آخر الاخبار

بعد سيطرتها على حلب وكامل إدلب.. قوات المعارضة السورية تتقدم نحو حماة .. انهيارات كبيرة لقوات النظام مؤتمر في إسطنبول يناقش السرديات الإعلامية الدولية حول اليمن ويطرح رؤى جديدة لتصحيح الصورة النمطية مليشيا الحوثي تفرض جمعية تعاونية على المواطنين في الضالع. مليشيات الحوثي تجبر طلاب المدارس على الطواف حول مجسم الهالك حسن نصر الله .. احياء تقديس الاصنام - فيديو اختتام بطولة الشهيد حسن فرحان بن جلال لكرة القدم بمأرب. قوات دفاع شبوة تعلن ضبط خلية حوثية في مدينة عتق وتتوعد بالضرب بيد من حديد الفريق علي محسن: علم الاستقلال في 30 نوفمبر هو ذات العلم الذي يرفرف في كل ربوع اليمن علما للجمهورية الموحدة بن عديو: على مدار التاريخ كانت عدن مطمعا للغزاة وفي ذات الوقت كانت شعلة للثورة والمقاومة والانتصار التكتل الوطني للأحزاب يوجه طلبا لكافة القوى السياسية والجماهيرية في اليمن كيف حصل الملف السعودي على أعلى تقييم لاستضافة مونديال 2034؟

مبادرة الرئيس .. خطوة الألف ميل
بقلم/ علي حسين الأشول
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 23 يوماً
الأحد 07 أكتوبر-تشرين الأول 2007 03:34 ص

مأرب برس - خاص

لم يخب ظن المراقبين للسياسة في اليمن أو الدارسين لها ، فقد أثبت الرئيس علي عبدالله صالح مجدداً بأنه لاعب سياسي محترف ، و رجل واقعي ، لا يعدم المرونة وسعة الأفق حين تكون الحاجة ماسة و الخطر حقيقي . فإذا كانت المبادرة التي طرحها حول النظام الرئاسي الكامل لم تصل إلى النموذج السياسي الذي يطمح له كل يمني مدني حر يحب وطنه ويتمنى الخير لأمته ، فإنها لم تكن قاصرة عن أن تكون حلاً عمليا وواقعيا لتعقيدات المشهد السياسي في اليمن ، بل والأهم من هذا أنها في تقديري الخطوة الصحيحة في الإتجاه الصحيح ضمن رحلة الألف ميل التي يحتاجها اليمن ليستوي على قدميه دولة ديمقراطية حرة مستقلة يرفع اليمنيون في القرن الواحد و العشرين هاماتهم انتساباً لها وفخراً بها .
 

قبل سنوات بعد أن عدت من أول رحلة دراسية لي إلى الخارج ، شكوت لأمي كيف أن الحاكم في تلك البلاد البعيدة هو موظف مثل كل الموظفين مع فارق أن مرتبه الشهري أكبر ومسئولياته أخطر ، وأنه حين تنتهي فترة وظيفته يعود مواطنا عاديا مثله مثل غيره ، بل إنه قد يعاني أكثر من غيره بسبب ملاحقة الناس من خلال الصحافة لتفاصيل حياته ورقابتهم الشديدة عليه في حاله وماله ليطمئنوا على سلامة طويته ونظافة يده في المهمة التي أوكلوها إليه والتي تخصهم جميعها ، وقلت لها إن حلمي وهدفي في الحياة أن أحيا في هكذا وطن ، والأهم - قلت لها - أن يأتي أطفالي للحياة ليجدوا أنفسهم في وطن حر يعطي بنفس طريقة ذلك البلد الفرصة للجميع و فيه الناس - كل الناس - سواء ، يتمايزون فقط بمواهبهم و طموحاتهم وقدراتهم. قالت أمي : المسألة يا أبني مش بالسهولة هذي ، المسألة تشتي وقت لأنه "ما يسبرش" يبنوا "ديوان فوق عشة". ولمن لا يعرف قاموس أمي ، فإنها تقصد بالعشة ذلك البيت التهامي المكون غالبا من غرفة واحدة ومبني من سعف النخل أو قصب الذرة الجاف ، أما الديوان فهو تلك الغرف الحديثة المبنية غالبا من الحديد المسلح والإسمنت و المزينة غالبا بتصميمات جميلة و بدهانات حديثة.

نظرية "الديوان والعشة" التي تخص أمي لم تبتعد كثيرا عن كل ما درسته وكتبته حول الإدارة العامة وفلسفة بناء الدولة وتطورها ، وأجدني اليوم أستخدمها لأعلق على موضوع مبادرة رئيس الجمهورية الخاصة بالنظام السياسي في اليمن وتحويله إلى نظام رئاسي بالكامل . ففي هذه النظرية رد على المنظرين الحالمين الذين لا يعترفوا بالواقع جهلاً أو تجاهلا ، وفي هذه النظرية نقداً لمن يرون في الواقع الصعب ( العشة ) ومعطياته وقيوده مبرراً للإستمرار في سياسات التوازنات و اللعب بالمتناقضات رغبةً في بقاء الحال كما هو عليه من أجل تحقيق مصالح ذاتية أنانية على حساب مصالح أمة و تاريخ شعب و جغرافيا وطن ، والأهم من ذلك على حساب مستقبل أجيال قادمة هم أطفالي وأطفالك و أطفاله وأطفالها ، ذلك الجيل القادم الذي سيدرك حجم الأنانية والغباء الذي تمتع به جيل الآباء الذي حرمه من نعمة حياة إنسانية حرة كريمة .

لكي يتسنى القيام بنقاش موضوعي حول المبادرة يلزم بالضرورة التطرق إلى موقفي المؤيدين والمعترضين على السواء ، ومما يؤسف له فإن مؤيدي المبادرة هم في الغالب ممن يكتب بداعي الوظيفة الحكومية أو الحزبية أو من يكتب بداعي المصلحة السياسية ( وهذا حقهم) ، ففي كل الكتابات التي اطلعت عليها حتى الآن لم أجد نقاشا موضوعيا في هذا الجانب بقدر ما وجدت من تمجيد و حمد لصاحبها. وعلى الطرف الأخر ، وإن كان الحال أفضل نسبيا ، إلا أن ما كتب في أغلبه كلام سياسي يتحدث عن رغبة الرئيس صالح في التمديد لنفسه و حشد السلطة المطلقة في يده و ذهب البعض أبعد من ذلك في أن المقصود هو التهيئة لتوريث السلطة . وبغض النظر عن موقفي الموالاة والمعارضة وحقهما المشروع في التأييد والنقد ، كل من دوافعه ومنطلقاته وقناعاته، فإني أرى أن خطورة المبادرة و أهمية توقيتها و المستوى السياسي لمصدرها ، كل ذلك يقتضي أن يكون هناك نقاشاً علميا موضوعياً حولها بأكبر قدر من الحيادية و الإحساس الوطني المجرد. وأنا هنا لا أقصد من هذا المقال أن يكون بحثا علميا حول الموضوع بقدر ماهو إبداء رأي سريع و أولي حول المبادرة.
 

بنظرة سريعة على الواقع اليمني ومستوى التنمية البشرية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية فيه و مقارنة ذلك مع واقع الدول الأخرى المتقدمة والنامية و الأقل نمواً ستظهر نظرية " الديوان والعشة " جلية أثناء المقارنة. فعلى مستوى التنمية الإقتصادية يكفي أن نعلم أن متوسط دخل الفرد اليمني بحسب البنك الدولي (2006) هو 600 (ستمائة ) دولار فقط مقارنة بـ 59.590 ( تسعة وخمسين ألف و خمسمائة و تسعين ) دولار لدولة متقدمة مثل النرويج ( وهي هنا رمز للديوان ) أو 2500 ( ألفين وخمسمائة ) دولار لدولة نامية مثل الأردن (موقع البي بي سي على الإنترنت ). كما أن عدد السكان تحت خط الفقر بحسب الموقع الإحصائي ( factbook ) لعام ( 2003 ) هو أكثر من تسعة مليون مواطن ، وبلا شك فإن هذا العدد قد زاد بحلول عام 2007م وخصوصاً مع بروز أزمة القمح العالمية، كما أن عدد قوة العمل العاطلة بحسب نفس الموقع هو 2 مليون فرد تقريبا . ويكفي أن نعرف أن معدل النمو الإقتصادي لعام 2006 بحسب الموقع السابق هو 2.6 % بينما معدل النمو السكاني هو 3.6 % لنفس العام لندرك حجم المشكلة فيما يتعلق بالنمو والتنمية الإقتصادية. وعلى صعيد التنمية الإجتماعية لا يختلف الوضع كثيرا فنسبة التعليم هي من أقل النسب على مستوى العالم على الإطلاق حيث تبلغ فقط 50% من إجمالي عدد السكان وتهبط إلى 30% فيما يخص الإناث بحسب إحصائية نفس الموقع لعام 2003م . ورغم الخصوبة العالية ومعدل النمو السكاني المرتفع فإن نسبة وفيات الأطفال المواليد من أعلى النسب في العالم حيث تصل إلى 58 حالة لكل ألف مولود . وفي مجال التنمية السياسية وعلى الرغم من الفرصة التاريخية التي أتاحتها الوحدة اليمنية عندما قامت على أساس تعددي ديمقراطي إلا أن التطبيق العملي يواجه صعوبات حقيقية على الأرض تبدأ بسيطرة العقلية القبلية على شرائح واسعة في المجتمع اليمني و لا تنتهي بتمسك الطبقة السياسية بامتيازاتها المكتسبة في ظروف غير ديمقراطية وضمن معطيات واقعية تحكمها القوة والعلاقات النفعية. كما أننا ما زلنا حتى الآن – وهذا المقال شاهد على ذلك – نبحث عن تعريف وتحديد النظام السياسي المناسب للدولة اليمنية.  

كل ما ذكر أعلاه عن الواقع اليمني معروف في مجمله ولا اختلاف عليه عند أكثرية الناس في اليمن ، لكن ما يحصل عليه الإختلاف وتتعدد حوله النظريات ووجهات النظر ، هو كيفية التغيير ، وما من شك أن أي تغيير حقيقي وسليم و سلمي يحتاج إلى ظروف موضوعية ليس أقلها أهمية التوقيت المناسبة والتدرج الواعي . ومن هنا نقول إن واقع ( العشة ) اليمني لكي يتحول إلى واقع ( الديوان ) الديمقراطي الحر المتقدم يحتاج بالضرورة إلى السير ضمن طريق طويل ( طريق الألف ميل ) من التحولات و التطورات على صعيد التنمية في كل المجالات المذكورة أعلاه سواء كانت إقتصادية أو اجتماعية أو سياسية ، وهنا نقول إن مبادرة الرئيس تمثل خطوة هامة و أساسية في هذا التحول و في هذا الطريق الطويل ، و لعل أهم ما في هذه المبادرة هو ارتباطها بالحوار ، وهو ما طلبه الأخ رئيس الجمهورية من بقية القوى السياسية الفاعلة في البلد ، ونحن هنا نشد على يد كل السياسيين الحزبيين و المستقلين على التفاعل الإيجابي مع هذه المبادرة ، ودافعنا في هذا هو اعتقادنا أنها تمثل البداية الحقيقية نحو الإصلاح السياسي ، و من جهة أخرى نؤكد على أهمية وجهة نظر المعارضة في أن لا تنزلق هذه المبادرة إلى تحقيق أهداف سياسية لشخص أو فئة من الناس ، ولا يمكن ضمان هذا الأمر إلا بالحوار و الإتفاق على ضمانات دستورية هي من صلب النظام الرئاسي المقترح والتي تتضمن على سبيل المثال لا الحصر التأكيد والتشديد على نظام إنتخابي فعال وشفاف ، و كذلك التأكيد والتشديد على حرية التعبير والنشر و بالطبع و قبل كل شيء التأكيد والتشديد على الدور الرقابي والتشريعي الشامل و الحر للبرلمان المنتخب بغرفتيه و إن كنت لا أرى أي مبرر لقيام برلمان بغرفتين باعتبار أن الجمهورية اليمنية هي وحدة سياسية واحدة و لا تحتاج لتمثيل نسبي يخص كل محافظة في غرفة ثانية ، فما نحتاجه هو إصلاح الأجهزة والأنظمة وتقوية المؤسسات على حساب العمل الفردي لتحقيق العدالة والمساواة للجميع ، وعلى كل حال فإن الحوار الفعال حول المبادرة كفيل بعلاج أي خلل أو نقص .
 

وفي الأخير ، يبقى السؤآل الأهم ، لماذا هذه المبادرة جيدة ومفيدة في طريق الإصلاح والتغيير لمستقبل أفضل ، لماذا النظام الرئاسي يعتبر مدخلاً مناسباً للإصلاح السياسي على المدى البعيد . السبب ببساطة وباختصار هو حقائق الواقع اليمني الذي هو جزء من الواقع العربي وهو واقع يحتاج في تغييره ( وفقا لقواعد علم النفس الإجتماعي ) إلى ذلك البعد المتعلق بالقائد والقيادة المركزية ، فما زال العقل العربي عقل أبوي و ذكوري ، يعيش فيه الفرد بقوة تحت سيطرة قوانين الجماعة التي تفوض أمرها لفرد واحد هو الشيخ أوالأمير أوالزعيم . هذا فضلا عن السيطرة المركبة التي يعش فيها نصف عدد الأفراد في المجتمع العربي ( على تفاوت ) وهم الإناث . ولا يفوتني في النهاية أن أقول إنني من أكثر الناس إعجاباً بالنظام السياسي البرلماني الكامل وهو في تقديري أرشد الأنظمه الديمقراطية و أنسبها لدولة متقدمة و متجانسة اقتصادياً واجتماعياً و ثقافياً. ولكن الرغبة والطموح شيء و قواعد وسنن التغيير شيء آخر . ثم إن نظرية أمي تقول : " ما يسبرش يبنوا ديوان فوق العشة" .

باحث في الإدارة العامة



alialashwal@yahoo.com