«طالبان»… عود على بدء؟
بقلم/ محمد كريشان
نشر منذ: 3 سنوات و 5 أشهر و 10 أيام
الأربعاء 07 يوليو-تموز 2021 07:57 م
 

وكأن وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد فضّل إغماض عينيه راحلا عن هذه الدنيا قبل أن يرى حركة «طالبان» الأفغانية تعود وتكتسح البلاد مجددا إثر الانسحاب الجاري حاليا للقوات الأمريكية والأجنبية.

قبل عشرين عاما، كان رامسفيلد أحد مهندسي غزو أفغانستان، وبعده العراق، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001 المزلزلة وكان الهدف هو اقتلاع «طالبان» التي أعلنت البلاد «إمارة إسلامية» ووفرت ملاذا آمنا لزعيم «القاعدة» أسامة بن لادن الذي وقف وراء ما جرى في نيويورك وواشنطن.

كانت تلك الإمارة، التي لم يكن يعترف بها وقتها سوى ثلاث دول فقط في العالم هي باكستان والسعودية والامارات، تدير البلد بفهم للإسلام في غاية الحرفية والتطرف فأقامت حكما مستبدا متشددا للغاية، يعدّ على الناس أنفاسهم ويتدخل في أدق تفاصيل حياتهم الشخصية، حتى فرض نمط مجتمع مغلقا يثير استغراب الجميع ويقدم صورة نمطية للدين الحنيف كثيرا ما عمل أعداؤه على ترويجها.

عاشت هذه الإمارة معزولة عن العالم بالكامل تقريبا ولم يكن يخرج منها من الأخبار سوى ما يتعرض له النساء من اضطهاد والتعليم من تضييق والحريات الخاصة والعامة من خنق، مع أن «طالبان» تمكنت من وضع حد للفلتان الأمني ووفرت جوا من الأمان افتقده الأفغان لسنوات طويلة بسبب تحارب فصائل «المجاهدين» بعد انسحاب القوات السوفياتية مكسورة من البلاد عام 1988. كما لم تترك الحركة من شيء لمزيد تأليب الرأي العام الدولي ضدها إلا فعلته وتجلى ذلك بالخصوص حين فجرت في فبراير شباط 2001 تمثالي بوذا الأثريين في باميان وسط أفغانستان الذين يعود تاريخ بنائهما إلى القرن السادس قبل الميلاد.

الآن وبعد عشرين عاما، ها هي الحركة تعود وتكتسح مواقع جديدة على الأرض حتى بات الجميع يتوقع أن تستكمل بسط هيمنتها على كامل البلاد في أجل غير بعيد وهي التي تقول إن 70٪ من البلاد باتت في قبضتها. استطاعت الحركة أن تجبر الولايات المتحدة على الجلوس معها على مائدة التفاوض في الدوحة في جولات متعددة وصولا إلى اتفاق يقضي بانسحاب القوات الأمريكية من البلاد. ورغم الخشية مما هو آت وانتقاد أوساط مختلفة لخطوة الانسحاب هذه التي نسجت على منوالها قوات الحلف الأطلسي، فإن إدارة الرئيس بايدن لم تتراجع عنه تماما كما فعلت في مسائل أخرى.

السؤال الآن هو أي «طالبان» ستعود إلى الحكم الذي طردت منه قبل عشرين عاما؟ هل ستكون نسخة مكررة مما عرفناه أم أن الحركة تغيّرت وقد تكون قامت ببعض المراجعات التي لا نعرف على وجه الدقة مضامينها؟ هل أنضجتها التجربة فباتت أقرب إلى تعامل أكثر فطنة سواء مع الأفغان أو مع المجتمع الدولي.

يقول بعض المطلعين على ما يجري داخل الحركة أن هناك حوارا حيويا يدور حاليا داخلها بين من يعتقدون أن على الحركة أن تعود كما كانت من قبل وأن ما من داع ٍ لتغيير نهجها في الحكم، وبين من يرى أن ذلك سيكون وصفة لفشل جديد لأنه لا يمكن للحركة أن تعيد انتاج نفس السياسات وتنتظر أن تجد تفاعلا مختلفا من مختلف دول العالم.

بعض المؤشرات الأولية توحي بأن التيار الثاني هو من سيكسب هذا النقاش، على الأغلب، لاسيما وقد كانت تجربة التفاوض مع الأمريكيين فرصة جيدة للتدرب على «الاشتباك» مع العالم الخارجي خارج الاشتباك بالأسلحة ميدانيا الذي أثبتت الحركة أنها تجيده تماما. لقد أدارت الحركة تلك المفاوضات بكثير من الصبر والاصرار وفنون المكر كذلك، مع عدم التخلي عن السلاح وسيلة ضغط حاضرة باستمرار مما يعني، مبدئيا، أن القيادات البرغماتية هي الممسكة بزمام الأمور أكثر من عقائدي الحركة ممن يرغبون فقط في إعادة الأمور إلى المربع الأول.

طبعا لا أحد يدري ما الذي يمكن أن يتغير في الحركة إن هي عادت واستلمت مقاليد الأمور في أفغانستان واستتبت الأمور لها بالكامل ميدانيا، مع أنها تحاول بعث رسائل طمأنة مختلفة حول مصير المناطق التي سقطت مؤخرا بأيديها، لكن المتابعين للملف الأفغاني يعتقدون، أو ربما يتمنون، أن تُقدم الحركة على مجموعة خطوات ومبادرات تحول دون عودة البلاد إلى دوّامة القتال والحرب الأهلية التي عرفتها في أعقاب انسحاب القوات السوفياتية وسقوط النظام الموالي لها في كابل بقيادة محمد نجيب الله.

أول هذه الخطوات الضرورية وأكثرها إلحاحا قرار قوي وسريع من الحركة مفاده بأنه ليس من الحكمة أبدا أن تعود لحكم البلاد، منفردة وبنفس الطريقة السابقة، إذ إن هناك أطرافا أخرى وأثنيات مختلفة تتوجس خيفة من ذلك ومستعدة للقتال دفاعا عن وجودها. ليس من الحصافة أن تفعل ذلك ولهذا عليها أن تتجه لطمأنة هؤلاء، وكذلك الحكومة، بغية التوصل إلى تفاهم ما ينظم التعايش بين الجميع، مهما كان ذلك صعبا. من نجح في التفاوض مع الأمريكيين أولى به أن يفعل ذلك مع أبناء بلده.