اسقاط مقاتلة أمريكية فوق البحر الأحمر.. والجيش الأمريكي يعلق جيش السودان يسيطر على أكبر قاعدة عسكرية 8 قيادات بارزة ضمن قائمة بأهداف إسرائيلية في اليمن.. وقيادات حوثية تفر إلى صعدة فتح كافة المنافذ الحدودية بين السعودية واليمن هكذا تعمق المليشيات معاناة المرضى بمستشفى الثورة بصنعاء القائد أحمد الشرع : أعدنا المشروع الإيراني 40 سنة إلى الوراء طهران تعلن مقتل أحد موظفي سفارتها في دمشق عمائم إيران ترد على بوتين: لهذه الأسباب لم نقاتل مع بشار الأسد ؟ من جنيف أول منظمة حقوقية تطالب المجتمع الدولي باتخاذ موقف حازم تجاه الغارات الإسرائيلية للمنشآت الحيوية اليمنية إيران في ورطة.. طهران تقف عاجزة أمام كميات مهولة من النفط المُخَزَّنة في ناقلات راسية في البحر
ابتداءً دعونا نقرر مسألة هامة وضرورية في موضوعنا وهي، أنه يحلو للبعض طرق هذا الموضوع بغرض مصادرة مرجعية العلماء وأخذ الأحكام الشرعية عنهم، بدعوى استغفالهم، أو التلاعب بهم من بعض ذوي النوايا السيئة، من هذا الطرف أو ذاك، أو أنّ بعضهم غير مؤهلين للفتيا، أو أنّ بعضهم تسيّرهم بطانتهم التي لا تخشى الله، وإنما تخشى على المصلحة والمنفعة، أو أنّ فتاواهم الشرعية صادرة عن تعصب حزبي مقيت، وليست نابعة من كتاب أو سنة، أو دين وملة، وهلم جرا.
غرض هذه الأقاويل –في الجملة- إنما هو إبطال أخذ الأحكام الشرعية عن أهلها والمتخصصين فيها، الذين أمرنا الله عز وجل بأخذ الدين والهدى عنهم، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} النحل43.
والتحقيق أن فتاوى العلماء – المعتبرين- من الصعب أن يقع فيها التلبيس أو المخادعة أو الأعمال الفنية، على النحو المعهود لدى عموم الناس، لأن الفتيا سيما المعاصرة منها، دأب العلماء مؤخراً أن تكون فتاواهم جماعية، لا فردية، لغرض نبيل، وهو الحرص على الحق والصواب والحجة البالغة وعدم الوقوع في الخطأ والزلل، في الأعم الأغلب منها، أو هكذا يجب وينبغي.
وبالتالي فالزعم – بإطلاق- أن القضايا العامة الكبيرة ذات الشأن العام، يُلبس فيها على العلماء، أهل العلم والتقى، قول يجافي الحق والصواب والعدل والإنصاف.
ويمكننا القول هل يمكن أن يلبّس في مسألة واحدة على عشرات أو مئات العلماء والفقهاء، وأن تؤخذ عنهم توقيعاتهم في حين غفلة منهم (جميعا)؟! وهل العلماء عبارة عن أطفال أو دمى؟! .
أحسب أنّ القول بالتلبيس على العلماء الأتقياء ذوو الجم الغفير، في مسائل الدين والشريعة والحلال والحرام، هو عين التلبيس وحقيقته، بلا خلاف ولا نزاع، مع حبنا وتقديرنا لمن يثير هذا الموضوع بحسن نية، وليس أدل على هذا من فتاوى علماء الأزهر الشريف إبان حرب غزة، حيث وقفت جبهة علماء الأزهر بعيداً عن موقف الحكومة المصرية.
ولكن يبقى للقول صحة ووجاهة كبيرة جداً، إن حمل على بعض الفتاوى الفردية من بعض العلماء، حيث قد يقع فيها التلبيس على المفتي والفقيه، حيث لا كمال إلا لله، ولا عصمة إلا للرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذا ما نود الحديث عنه بشيء من الشفافية والوضوح والمصداقية والصراحة، لا نبتغي بالطبع النيل من أهل العلم أو الفقه في دين الله، حاشا وكلا، وإنما نقصد من ذلك بيان خطر الفتاوى الفردية وبيان ضررها على الأمة وعلى الدين والأتباع والمريدين، وجمهرة طلبة العلم، وبالله تعالى التوفيق والسداد.
من أسباب زلل الفتاوى الفردية عن بعض المشايخ هو دور أجهزة وزارات الداخليات العربية، التي تبذل غاية جهدها وطاقتها في إحاطة العلماء بكبار طلبة العلم المستفيدين، وتختار للعلماء - وبالأخص أهل الفتيا- وبعناية فائقة، جلساء من خيرة أهل العلم والتقى والفضل والخير والصلاح، من صوّام الإثنين والخميس، وقوّام الليل، ولكن للأسف في الغالب يكونون من الشباب المتحمس أو المتسرع أو المتهور، وكلما عَنّ لوزارة الداخلية شيء، لا تصدره من مكاتبها الحكومية، خشية الغضب الشعبي، وإنما تصدره من مكتب فضيلة الشيخ المفتي، بواسطة هذا الصنف من طلبة العلم والمريدين، وتجد هؤلاء الطلبة يحرصون – بالطبع- في كل قضية من قضايا الأمة والمجتمع أن يكون فيها رأي للشيخ وفتوى وقول يرفع النزاع والخلاف.
وتجدهم يتطوعون في بعض الأحيان بإصدار الفتاوى نيابة عن فضيلة الشيخ، لما علموه من منهجه وطريقته العامة في الفتيا، وهنا قد يأتي الزلل والخطأ، حيث يخون بعضهم القياس!.
وعلاج هذا أن ينظر الفقيه ويتفحص في عين السائل وأن ينظر إلى مرامي السؤال وأبعاده، وأن يجول جولة طويلة الأمد، عميقة الفكر، في شخص السائل، فإن كان من الشباب المتهور والمتسرع فيجب على المفتي ألا يساير هذا العنفوان والطيش، بل يجب عليه أن يضع له، الكوابح الشرعية، وأن يضع لفتياه القيود اللازمة والضوابط الواجبة والاحترازات الضرورية، بحسب الواقع والحال، وألا يُخضع الفتيا للنصوص الشرعية فقط، دونما مراعاة للظروف والأحوال، التي جاءت الشريعة بمراعاتها.
ومن هذا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه جاء رجل يستفتيه، هل للقاتل توبة؟ فقال ابن عباس، \\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\"لا\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\"، وذلك لما رأى فيه من علامات دالة على إرادته القتل.
وتحضرني أيضا فتيا للشيخ المجدد حسن البنا، حيث نقل عنه أنه سأل عن السينما في أحد دروسه..! وبالطبع معلوم ما تعنيه السينما آنذاك، لدى الجميع في تلك المرحلة، حيث عنفوان الغربنة والتقليد، وكان بإمكانه القول ببساطة السينما حرام.. ويريح ويستريح، حيث أن هذا هو المعلوم منها، لكن الشيخ البنا بفقه المفتي وسعة علمه، ومعرفته بواقع الأمة، واستقرائه الرباني لحقائق الأمور، أجاب عليه رحمة الله فقال: \\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\"السينما الحلال حلال والسينما الحرام حرام\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\\" . ومضى في درسه.
وبالجملة بعض الاستفتاءات إنما الغرض منها أسْر المفتي لهوى السائل ومزاجه، وتطويع الفتيا لبعض الأغراض والمصالح، وهنا يأتي دور المفتي الفطن غير المغفّل.
أيضاً بعض الفتاوى الفردية، من بعض العلماء، قد يكون المفتي قصد منها الخصوص لا العموم، فتنقل على أنها فتاوى عامة، وهنا يأتي الخلل والخبط والإشكال والغفلة.
مثلا، يأتي بعض طلبة العلم إلى الشيخ فيقول يا شيخ طلابك الذين في مدرستك، لديهم أوقات طويلة من الفراغ، وهم يخرجون للخارج فيصدمون بفتن كقطع الليل المظلم، حتى أن بعضهم ربما بكى بكاء الثكلى لبعض ما يراه من مشاهد التفسخ، وربما بعض المناظر حفرت في قلب هذا الطالب المسكين حُفراً من العذابات والخيالات، فيعود هذا على تحصيله العلمي ودراسته، سيما وأن الأحزاب السياسية من جهتها لا يخفى على فضيلتكم ضررها واستقطابها للشباب وطلبة العلم على وجه الخصوص، فما رأيك يا شيخ والحال هكذا، أن يُمنع الطلاب بقرار إداري صارم، من الخروج إلى الشوارع والطرقات، ومقرات الأحزاب والأسواق والمتنزهات...الخ، سداً لذريعة الفتنة؟!! فيقول الشيخ إذا كان الحال كذلك، فلا بأس من المنع!!.
ثم يأتيه شاب آخر عليه سيماء الخير والصلاح والتزكية والتقوى والبر وحسن الصلة بالله وصوم الإثنين والخميس...الخ فيقول يا شيخ وما رأي فضيلتكم يا شيخ أن نتعاهد – يا شيخ- أنا وزميلي على طاعة الله وطلب العلم، يا شيخ، وأن نبذل جهدنا ونستفرغ طاقتنا في طلب العلم، ولكن بعهد وميثاق!!.
فيقول الشيخ لا بأس، بل هذا من التعاون على البر والتقوى..!!.
هذا المشهد لا لوم فيه كبير على المفتي، في الظاهر، لأنّ قصده هو الحالة الخاصة لا العامة، إن أحسنّا الظن والتقدير، وإلا فهي صورة شاذة من صور التفكير الغريب والعجيب، لأنها في صورتها العامة تنشئ طلبة معاقون فكريا، لا سمح الله، لأن الطالب الذي يضيع أوقاته خارج المؤسسة التعليمية سيضيع أوقاته حتى في الدرس، أو على فراش نومه، أو داخل المؤسسة، بصورة أو بأخرى، بل إن في خروجه من إطار المؤسسة التعليمية إلى دروب الحياة المختلفة، تزكية له وشغلا لذهنه، وتجديدا لنفسه، وإعمالاً لعلمه، ولم ينقل عن أحد من أهل العلم مثل هذا الانقطاع التام طوال الأسبوع، إلا في حالات السجن أو الاعتقال، وورد في الشرع المطهر الذي يختلط بالناس ويصبر على أذاهم خير ممن لا يختلط بهم ولا يصبر على أذاهم.
وهنا من الخطأ أيضاً بمكان أن تصير هذه صورة عامة، في الوسط الطلابي، حيث تؤخذ الأيمان والعهود من مجاميع الطلاب، بلا مبرر عقلي أو منطقي أو شرعي، إلا اللهم كون ذلك المستفتي السائل ربما أراد تصفية حسابات مع بعض زملائه ورفقاء دربه، واستطاع بهذه الطريقة البهلوانية انتزاع فتوى من الشيخ، لا قائل بها، في تاريخ الأمة الإسلامية منذ نشأتها و إلى يوم الناس هذا، ولا يمكن أن تصنف –إن صحت- إلا في خانة زلات العلماء المغفورة لهم بإذن الله، وإنما الخطأ هنا في تعمد الاستدراج والتحايل والتلبيس.
إن علاج الفتاوى المعاصرة التي توجب الاضطراب والهرج والغلط في الأمة، هو أن تعرض على أولي العلم والاستنباط والفقه والديانة، وأن تخضع للنظر الجماعي من أهل العلم، وأن تكون جماعية لا فردية، وأن تبين حيثياتها ودلائلها الشرعية، وألا يعتمد فيها على النقل والتصوير الخاطئ للمسائل، وإن صح التصور فيجب على المفتي أن يبحث عن صحة الخبر، وأن يتحاشى المفتي قدر استطاعته الخوض في المسائل العامة، إلا وفق رأي فقهي شرعي عام مدروس، من علماء الاستنباط.
وفي العموم على المفتي عدم العجلة وعدم التسرع والتهور، والإفتاء في كل شيء، وإلا كانت فتاويه بلوى عامة شاملة على الأمة، على النحو الذي نئن منه في عصرنا.
والحمد لله رب العالمين،،