الحرب السادسة...إلي أين؟!!
بقلم/ د.صالح الحازبي
نشر منذ: 15 سنة و شهر و 14 يوماً
السبت 07 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 08:19 م

"الحكاية كبرت " هذا باختصار وضح الحرب في صعده والتي أدى عدم قدرة الجيش علي الحسم السريع فيها إلي اتخاذها أبعاداً جديدة تجاوزت الحدود اليمنية وتجاوزت حسابات المصالح للأطراف المحلية لتتقاطع وتتصادم مع حسابات أطراف إقليمية وبدى ذلك واضحاً من خلال اهتمام الإعلام الخارجي بهذه المعركة وتصدرها لنشرات الأخبار لدرجة أن صعدة وضحيان والملاحيظ صارت أسماءً معروفة لغير اليمنيين أكثر من معرفتهم بصنعاء أو تعز أو عدن ولا يستبعد أن يأتي يوم تصبح فيه صعدة معروفة عالمياً أكثر من معرفة الناس باليمن بكلها كما هو حال دارفور في السودان.

أكثر من ثلاثة أشهر منذ اندلاع الحرب السادسة ولا مؤشر علي نهاية لهذه الحرب. بل علي العكس من ذلك فإن جر السعودية إلى ساحة المعركة بصورة مباشرة من خلال ما حدث في جبل دخان يطرح كثيراً من التساؤلات حول مسار المعركة مستقبلاً وتأثيراتها علي الصعيد الداخلي والإقليمي. محلياً بدأت المعركة مختلفة منذ بداياتها وكان واضحاً أن الكرت الحوثي قد استنفد رصيده وبدا ذلك من خلال تصريحات الإعلام الرسمية أن هذه هي الحرب الأخيرة وأن الحسم سيتم خلال فترة قصيرة بعد إدراك العسكريين أن هذه حرب عصابات وأنه لابد من تغيير الإستراتيجيات. لكن المتابع يدرك أنه برغم الضربات القوية التي وجهها الجيش للحوثيين في بدايات الحرب فإن إخفاقات كبرى قد رافقت العملية العسكرية مثل استسلام اللواء 105 والانسحاب من رازح وسقوط مطار رازح. أما علي الصعيد الإعلامي فالحكومة تدير المعركة بطريقة تقليدية بل أحياناً متناقضة ورتيبة ولعل أوضح مثال علي ذلك فضيحة سفينة الأسلحة الصينية والتي تم نشر أسماء تجارها ثم لم يعرف مصيرها بعد ذلك. ورغم استهانة الحكومة بهذه الحادثة إلا أنها تطرح أسئلة كثيرة ليس أقلها كم سفينة أخرى قد وصلت للحوثيين !! ثم ماذا تتوقع الحكومة من الإنسان البسيط سواءً كان مواطناً أو جندياً أن يكون موقفه بعد ذلك من الحرب وهو يعرف أن هناك أناساً يصنعون ثروة من وراء صناعة الموت وتجارة الحرب. في الناحية الأخرى فإن التدخلات الأجنبية لا يمكن أن تكون مبرراً للدولة في عدم قدرتها علي الحسم السريع بقدر ما هو فشل لأجهزة الاستخبارات عن رصد هذه التدخلات من البداية لا سيما والحوثيون لا يسيطرون علي حدود توفر لهم مثل هذا الدعم ، كما هو الفشل في اختراق قوات الحوثيين ورصد قدراتهم ومواقعهم وطرق الإمداد والتموين لهم . على الجانب الأخر من المعركة يبدو الحوثيون مستميتين في نقل المعركة إعلامياً إلى حيز أكبر وإطالة أمدها بأكبر قدر ممكن ولعل استماتتهم في محاولتين متفرقتين للسيطرة علي القصر الجمهوري في صعدة وكذلك سيطرتهم علي جبل دخان داخل السعودية هما مثالان واضحان علي هذه الإستراتيجية. يدرك الحوثيون أن عدم قدرة الجيش علي حسم المعركة سيثير القلق لدى المحاور الإقليمية التي أرادت الحسم السريع وسيضعف ثقتهم في قدرة الحكومة اليمنية علي ذلك مما يجعلهم يعيدون حساباتهم في دعم الحكومة. كما أن الحوثيين يراهنون أن الوقت لصالحهم في ظل الأوضاع المتردية في البلاد وضعف الإقتصاد الوطني وأزمة الثقة بين الحكومة والقوى السياسية الأخرى بل ربما أزمة ثقة داخل الحزب الحاكم نفسه.

إقليمياً إقتصر الدور المصري علي زيارة وزير الخارجية ورئيس الاستخبارات ثم توقف عند هذا الحد بما يدلل على عدم انسجام بين الحكومة اليمنية والمصرية حول الدور المطلوب من مصر تقديمه ، وفي المقابل دخلت السعودية بثقلها العسكري بصورة مباشرة في المواجهات مع الحوثيين بعد سيطرتهم علي جبل دخان. أمريكا من ناحية أخرى ألمحت في اخر تصريح علي لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية أنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري على المدى الطويل .وكل هذه مؤشرات تشير الى تراجع الثقة في قدرة الحكومة علي حسم الأمور وخصوصًا بعد حادثة سفينة الأسلحة والتي أوحت بعدم الجدية في الأمر ووجود فساد كبير يساعد علي إطالة عمر الحرب. و في نفس الوقت فإن هناك مخاوف كبيرة من تزايد النفوذ الإيراني من جانب وكذلك من وجود بيئة مناسبة تساعد خلايا القاعدة علي النمو والتكاثر بما يهدد كل من السعودية وأمريكا.

في ظل هذه الأوضاع تبدو الأمور مرشحة لمزيد من التعقيد والتداخل ما لم يستطع الجيش تحقيق انتصار كبير على الأرض علي الأقل إذا لم يحسم الأمور فانه يمهد لمفاوضات جادة تثمر لحل سلمي واضح ودائم ، أو أن يبدأ الرئيس حواراً وطنياً جاداً يشمل الجميع في الشمال والجنوب بما فيهم الحوثيين ويتم علي ضوءه وضع أسس جديدة لإدارة البلاد تكفل العدل والمساواة تعطي فيه المسؤوليات للأكفاء والأهم أن تعطي معها الصلاحيات الكاملة بغض النظر عن القبيلة أو المنطقة أو ألانتماء الحزبي وهو أمر لن يسمح عتاولة الفساد بتمريره بسهولة وذلك للحفاظ علي مصالحهم. علي الناحية الأخرى فان الدعم الخارجي الذي تعول عليه الحكومة أكثر من اعتمادها على تماسك الجبهة الداخلية ربما يصبح مستقبلاً عبئاً عليها عندما تزداد التدخلات الخارجية في إعادة رسم خارطة القوى داخل اليمن بما يحفظ مصالح الخارج ، بل ربما تبحث هذه القوى الإقليمية عن خيارات مختلفة للحفاظ علي مصالحها قد يكون دعم تغيير جذري في اليمن ينسجم مع مصالحها أحد هذه الخيارات .... فمن يدري فالسياسة لا تعرف ثوابت وإنما مصالح !!!!.