط من مؤسسات حقوق الإنسان تعالت أصوات داخل المؤسسات الرسمية الغربية تدعو الى وقف الدعم الغربي للتحالف في حرب اليمن، أكثر من ذلك ظهرت أصوات تدعو الى حظر تزويد السعودية بالأسلحة والذخائر، وقد صدرت بالفعل قرارات كهذه من ألمانيا والنرويج.
.