آخر الاخبار

مليشيات الحوثي تُدرج مادة دراسية طائفية في الجامعات الخاصة. اللواء سلطان العرادة: القيادة السياسية تسعى لتعزيز حضور الدولة ومؤسساتها المختلفة نائب وزير التربية يتفقد سير اختبارات الفصل الدراسي الأول بمحافظة مأرب. تقرير : فساد مدير مكتب الصناعة والتجارة بمحافظة إب.. هامور يدمر الاقتصاد المحلي ويدفع التجار نحو هاوية الإفلاس مصدر حكومي: رئاسة الوزراء ملتزمة بقرار نقل السلطة وليس لديها أي معارك جانبية او خلافات مع المستويات القيادية وزير الداخلية يحيل مدير الأحوال المدنية بعدن للتحقيق بسبب تورطه بإصدار بطائق شخصية لجنسيات اجنبية والمجلس الانتقالي يعترض إدارة العمليات العسكرية تحقق انتصارات واسعة باتجاه مدينة حماةو القوات الروسية تبدا الانسحاب المعارضة في كوريا الجنوبية تبدأ إجراءات لعزل رئيس الدولة أبعاد التقارب السعودي الإيراني على اليمن .. تقرير بريطاني يناقش أبعاد الصراع المتطور الأمم المتحدة تكشف عن عدد المليارات التي تحتاجها لدعم خطتها الإنسانية في اليمن للعام 2025

نريد دولة وليس حظيرة خلفية للسعودية
بقلم/ نائف حسان
نشر منذ: 14 سنة و أسبوعين و 5 أيام
الأحد 14 نوفمبر-تشرين الثاني 2010 04:39 م

"أريد دولة وليس بيت دعارة". كان بشير الجميل، قائد القوات اللبنانية، غاضباً وحاداً، وهو يقول ذلك لموفد رفيع أرسله الرئيس السوري حافظ الأسد لمقابلته في بيروت؛ يوم 27 أبريل 1981. رغم موقفي المسبق من الرجل؛ إلا أني شعرت بتضامن معه عندما قرأت ما قاله بشأن الدولة؛ كفكرة ومطلب. أدرك طائفية بشير، ونزوعه إلى العنف، بيد أنه كان ضمن موجة قتل وعصبوية تورط فيها، وقتذاك، جميع قادة الطوائف اللبنانية وفصائلها. أبعد من التضامن مع الرجل؛ شعرت أني أعيش ذات الأزمة التي عاشها هو قبل 4 عقود في لبنان: غياب الدولة. هناك فروق جوهرية كبيرة بين يمن علي عبدالله صالح، ولبنان بشير الجميل. وهناك أكثر من عامل يجعل من الصعوبة بمكان أن تتحول اليمن إلى لبنان آخر. الفرق كبير بين اليمن، ولبنان؛ لبنان اليوم، أو لبنان الأمس؛ لبنان الحرب الأهلية. بيد أن مقولة الزعيم الماروني الشاب تستمد وجاهتها وقوتها، أيضاً، من الحال الراهن الذي تعيشه اليمن. الدولة غائبة هنا، بشكل شبه كامل، ويبدو كما لو أننا نعيش حالة انفلات من تلك التي تسبق انهيار الدول. ليس لدينا مليشيات وفصائل مسلحة، لكن لدينا نشاطاً منفلتاً لتنظيم القاعدة، وأزمة متصاعدة في الجنوب. أبعد من ذلك؛ لدينا تنظيم مسلح في الشمال تراجعت الدولة، كشرعية وكمؤسسات، أمام سيطرته الفعلية على صعدة، ومناطق عدة حولها.

في موازاة الطوائف اللبنانية؛ لعبت التكتلات القبلية في شمال الشمال دوراً محورياً في تقليص حضور الدولة. وفي المحصلة؛ تبدو اليمن اليوم كما لو أنها قد تحولت، بشكل نهائي وكامل، إلى "حظيرة خلفية" للمملكة العربية السعودية.

مراراً؛ استخدم بشير تعبير "مزرعة" لوصف "لبنان 1943"؛ التي يرى أن قيامها اقترن بـ"فساد، إقطاع، استزلام، تسوية، وتواطؤ، وهي مفاهيم أدت، برأيه، إلى جر البلد نحو الحرب الأهلية". ولئن كان من الممكن إسقاط توصيف بشير على اليمن؛ فهذا عائد إلى أن البلد غارق اليوم في حالة من الفوضى والفساد، وعملية تواطؤ عامة يحضر فيها الإقطاع المشيخي، والتسويات الخجولة.

وإذا ما قارنا بين حضورين؛ فالحضور السعودي في اليمن يبدو أشد ضرراً من الحضور السوري في لبنان. اعتمدت دمشق سياسة أمنية ضاربة في تدخلها في لبنان وحكمها له. خلافاً لذلك؛ اعتمدت الرياض سياسة أكثر ذكاءً لفرض هيمنتها الفعلية على اليمن: استخدام المال لشراء الولاءات. والشاهد أن الرياض نجحت في تدجين اليمن عبر اللجنة الخاصة، التي تصرف مرتبات شهرية لكثير من رجال القبائل، وبعض السياسيين، ورجال الحكم.

...

في 27 أبريل 1981؛ قال بشير لموفد الأسد إنه لن يقبل "بأقل من معاملة ندية". حينها؛ كانت القوات السورية قد استولت على جبل صنين، بعد أن وجهت طائراتها ضربات مكثفة لقوات المليشيات اللبنانية المرابطة في الجبل، الذي تقع أسفله مدينة زحلة المسيحية. وقد كانت الحرب في زحلة، التي بدأت بين الطرفين حين قُتل 5 من الجنود السوريين في كمين نُصب لهم داخل المدينة في 22 ديسمبر 1980، مفصلية في علاقة مسيحيي لبنان بسوريا. منذ تفجر المواجهات؛ تمكنت المليشيات المسيحية من الصمود في معركة غير متكافئة مع القوات السورية، التي سيطرت، أخيراً، باستخدام الطيران، على قمم جبل صنين، وأصبح بإمكانها "القصف المكشوف لمعظم المنطقة المسيحية". "كان السوريون يعتقدون أن من شأن خسارة القمم أن تحبط معنويات القوات اللبنانية"، لهذا قرروا التواصل، بشكل مباشر، مع بشير الجميل لتهدئة الوضع، وإيقاف المواجهات.

تولى الرئيس اللبناني، يومذاك، إلياس سركيس، الترتيب للمقابلة التي جمعت بشير، وموفد الرئيس الأسد؛ محمد الخولي رئيس جهاز مخابرات سلاح الجو السوري. وطبقاً لـ"آلان مينارغ"، في كتابه "أسرار حرب لبنان"؛ فقد كانت المقابلة، التي تمت في القصر الرئاسي اللبناني، بعبدا، قصيرة، ومقتضبة. بدأ الخولي الحديث بتقديم أسف بلاده "لما يحدث". قال إنه "يجب التمكن من طي الصفحة"، ثم ذكّر القائد المسيحي الشاب: "سنة 1976، جئنا لإنقاذكم، خصوصاً أنتم المسيحيين، لكن الوضع بيننا تدهور لاحقاً". كان رد بشير حاداً: "فعلتم كل شيء لضربنا. نرفض أن تجرونا من طرف الأنف. لا يمكن للاتفاق إلا أن يكون شاملاً".

صعد نجم بشير، الذي يُصنف كماروني متعصب، مع انفجار الحرب الأهلية في لبنان. فالابن الأصغر لـ"آل الجميل" ترك مكتب المحاماة، الذي افتتحه حديثاً، وانخرط في الحرب؛ ضمن صفوف مليشيات حزب الكتائب. وبعد أقل من عامين من تفرغه للعمل العسكري؛ تمكن من توحيد البندقية المسيحية. قبل ذلك؛ صعد، بشكل مفاجئ حتى لوالده، إلى قيادة مليشيات حزب الكتائب، التي تمكن، في وقت قياسي، من تنظيمها وتحويلها إلى جيش صغير. بشكل سريع؛ تصاعدت قوته، وهو الأمر الذي مكنه، في 31 أغسطس 1976، من إنشاء بنية قيادية موحدة للمليشيات المسيحية، تحت مسمى القوات اللبنانية؛ تولى هو رئاستها. كان يقول إنه يُقاتل كي لا يتحول مسيحيو لبنان إلى "ذميين"، أو مواطنين من الدرجة الثانية؛ كما هو حاصل لمسيحيي مصر والأردن. ومنذ الستينيات؛ تراكمت لديه مشاعر العداء تجاه الفلسطينيين، الذين طالب بإخراجهم من لبنان.

عندما تفجرت الحرب الأهلية؛ كان لبنان محكوماً بالمليشيات، التي تعمل لأطراف خارجية عدة، ولأجندة مختلفة. وبسبب ضعف سلطة الدولة، وتصاعد نفوذ وقوة المسلحين الفلسطينيين؛ كان يُقال إن ياسر عرفات هو الحاكم الفعلي لبيروت، التي كان يعيش فيها محاطاً بـ12 ألف مسلح فلسطيني. وقد ضاعف مشكلة هذا البلد، ذي التعدد العرقي والمذهبي، دخول القوات السورية إليه، التي اقترن حضورها بغياب القرار اللبناني، وسيادة دولته الوطنية. لكل هذا، وغيره، رأى بشير أن غياب الدولة حول لبنان إلى "بيت دعارة".

...

الأسوأ من التحكم بالقرار السياسي؛ هو تصدير السعودية لثقافتها وقيمها، سيما الوهابية، إلى اليمن. وقد تزامن انتشار المذهب الوهابي الأصولي المتزمت في اليمن مع تقوية الحليف التقليدي للمملكة: البنية القبلية التقليدية. وكما أن حافظ الأسد أخرج كثيراً من المسلحين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان؛ عملت السعودية، خلال السنوات القليلة الماضية، على إخراج ناشطي تنظيم القاعدة إلى اليمن. وأكدت تقارير أجنبية أن المخابرات السعودية دفعت كثيراً من قيادات "القاعدة" الناشطين في أراضيها للخروج إلى اليمن، التي يجري إظهارها، اليوم، كما لو أنها المكان الذي يفقس الإرهابيين! وهنا؛ تُستكمل صورة اليمن باعتبارها "حظيرة خلفية" للمملكة. وفي هذه "الحظيرة"؛ لم يعد تقاضي الأموال من الخارج جريمة وخيانة وطنية، بل أصبح عملاً وطنياً مشروعاً.

ولعل حادثة الطردين المفخخين لم تكشف فقط طبيعة العلاقة الأمنية المختلة بين صنعاء والرياض، بل كشفت أيضاً استغلال الأخيرة للأولى بشيء يحمل الكثير من الاستعلاء. لقد فتح النظام اليمني البلاد أمام المخابرات السعودية، وسهل لها مهمة اختراق تنظيم القاعدة؛ إلا أن المملكة لم تواجه هذا الأمر بنوع من التقدير. والشاهد أن هذا النظام سلم للمملكة جابر الفيفي، وشخصاً آخر، بمجرد إلقاء القبض عليهما، قبل 4 أسابيع، ضمن مسلحي "القاعدة" في أبين، إلا أن الرياض لم تُكلف نفسها حتى إبلاغ اليمن بمعلومات الطردين الملغومين، التي قدمها لها الفيفي، وقدمتها إلى واشنطن!

تحولت المملكة إلى بطل في محاربة الإرهاب، فيما ارتسمت صورة اليمن كبيئة حاضنة للإرهاب ومصدرة له! وتكفلت الصحف السعودية، الأسابيع الماضية، بتلميع نظامها عبر إلصاق الإرهاب باليمن، والبحث عن أصول قادة "القاعدة"! صحيح أن أصول بن لادن تعود إلى اليمن، لكنه وتنظيم القاعدة يعتمدان المذهب الوهابي، وينطلقان منه في تسويغ الإرهاب وقتل الناس. ومعروف للجميع أن المال النفطي دعم تصدير الفكر الوهابي من المملكة إلى اليمن والعالم.

...

تفجرت الحرب الأهلية اللبنانية في 13 أبريل 1975. وفجر 9 يونيو 1976؛ دخل الجيش السوري إلى لبنان، تحت مسمى "جيش الردع العربي"، الذي أُسندت له، بتفويض عربي، وترحيب مسيحي لبناني، مهمة إنقاذ مسيحيي لبنان، الذين تقهقرت مليشياتهم أمام مليشيات الفلسطينيين والدروز، وبقية الأحزاب اليسارية، التي شكلت، منذ 1964، جبهة، تحت مسمى "الحركة الوطنية"، لمواجهة الكتلة المسيحية، أو ما عُرف بـ"اليمين اللبناني". بيد أنه "أطيح" مبكراً بـ"العلاقات الودية" بين سوريا ومسيحيي لبنان. "في 17 فبراير 1978؛ أثناء مناورة جرت في محيط المدرسة الحربية في الفياضية، في ضاحية بيروت الكبرى"؛ اعترض "جنود سوريون فصيلة من المجندين اللبنانيين الجدد، فتحول الأمر إلى مواجهات عنيفة مسلحة" مع المليشيات المسيحية، سقط فيها "أكثر من 30 قتيلاً أغلبهم من السوريين". غير أن الشرارة الأولى لتصدع هذه العلاقة؛ "حصلت عندما أوقف بشير، في نهاية يوليو 1978، على حاجز سوري في الأشرفية واحتجز لبضع ساعات". ويقول مينارغ إن الأمور بلغت هنا "نقطة اللاعودة"؛ إذ "أعلنت الكتائب التعبئة العامة، وما إن أطلق سراح بشير حتى شن الهجوم على جميع مراكز القوات السورية في المنطقة المسيحية". حاصرت القوات السورية حي الأشرفية، وقصفته طيلة 100 يوم. عندها، يقول مينارغ، "وقعت القطيعة النهائية: لن تكون سورية حليفة الموارنة اللبنانيين".

...

في اليمن؛ يبدو الوضع قريباً من هذه الصورة. بعد سنوات من الحرب بين الملكيين والجمهوريين؛ تدخلت السعودية لإيقاف الحرب. وقد نجحت، عام 1970؛ برعاية مؤتمر حرض، الذي عُقد تحت يافطة المصالحة بين الجمهوريين والملكيين، الذين عاد بعضهم إلى صنعاء، حيث أسندت لهم وظائف رسمية، فيما تم تصفية التيار الوطني داخل الصف الجمهوري. يومها؛ أوقفت السعودية دعمها العسكري للملكية، بعد أن تمكنت من ضرب الجمهورية الوليدة، عبر استقطاب رموزها ودعمهم بالمال والذهب. وأدى ذلك إلى تقوية نفوذ هذه الكيانات التقليدية وضمان بقاء اليمن أسيرة ومعتقلة في خيارات وذهنيات هذه القوى المشيخية، التي ما زالت تستلم مرتبات شهرية من "اللجنة الخاصة". ولئن ارتبط قيام هذه العلاقة، بين المملكة والقوى المتخلفة في اليمن، على حساب التيار الوطني في صف الجمهورية الوليدة (الضباط الشباب، والمشائخ ذوي التوجهات الوطنية، الذين رفضوا الذهب السعودي)؛ فهي ما زالت تقوم اليوم على حساب القوى الوطنية الحديثة.

منذ مؤتمر حرض؛ وضعت السعودية يدها على اليمن، وتحكمت بقراره. وعندما حاول إبراهيم الحمدي أن يبني دولة حقيقية اصطدم بالرياض، وبالقوى المشيخية التي أنتجتها في مؤتمر حرض. وفي مذكراته؛ يؤكد الشيخ سنان أبو لحوم أن السعودية طلبت منه، ومن بقية المشائخ المعادين للحمدي، البقاء في مناطقهم، وعدم دخول صنعاء كي لا يستفزوا الناس الغاضبين من جريمة القتل البشعة التي تعرض لها الحمدي وشقيقه عبدالله. وإن لم تخني الذاكرة؛ فقد قال الشيخ سنان، أيضاً، إنه تنقل، بعد ذاك، في أكثر من دولة، حيث كان يستقبله سفراء المملكة، التي مولت الجولة.

والواقع أن الملحق العسكري في السفارة السعودية كان، حتى مطلع الثمانينيات، هو الحاكم الفعلي لليمن، في ما يخص القرارات المهمة. وقريباً من لبنان؛ كان صانع القرار في صنعاء يأخذ موافقة الرياض في أسماء الأشخاص الذين ستُسند لهم الوزارات والوظائف العسكرية العليا. وقال الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، في مذكراته، أن القيادة السعودية استدعته إلى المملكة، وأقنعته بالموافقة على صعود علي عبدالله صالح للحكم.

مطلع الثمانينيات؛ طرد الرئيس صالح الملحق العسكري السعودي، صالح الهديان، الذي كان يشرف بنفسه على القوات المسلحة اليمنية. تالياً؛ أوجدت حرب الخليج الثانية حالة من القطيعة بين النظامين الرسميين في صنعاء والرياض. غير أن الأخيرة حافظت على علاقتها بقواها التقليدية: المشائخ القبليين ورجال الدين، الذين دعموا، عام 2000، توقيع اتفاقية جدة لترسيم الحدود بين البلدين، التي تنازلت اليمن بموجبها عن أكثر من 400 ألف كم2.

...

قبل سنوات؛ لفت نظري علاقة الجوار بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك. وقد وجدت أن المشكلة ذاتها تكررت، بشكل مختلف وأدوات مختلفة، في علاقة الجوار التي تجمع السعودية واليمن.

ظلت المكسيك حظيرة خلفية لأمريكا؛ يلجأ إليها كل من يفر من دولة القانون والنظام. شأن السعودية؛ تُعاني أمريكا من التهريب اليومي والنشاط المتدفق إليها من الحدود التي تجمعها وجارتها الفقيرة.

يتخذ تُجار المخدرات، ورجال العصابات الأمريكيون، من المكسيك مكاناً مناسباً للانطلاق والاختباء. وخلال السنوات الماضية؛ مثلت اليمن مكاناً مناسباً للسعوديين الباحثين عن الجنس. وتجلى ذلك بانتشار الزواج السياحي.

أتذكر أن أحد أبطال رواية "الجرنجو العجوز"، لفوينتس، قال ما يُلخص مشكلة المكسيك: "مسكينة هي المكسيك بعيدة عن الله قريبة من الولايات المتحدة".

Naifhassan5@hotmail.com