آخر الاخبار
ضباط الديجتال
بقلم/ منير الماوري
نشر منذ: 17 سنة و أسبوع و يوم واحد
الأربعاء 12 ديسمبر-كانون الأول 2007 07:02 ص

يطلق العراقيون على مقتدى الصدر نجل المرجع الديني الراحل محمد صادق الصدر، لقب' الملا أتاري'، لأن مقتدى كان معروفا بإدمانه على لعبة ' أتاري' الرقمية أثناء دراسته في الحوزة، وهو الإدمان الذي تجاوز رغبته في قراءة كتب المرجعيات الدينية ومطالعة الفتاوى الجافة. وفي اليمن يتكرر شيئ مشابه لدى فئة من ضباط القوات المسلحة يطلق عليهم اليمنيون، ' ضباط الديجتال' لأنهم مدللون على ما يبدو، ومتعودون على ألعاب الديجتال، ولا يربطهم بالجيش وشؤونه أي رابط سوى البدلات التي يرتدونها والرتب العسكرية التي لا تتناسب مع أعمارهم الصغيرة.

ضباط الديجتال هؤلاء أنيط ببعض وحداتهم الخاصة مهمة مكافحة الإرهاب، ولكن من المفارقات العجيبة، أنهم يرسلون للمشاركة في تمرينات خارجية عديدة مثل مناورات النجم الساطع في مصر، في حين ترسل مدرعات الفرقة الأولى إلى صعدة لمحاربة عبدالملك الحوثي الذي يطلق عليه إعلام اللوزي لقب ' الإرهابي'. ومن بديهيات العمل العسكري أن الدبابات والمدرعات لا ترسل أصلا إلى الجبال، وإنما كان يجب إرسال القوات الخاصة، لمحاربة 'هذا الإرهابي الحوثي وعصابته' ، ولكن قوات مكافحة الإهاب لا يبدو أنها قادرة على مواجهة الإرهاب بقيادة ضباط الديجتال.

لم أكن أعرف ماذا تعنيه عبارة 'ضباط الديجتال' في اليمن، إلى أن تم تعيين تيسير صالح عبدالله صالح أحد أنجال شقيق الرئيس ملحقا عسكريا في واشنطن، وهو شاب صغير السن، يحمل رتبة عقيد، و لا يمثل جيل ضباط الديجتال فحسب بل يمثل جيلا واسعا من الشباب الجدد داخل القوات المسلحة، انتهكوا كل معايير الأقدمية العسكرية والكفاءة وكل المعايير التي لا يمكن أن نجدها إلا في الجمهورية اليمنية لصاحبها علي عبدالله صالح وأخوانه وأقاربه وأصهاره. و مثلما أثارت ترقيته إلى رتبة عقيد وهو في أحسن الأحوال يستحق رتبة ملازم أول استغرابا كبيرا بين زملائه فقد لقي تعيينه ملحقا عسكريا استياء كبيرا في أوساط الضباط الكبار من ذوي الأقدمية، خصوصا أولئك المنتظرين للتعيين في الخارج على أحر من الجمر، واتضح لهم جليا أن مثل هذه المناصب أصبحت حكرا على أقارب وأصهار الرئيس. وأثار هذا التعيين كذلك استغراب معظم الملحقين العسكريين العرب من ذوي الكفاءة في واشنطن، حيث أعطى وجود قريب الرئيس في واشنطن نظرة واضحة عن طبيعة الحكم في اليمن لدى جميع الملحقين العسكريين القادمين من دول العالم المختلفة الذين يتطلب عملهم أن يبعثوا بتقاريرهم إلى سلطات بلدانهم عن كل صغيرة وكبيرة في العاصمة الأميركية.

وبسبب هذا الانتهاك الصارخ لكل المعايير في تعيين الأقارب فإني أشعر بالأسى كثيرا عندما أقرأ في أي صحيفة من صحف المعارضة اليمنية أو مواقعها الإخبارية افتراء على السلطة أو خبرا كاذبا عن رمز من رموزها. ومنبع هذا الأسى لا يعود إلى بأي حال من الأحوال إلى غيرة مني على أهل السلطة الذين يلجؤون للكذب أكثر من غيرهم، ولكن هذا الأسى يعود إلى حقيقة أن المعارضة لا تحتاج إلى تقليد السلطة في الكذب في ظل وجود حقائق ووقائع لاحصر لها من الممارسات السيئة والسياسات الخاطئة التي تستدعي الإنتقاد، كما أن هناك الكثير من المعلومات التي تستحق التحري بقليل من الجهد.

وعلى سبيل المثال فقد نشر أحد المواقع الإخبارية التابعة لحزب كبير من أحزاب المعارضة خبرا غير صحيح عن تكليف خالد علي عبدالله صالح نجل الرئيس، قيادة القوات الجوية، خلفا لعمه محمد صالح الأحمر الذي حل عليه غضب الرئيس، عقب سقوط طائرة ميج 29، في حادث جديد يأتي بعد فترة ليست طويلة من حادثي سقوط طائرتين من نفس الطراز.

وحسب معلوماتي فإن خالد علي عبدالله صالح (18 سنة) يواصل دراسته في إحدى جامعات العاصمة الأميركية واشنطن، في تخصص لا علاقة له بالطيران من قريب أو بعيد، ومازال نجل الرئيس حتى هذه اللحظة موجود في واشنطن دي سي مع أخيه صلاح، ولم يتم تكليف أيا منهما القيام بأي عمل لا في صنعاء ولا في الخارج.

الشخص الوحيد من أقارب الرئيس الذي أصبح جاهزا لأداء دور كبير في القوات الجوية إذا ما تم استبعاد محمد صالح الأحمر منها، هو النقيب معين الشحطري ابن شقيقة الرئيس ، ومن المعروف أنه درس بالفعل طيران في أميركا، ولكن رتبته لا تؤهله أن يتجاوز عشرات الضباط في القوات الجوية ليخلف محمد صالح الأحمر الذي تثور حوله هو نفسه تساؤلات كثيرة عن مدى أهليته، ويرى خصومه أنه لولا قربه من الرئيس لما جرى تعيينه في مثل هذا المنصب الحساس.

وهذا الجدل الدائر حول موضوع فشل محمد صالح الأحمر في قيادة القوات الجوية، وأخطائه الكثيرة، وبقائه في منصبه بسبب عدم وجود شخص من أقارب الرئيس لخلافته، يقودنا إلى سؤال أكثر أهمية وهو هل أصبحت القوات المسلحة بفروعها البرية والجوية والبحرية ملكية خاصة لأقارب الرئيس وأصهاره؟!

هل أنتهى عهد الأقدمية والكفاءة التي تلتزم بها جيوش أعتى الأنظمة الملكية في المنطقة؟!

وكيف يمكن أن يفسر لنا الرئيس، تعيين نجله الأكبر قائدا للحرس الجمهوري، وتعيين ثلاثة من أبناء أخيه الراحل محمد عبدالله صالح، في مناصب حساسة أخرى هي قيادة الحرس الخاص، وقيادة أركان الأمن المركزي، ووكالة الأمن القومي؟! ثم تعيين ابن أخيه الآخر ملحقا عسكريا في واشنطن.

وكيف يمكن أن يفسر لنا الأخ الرئيس تعيين أصدقاء وأصهار هؤلاء الأقارب في مفاصل عمليات القوات المسلحة والأمن؟!

إذا كان الأمر يتعلق بالثقة والخوف من الإنقلاب فكيف يفسر لنا الرئيس تعيين أقاربه وأصهاره الأخرين في مناصب مدنية لا علاقة لها بالقوات المسلحة؟!، فهاهو أحد أصهاره يعمل سفيرا في واشنطن لأكثر من عشر سنوات دون أدنى مراعاة حتى للفترة الزمنية المحددة في قانون السلك الدبلوماسي، والصهر الآخر محافظا لتعز، ثم محافظا للحديدة دون أدنى مراعاة للفشل الذي تأكد عنه سنة بعد أخرى، والصهر الثالث، وزيرا، وأمينا عاما مساعدا للمؤتمر الشعبي العام، والصهر الرابع أمينا للعاصمة الاقتصادية عدن، والقائمة تطول لمدنيين وعسكريين تم تعيينهم بسبب الصلة العائلية بالرئيس، وبدأ أبناؤهم وأخوانهم أيضا يتوسعون في أخذ نصيبهم من الكعكة اليمنية.

ألا يدري الرئيس أنه يمكن أن يحاكم بتهمة الخيانة العظمى، وسوء استغلاله لصلاحياته بسبب تعيينه لهؤلاء؟! ألا يوجد بين اليمنيين غيرهم ممن لم تعرف سجلاتهم الفشل تلو الفشل؟!. إنها أمانة كبرى أن يصبح المرء رئيسا للجمهورية، فهذا منصب خطير يجب أن يتحلى من يتولاه بالنزاهة الكاملة وأن يبتعد ابتعادا كاملا عن إيثار أفراد أسرته وأقاربه وأصهاره، بالمناصب، والمكاسب، لأن البلاد ليست كيكة يتم تقطيعها بين المحاسيب، وإنما أرضا وشعبا صبورا يصمت طويلا ثم يثور فجأة ضد أنظمة الحكم الأسرية.

إن الرئيس باصراره على هذا الأسلوب في تعيين الأقارب والأصهار في هذه المناصب إنما يشجع الشعب اليمني على أعمال العنف، وعليه أن يتذكر أن ثورة سبتمبر التي يحتفل بذكراها سنويا ويعتبر نفسه من مناضليها، لم تكن سوى شكلا بسيطا من أعمال العنف، وسبب قيامها هو الحكم الفردي الأسري البغيض الذي عدنا لنعاني منه يومنا هذا بعد ما يقارب نصف قرن على قيام الثورة.

وعلى الرئيس أن يدرك أن ضباط الديجتال المدللين لن يكون بمقدورهم حمايته عندما يقرر أقرانهم من أبطال القوات المسلحة والأمن ( غير المدللين) الثورة ضد الظلم والاستبداد والاستهبال. وتحرير الجيش والأمن من السيطرة الأسرية العفنة.

نقلا عن صحيفة المصدر