شاحن هاتف ينهي ويوجع حياة 7 أفراد من نفس العائلة في السعودية توافق دولي عربي على الوضع في سوريا جدل بشأن عودة السوريين اللاجئين في أوروبا إلى بلادهم بعد سقوط الأسد وزير الدفاع التركي يكشف عن عروض عسكرية مغرية قدمتها أنقرة للحكومة السورية الجديدة ماذا طلب الرئيس العليمي من واشنطن خلال اجتماع عقده مع مسئول كبير في مكافحة الإرهاب؟ قرارات واسعة لمجلس القضاء الأعلى القائد أحمد الشرع يتحدث عن ترشحه لرئاسة سوريا أميركا تطلب من عُمان طرد الحوثيين من أراضيها مؤشرات على اقتراب ساعة الخلاص واسقاط الإنقلاب في اليمن.. القوات المسلحة تعلن الجاهزية وحديث عن دعم لتحرير الحديدة تعرف على ترتيب رونالدو في قائمة أفضل 100 لاعب في العالم
لا يختلف معي كثير ممن يعنيه الإنسان والفكر والمعرفة، كون مشاكلنا تبدأ من الوهم الجمعي الذي انبتته مكبرات الصوت المتصاعدة من أفواه من لا يُحسنون التحية والسلام. والمتتبع للعقل العربي، يحاول رصد زوايا الوهم المختلفة لعل إحداها تكون أس المشكلة لما نعانيه ونتعوذ منه، وهو يبحث ويفتش إذا به يعاين المشكلة وذات الموضوع ماثلة أمام عينيه، وهو يرقب ذلك الخطيب الممسوس بهموم غريبة ومواضيع تأكل من عقولنا وأعصابنا دون وعي منه بجريمته تلك وتخديره للمجتمع النائم، ويقول في نفسه: متى نسمع عن هيكلة الخطب وتدوير المنابر لينعم المجتمع بخطاب واعٍ يسابق المعرفة ويحرّك العاطفة في حضور من العقل والمنطق.. خطاب يتوهج من الحقيقة ليهدم بيوت الوهم والخرافة.. نعم قد يختلف معي هواة الضجيج واللعب بالحصى، ممن لا يرقب إلا صوت الخطيب وملبسه. مشاكلنا بالفعل تُصنع من أخشاب المنابر.. وليس الأفكار المتطرفة والعنصرية إلا صدى لذلك الوهن الفكري الذي نعيشه، والذي يصب علينا كأزيز الرصاص.. لخطبة الجمعة مكانة دينية وتوعوية نشطة في المجتمع، لا تقل أهمية عن صلاة الجمعة؛ كونها بديلاً عن صلاة الظهر التي يغني عن ركعتيها الأولى خطبتي الجمعة، فهي إذن بحجم الصلاة، إلا أن الصلاة مناجاة بين المخلوق والخالق، والأخرى (خطبتا الجمعة) بين المخلوقين أنفسهم ليرتقوا ويخطوا طريقهم في الحياة ليعمروها بالخير والسلام.. لذلك كان لها من الأهمية بمكان، إلا أن مكانة هذه الصلاة الخطابية انحسر وتقهقر.. ليس كمنزلة واعتبار، ولكن كدورٍ فاعل في الحياة والمجتمع. وسنحاول في هذا المقال إعادة الروح الإنسانية لخطيب الجمعة كرسول سلام يقبل ويعانق الكلمات والمنابر بخطاب يتسع للجميع، ليعلم أنه قبل أن يخاطب بني دينه ومذهبه ومجتمعه فهو يخاطب الإنسان قبل كل شيء. فالخطابة رسالة لتعزيز الأخوة الإنسانية واستعادة المودة القائمة على التعارف، (وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم). لخطبة الجمعة أهداف لم نعد نراها اليوم في منابرنا.. وما نشاهده فقط شيء من الارتجال مصحوبًا بصراخ يصك الآذان أو تمسكن مميت وتكرار رتيب لكثير من المواضيع العائمة والسطحية التي لا تستجيب لأبسط احتياجات المجتمع ومشاكله المعرفية والصحية والتعليمية. بالفعل قد نحتاج إلى ثورة تطيح بالخطباء قبل الحكام، فالكثير منهم يمارس الاستبداد والغرور العاطفي تحت لافتات دينية دون أن يراعي حرمة التقوّل على الله، والقيام بهتك السلام وتأجيج المفرقات والمجزئات وشحنها بمقولات دينية. والكثير منهم يرسم للناس المذهب وكأنه عين الدين. وأتخيل الآن كيف يحاول ممارسة السطوة المعرفية على الناس، وهو يتزين بلباس فيه رائحة العلم والتقوى، يصرخ بهم: إن الدين جاء بالسيف وانتشر بالقتل، ليبرر قتل بعض الجماعات الدينية لبني الإنسان والإسلام، أو يتحدث آخر عن أقرباء النبي، وكأن القرآن لم ينزل إلا لأجلهم خاصة، وصيروا بهذا الخطاب الديني من خطاب عالمي إلى خطاب عنصري، ومن خطاب يؤمن بالسلام إلى خطاب دموي لا يتعايش إلا مع الموت.. نعم.. قد ألبسوا خطبة الجمعة شرهم وعنصريتهم، فهل من مخرج؟.. نقول: ليس هناك من مخرج إلا بإعادة هيكلة خطيب الجمعة، كما هي المحاولة اليوم لهيكلة الجيش، فالخطباء بالفعل جيش قد يدمر المجتمعات ويبدد السلام وينشر الخوف مكان الأمان. هيكلة الخطبة والخطيب تتمحور حول كثير من النقاط نلخصها في السطور التالية: ينبغي للخطيب ألا يعرض خطبته للناس يوم الجمعة كدين منزل وإنما كمجهود بشري، يحاول من خلاله تلمّس حقائق الدين ومفاهيمه، كي لا يقع المجتمع في فخ الصنمية البشرية، بتحويل الكلام البشري إلى منزل سماوي. والاستمرار في التأكيد على ذلك. ثم عليه أن يفصل خطبة الجمعة عن المذهب. فيكون حديث الخطيب عن الكليات والمجمع عليها. والاهتمام بالمقاصد العامة للإسلام، ومحكمات القرآن، وتوطيد العلاقة بين بني الإنسان على أساس (الوطن والإنسانية تجمعنا)؛ لأن المذهبية والعنصرية عدو لدود للوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي، وخاصة في المجتمعات العربية, لكن إن أصر الخطيب على الخوض في كل الأمور، فحينئذ سيجد من يقول له: لابد أن يكون المنبر متداولًا بين جميع الطوائف والمذاهب, ولو وقع ذلك فعلًا لوقعنا في الهاوية, لأن الخلافات المذهبية مكانها الصحيح هو الصحف والجامعات والمنتديات العلمية لا المنابر.. ثم عليه الالتزام بأدب الحديث وعدم التجريح في الآخرين وشخصنة المواضيع, والتحدث مع الناس بصوت معتدل لا ضجيج فيه ولا مسكنة.. وعليه كذلك احترام عقول الناس ومخاطبتهم بمراعاة الفروق الفردية بينهم، سواء العلمية منها أم الحياتية, وملاحظة الوقت عند الخطابة، وعدم التطويل على الناس، وهدر أوقاتهم التي قد تكون ثمينة عند الكثير. وعليه بالغوص في مشاكل الناس وهمومهم الحياتية, وأن يركز خطابه على الأخلاق ومحو الأمية والحفاظ على البيئة وقضايا الصحة ومشاكل الثأرات وترسيخ الوحدة الوطنية وغيرها مما نحتاجه في واقعنا, وعليه أن يسمح بمشاركة أهل المسجد ومرتاديه في صناعة مضامين الخطب الأسبوعية عبر صناديق للمقترحات أو عبر مجالس أسبوعية تُحدد سلفًا, وعليه التزود من القراءات المتعددة كالعلوم الإنسانية، وخاصة الأدب بجميع أشكاله؛ لما له من دور فاعل في بناء النفسية الجميلة والمرهفة, والانفتاح على المستويات الثقافية المختلفة وتحويل الخطاب المنبري من خطة أسبوعية إلى خطة سنوية باستشارة بعض المفكرين والمعنيين لتأهيل المجتمع، وذلك على المدى الطويل. وعليه كذلك تعميق الحب مكان البغض والأمل مكان اليأس والحلم مكان الغضب والدعوة على المخالفين بالدعوة لهم، فدعوتنا رسالة إنسانية تستوعب العالم أجمع تحت مظلة السلام. وتعميق قيم الحرية والكرامة والمساواة والعدالة والتعاون ومحاربة كل الأفكار التي تحاول النيل منها. وبعد أن تهيكل خطب الجمعة، لن نتألم لمجيء يوم الجمعة، الذي حولته حنجرة الخطيب إلى يوم الكآبة والسباحة في براكين معاداة الحياة.. وبهذا كذلك لن نمثل أمام مطرقته ليُعلن عن موت الحياة والسير في ركب النيام، نافضًا يده من ترابها، داعيًا إلى هجر اليقظة ومسابقة قطار الحضارة. بالفعل إذا تم هيكلة الخطب والخطيب لن نتألم وسنسمع شيئًا ثمينًا ومختلفًا .