آخر الاخبار
عتاب مشروع
بقلم/ رشاد الشرعبي
نشر منذ: 15 سنة و 8 أشهر و 15 يوماً
الأربعاء 08 إبريل-نيسان 2009 07:08 ص

في كتابه الرائع حول (الحركة الإسلامية والنظام الساسي في اليمن) يشير العزيز\\ ناصر الطويل, وهو يتحدث عن الرئيس علي عبدالله صالح, إلى أنه أخذ يتجه إلى تضييق دائرة المشاركة في صنع القرار حتى في إطار حزبه, \"فلم يعد يشرك إلا عدد محدود جداً من المساعدين والذين يغلب عليهم لون واحد وليس بإمكانهم أن يضيفوا إلى مالديه\".

هذا التشخيص لماوصل إليه حال نظامنا الحاكم هو إشارة واضحة لما هو عليه الحال في مختلف المجالات و(النفق المظلم) الذي يُقاد إليه الوطن والشعب, وقد لفت ذلك إنتباهي بعد ساعات من حديثي مع صديق حول إنسحاب الرئيس من قمة الدوحة وقبلها إفراجه عن محكومين كانوا قد خطفوا سواح ألمان, فسألت صديقي: هل صار رئيسنا وحيداً لا مستشارين لديه يقنعونه بعدم صوابية مثل هذه القرارات والمواقف؟.

أثق أن الرئيس يؤمن يقيناً انه بشر يخطيء ويصيب وليس معصوماً أو مقدساً, فهو كغيره من الرؤساء والملوك الذين يضعون حولهم مستشارين بالعشرات, غير المؤسسات المختلفة التي تسند قراراتهم أو تقدم إستشاراتها بما يفيد ومالا يفيد, وأثق أيضاً أن رئيسنا لا يرضَ لنفسه أن يكون صورة منسوخة للزعيم الليبي الباحث عن الأضواء بإستمرار دون خوف مماسيترتب عليها من عواقب, ليس بالضرورة على شخصه فقط, ولكن على ملايين البشر الذين يتحمل مسئولية حكمهم وواجب الحفاظ على مصالحهم, و زعامته لوطن عريق الحضارة والتاريخ صارت سمعته (في الحظيظ).

وبالطبع هو يعي أن الوطن والشعب لم يعد بقدرتهما تحمل المزيد من الفساد والظلم والإختلالات وتعثر التنمية والجهل والمرض, ليضاف لذلك تضرر مصالحهما بتلك الصورة التي ستترتب على قرار الإنسحاب من قمة شهدت إلتئام خصوم ماكنا نعتقد تصالحهم, وبصورة مخزية أظهرت حجمنا الهامشي من خلال عدم إهتمام الإعلام العربي بإنسحاب رئيسنا, مقارنةً بما سيكون لو كان من أنسحب رئيس لدولة أسوأ حالاً منا: كجزر القمر وجيبوتي والصومال وموريتانيا.

حينما قاطعت اليمن القمة التي عقدت في الدوحة (غزة), وجدنا أن ذلك قراراً مناسباً لو لم يسبقه (شطحات) وتليه (مبادرات), بإعتبار أن مصالحنا مع الشقيقة السعودية إذا تضررت أخطر علينا من تضرر مصالحنا مع قطر, لكن في القمة الأخيرة كان الأمر مختلفاً, حيث يتصالح الخصوم الكبار وتمارس اليمن دور (المَعقلة) لتبدو كدولة هامشية باحثة عن الأضواء وتغرد خارج السرب العربي وبعيداً عن مصالح شعبها.

مشكلتنا الأساسية التي أوصلتنا إلى مانحن فيه تتمثل في عدة أمور تترابط فيما بينها: غياب المؤسسات وعدم الإلتزام بالقانون, مزاجية وشخصانية القرارات والمواقف والتوجهات, إتساع الفساد وتجذر الإستبداد, وكلها ساهمت في عرقلة التنمية ورفد الجهل والأمية والمرض والفقر والبطالة والإرهاب والإختطاف والثأر, و(هواننا) بين الشعوب والأمم.

ترى لو لم يرعَ الرئيس الصلح قبلياً بين رجل الأعمال الخامري وخصومه من بني ضبيان للإفراج عن نجله المختطف, هل كانوا سيتجرؤون بعد ذلك على إختطاف آخرين (أجانب أو يمنيين)؟, ولو ترك الرئيس للعدالة أن تأخذ حقها ولم يفرج عن خاطفي السواح الألمان بعد لقائه بمشائخ قبيلتهم, هل سيفكرون بإختطافات قادمة؟. وإذا توقفت (كتيبة) البنك المركزي عن الصرف لمراضاة الخاطفين ومنتهكي القانون وناهبي أراضي الدولة, هل سنشهد كارثة بعد أخرى تضرب إقتصاد البلد بهذه الصورة التي تتعاون فيها قوى الفساد والإرهاب والإستبداد والإختطاف؟.

أعتقد أنه يتوجب على الرئيس أن يفكر بجدية بالمصير الكارثي الذي يقود شعبنا ووطنا إليه, عبر القضاء على ماتبقى من دولة, وتدمير أي أمل بنظام أو قانون. عليه أن يتوقف عن قراراته التي تصيب العدالة في مقتل, وتؤكد غياب المواطنة المتساوية, وتنعش ثقافة و(شلل) الفساد, وتبعث الروح في جهابذة الظلم والإستبداد والطغيان.

عليه أن يضع أمام عينيه مصلحة الوطن والشعب والسيادة في مواقفه وقراراته وعلاقاته على المستوى العربي والدولي, وليضع فرقعات وشطحات الأضواء والمبادرات تحت قدميه.

كثيراً ماكنا نطالب الأخ الرئيس بالحفاظ على تاريخه السابق الذي رافقته العديد من النقاط المحسوبة له, لكن حالياً وأيادينا على قلوبنا – خوفاً وقلقاً – لم يعد يهمنا أن يحافظ على سمعته الشخصية ولا تلطيخ تاريخ نظام حكمه الممتد لثلاثين عاماً, فقط نطالبه الحفاظ على كرامة ومصالح شعبنا ووطننا ونحمله مسئولية أي (نفق مظلم) سيوصلنا إليه.

بحكم (الدستور) وهو العقد الإجتماعي الذي بيننا وبينه, كمواطنين ورئيسهم, نطالب بالكف عن (الدوس) على النصوص الدستورية والقانونية, وإهانة قرارات السلطات (التشريعية والقضائية), والإمتناع عما ينتقص من كرامة شعبنا ويضعف من قوة ووطننا ويخل بسيادته وإستقلاله.

فثلاثون عاماً من الحكم يفترض أنها تساعده على الصواب, لا أن تغرقه في متاهات التفرد والتوريث والبحث عن أضواء الإعلام و(شطحات) المبادرات.