سقوط أمريكا 2-2
بقلم/ أحمد عبده الشرعبي
نشر منذ: 16 سنة و شهر و 17 يوماً
الإثنين 03 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 11:26 م

إلحاقاً بموضوعنا السابق المتعلق بمؤشرات تراجع نظام أحادي القطبية، سنتناول هنا ملامح النظام العالمي الجديد الذي سيأتي على أنقاض النظام الحالي، ولكن قبل الولوج في تفاصيل النظام الجديد ينبغي أن نتطرق إلى تداعيات الأزمة المالية العالمية الراهنة على أهم القوى الاقتصادية الدولية الأخرى والمرشحة للبروز في النظام العالمي البديل. لا شك أن الأزمة المالية الحالية هي أمريكية المنشأ والولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر، إلا أنها سرعان ما أصبحت أزمة عالمية الصبغة إذ امتدت نيرانها شرقاً وغرباً، والمعلوم أيضاً أن الدول الأوروبية هي أكبر اقتصادات العالم تأثراً بهذا الإعصار المالي بعد الولايات المتحدة نظراً لترابط إقتصاداتها بالاقتصاد الأمريكي، ولكن ماذا عن القوى الأخرى كالصين والهند وروسيا؟

من التجارب السابقة، لاسيما الأزمة المالية لعام 1997 في جنوب شرق أسيا، لم تتأثر الصين بتلك الأزمة وقد يعود ذلك لعدم انفتاح اقتصادها بشكل كبير في تلك الفترة ولان تلك الأزمة كانت محدودة وذات طابع إقليمي بحكم صغر اقتصادات الدول المتضررة كتايلاند، وماليزيا واندونيسيا باستثناء كوريا الجنوبية التي تعد من أهم الاقتصاديات العالمية. ولكن هذا لا يعني أن الصين قد تنجو من الإعصار المالي الحالي كما نجت من أزمة شرق أسيا، فإن لم يتأثر القطاع المصرفي الصيني بحكم رقابة وسيطرة الحكومة المركزية ولكون ذلك القطاع لم يفتح للمستثمرين الأجانب، فانعكاسات الأزمة ستبرز في جوانب أخرى أهمها ما سيحدث لجزء من الاحتياطي الصيني من النقد الأجنبي الذي يستثمر في أذون الخزانة الأمريكية والذي قد لا يعود ولو على المدى القصير إلى خزانة بكين، وكذلك بالنسبة لحجم الصادرات الصينية الذي سيتراجع وعلى وجه الخصوص إلى الولايات المتحدة التي تمثل أكبر الشركاء التجاريين مع بكين والسوق المستورد لثلث صادراتها، وبالتالي سيتراجع معدل النمو الاقتصادي الإجمالي الذي بلغ خلال السنوات الماضية بمتوسط سنوي 10.1% وقد بدأت بعض بوادر التراجع في النمو خلال شهر أكتوبر الماضي، حيث تشير بعض التقارير أن معدل النمو في الصين سيتراجع في الربع الأخير من هذا العام إلى .59%، ولكن رغم هذه التأثيرات تبدو تداعيات هذه الأزمة على الصين عرضية وغير مباشرة وذات تأثير نسبي لان نمو الاقتصاد الصيني سيظل مرتفعاً وإن تراجع إلى ما دون النسب السابقة.

وكذلك بالنسبة للهند، إذ لم يتأثر النظام المصرفي الهندي بشكل كبير ولكن الانعكاس السلبي على اقتصادها سيأتي من خلال تراجع صادراتها إلى أوروبا والولايات المتحدة وبالتالي تراجع النمو الحالي المقدر بـ6% إلى ما دون ذلك، غير أن ذلك التراجع لن يكون كبيراً. أما في روسيا فقد ظهرت تداعيات الأزمة بصورة واضحة على نظامها المصرفي مما دفع الحكومة للجوء إلى ضخ أكثر من 40 مليار دولار للتجنب إفلاس بعض المؤسسات المصرفية. من جانب أخر، ستنعكس الأزمة المالية على الاقتصاد الروسي بتداعيات أخرى، أهمها الهبوط الحاد في أسعار النفط الذي سيؤدي إلى انخفاض في العائدات المالية نظراً لاعتماد الاقتصاد الروسي على الموارد الطبيعية وأبرزها النفط والغاز، والافتقار للتنوع في قطاعات الإنتاج الأخرى.

على ضوء ما ذكر في المقال السابق من مؤشرات تراجع الهيمنة الأمريكية وما ورد في هذه المقدمة من توضيح لتداعيات الأزمة المالية العالمية على الاقتصاديات الدولية وما سيتولد عنها من تغير في موازين القوى، يمكن لنا أن نأتي إلى رسم الشكل المحتمل للنظام العالمي القادم. من المؤكد أن نظام أحادي القطبية الأخذ بالزوال سيولد على أنقاضه النظام المنتظر المتعدد الأقطاب. فالنظام المتعدد الجديد سيضم إلى جانب الولايات المتحدة التي ستبقى لاعباً دولياً شريكاً، الاتحاد الأوروبي ككتلة اقتصادية وبوزن سياسي مميز، والصين كقوة اقتصادية وسياسية وعسكرية تتحرك بصمت، والهند كقوة اقتصادية صاعدة بحاجة لمزيد من الوقت ولمقومات سياسية هامة، وروسيا إلى حد ما إذا أحسنت استغلال مواردها لبناء اقتصاد قوي ومتين.

فالصين الصاعدة التي لا تزال تصنف كإحدى الدول النامية والتي لا زالت تعمل بمبدأ" لا تظهر قوتك قبل أن تكتمل عناصرها" تنتهج نظام اقتصادي مختلط يجمع بين اقتصاد السوق الرأسمالي والنظام الاشتراكي المعزز لدور الدولة، ومعدل النمو فيها تجاوز 10% ، ولها مقومات سياسية واقتصادية وعسكرية وديموغرافية. اقتصاديا، ستصبح بحلول سنوات وليس عقود أكبر اقتصاد في العالم بفعل النمو المسارع وبفعل اقتصادها المتنوع والمعتمد على الإنسان والتكنولوجيا ورأس المال المتدفق كأدوات أساسية للإنتاج، وليس غريباً إذا أصبح اليوم المنتج الصيني هو أكثر منتجات العالم انتشارا، إذ لا تكاد تخلو منه أي بيت في العالم بل وبمتناول كل إنسان، فقيراً أو غنياً، على طول المعمورة.

من جهة أخرى، إن امتلاك الصين لأكبر سكان في العالم لا يجعل منها فقط أكبر الأسواق العالمية لمختلف أنواع السلع والخدمات، ولكن ايضاً مصدراً للعمالة الرخيصة المقدرة بـ800 مليون إنسان والتي قادت الشركات العالمية المعتمدة في إنتاجها على العمالة والتصدير لنقل معاملها الصناعية إلى الصين. هذه العملية أدت إلى رخص أسعار المستهلك وبالتالي عززت من قوته الشرائية، كما أن الشركات المستوردة من الصين أو التي تعتمد في عملياتها الصناعية على المكونات الصينية الصنع خفضت من تكاليف إنتاجها وبذلك رفعت من قدراتها التنافسية. وبهذا أصبح لهذا العملاق شركاء في المصلحة وهم المستهلكون في أرجاء وأصقاع العالم والمنتجون أيضاً.

ونتيجة للفائض الكبير في حجم الصادرات ورخص الاستهلاك تحتفظ الصين اليوم بأعلى معدلات الادخار وتمتلك أكبر مخزون عالمي من العملات الأجنبية يقدر بـ 2 تريليون دولار، وبفعل ذلك والفائض النقدي الكبير تسعى لشراء كبريات الشركات العالمية سيما المتخصصة في التكنولوجيا المتقدمة، وهذا يمثل أكبر مصادر القلق للإدارة الأمريكية كما ورد في تقرير أكتوبر 2007 المقدم للكونجرس الأمريكي من مركز ألأبحاث التابع للكونجرس، أضف إلى ذلك أن الصين باتت اليوم أكبر الدول المقرضة لواشنطن، ويعلق عليها الغرب أمل إنقاذ النظام المصرفي العالمي من خلال إعادة روح السيولة إلى جسد السوق العالمية.

سياسياً، تبقى الصين بحكم نظامها الاشتراكي ذو الحزب الواحد وتركيبتها السكانية المتجانسة وتربيتها القومية الوطنية دولة قوية موحدة خالية من الصراعات والأزمات، فلم تتورط بأي صراعات إقليمية أو داخلية ، سوى ما حدث في إقليم التبت قبل بضعة أشهر أو ما يجري في بعض الأقاليم ذات الغالبية المسلمة. كما أن حضور الصين البارز في مجلس الأمن الدولي كعضو دائم تتمتع فيه بحق النقض الفيتو جعل منها رقماً صعب تجاوزه او تجاهله في ذروة الهيمنة الأمريكية، وبفضل ذلك لم تجرؤ واشنطن على تدويل قضية تايوان أو السعي لاستصدار قرار أممي يتعرف باستقلالها. ومع تراجع الدور الأمريكي بدأت الصين بلعب أدوار مهمة على الساحة الدولية منها أزمة دارفور، كما سعت لخلق حلفاء سياسيين واقتصاديين من خلال شراكتها الاقتصادية القائمة على البحث وتأمين مصادر الطاقة والمواد الأولية كما يظهر من خلال دورها المتنامي في القارة السمراء وأمريكا اللاتينية، ورغم أن تبادلها التجاري مع هذه الدول يضل منخفضاً نسبياً إلا انه ينمو بسرعة أكبر من نمو تجارتها الإجمالية مع العالم.

عسكرياً، تمتلك الصين أكبر جيش في العالم من حيث العدد(2 مليون ) مدعوماً بثالث أكبر أسطول جوي عالمي، كما تمتلك الرؤوس النووية القادرة على ضرب أقصى الشرق وأقصى الغرب، ولها إستراتيجية وبرامج طموحة لتطوير أسطولها البحري واعتماد التكنولوجيا المتطورة كأساس لفاعلية ترسانتها العسكرية. كما دخلت سباق الفضاء من أوسع أبوابه حيث أصبح لها برنامج فضائي أكثر نشاطاً ولها كامل الرغبة بمواصلة سياسة الهيمنة المعلوماتية، إذ عملت على إطلاق عدد من الأقمار الاصطناعية الخاصة بالتجسس و جمع المعلومات الالكترونية، وتشير تقارير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ( CIA ) أن الصين تنفق حوالي 3.8 % من ناتجها القومي الإجمالي على التسلح وهو ما يثير خفيضة واشنطن.

بالمقابل، هناك عدد من التحديات التي تواجه الصين وتحد من فاعلية دورها على الساحة الدولية منها مشكلة التلوث، والفساد الإداري، والفجوة بين الأقاليم المتطورة والأقاليم الفقيرة، والمشكلة السكانية المتمثلة بشيخوخة المجتمع الناجم عن سياسة الطفل الواحد. ولمواجهة تلك التحديات وضعت الصين في العام 2006 الخطوط العريضة لخلق مجتمع اشتراكي متجانس بحلول 2020 من خلال تقليص الفجوة بين الفقراء والأغنياء تعزيز حكم القانون، وتحسين الحماية البيئية، والقضاء على الفساد ، وتطوير شبكة الأمان الاجتماعي والرعاية الصحية سيما في المناطق الريفية. ووفقاً لذلك يمكن القول أن الصين أصبحت ناضجة ومؤهلة للعب دورها الفاعل كأحد أقطاب النظام العالمي البديل، وسينمو ذلك الدور أكثر فأكثر مع مرور سنوات تقدمها الاقتصادي المفجع.

وفيما يتعلق بالهند والتي ستكون الدخيل الثاني على النظام القادم، تتمتع أيضاً بعدد من المقومات. ففي الجانب الاقتصادي، تعتبر مرشحة لتجاوز اليابان لتصبح ثالث أكبر قوة اقتصادية عالمية خلال سنوات بفعل معدل النمو المرتفع والمقدر بأكثر من 6% ، وهي أيضاً لاعب كبير في ميدان تكنولوجيا المعلومات. وفي الجانب السياسي، تتمتع بنظام ديمقراطي هو الفريد في جنوب شرق أسيا والدول النامية، ورغم عدم امتلاكها لمقعد دائم في مجلس الامن الدولي، فهي تسعى للحصول على ذلك في إطار إصلاح المنظمة الدولية حيث تحضى بدعم كبير من الولايات المتحدة وبعض القوى الغربية، بغية منها لتعديل كفة الميزان مع الصين.

وعلى الصعيد العسكري، تمتلك الهند رابع أكبر جيش في العالم وتعتبر واحدة من سبع أو ثمان قوى نووية تمتلك التكنولوجيا والسلاح النووي. كما دخلت سباق الفضاء وبقوة من خلال بناء مركبات الفضاء وإطلاق عدد من الأقمار الصناعية. وثقافياً، تتميز بالتنوع الثقافي، بالإضافة إلى كون اللغة الانجليزية اللغة الرسمية الثانية وهو ما يمثل أحد عناصر قوتها في تسهيل تفاعلها مع العالم الشرقي والغربي وتفاعل العالم معها.

مقابل ذلك، تواجه الهند عدد من الصعوبات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في مقدمتها الفقر الذي يمثل 26% من عدد السكان، والقصور في فاعلية برامج تحديد النسل، ومعدلات الأمية العالية، ومشاكل التوتر مع باكستان، وبعض الصراعات الداخلية بين الهندوس والمسلمين، والافتقار للدور الفعال في إطار المنظومة الدولية. وبذلك يمكن القول أنه لازال أمام الهند الكثير من الوقت لتنتقل من الدائرة الإقليمية إلى الدائرة الدولية، ولكن يبدو أن القوى الدولية الغربية سيما الولايات المتحدة ستعمل على تسريع عملية انتقال الهند إلى الدولية من خلال تنشيط التعاون النووي معها وضمها مع الصين إلى مجموعة ألثمان وتشجيع دخولها إلى مجلس الأمن كعضو دائم وذلك ليس حباً للأغاني الهندية أو إعجاباً بتاج محل الذي أصبح أحد عجائب الدنيا السبع بل لإيجاد نوع من التوازن مع الصين العظيم ولتكون خط الدفاع الأول للغرب في مواجهة ما يسمى "الخطر الصيني".

أما روسيا التي أخذت تستفيق بعد 28 عاماً من سقوط الاتحاد السوفياتي وأنتها الحرب الباردة فلها أيضاً ما يؤهلها للدخول في النظام المتعدد الأقطاب. يعتمد الاقتصاد الروسي في المرحلة الراهنة بدرجة أساسية على الموارد الطبيعية من النفط والغاز حيث أزداد حجم إنتاجها من النفط وبالتالي ارتفعت صادراتها بشكل كبير منذ العام 1999 لتصبح ثاني منتج نفطي عالمي بعد المملكة العربية السعودية، إذ بلغ إنتاجها اليومي ما يقدر بـ 9.5 مليون برميل، وتعد أيضاً أكبر منتج عالمي للغاز حيث تمتلك أكثر من ربع احتياطه العالمي، ومع الطفرة المالية التي حققتها موسكو خلال السنوات الأخيرة جراء أسعار النفط المرتفعة سعت إلى مد حوالي خمسة أنابيب نفط وغاز إلى أوروبا وشمال أسيا، وبما أن النفط والغاز يمثلان شريان الحياة للاقتصاد العالمي، فغالباً ما عملت موسكو لتسييس هاتين السعلتين في تعاملها مع دول الغرب خاصة، وهي تعمل حالياً على الدفع بالدول المنتجة للغاز لتشكيل نادي خاص بتلك الدول على غرار منظمة أوبك، وذلك بهدف تعزيز دورها ووسائل ضغطها.

ولكن بالرغم من تلك المقومات الاقتصادية يضل الاقتصاد الروسي اقتصادا هشاً معرض للتأثيرات الخارجية، كما هو الحال في انخفاض أسعار النفط وانعكاساتها على إجمالي العائدات المالية الروسية، وبذلك تبقى موسكو بحاجة إلى الانتقال من الاقتصاد المعتمد على الموارد الطبيعية إلى اقتصاد متنوع يعتمد على الاستثمار والإنتاج في القطاعات الأخرى، وهذا هو التحدي الأكبر أمام بوتن ومديفيديف.

على الوجه السياسي، سعت موسكو جاهدة ومنذ السنوات الأولى لسقوط إمبراطوريتها بالحفاظ على مصالحها في مجال نفوذها الحيوي سيما في الدول المستقلة عن الاتحاد السوفياتي وكان ذلك إما عن طريق دعم الأنظمة الحليفة لها أو خلق بؤر صراع في المناطق التي خرجت عن ولائها، لكن ضعفها الاقتصادي والعسكري لم يمكنها من ذلك فخرجت معظم تلك الدول عن قبضتها وانضمت إلى المعسكر الغربي، ومع مجيء بوتن والتحسن الجيد في الأداء الاقتصادي عملت على الحفاظ على نفوذها وخاصة في أسيا الوسطى والقوقاز، حيث وقعت عدد من الاتفاقيات الثنائية الخاصة بالدفاع المشترك مع كازاخستان ، قرقيزيستان، طاجيكستان، أوزباكستان، أرمينيا ،وروسيا البيضاء، وأقامت علاقات جيدة مع الصين، ونجحت بكبح بعض الصراعات الدينية والعرقية في جمهوريات أسيا الوسطى.

وفي السنوات الأخيرة، ظهرت موسكو جريئة في معارضتها لتوسع الناتو على أسوارها الغربية، وأرتفع صوتها بالمعارضة بل بالتهديد لنصب قاعدة الردع الصاروخي الأمريكية في أوروبا الشرقية، وبدأت باستعراض عضلاتها في حربها القصيرة الأخيرة مع جورجيا، إذ بعثت للغرب برسالة مفادها أن روسيا القرن الواحد والعشرين ليست روسيا ما تبقى من القرن العشرين.

كما عمل قادة موسكو الجدد على استعادة بعض الأدوار - وإن كانت بعضها شكلية- على الساحة الدولية منها دورهم في عملية سلام الشرق الأوسط كأحد أطراف الرباعية، ودعوتهم لمؤتمر سلام بديل لمؤتمر أنابوليس وإن لم يعقد، ودورهم في برنامج إيران النووي المثير لغضب الغرب، ودورهم في المحادثات السداسية المتصلة ببرنامج بيونجيانج النووي، وتعزيز علاقاتهم الاقتصادية والعسكرية مع قادة أمريكا اللاتينية المتمردين على سياسة واشنطن. كما أن عضويتها في مجلس الأمن الدولي يمثل لها أحد عناصر القوة لفرض دورها في النظام الجديد.

أما في الجانب العسكري، لا تزال روسيا تمتلك لترسانة سلاح كبيرة ومتطورة سواء السلاح النووي أو الأسطول البحري أو قواتها الجوية، ولا تزال رائدة في سباق الفضاء، وعلى ضوء هذه الحقائق تبدو موسكو قادرة على لعب دورها كقطب في النظام المتعدد الجديد، ولكن قوة أو ضعف ذلك الدور تتوقف على مدى النجاح الاقتصادي الذي يمكن أن تحققه في ظل قادتها الجدد.

ختاماً، على ضوء ما تقدم من مؤشرات تراجع للقوة القائمة وصعود قوى شريكة جديدة نقول أن العالم بدولة وناسه سيعيدون النظر بسياساتهم وأولوياتهم وسيعملون على ترتيب أوراقهم وفقاً لما يدور من حولهم من متغيرات ومعطيات ومؤشرات التبدل في النظام الدولي، ولكوننا العرب جزء من هذا العالم الفسيح نتأثر وبمقدورنا أن نؤثر، فماذا نحن فاعلون؟! هل سنتفاعل مع هذه المتغيرات ونستفيد من التجارب والأخطاء لنخرج برؤية جديدة تقوم على الحد المقبول لاستقلالية القرار والعمل المشترك والاتزان في التعامل مع القوى الدولية الفاعلة لنبني مستقبلنا ونحفظ مصالحنا ونعوض ما فاتنا خلال عقود الضياع خاصة ونحن لا ينقصنا البشر ولا الثروة ولا المال؟ أم سنظل أسرى لعقد الشعور بالنقص، وعدم الثقة بالنفس، ورمي عيوبنا على الغير، لنترك أنفسنا للتيار، فتتقاذفنا الأمواج شرقاً وغرباً، وتتقاسمنا الأقطاب حصصاً وأسهماً؟ وبعدها نشرع كما تعودنا، بعقد المؤتمرات والقمم، ونخرج بأوراق تغيب عنها الهمم.. فمتى نصحا –ياعرب- إن تبقى لنا شيء أسمة الذمم؟!.

sharabi44@yahoo.com