الحكومة الشرعية في اليمن تعلن عن أول تواصل واتصال مع الإدارة الجديدة في سوريا غارات هي الأعنف على صنعاء وغارة استهدفت جبل بالحديدة طقس جاف شديدة البرودة على هذه المحافظات خلال الساعات القادمة ضربة قوية تهز الهلال.. 6 نجوم على أعتاب الرحيل اسقاط مقاتلة أمريكية فوق البحر الأحمر.. والجيش الأمريكي يعلق جيش السودان يسيطر على أكبر قاعدة عسكرية 8 قيادات بارزة ضمن قائمة بأهداف إسرائيلية في اليمن.. وقيادات حوثية تفر إلى صعدة فتح كافة المنافذ الحدودية بين السعودية واليمن هكذا تعمق المليشيات معاناة المرضى بمستشفى الثورة بصنعاء القائد أحمد الشرع : أعدنا المشروع الإيراني 40 سنة إلى الوراء
الوحدة مفهوم مرادف للدولة المتسمة بالثبات وليست رديفا للسلطة المتسمة بالتغيير والزوال، والدولة هي تعبير سياسي عن الأمة والوطن والعيش المشترك، وهي من الثوابت الاجتماعية وليس السياسية فحسب، لأن ثوابت المجتمع (مثل الوحدة والديمقراطية) أبقى وأكثر دواما من ثوابت السياسة المتقلبة والمتغيرة. والوحدة اليمنية قامت سلميا بقرار سياسي بين العليين (صالح والبيض) وبمباركة الشعب اليمني جنوبه وشماله، وتم الاستفتاء على دستور دولة الوحدة اليمنية من الشعب، ومن نصوصه أن الجمهورية اليمنية «... وحدة لا تتجزأ ولا يجوز التنازل عن أي جزءٍ منه...»(م1 من الدستور) وعلى هذا فإن أي دعوة انفصالية - سلما أو حربا - تعد جرما يعاقب عليها أصحابها، غير أن تهالك شرعية السلطة يجعلها عاجزة عن محاسبة الداعين للانفصال.
وفي موضوع الوحدة والانفصال تختبئ إشكالات سياسية ينبغي توضيحها للكشف عن وجه التضاد في هذا الصراع .
المشلكة في اليمن ليس في الوحدة فهي محل إجماع يمني حتى عند أولئك الذين يرفعون الآن شعار الانفصال نكاية بالنظام السياسي والسلطة السياسة وشخوصها غير المقبولين والمهتزة شرعية بقائهم في السلطة يوما بعد يوم. إن الخطأ القاتل يتجسد في وعي المتنازعين والمتدثرين تحت شعار الوحدة أو الانفصال.
1- وعي السلطة الحالية التي تتذكر انتصارها في حرب 94 وتسمي ذلك انتصارا للوحدة ، فالوحدة كانت قائمة وليس ثمة انتصار الذات على الذات إذا سلمنا بأن اليمن بكل مواطنيه وجغرافيته أمة واحدة، فمن انتصر إذا على من في ظل صراع سياسي خالص؟ فهناك خطأ باستعمال الألفاظ والمفاهيم.
2- وعي قيادة الحراك الجنوبي الذي يتحمس ممثلوه للانتصار للجنوب من المظالم والأخطاء ويطالبون بالانفصال للخروج من مشاكله، وكأن الوحدة هي من تسببت في ذلك، وينسون المتسبب الحقيقي لمشاكل اليمن بجميع جهاته، وهذا يقتضي منا جميعا الإدراك لخطورة مآلات الشعارات التي تضعف الموقف السياسي لأصحابه أيا يكن موقعهم . فـلقد جربنا الوحدة وجربنا الانفصال فأيهما أبقى وأنفع لليمن واليمنيين ؟.
إن الإجابة عن هذا التساؤل يمكن استلهامها من تجربة حرب الوحدة والانفصال في العام 1994، وقد تبين تفوق الوحدة على خيار الانفصال الذي أعلنته بعض قيادات الجنوب، ويعود هذا التفوق إلى الأسباب التالية :
السبب الأول: إيمان الجنوبيين بالوحدة (من عسكريين ومدنيين وحزبيين ومجتمع مدني) لذلك لم يتحمسوا للقتال مع طرف خذل نفسه وأمته بقرار الانفصال فوقفوا محايدين وساعدوا بتوغل القوات الشمالية إلى ساحات وجغرافية الجنوب تعاونا طوعيا لأنهم أحبوا الوحدة على الانفصال وقد كان قرار الانفصال هو الخطأ الذي تسبب بالهزيمة، وليس صحيحا ما قاله حيدر العطاس بأنه كان لا بد من شيء نحارب من أجله وهو إعلان الانفصال، إنني أوقن أن البيض لو لم يعلن الانفصال لما حسمت الحرب ولظلت المعركة لسنوات باعتبارها دفاعا عن النفس وصراعا سياسيا بين طرفين متنازعين على السلطة ولتطلب حل النزاع تدخلا دوليا وأمميا قد يؤدي إلى الانفصال السياسي الفعلي .
السبب الثاني : كثرة العدد السكاني شمالا، فقد هب اليمنيون من الشمال كمتطوعين لغزو الجنوب ليس نصرة للوحدة فقط وإنما بحثا عن الغنيمة (الفيد) وأغراض أخرى، والمعطى الديموغرافي في الشمال يفوق الجنوب سكانيا بخمسة أضعاف جعلهم أقل قدرة على مجابهة السيول البشرية المتجهة جنوبا وشرقا، ولذلك نـُهب الجنوب بكل مؤسساته وكأنه ليس ملكا عاما لدولة الوحدة وإنما ملكا للرفاق الاشتراكيين وحدهم وميراث دولتهم العدوة.
السبب الثالث: خذلان الحزب الاشتراكي لأعضائه الشماليين وهم الأكثر عددا عندما وضعهم موضع التحفظ والتخوين، وما إصرار العطاس على تخوين راشد ثابت إلا دليل على تخلي الأعضاء الشماليين عن نصرة حزبهم في الجنوب كنتيجة لهذا الإقصاء الجنوبي لرفاق الدرب إقصاء وتهميشا وتخوينا، بينما في المقابل كانت تنهمر دولارات الرئيس الصالح إلى كل الجيوب الخاوية من المتعاونين والصامتين والمقاتلين والانتهازيين والمتحذلقين شمالا وجنوبا شرقا وغربا مقابل أموال جنوبية ظلت حبيسة البنوك وتحت تصرف خمسة أفراد حسب اعترافات العطاس (في برنامج الجزيرة) لم يستفد منها أحد أكان مقاتلا أم مدنيا ولهذا كانت صنعاء أقدر على التجنيد وهو ما لم يفهمه العطاس ورفاقه، والسؤال ماذا لو كان الحزب الاشتراكي أخذ الفلوس من البنوك ووزعها على الجنوبيين عسكريين ومدنيين واشترى حلفاء شماليين هل كانت مسارات الحرب ستكون على ما هي عليه. وأي طرف حينها سيتدثر بالوحدة لتكون نصره المؤزر ؟
ما هو الجديد في ظروف الصراع ؟
ما لم تدركه السلطة اليوم : في حالة تطور الصراع في الجنوب إلى مواجهات مسلحة فإنها تظن أن ظروف حرب 94 سيكون ممكنا تكرارها واستدعاؤها ليتم حسم النزاع والمعركة بذات الآلية والحذلقة وهذا خطا استراتيجي قاتل للأسباب التالية:
- لقد دخلت السلطة الحرب في 94 تحت شعار ( الوحدة أو الموت) ومعها تحالفات اجتماعية وسياسية وجيوش كثيرة: حزبية وعسكرية وقبلية ومدنية وجنوبية، وغض طرف أمريكي، وتم حشر الحزب الاشتراكي منفردا كحزب شيطاني خارج عن الشرعية، وحصره في مربع السقوط والخيانة للوحدة والأمة - مع أنه ليس انفصاليا على أية حال .
- لكن اليوم سيدخل كل طرف (سواء السلطة أو الحراك الجنوبي الداعي للاستقلال من احتلال مزعوم) سيدخلان الصراع منفردين تحت شعارين متضادين وغير شرعيين: شعار ( السلطة أو الموت) وشعار ( الاستقلال أو الموت) وهما شعاران يخرجان الوحدة والمجتمع من المعادلة. والسلطة التي انتصرت بالأمس لا تمتلك اليوم نفس الشعار ولا نفس الحشود فهي ستدخل الحرب منفردة دون هذا الدعم الشعبي الكاسح، وبسبب دخولها الحرب منفردة ضد المجتمع فهي من ستحشر نفسها في مربع السقوط ، فقد هـُزمت شر هزيمة في حروبها في صعدة مع عدد محدود من المقاتلين الحوثيين بسبب تخلي المجتمع عنها ونزع الغطاء الشرعي عن خطأ قراراتها (بسبب فقدان الشرعية الاجتماعية الداعمة للخيارات المجتمعية قبل السياسية).
- إن أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني ونخبته الواعية، وقيادة الرأي من الصحفيين والكتاب والقبائل، والمحافظات المتذمرة والمتمردة (مارب الجوف وشبوة وصعدة والضالع وأبين وحضرموت) كلهم يشحذون سيوفهم لأخذ الثأر من سلطة استفردت بكل شيء في نظرهم، وحرمت المجتمع بكل فئاته من المشاركة في السلطة والاعتراف بالمواطنة المتساوية وارتفاع عدد العاطلين عن العمل وحشود الفقراء والشحاتين في كل زقاق، وفي أقل موقف ستجد السلطة من التفرج والتشفي ما يتفوق على القتل.
- إن السلطة في حرب 94 دخلت حربا ضد جيش نظامي بينما ستدخل الآن حربا ضد المجتمع برمته، أفراد وعصابات وحرب شوارع« ومن طاقة إلى طاقة ومن زقاق إلى زقاق » هكذا أشار الرئيس في خطابه الأخير، إدراكا منه لخطورة المآل، في ظل تطور نظم الاتصال الذي يسهل على الأفراد التخطيط والتنظيم والتوجيه عن بعد دون تجمعات، بسبب الهاتف المحمول وسهولة الحصول على المعلومات بسرعة فائقة والقدرة على المباغتة.
الخلاصة : كان المجتمع في حرب 94 مع السلطة في مواجهة الانفصال ، لكن اليوم الوضع مختلف فإن السلطة وحدها تقف في مواجهة ضد المجتمع بكل فئاته وأحزابه ومناطقه وصفوته. ولم تستطع السلطة منذ انفرادها بالقرار في العام 1997 أن ترسخ في الوعي العام ولو أقل القليل من المصداقية في أقوالها وخطابها وبرامجها وأفعالها. بينما يجد المواجهون للسلطة غطاء مجتمعيا وسياسيا وحزبيا متصاعدا نكاية بها وبسلوكها غير المفيد.
إن الكرة في ملعب السلطة وحدها، وعليها أن تقرر هل لديها الاستعداد أن تضحي من أجل الوحدة والوطن ولو لمرة واحدة أم أنها ستضحي بهما من أجل البقاء والاستمرار مهما تكن النتائج؟.
ومع ذلك فنحن بحاجة إلى أن نتجه ( سلطة ومعارضة وقوى مجتمعية راضية أو متذمرة ) إلى الصراع السلمي داخل الوطن، وليس الصراع على الوطن، لنجنب الوحدة والدولة والأمة أي نكسة تنبعث نتائجها وتنعكس على الجميع خرابا قبل أن تبدأ ؟.
hodaifah@yahoo.com