قراءة في تداعيات وصعود التيار الحوثي في اليمن
بقلم/ القدس العربي
نشر منذ: 17 سنة و 9 أشهر و 24 يوماً
الثلاثاء 27 فبراير-شباط 2007 03:26 م

الحركة الحوثية هي جماعة دينية ظهرت في السياق السياسي اليمني في الاعلام اليمني عندما قامت بسلسلة من المواجهات مع قوات الحكومة اليمنية، وتداولت الحركة خطابين، خطاباً سياسياً يطمح لكي يقدم صورة عن الحركة باعتبارها جماعة تمرد وخطاب الحركة الذي يقول ان عداءه لامريكا كان سبب المواجهة مع الحكومة المركزية في صنعاء، خاصة ان مركز تمرد الجماعة بدأ في مدينة صعدة،

شمال مدينة صنعاء. ومع ان ظهور الحوثي وجماعته لم يكن مفاجئا للمراقبين اذ ان حسين الحوثي ينتمي لعائلة معروفة بالعلم حيث كان والده بدر الدين الحوثي من علماء اليمن المشهورين، الا ان تحولات الحركة وتطورها الي مواجهة عسكرية مع الدولة هي التي جعلت الحركة في مركز الاهتمام الاعلامي. ويري العديد من المراقبين ان حضور الحوثي كخطاب ومواجهة مع الحكومة لم يبدأ الا في الاعوام السبعة الاخيرة يستغرب الكثير من المراقبين الوضع الذي وصلت إليه مواجهات صعدة ، بخاصة وأن الحوثي لم يكن له أي حضور في الساحة القبلية والدينية في اليمن إلا في الأعوام السبعة الأخيرة. حسين الحوثي كما يقول العارفون لم يكن يسعي الي تأكيد صورته كزعيم لتنظيم مستقل الا بعد ان انشق عن حزب الحق الاسلامي الذي اسسه الشيخ احمد الشامي، واطلق الحوثي اسم تنظيم الشباب المؤمن علي الحزب. وكان حسين الحوثي عضوا في البرلمان اليمني في الفترة ما بين 1993 الي عام 1997، بعدها اخذ في بناء قاعدة لتأييده خاصة في مديرية حيدان دون ترخيص قانوني، اطلق عليها اسم الحوزة . علاوة علي المنشورات والمقالات الصحافية التي كتبت عن الحركة التي لا تزال تواجه الحكومة اليمنية فلم تصدر الكثير من الدراسات عن هذه الحركة وما كتب عنها ربطها بالثورة الايرانية وبانها تيار في داخل الفكر الزيدي يبتعد عن هذا الفكر المنفتح ويتأثر بالفكر الامامي، ويري البعض انها تلقي الدعم من الفكر الامامي، سواء من خلال الدعم المالي او المعنوي، وهناك الكثير من المقالات والحوارات علي الانترنت التي تأخذ هذا الموقف او ذاك، وقد صدر في العام الماضي كتاب للباحث اليمني، عادل الاحمدي، عن مركز نشوان الحميري في صنعاء الزهر والحجر : التمرد الشيعي اليمني موقع الاقليات الشيعية في السيناريو الجديد يقدم دراسة عن تطورات الحركة ويدرس تطورها عبر تاريخ الامامة في اليمن والكفاح من اجل الجمهورية والتخلص من الحكم الامامي والوحدة بين اليمنين، الشمالي والجنوبي. وما يهم في هذا الكتاب هو ما قدمه عن تاريخ الحركة الحوثية والوثائق التي الحقها في نهاية كتابه، اما مقدماته الاولي الامامة وتاريخها، والعصيان والتمرد وموقع الاقليات الشيعية فهي فصول بحاجة لنظرة اخري. وما نهدف هنا تقديمه معلومات عن هذه الحركة، كما قدمها الاحمدي، من خلال تلخيص افكار لها تساعد علي فهم ما يحدث في ضوء تفجر النزاع من جديد.

ان تحليل تطور الحركة الحوثية لا ينفصل عن التطورات التي حدثت في اليمن فيما بعد حرب الخليج، وعودة اكثر من مليون يمني كانوا يعملون في السعودية، والاعباء الاقتصادية التي القيت علي الاقتصاد اليمني، ويري باحثون ان الحركة ازدهرت داخل هؤلاء الذين عادوا وتأثروا من تبعات حرب الخليج. ويقال ان الحوثي كان يصرف لكل عضو في تنظيم الشباب المؤمن مرتبا شهريا يتراوح ما بين خمسين الي مئة ريال.

وبرز الفكر الحوثي من خلال التحاور والاعتراض علي خطباء المساجد الذين لا يتفقون مع افكاره وترديد شعارات معادية للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ، خاصة أثناء صلاة الجمعة. ولاحقا بدأ الحوثي يوسع نشاطه بشكل أكبر ليشمل مناطق أخري غير المناطق التي يسيطر عليها في محافظة صعدة، حيث بدأ باستقطاب المئات من شباب محافظة حجة القريبة من محافظة صعدة. وبحسب تقديرات الداخلية اليمنية فإن عدد الشباب الذين التحقوا بتنظيم الحوثي من محافظة حجة بلغ 331 كان يدفع لهم الحوثي مبالغ شهرية تصل إلي 7 آلاف ريال. وفي خطوة اعتبرتها الحكومة تحدياً لسلطتها المركزية كانت عندما طلب الحوثي من المواطنين الامتناع عن اداء الزكاة، واصدار فتوي ضد النظام القائم متهما اياه بانه نظام قائم علي امامة الغصب. كما صدر كتاب وصف فيه الحوثي نفسه بأنه المهدي المنتظر ، وطلب من اتباعه أن يبايعوه علي ذلك. ونشرت مصادر الحكومة نصا للبيعة والتي تقول أُشهد الله علي أن سيدي حسين بدر الدين هو حجة الله في أرضه في هذا الزمان واُشهد الله علي أن أبايعه علي السمع والطاعة والتسليم وأنا مقر بولايته وأني سلم لمن سالمه وحرب لمن حاربه وهو المهدي المنتظر القائم الذي يملاْ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، أبان لنا طريق النجاة وأوضح كتاب الله علي أوضح بيان فنسأل الله أن يحشرنا في زمرته .

حسين الحوثي

ولد حسين الحوثي عام 1956 في قرية آل الصيفي بمنطقة حيدان التابعة لمحافظة صعدة علي بعد 240 كيلومترا شمال غربي العاصمة اليمنية صنعاء قبل نحو ست سنوات من اندلاع الثورة اليمنية التي قضت علي الحكم الإمامي الذي استمر لأكثر من احد عشر قرنا امتدادا للدولة الزيدية التي تأسست في جبال صعدة.

والتحق حسين بدر الدين الحوثي بمدارس التعليم السنية في محافظة صعدة (المعاهد العلمية) التي كانت حركة الإخوان المسلمين تديرها قبل أن تتحول إلي حزب سياسي عام 1990 هو التجمع اليمني للإصلاح. كما تلقي العلم علي يد والده وعلماء المذهب الزيدي والتحق الحوثي بكلية الشريعة في جامعة صنعاء وحصل منها علي شهادة البكالوريوس في الشريعة والقانون.

وفي 1992 قرر الانخراط في العمل السياسي كمؤسس لحزب الحق المعارض الذي جري تأسيسه من قبل علماء ومثقفين ورجال قبائل ينتمون للمذهب الزيدي. وقد ساند الحزب الاشتراكي اليمني (الشريك في الحكم آنذاك) تأسيس حزب الحق في إطار حساباته السياسية وحرصه علي إيجاد قوي سياسية باتجاه ديني لمواجهة التجمع اليمني للإصلاح ذي الاتجاه الإسلامي المعارض. وتراجع عن ترشيح نفسه في انتخابات عام 1997 لينصرف الي الدعوة والي تأسيس منتدي الشباب المؤمن الذي استقطب العديد من المثقفين من المذهب الزيدي. وقد رفض حسين الحوثي الحوار مع الحكومة، كما رفض مبادرات الوسطاء للعدول عن تشدده المذهبي قبل اندلاع المواجهات في صعدة في 18 حزيران (يونيو) الماضي في جبال مران حيث تمركز مع المئات من أنصاره حتي مقتله 2004.

الجذور

تعود جذور حركة الحوثي التي يربطها الكاتب بما يسميه المشروع الجارودي (احدي فرق الزيدية سميت نسبة لابي الجارود التي تتحدث عن وجود نص نبوي بامامة الامام علي)، الي الثمانينات من القرن الماضي، حيث عاود اصحاب المشروع بنوع من الهدوء. وبدأ أول تحرك مثمر ومدروس في عام 1982 علي يد العلامة صلاح احمد فليتة، والذي انشأ في عام 1986 اتحاد الشباب وكان من ضمن ما يتم تدريسه مادة عن الثورة الايرانية ومبادئها يقوم بتدريسها محمد بدر الدين الحوثي. وفي عام 1988 تجدد النشاط بواسطة بعض الرموز الملكية التي نزحت الي المملكة العربية السعودية عقب ثورة 1962 وعادوا بعد ذلك وكان من ابرزهم العلامة مجد الدين المؤيدي والعلامة بدر الدين الحوثي. ويري الكاتب ان بدر الدين هو الزعيم المؤسس للحركة الحوثية والأب الروحي لها، وليس ابنه حسين او غيره سوي قيادات تنفيذية، فيما العلامة بدر الدين هو المرشد والمفتي والزعيم. مع قيام الجمهورية اليمنية في 22 ايار (مايو) 1990 تحولت هذه الانشطة الي مشروع سياسي، تساوقا مع المناخ السياسي الجديد الذي اقر التعددية وقد اعلن ما يزيد عن 60 حزبا في اليمن تمثل جميع التوجهات القومية واليسارية والاسلامية والليبرالية، فيما تمثلت الاحزاب الشيعية في حزب الثورة الاسلامية، حزب الله، حزب الحق، اتحاد القوي الشعبية اليمنية. وقد تواري الحزبان الاولان (حزب الثورة، حزب الله)، فيما بقي في الساحة حزب الحق واتحاد القوي الشعبية. وكان اكبر مهرجان لحزب الحق في منطقة الحمزات تحت مسمي (مخيم الفتح) واستمر لمدة اسبوع ظهرت علي هامشه الخلافات بين حسين بدر الدين الحوثي وحسين يحيي الحوثي.

منتدي الشباب المؤمن

وقد تشكلت نواته الاولي في عام 1992 علي يد محمد سالم عزان ومحمد بدر الدين الحوثي وآخرين.. لكن انشقاقا في صفوف هذا المنتدي ادي الي وصول حسين بدر الدين الحوثي لقيادة المنتدي ومعه عبد الله عيضة الرزامي وعبد الرحيم الحمران بالاضافة الي محمد بدر الدين الحوثي.

ويري الكاتب ان الحزب تحول عن افكاره ونشاطاته الثقافية والدعوية في عام 1997 الي المدلول السياسي وصار اسمه تنظيم الشباب المؤمن وتفرغ له حسين بدر الدين عازفاً عن الترشح في مجلس النواب، تاركا المقعد، الذي كان يشغله لأخيه يحيي بدر الدين الحوثي.. فيما برز والده بدر الدين الحوثي كمرجعية عليا للتنظيم، مما ادي الي تهميش دور كل من المؤيدي وفليتة. ونشب بين التيارين في داخل منتدي الشباب المؤمن والتيار الجديد الذي يتزعمه الحوثي عدد من الخصومات وتبرأ كل طرف من الاخر، فقد اتهمت جماعة المؤيدي تنظيم الشباب المؤمن بالانقلاب علي مبادئ الزيدية، فيما كان الاخيرون يتهمون جماعة المؤيدي بالتحجر والجمود، وبالميل الي الافكار الشوكانية، نسبة للامام محمد بن علي الشوكاني. جاءت نشاطات الشباب المؤمن في الفترة التي خاضت فيها الحكومة حربا ضد الجبهة الوطنية الديمقراطية المدعومة آنذاك من النظام في عدن مطلع الثمانينات.

وكانت تشن علي النظام حرب المناطق الوسطي من اليمن. وكان من بين اجندتها الثقافية تشجيع قبائل الشمال علي احياء الزيدية بوصفها مذهبا ثوريا يجيز مبدأ الخروج علي الحاكم، وذلك بغرض توليف عوامل التوتر علي نظام صنعاء، ووجد مثل هذا التشجيع شيئا من الحضور علي مستوي بعض النخب المثقفة.

ينطلق الكاتب الاحمدي من اطروحة ان الحركة الحوثية هي امتداد للفكر الامامي الشيعي التي حاولت احياء الفكر، وتطورت هذه الحركة بعد ذلك بسند من الثورة الايرانية لتغدو مشروعا سياسيا عريضا علي يد الحركة الحوثية ، تلك التي لا يمثل اتباع حسين بدر الدين الحوثي سوي جناح فكري وقبلي فيها. في الفترة الاولي من تأسيسه حصل الحزب علي مقعدين في اول انتخابات برلمانية في دولة الوحدة 27 نيسان (ابريل) 1993 من بين 301 مقعد هي قوام البرلمان اليمني وكلا المقعدين من محافظة صعدة، احدهما دائرة حسين بدر الدين الحوثي، والآخر دائرة عبد الله عيضة الرزامي، وكلاهما لم تنته تلك الدورة البرلمانية الا وقد قدما استقالتهما من حزب الحق.

حصل حزب الحق علي 18.659 صوتا، اي 0.8 بالمئة من اجمالي الاصوات في انتخابات 1993، وفاز اثنان فقط من 65 مرشحا للحزب بعضوية مجلس النواب من محافظة صعدة. اما في انتخابات 1997 فقد تدنت حصيلة الاصوات التي حصل عليها مرشحو الحزب الـ26 حيث بلغت 5.587 صوتا اي ما نسبته 0.21 بالمئة في حين لم يصل اي واحد منهم الي قبة البرلمان. وفي 2003 رشح الحزب 11 عضوا للانتخابات لم يفز منهم احد. ويقول الكاتب ان عوامل عدة ادت لاستقالة الحوثي والرزامي منها ما يتعلق بأوضاع داخلية في الحزب، منها بتنازع الصلاحيات واختلاف وجهات النظر بين كل من جناح المؤيدي رئيس الحزب وجناح نائبه بدر الدين الحوثي، واخري فكرية بين الجناحين نفسيهما. ويقول الاحمدي ان جناح الحوثي نصب من نفسه مجددا ومصلحا للمذهب، مقدما جملة من الافكار والمعتقدات الاثني عشرية مع قيامه بشن حملات حادة ضد علماء الجناح المؤيدي تتهمهم بالتساهل في الحفاظ علي المذهب وبالتراخي والقعود عن تبليغه ونشره. لكن اهم ما دفع الي استقالة حسين بدر الدين الحوثي وعبد الله الرزامي، تتعلق ـ بعدم جدوي المشاركة في العملية السياسية. وقد توصل الحوثي الي حقيقة ان الاستمرار في المشروع السياسي عبر قناة حزب الحق اشبه بـ الحرث في بحر .. وان لا منافع سياسية من خلال التعددية السياسية. وهو شعور خامر جزءا لا بأس به من اتباع الحزب، فانسلخ جزء كبير منهم وانضموا للحزب الحاكم، فيما انضم البقية الي تنظيم الشباب المؤمن.

تراجع المؤيدي وصعود الحوثي

كان الصعود المتنامي لتنظيم الشباب المؤمن بقيادة الحوثي، يتم علي حساب الحجم السياسي والشعبي لحزب الحق بقيادة المؤيدي، ويعتقد الاحمدي ان رجحان كفة تيار الحوثي تعود الي استغلاله الدعم الايراني المخصص لتصدير الثورة الي اليمن والذي كان في بداية الامر دعما فكريا اكثر منه ماديا، مما ادي الي معارك فكرية عدة بين الشباب والشيوخ اصدرت خلالها بيانات التبرؤ من تنظيم الشباب المؤمن.

واستمر تصاعد التنظيم بصورة اصبح فيها تنظيم الشباب المؤمن ورقة هامة في يد التيار الحوثي يساوم بها الحزب (والدولة بعد ذلك) علي مطالب. نستشف ذلك من رسالة وجهها كل من حسين الحوثي وعبد الله الرزامي الي امين عام الحزب العلامة احمد الشامي تتضمن مقترحات لانعاش عمل الحزب، وعرضا بان يكون الشباب المؤمن في صف حزب الحق، بل تقترح الرسالة اسماء اعضاء اللجان المنبثقة عن الحزب وتضع التصورات للائحة المالية، لكن الحزب يبدو انه لم يستجب لتلك المقترحات. فما كان من الرجلين الا ان قدما استقالتهما مع آخرين بعد عشرين يوما علي تاريخ الرسالة.

لعبة التوازنات

يشير الكاتب الي ما يراه لعبة التوازنات في السياسة اليمنية التي اسهمت لتبني او تشجيع التيار الحوثي حيث يقول انه بمجرد قيام الوحدة اليمنية 1990 علي يد كل من المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، سعي كل منهما الي استمالة الحزب الاحزاب الاخري الي صفه سعيا من كل منهما الي تقوية حضوره.

ولما كان الاخوان المسلمون (التجمع اليمني للاصلاح) حليفا تاريخيا للمؤتمر الشعبي واداة تأثير فكرية ودينية استعملها المؤتمر منذ بداية الثمانينات ضد شريكه الحزب الاشتراكي، فان الأخير سعي هو الآخر لكسب حليف فكري مضاد فقام بتشجيع حزب الحق وتقويته عملا بمبدأ لعبة التوازانات المعروفة في تزاحمات الساسة، وكان الحزب قد استغل الحركة الحوثية ذاتها في صراعه مع شريك الوحدة (المؤتمر) في الفترة الانتقالية، وتفعلت رابطة النسب العلوي لكل من بدر الدين الحوثي وزعيمي الاشتراكي علي سالم البيض وحيدر ابوبكر العطاس لتفضي الي تأييد حوثي للانفصال، وحدثت عقب حرب 94 مناوشات بسيطة في صعدة من قبل اتباع الحوثي، وانتهي الامر بحملة عقب الحرب دمرت منزل بدر الدين الحوثي وخرج علي اثرها الي لبنان وايران قبل دخول وساطة في الخط اعادت الرجل الي اليمن في عام 1997.

بعد خروج الحزب الاشتراكي اليمني من السلطة بفعل حرب الانفصال 1994 انفرد حزبا المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للاصلاح بالسلطة، وتفرغ كل منهما الي توسعة حضوره وتقليص الاخر قدر المستطاع. وهي معركة نال فيها المؤتمر الاغلبية المريحة، فيما خسر الاصلاح قرابة 10 مقاعد وانضم الي خانة المعارضة. هنا يقول الكاتب ان الرئيس علي عبد الله صالح (رئيس الجمهورية رئيس المؤتمر الشعبي العام) بدا له استغلال الشباب المؤمن لضرب خصمين في وقت واحد: حزب الحق وتجمع الاصلاح ووصل الامر حد اعتماده مبلغا وقدره 400 الف ريال ولتنظيم الشباب المؤمن يصرف شهريا من خزانة رئاسة الجمهورية لهذا الغرض. ومع ان الرئيس قام بمثل هذه التوازنات الا انه في هذه المرة وجد ان اللعبة ليست موفقة خصوصا مع حركة ذات مطلب سياسي بأثر ديني وراع اقليمي وميليشيات مسلحة.

هذا بالنسبة للعوامل الداخلية، اما العوامل الخارجية التي ادت الي تصاعد الحركة فقد كان غزو العراق للكويت 2 آب (اغسطس) 1990، والحرب التي شنت ضده مطلع 1991، ثم حالة الحصار والضربات الجوية المتواصلة عليه.. كل ذلك التدهور في الوضع العراقي كان يقابله تصاعد من جانب ايران.

ويقول الكاتب ان التيارات السياسية والفكرية في عدد من دول المنطقة تلقت دعما من ايران وكان اليمن واحدا من المناطق التي تلقت هذا الدعم من خلال محاولات استقطاب اتباع المذهب الزيدي منذ عام 1990، حيث توجهت الانظار الي اليمن كلاعب اقليمي ناشيء ومؤثر. ويقول الكاتب ان ايران كانت مخيرة بين دعمها حزب الحق ودعمها للشباب المؤمن، وكان الحظ حليف هذا الاخير كونه يتواءم مع طبيعة سيناريو التغيير الذي سيطال المنطقة والذي بدأت تتكشف ملامحه بعد سقوط بغداد في آذار (مارس) 2003، كما يقول الكاتب.

ويري ان احداث ايلول (سبتمبر) 2001 اثرت كثيرا علي آلية عمل التنظيمات الشيعية في المنطقة، خاصة ان تيارات تأثرت بالاجراءات التي طبقت في عدد من الدول العربية مثل تيار السلفية والاخوان، الذين اقصي اتباعهم عن المساجد.

وعلي هذه الخلفية بدأت حركة الشباب المؤمن بملء الفراغ السلفي والاخواني. ورفع التنظيم ما عرف بعد ذلك بـ الصرخة وهي: الله اكبر، الموت لامريكا، الموت لاسرائيل، النصر للاسلام، اللعنة علي اليهود وتحت هذا الشعار تم حشد الالاف من الشباب الناقم علي الجبروت الامريكي المتغطرس، وانتقل عمل التنظيم من طابعه الفكري الي طابعه السياسي. وتحت هذه اللافتة تم التجييش الداخلي للتنظيم والتعبئة المواكبة لقبائل في صعدة وما جاورها.

المرحلة ما بين 1999 -2004

بين عامي 1999 ـ 2004 بدأ نشاط تنظيم الشباب المؤمن يأخذ طابعا عسكريا الي جانب تكثيف الدور الثقافي عبر المخيمات الصيفية. وخلال هذه الفترة توسع نشاط التنظيم في ارجاء محافظة صعدة، ثم افتتحت العديد من الفروع في محافظات الجمهورية، ففي صعدة وحدها 24 مركزا، عمران 6 مراكز، المحويت 5 مراكز، حجة 12 مركزا، الامانة 5 مراكز، ذمار 7 مراكز، اب مركز واحد، وكذلك تعز، بينما في محافظة صنعاء 4 مراكز، الي ذلك تم انشاء الجمعيات الخيرية والتعاونية التي تصب مواردها في دعم التنظيم وانشطته، مضافا الي ذلك الموارد المالية من اطراف في الخارج.

وفي الفترة ذاتها 1999 ـ 2004 حدثت اوسع عملية تغلغل في المرافق الحكومية واجهزة الدولة المدنية ومنها العسكرية، مع تركيز مواز علي المرافق التعليمية في محافظات صعدة، عمران، حجة، صنعاء والجوف، وخصوصا اثناء حركة الدمج بين المدارس الحكومية والمعاهد العلمية التي كان يشرف عليها حزب الاصلاح.

وحسب بعض الوثائق التي تم العثور عليها مع انصار الحوثي فان صعدة تقسمت بحسب الخطة الحوثية الي ثلاث مناطق قتال: الرزامات، آل شافعة، آل النمري. فيما كانت اهم مناطق التمركز هي: جبل القوازي، شعب الوشل، الحصن، جبل حضيفة، ذات السبيل، جبل ايوب، جبل القدم، جبل ام عيسي.. واحتوت هذه النقاط علي 14 موقعا. في كل موقع يتمترس ما بين 4 ـ 5 اشخاص. وتذكر الوثائق ان يوسف احمد المداني كان مسؤول التسليح.

من الناحية الاعلامية بدأ التصعيد بارسال مجموعات الي العاصمة بغرض ترديد الصرخة في الجامع الكبير والتأكيد للشباب الذين يذهبون لهذا الغرض

وكان اول ظهور لما عرف بـ الصرخة في يوم 17 كانون الثاني (يناير) 2002 عقب محاضرة القاها حسين بدر الدين الحوثي في مدرسة الهادي بمنطقة مران، بعنوان الصرخة في وجه المستكبرين . تطرق خلالها الي الطغيان الامريكي والمنطقة والهوان الذي تعاني منه الشعوب العربية والاسلامية. وهاجم فيه تواطؤ الحكام واشاد بموقف ايران وحزب الله، مستعرضا الايات القرآنية الداعية الي الجهاد، ومفضيا الي ضرورة مواجهة الجبروت الامريكي الاسرائيلي بترديد شعار الله اكبر، الموت لامريكا، الموت لاسرائيل، اللعنة علي اليهود، النصر للاسلام وموجها الاتباع الي ضرورة ترديده في المساجد، مشددا علي ضرورة الا تتجاوز ردة فعلهم الجهادية ضد امريكا مسألة ترديد الشعار وادي هذا لحملة اعتقالات وصل عددها حسب ما تقول صحيفة الحزب الامة الي 600 معتقل.

يعتقد الكاتب ان هناك غيابا في الرواية الحوثية المتماسكة تقدم تحليلا او عرضا للازمة ومحطات تطوراتها مقابل الرواية الرسمية ممثلة بالرئيس. ولكن التيار الحوثي يركز علي نقطة واحدة في كل مرة. وهي ان الدولة تمنعهم من قول الشعار. وزاد الحوثي الاب في حواره الشهير مع صحيفة الوسط ان قال ان سبب المواجهات هو ان الرئيس يخاف من ان يأخذ عليه حسين الولاية العامة.

ويلاحظ الكاتب ان الخطاب الرسمي في هذه المرحلة اتسم بالاندفاع وكان اندفاعا تنقصه المعلومات الكافية وتنقصه الخطة، وينقصه التنبؤ السليم لنتائج المعركة، ما جعله يقع في سقطات عدة، خصوصا في ظل حديثه المستمر عن قرب حسم المعركة، فيما العكس يحدث علي ارض المواجهة. وبنفس السياق اتسم الخطاب الحوثي في هذه المرحلة بردة الفعل القائمة علي دحض ونفي مزاعم الاعلام الرسمي، وتأكيد التزامهم بالنظام الجمهوري واحترامهم للدستور، وان السلطات هي التي اعتدت عليهم.

اندلعت مواجهات هذا الطور منذ تاريخ 12/7/2005 واتسمت المواجهات الثانية بتغير ميدان المعركة واتساعه، مع حدوث بعض المناوشات والهجوم المباغت من قبل اتباع الحوثي علي اهداف حكومية في مدينة صعدة، الي جانب محاولات اخري حدثت في بعض المناطق من محافظة الجوف المجاورة لصعدة من جهة الشرق. واتخذت المواجهات في هذا الطور طابعها السياسي الشيعي بصدور بياني مناصرة من قبل الحوزات الاثني عشرية في كل من النجف وقم.

خلية صنعاء

وخلال هذا الطور، ايضا، اتسع نطاق المواجهة الي العاصمة صنعاء من خلال جملة من التفجيرات قام بها ما عرف بـ خلية صنعاء بقيادة ابراهيم محمد عبد الله عيسي شرف الدين، وحسب المصادر الامنية، تم اعتقال افراد الخلية وبحوزتهم العديد من الذخيرة والمتفجرات والصواريخ اليدوية. وبدا واضحا تصاعد نبرة المواجهات من قبل الحوثيين علي الصعيد الاعلامي خصوصا مع انتقال يحيي بدر الدين الحوثي الي دول اوروبية وبذل مساعٍ حثيثة لتدويل الازمة.

وتم ايضا في هذا التطور بروز عدد من الاسماء والمسميات المكرسة للطابع السياسي الشيعي للحركة الحوثية حيث برز الي السطح مسمي المجلس الاعلي للزيدية في اليمن وكذا تداولت الصحف اسم آية الله عصام العماد المقيم في ايران، وهو صاحب كتاب رحلتي من الوهابية الي الاثني عشرية وكان اماما في جامع الاسطي بشارع الزبيري في امانة العاصمة. اعلاميا، تصدت صحيفة البلاغ الاسبوعية لتكون ناقلا لتصريحات الحركة الحوثية، مع تصعيد واضح في خطابها لمسألة الحسين، والغدير بذات النسبة التي يتم بها تصعيد هذه الامور علي القنوات التابعة لايران وحزب الله.

في 28 شباط (فبراير) 2006 انتهت المواجهات الثانية بتوقيع صلح مثله من جانب الحوثيين عبد الملك بدر الدين الحوثي، وعن الجانب الرسمي العميد يحيي الشامي محافظ صعدة الجديد والذي اعلن انه وبموجب هذا الصلح انتهي التمرد والي الابد.

التعبئة المعنوية

يتحدث الكاتب عن انماط التعبئة والمكانة التي بلغها حسين الحوثي ذلك ان الرجل، حسب ما سمعت من احد القاطنين في المنطقة، قد ضرب نموذجا نادرا في خدمة الناس وحل مشاكلهم في اسرع الاوقات وبأسهل الحلول منقذا اياهم من جحيم زنزانة في مبني المديرية كانت تدعي غرفة اليهودي . انشأ حسين بدر الدين جمعية خيرية لدعم من لا يمتلكون رأس مال كافياً لاقامة مشاريع تجارية يقيمون بها اودهم.. نظم امور الناس بشكل جميل وسلسل. وكان يبتاع من سوق المنطقة ما فاض من السلع المعرضة للتلف كاللحم والطماطم وبسعر ربما اكثر من سعرها الاصلي.. حسين بدر الدين علاوة علي ذلك كله خدم المنطقة بشكل كبير في مجال المياه والخدمات الاساسية وكان يفي بأي وعد يقطعه علي نفسه لابناء المنطقة فيما يتعلق بالخدمات والمشاريع الامر الذي اكسبه مصداقية عالية عند الاهالي واكسبه احتراما عميقا في نفوسهم الي الحد الذي جعلهم لا يصدقون انه قتل.. اذ لا تعدم ان تجد من يقول: لم يقتل سيدي حسين وانما عرج به الي السماء.

وشك الكثير من الاهالي لأول وهلة في صدق تنبؤات حسين بدر الدين فيما يتعلق بالهجوم الوشيك علي المنطقة من قبل الامريكان وسلطات النظام. كما ان سماته تلك مكنته ايضا من قيادة اتباعه الي اي فكر يريد. ايمان الحوثيين المطلق بحسين بدر الدين نستشفه بجلاء من خلال مناقشات جلسات لجنة الحوار مع المعتقلين من اتباع الحوثي ونستشفه كذلك من بسالتهم وصمودهم علي ارض المعركة.

يري الكاتب ان الناظر في محاضرات حسين بدر الدين الحوثي يكتشف بجلاء كيف ان الرجل نجح تماما في ادخال اليقين الي نفوس اتباعه بأن معركة ستحدث بينهم وبين السلطات، وان هذه الاخيرة ستخوض المعركة نيابة عن امريكا واسرائيل ضد الحوثي واتباعه وذلك لما يمثله هؤلاء، حسب زعمه، من خطر علي المشروع الامريكي ـ الاسرائيلي في اليمن والمنطقة.

اعتمدت اساليب الحوثي في تعبئة اتباعه (ومعظمهم من الشباب والفتيان المتحمسين) علي الآيات القرآنية الصريحة في جهاد الكافرين وقتالهم. بعد ان قام بالحيلولة بينهم وبين الضوابط العلمية لفهم هذه الآيات، وذلك عن طريق سخريته الماهرة من موروث السنة واصول الفقه وعلوم القرآن من ناسخ ومنسوخ، ومتشابه ومحكم، واسباب النزول، متذرعا بأن القرآن واضح انزله الله بلسان عربي مبين ليفهمه الخاص والعام، وبالتالي فالمطلوب، فقط، معرفة اللغة العربية، اما السنة، وعلوم القرآن، فكلها من وضع اهل السنة المعروفين بخوفهم من المواجهة وبمداهنتهم لامزجة السلطان علي مدي التاريخ.

محاولات التدويل

بدأت محاولات تدويل الازمة الحوثية منذ اللحظات الاولي لاندلاع المواجهات في مران وذلك بواسطة الكتابات الصحافية في بعض الصحف التي اشرنا اليها سابقا والتي حاولت لفت نظر المنظمة الدولية لما يحدث في مران صعدة ومحاولة جعله امرا مشابها لما يحدث في اقليم دارفور غربي السودان والذي تصاعدت مسألة تدويل الصراع الدائر فيه بالتزامن مع ازمة الحركة الحوثية.

التدويل انتقل الي طوره المدروس والممنهج بعد مغادرة يحيي بدر الدين الي السويد والذي اجري من هناك بعض الحوارات الصحافية، التي اتهم فيه الحكومة اليمنية بتنفيذ حملة تستهدف الزيديين علي وجه الخصوص ، وطالب الرئيس اليمني ان يضع حداً لما وصفه بـ تقتيل واعتقال الزيديين . وهو ما كرره في حوار له مع الشرق الاوسط . وذهب في حديثه للصحيفة بأن الهدف من العمليات الاخيرة كان قتل والده او اختطافه للقضاء علي معنويات الزيديين واضاف: ان منع الحكومة علماءنا من تدريس المذهب الزيدي في المدارس ادي الي تفاقم المشكلة واكد ان مأزق السلطة اليمنية المتمثل بضرورة تسليم ارهابيين يمنيين الي الولايات المتحدة دفعها الي اختلاق عدو وهمي لامريكا لذر الرماد في العيون.

واصدر يحيي بدر الدين من مقر اقامته في اوروبا مجموعة من بيانات المناشدة للمنظمات والهيئات الغربية. تماما كما حدث ايضا من خلال بيان الحوزة الشيعية في النجف التي انتقدت فيه الحكومة اليمنية علي اسلوب تعاملها مع تمرد الحوثي. وجاء فيه ان الشيعة في اليمن سواء الزيدية منهم او الامامية الاثني عشرية يتعرضون لحملة مسعورة من الاعتقالات والقتل المنظم منذ نشوب الازمة بين الحكومة وبين حسين الحوثي واتباعه.

الكتاب:

الزهر والحجر

التمرد الشيعي في اليمن

وموقع الاقليات الشيعية في السيناريو الجديد

عادل الاحمدي

مركز نشوان الحميري للدراسات والنشر

صنعاء/2006