يوميات كئيبة... في اليمن السعيد!
بقلم/ د. أحمد عبد الملك
نشر منذ: 15 سنة و 3 أشهر و 18 يوماً
الإثنين 07 سبتمبر-أيلول 2009 10:16 م

أصل العرب من اليمن، وأصل الحكمة يمانية، وأجمل العسل من اليمن، وأصل الأصوات الشعبية من اليمن، وأجمل السيوف يمانية. وعلى مدى التاريخ أنجب اليمن العديد من الشخصيات التي أثّرت في التاريخ الحضاري للإنسانية. ونتيجة تقلب الأوضاع، وعدم استقرار هذا البلد، فقد أدى ذلك إلى استمرار تخلفه عن الركب الحضاري. وزاد في تخلفه الاقتصادي؛ وكان من نتيجة توالي الحكام عليه، أن اختلف أبناؤه في كيفية نظرتهم للأمور. فمنذ العهد العثماني بدأت قلاقل عديدة مع احتلال الأتراك لصنعاء. وحتى ما بعد الحرب العالمية الأولى، حيث توجه الإنجليز إلى اليمن، ثم تم توقيع إتفاقية عام 1934، التي بموجبها اعترفت بريطانيا باستقلال اليمن، مع اعتراف الإمامة بحماية بريطانية على عدن. وكانت تلك أولى بوادر التقسيم في اليمن. حيث ظهرت جمهورية اليمن الجنوبية السابقة ذات التوجهات الاشتراكية عام 1967، وظل اليمنُ يمنين! يختلفان في كل شيء سوى أنهما من أصل واحد! ولم تُجدِ فكرةُ الوحدة، عام 1994، حيث نشبت حرب ضروس بين الشماليين والجنوبيين، وحصل أن زعم بعض الجنوبيين أن الوحدة قد "فُرضت" عليهم، وأن مواطنتهم قد أخذت، وحقوقهم ضاعت، بعد أن تلمسوا واقعاً مفادهُ أن بعض الشماليين قد "استغلوا" الوحدة من طرف واحد، وأصبح الجنوبيون مواطنين من الدرجة الثانية! علماً بأن المراجع تسطر لنا أن الوعي العام والثقافة الأوسع والثروة تتركز في الجنوب، ولربما في ذلك بعض الاستثناءات التي لا مجال لحصرها هنا.

وحصل تجاذب آخر مع بعض الجنوبيين في بداية هذا العام أيضاً. وطالب أبناء الجنوب بمزيد أدوار، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، بل والإنساني. وحسب اعتبارات أهل الجنوب، فإنهم محرومون من الوظائف العالية، كما أن أراضيهم الكبيرة قد تمت مصادرتها -بحجج عديدة- دون وجه حق.

والآن أطلت على اليمن السعيد/ الشقي مشكلة جديدة، كانت قد خمدت لفترة، وهي مشكلة الحوثيين! وهم جماعة شيعية تتواجه مع السلف والنظام لأسباب عقائدية. ولكن الجديد في المواجهات الأخيرة هو استخدام حكومة اليمن الطائرات وقاذفات الصواريخ لضرب معاقل الحوثيين الذين ينتعلون الصحراء وهم مكشوفون في العراء.

وكانت شرارة الحرب (الجديدة) قد بدأت في 28 يونيو 2004 حيث أسفرت عن خمس حروب متتالية، قيل إنها أودت بحياة أكثر من 6 آلاف شخص، وأكثر من 12 ألف جريح، واعتقال المئات من الحوثيين. ولكن الحكومة اليمنية نفت ما تردده وسائل الإعلام عن سقوط مئات القتلى في صفوف الحوثيين. وأشارت إلى أن القوات اليمنية قامت بعمليات تطهيرية في مديرية "حرف سفيان" وما جاورها، ولم تعثر على أية جثة لعناصر التمرد -كما تقول- في المديرية وما جاورها.

من جانبه نفى زعيم الحوثيين، عبدالملك الحوثي، صحة الأنباء التي رددت استهداف قيادات تابعة له في مديرية "حرف سفيان" أو أي مكان آخر. كما نفى ما رددته السلطات اليمنية عن قيامها بتفجير مخازن لأسلحة إيرانية يستخدمها الحوثيون؛ مشدداً على أن جميع ما يمتلكه الحوثيون من عتاد عسكري قد استولي عليه من مواقع الجيش.

وكانت جماعة عبدالملك الحوثي الذي يتزعم الحوثيين، قد هددت بنقل المعارك إلى أراضي بعض الدول المجاورة. وقد اتهمتها الجماعة بالاشتراك فعلياً في الحرب الدائرة بينها وبين الجيش اليمني. وأكد المكتب الإعلامي للحوثي -في بداية هذا الشهر- أن كتيبة عسكرية من الأمن المركزي اليمني قامت "بالدخول إلى أراضي دولة مجاورة عبر منطقة (الخوية) بتنسيق مع قائد المنطقة، في محاولة للالتفاف ومهاجمة الأراضي اليمنية من أراضي تلك الدولة". وهدد المكتب بأن "أي اعتداء يأتي من أراضي الدول المجاورة على أراض يمنية، سيتم الرد عليه، وعلى أي عدوان يأتي علينا من أي مكان أو جهة ".

واعتبر صالح هبرة، القيادي في جماعة الحوثيين، سماح أية دولة "للقوات اليمنية بالدخول إلى أراضيها لضرب الحوثيين في الأراضي اليمنية من الخلف "اشتراكاً" فعلياً في هذه الحرب، التي تصعّد لها السلطة"، واصفاً إياها بأنها "بادرة خطيرة".

والجديد هو الموقف الإيراني. ومحاولة إيران خلق كماشة حول دول مجلس التعاون -بين ما يجري في العراق وما يجري في اليمن. وقد بدأت وسائل إعلام إيرانية اتهامَ دولة مجاورة لليمن بأنها تشارك في الحرب مع وحدات الجيش اليمني ضد الحوثيين؛ الأمر الذي نفاهُ الجيش اليمني، معتبراً الأنباء الإيرانية عارية من الصحة. وزعمت وسائل إعلام إيرانية أن الجيش اليمني يستعين أيضاً بضباط عراقيين من أتباع صدام حسين كمستشارين له في تنفيذ عملياته ضد الحوثيين.

وفي المقابل أعلن مسؤول يمني العثور على 5 مخازن لأسلحة إيرانية الصنع، بعد مداهمة لمواقع الحوثيين في صعدة. واتهم وزير الإعلام اليمني (حسين اللوزي) يوم الثلاثاء 18/8/2009 إيران دون أن يسميها بدعم الحوثيين. وقد دخلت على ذات الخط محطات تلفزيونية "تُمالئَ " إيران، مثل قناة "العالم"، و"المنابر". كما تم ربط الحالة اليمنية الجديدة مع إيران بحالة "حزب الله" في لبنان. في حين تواترت أنباء عن أن توسع الحوثيين على البحر الأحمر سيمهد الطريق لتسلل إيراني لمد الحوثيين بالإمدادات اللوجستية. وكذلك إيجاد موطئ قدم لها على ساحل البحر الأحمر. وهذه قضية استراتيجية خطيرة قد تسبب إرباكات جديدة في البحر الأحمر.

ومن جهتها ردت إيران بلهجة "وادعة" داعية للتوصل إلى حل سياسي للقتال الدائر في اليمن. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية (حسن قشقوي) "إن إيران تعتبر المسألة قضية داخلية، وإنها دائماً ما احترمت وحدة أراضي اليمن وسيادته". داعياً إلى الاستقرار والهدوء في اليمن. ونفى ما تردده وسائل الإعلام عن دور إيراني في الحرب في ذاك البلد.

ويردد أتباع الحوثيين أنهم مع تطبيق اتفاق الدوحة، ويتهمون الحكومة اليمنية بنقض الاتفاق، في حين تتهمهم الحكومة بإثارة التمرد وتعريض الأمن في البلاد للخطر.

أما الرئيس اليمني علي عبدالله صالح فقد فاجأ الجميع بتعهده الأسبوع الماضي بتطهير المناطق الشمالية من "التمرد" في الوقت الذي أعلنت قيادة الجيش عن توسيع عملياتها في المنطقة الشمالية الغربية المتاخمة للحدود السعودية. وكردة فعل على ذلك هدد الحوثيون بخوض حرب استنزاف طويلة ضد الجيش اليمني.

فيا ترى هل يشهد اليمن السعيد مفاجآت أخرى؟! خصوصاً إن حصل فعلا تدخلٌ خارجي، ووطئت أقدام الأجانب أرض المنطقة! القضية سيكون لها وجه آخر.

*الأتحاد الاماراتية