مات محمود درويش قبل أن يُحدثني عن عدن
بقلم/ همدان العليي
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر و 10 أيام
الأحد 10 أغسطس-آب 2008 05:31 م
آن لك أن تخجل من دمع أمك أيها البار بأمك ، كما آن لك أن تُصبح على وطن من سحاب و من شجر يا ابن فلسطين الجريحة .. رحمك الله يا عربي الهوية .. قد قلت يوماً : وضعوا التراب على فمي فالشعر دم القلب .. ملح الخبز.. ماء العين .. اليوم سنرمي على جسدك التراب حباً ، و سيبقى شعرك دم القلب العربي كي لا تموت فيه النخوة أكثر ، و ملح الخبز الذي بات نفطاً ، و ماء عيون كل من يصبوا إلى الكرامة و العيش الكريم .. ها أنت ترحل عن بيادرنا يا مخزون النضال ، و لكن لا تخف .. فلن ننساك بين زحمة الأسماء ، و لن تذوب في زوابع الشتاء ، و لن تنام جراحنا حتى تطيب . كان وقع الخبر عليّ مؤلماً عندما تلقيته برسالة من الشاعر السعودي " صالح الهنيدي " حين قال لي : (( محمود درويش مات وجوابك في صدره مع الأسف )) ..! كُنت قد قمت مؤخراً بالبحث عن وسيلة توصلني إلى الشاعر الراحل " محمود درويش " لأسأله عن عدن ، و ما الذي حدث له فيها عندما زارها .. و عندما ظفرت بعنوانه عن طريق احد أصدقاءه ، أرسلت له رسالة مستفسراً عن ما حدث معه في العاصمة الاقتصادية لليمن ( عدن ) و ما الذي جعله يكتب نص ( ذهبنا إلى عدن ) بتلك الطريقة ؟ أسئلة كثيرة جالت في خاطري على خلفية قراءتي هذا النص النابع من قريحة هذا العملاق " محمود درويش "فقد قال فيه : " ذهبنا إلى عدن قبل أحلامنا ، فوجدْنا القمرْ يُضيءُ جناح الغُراب . التفتنا إلى البَحْر ، قُلْنا لِمَنْ لمن يرفعُ البحرُ أجراسهُ ، ألِنَسمع إيقاعنا المُنتظرْ ؟ ذَهبنا إلى عدن قبل تاريخنا ، فوجدنا اليَمَنْ حزِيناً على امْرئ القَيْسِ ، يَمْضغُ قاتاً و يمحو الصُّورْ أمَا كُنتَ تُدرك ، يا صاحبي ، أنَّنا لاحقان بقيصر هذا الزَّمَنْ؟ ذهبنا إلى جنَّةِ الفقراءِ ، نفتح نافذةً في الحَجر لَقَد حَاصَرتْنا القَبَائِل يا صَاحِبِي ، ورمتنا المِحَنْ و لكنَّنا لَمْ نُقايِضْ رغيف العدُو بِخُبزِ الشَّجَرْ أمَا زال مِن حقّنا أن نُصدق أحْلامنا ، و نُكذب هذا الوَطَنْ؟" قد فهمت أنه – الشاعر محمود درويش - عندما ذهب عدن وجد اليمن يمحو صوره المشرفة عبر التاريخ ، و كأنه يقول نفس المقولة للشاعر السعودي " معبر النهاري " حينما قابلته اثر زيارته لليمن عندما قال لي في أحد فنادق صنعاء : ( وجدت اليمن الجديب و ليس السعيد ) و قد ثبّت هذه المقولة في أحدى قصائده التي ألقاها في صباحية شعرية في بيت الثقافة و الذي نظّمها بيت الشعر اليمني . و لكن أبى فضولي النابع من عشقي لمعرفة كلّ ما يتعلق و يخص وطني ؛ إلّا أن أبحث عن ماذا حدث لمحمود درويش في البلد المضياف ؟ في بلد أهل الطيب و الإيمان و الحكمة ، من حاصره ؟ و ما هي المحن التي ادلئمت به ؟ و متى جاء إلى اليمن أصلاً ؟ لم أعرف أنه يُصارع الموت آن ذاك – عندما أرسلت رسالتي إليه – و قد خانني فهمي عندما قرأت قصيدته الأخيرة " لاعب النرد " و التي أعطاها لنا زميله الدكتور الفلسطيني " عبدالله حسين كراز " كعربون بأن يجد لي وسيلة للتواصل مع العملاق محمود درويش ؛ فلم افهم أن تلك القصيدة قصيدة مودّع .. فقد ظهر فيها أنه يسترجع ذكرياته و أفراحه و أحزانه و مواقفه .. و التي بدأها بـ: مَنْ أَنا لأقول لكمْ ما أَقول لكمْ ؟ وأَنا لم أكُنْ حجراً صَقَلَتْهُ المياهُ فأصبح وجهاً ولا قَصَباً ثقَبتْهُ الرياحُ فأصبح ناياً ... أَنا لاعب النَرْدِ ، أَربح حيناً وأَخسر حيناً أَنا مثلكمْ أَو أَقلُّ قليلاً ... وُلدتُ إلي جانب البئرِ والشجراتِ الثلاثِ الوحيدات كالراهباتْ وُلدتُ بلا زَفّةٍ وبلا قابلةْ وسُمِّيتُ باسمي مُصَادَفَةً وانتميتُ إلي عائلةْ مصادفَةً ، ووَرِثْتُ ملامحها والصفاتْ وأَمراضها : أَولاً - خَلَلاً في شرايينها وضغطَ دمٍ مرتفعْ ( تستطيع أن تجد بقية القصيدة في شبكة الإنترنت ) رحمك الله يا عملاق .. مت قبل أن تُحدثني عن جنتي ، جنة الفقراء ، عن اليمن ، و بالتحديد عن عدن..! رحمك الله يا صاحب الرقم خمسون ألف .. مت قبل أن أطلب منك أن تكتب تحت كل قصيدة لك تهاجم فيها الاحتلال الإسرائيلي ، هذه الجملة: (( أتمنى عدم استخدام هذه القصائد من قِبل مرضى القلوب ، من يرمون أخوتهم في الوطن و الدم بما نرميه على بني صهيون )) كنت أجزم ، بل و على ثقة ، أنه إن علم أن أبناء الوطن الواحد يجعلون من قصائده هو و الشاعر " أحمد مطر " وسيلة من وسائل تهييج العواطف في قلوب العامة لخلق الفتن في الوطن الواحد بهدف تفتيته ؛ لأحجموا عن قول الشعر .. لأنهم ينظمونه هجاءاً للمُحتل الصهيوني و ليس ليستثمره المُتاجرين بالأوطان و مختلقي الفتن ، أمثال اليمني الحسني و العراقي المالكي و السوداني أحمد أدم و غيرهم من العرب ..!! رحمك الله .. مت و آن لك أن تخجل من دمع أمك و مُحبيك . Hamdan_alaly@hotmail.com