ترامب يخطط لحرمان أطفال المهاجرين من حقهم في الحصول على الجنسية الأميركية.. هل ينجح ؟ ولايات أمريكية تضربها عواصف مدمرة وأعاصير مع تساقط كثيف للثلوج سفارة واشنطن: ناقشنا مع العليمي مواجهة الحوثيين داخل اليمن وخارجه أول ثمار إسقاط نظام الأسد.. زيادة 400% في رواتب الموظفين زلزال بقوة 4.9 درجة يضرب الجزائر درجة يضرب دولة عربية موقف ارنولد يثير القلق في ريال مدريد أشعلت طرطوس.. غارات مرعبة وهي لأقوى الأعنف منذ عام 2012 قرارات جديدة ومهمة في سوريا… محامون دوليون يتتبعون ثروات عائلة الأسد وتحويلها لصالح الشعب ضبط مصنع ضخم لمخدر "الكبتاغون" بريف دمشق في أحد قصور الاسد الحسيني يتنبأ بسقوط وشيك لجماعة الحوثي
لم يحصد الوطن من نظام المجالس المحلية إلا انشقاق عميق في اللحمة الوطنية، إذ تصاعد عفن المناطقية داخل المجتمع فأضحت المناطقية ممارسة شعبية مأزومة وشائعة لا تخلو منها تقريباً محافظة من المحافظات، بل وتمددت إلى داخل المديريات في المحافظة الواحدة.
الأن الفاشلون الذين ذبحوا وحدة الشعب(بسكين) المجالس المحلية، يعدّون (ساطور) كبير لقطع ما تبقى من عرق يدعو الناس إلى الألفة والتعاضد والإخوة ، يقدم فاشلو السياسة من (مرتزقة الخارج، وجُهلاء الداخل) نموذج متطور لأداة جديدة حادة قاطعة لتمزيق البلاد، وتفريق العباد.
المجالس المحلية بالإجماع كانت تجربة فاشلة، سوّقها النظام المُنهار(بجهله) لغرض خبيث في نفسه، فساق بفعلته هذه المال والمجتمع إلى فساد واسع اشترك في صنعه الجهل والطمع ، فنهب مليارات المجالس المحلية من نهبها، وتبوأ على سدتها مجموعة أغلبهم من جُهلاء المجتمع بفاسديه ومفسديه، ساعد في ذلك الجهل المركب الذي يعيشه ( أغلب الناس) بفعل تردي التعليم وتأكل الوعي الجمعي ، وكانت الضحية (الوحدة الوطنية) ، إذ تنامت المناطقية والكراهية في البلاد ، وطفحت بها كل المحافظات شرق وغرب وجنوب وشمال.
إن الحكم اللامركزي تحت أي يافطة؛ إدارة محلية، فدرالية، نظام اتحادي (ولايات)، كونفدرالية، بحاجة إلى مقومات لكي ينجح، وله ماله من أسباب حتى يفكر به الناس ابتداءً كخيار جامع ، فمجتمعات منسلخة لا تجمعها روابط النسب والدين والقبيلة والأرض يمكن أن تنجح معها فكرة من مثل الفدرالية وغيرها من صيغ (الوحدة البعيدة) لجمع ( الناس المتفرقة) على قضية واحدة ، لكن مجتمع مترابط بروابط الدين، والمصاهرة، والتقاليد الحميدة، تجمع أفراده الصلاة والتاريخ ويوحدهم المسجد، والعائلة، والسوق والشارع، مجتمع مثل هذا لا يحتاج إلا لدولة قوية بنظام كفؤ؛ يستطيع أن يطبق الشريعة العادلة ،فيبسط عدالة القانون ويشهر حُسام المحاسبة على رقاب الجميع دون استثناء ، شيخ ، تاجر ، ضابط ، وزير، مسؤول ...إلخ
الفدرالية كما يعرف فقهاء القانون والسياسية نظام يحتاج لينجح الكثير من النفقات ، يحتاج إلى إدارة مقتدرة ، مركز قوي ، وموازنة باهضة تتحملها المكونات والمركز، وأخيراً يحتاج إلى وعي مجتمعي كبير ليغدو نظام ناجح وخيار فعّال ، فما أسهل ضرب الأمثلة أمريكا فدرالية، الإمارات كونفدرالية، ألمانيا اتحادية ، وغيرها ، لكن هل لدينا إدارة كفؤة كما في ألمانيا، ومركز قوي كما في أمريكا ، ومقدرات هائلة كما في الإمارات العربية ، وإذا كنا قد فشلنا في إيجاد أمناء عموم للمجالس المحلية لكل مديريات الجمهورية من الحاصلين على المؤهل الجامعي وفق مايشترط القانون في تجارب المجالس المحلية! ، هل نستطيع تطبيق الفدرالية في عديد من الأقاليم بحكومات مستقلة، وبرلمانات متعددة، وقوانين مختلفة، ونظام قضائي متنوع ، وحدود جديدة مستحدثة، وهلم جر؟
للأسف الشديد الفاشلون الذين دحرجوا البلاد إلى الوحل التي هي الأن غارقة فيه ، هُم من يبحث حالياً ، ويناقش ، ويحاور ، لأجل دفع البلاد من جديد إلى تشظي ، وتقسيم مقنن للمجتمع، وبالتالي تكرار ماحدث من تجربة فاشلة للمجالس المحلية، ولكن بحجم أكبر وتأثير أوسع.
إذا كان تقسيم البلاد إلى خمسة مجتمعات (أقاليم) أو أكثر أو أقل هو الحل الوحيد لمنع تقسيم البلاد إلى جنوب وشمال ، فالتقسيم إلى شطرين خير وأرحم من التشظي إلى أشطار، فالقسمين والشعبين خير من أقسام وشعوب.
إشكالية البلاد ليست في وحدته! ، إشكالية البلاد هي في الأخلاق والقيم التي انحطت وماتت بفعل سيطرة ثقافة الجهل والطمع على وجدان العامة ،وبفعل غياب الوازع الديني (الحساب الذاتي) لتحزب العلماء والحكماء والثقات، وتغييب منطق المحاسبة والعقاب ( الحساب السلطوي)، نتيجة لضعف الدولة، وهوان سلطانها بين الناس، وتراخيها في تطبيق الشريعة الحقّة ، وعجزها عن السمو بالقانون ، والعلو بالعدالة.
انتشر الجهل في فئة من الناس ساقت الأقدار أن يملكوا القرار ويحكموا بأهوائهم مصير المجتمع، لهذا غدت الفدرالية قول سهل يردده ويطرحه ويقول به هؤلاء دون تبصر وتفكر لعواقب مايرددونه، فلا درسوها وعرفوا كيف سينفذونها على البلاد، ولا هم تأنوا في بحث طبيعتها ، وبيئتها ، وأسباب نجاحها..
إن الجهل المحكم والمسيطر على الناس غيّب عنهم حقيقة أن اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب مع تطبيق قيم الشريعة، وإنفاذ سيادة القانون على الجميع سيقضي على الكثير من الأوضاع المأساوية التي تعيشها البلاد الأن، إذ أن إدارة شؤون الدولة تفتقد لمسؤولين على قدر من الخبرة والحنكة والفهم والمسؤولية والإيمان بحقيقة الله ومصلحة الوطن.
مثال عشناه جميعاً وشهدناه في زنجبار وجعار فعندما استطاعت قوى تنظيم التشدد أن تبسط الامن والنظام تناسى الناس الفُرقة، وغَدَت بؤرة الحركات الانفصالية وقتها زنجبار وجعار داعية للوحدة المجتمعية ، تناسى الناس هناك لحظتها منطق القسمة، ومطالبات التشظي بفعل قوة النظام وسطوة العدالة، وبعد أن كانوا يرفضون الوحدة بين شعبين تجمعهم رقعة ضيقة متداخلة متشابكة تداعوا بفعل هيبة القوة وقتها إلى منادي جمع العرب والمسلمين من المحيط إلى الخليج في دولة واحدة.
للأسف الشديد سيظهر بنظرة تأمل وتقييم هادئة وعميقة لمسؤولي الدولة من الوزراء في الحكومة إلى محافظي المحافظات، ومدراء المديريات، ومدراء الأمن فيها، سيظهر بوضوح كيف أن الكثير منهم لا يستطيع أن يدير حتى أعمال ( حمامات عامة) ، فكيف يرمى من هؤلاء أن يديروا مجتمع، ويحلِّقوا بدولة إلى سحاب العدالة ويبحرون بها إلى ضِفاف النظام والقانون والوحدة.
اختيار الجهلة من المفسدين واللصوص وقطاع الطرق وعناصر الجهل لإدارة مرافق الدولة المدنية والعسكرية لن ينتج إلا مزيد من الأمراض المجتمعية من مثل المناطقية والمذهبية والفساد، ويعمق الكراهية بين أبناء الوطن، والاعتماد على هؤلاء في تسيير شؤون البلاد والعباد لن ينتج إلا مزيد من الانفصال والتقسّم والتشرذم سواء كان نظام الحكم محلياً أو فدرالياً أو اتحادياً أوغيرها، الورم الخبيث الذي ينخر في الوطن وفي المجتمع الأن ليس نوع النظام أو طبيعته، فلا الفدرالية ستمنع المرتزقة من تفجير أنابيب النفط، ولا الكونفدرالية ستقطع يد العابثين بإمدادات الكهرباء ، ولا الاتحاد سيوقف المتقطعين والأشرار والمتهبشين في الطريق العام،الورم الخبيث يكمن في العقول الفاشلة والجاهلة التي تدير الدولة من خمسين سنة وأكثر وفشلت في توفير الصحة والتعليم والغذاء والأمن للمواطن في عصر الفضاء الحر والتكنلوجيا الإعجازية والأقمار الصناعية، وهاهي (بوقاحة!!) اليوم تفرط في وحدة المجتمع، وتهشم نسيجه الواحد، لهذا غدا التخلص منها هو الطريق القصير للنجاة بما تبقى من عظم ولحم لهذا الشعب المغلوب المقبور حياً، ولا سبيل غير ذلك ، وهذا هو عين التقرب إلى الله سبحانه الذي نسأله اللطف بالعباد من شر ماخلق وهو المستعان..