صالح يمتلئ بكل أسباب الرحيل
بقلم/ د: زكي شمسان
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و 20 يوماً
الأربعاء 09 مارس - آذار 2011 03:40 م

حينما وصل الرائد علي عبدالله صالح إلى سدة الحكم لم يكن أحد يتصور أن فترة حكمه ستتجاوز ضعف الفترة التي حكم فيه الإمام أحمد حميد الدين. هذا الأخير الذي يسوّقه إعلام الرئيس صالح الرسمي كرمز للتسلط والإستئثار بالحكم. ولم يكن مفاجئاً أن يقود صالح اليمن خلال هذه الفترة باتجاه هاوية تقف البلاد على حافتها حالياً. فالرجل بكل بساطة لم يكن يحمل أي رؤية مستقبلية أو مشروع وطني محدد لحظة قدومه. وكما يروي الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر فإن الرئيس صالح صارحه برغبته في الوصول إلى سدة الحكم ولو لأسبوع واحد لينتقم من قتلَة صديقه الحميم أحمد حسين الغشمي الرئيس اليمني السابق.

الرئيس صالح أغلق ملفاً ملتهباً ظلت تهمة الخيانة العظمى تلاحق كل من حاول التعاطي معه لفترة طويلة وهو ملف الحدود اليمنية السعودية وبموجب ذلك تنازل صالح للسعودية وبشكل نهائي عن أراضٍ تزيد مساحتها عن مساحة اليمن الشمالي سابقاً ودون مقابل في صفقة مشبوهة تدور حولها الكثير من التساؤلات.

الآن وبعد مضي 33عاماً على صعوده , يحتشد نظام صالح بكل أسباب الرحيل. ليس لإنه استنفذ كل أوراقه المتآكلة.

وليس لإنه فتح أجواء البلاد للطائرات الإمريكية والسعودية تستبيح سيادتها المفترضة وتهدم البيوت والأكواخ على رؤوس قاطنيها من شيوخ ونساء وأطفال لا يحلمون بأكثر من الخبز والبقاء على قيد الحياة يوماً آخر. ليس لإنه كذب على شعبه وبرلمانه والرأي العام العالمي حين ظل يردد أن طائرات الجيش اليمني هي التي تقصف.

ليس لإنه استطاع أن يحجز لليمن مراكز الصدارة في قوائم معدلات الفقر والبطالة والأمية والفساد والتضخم والبلدان الأكثرافتقاداً للأمن كما حجز لنفسه مركزاً مشرفاً في قائمة أطول الدكتاتوريات في العالم. فيما قبعت اليمن في عهده في ذيل قوائم حريات الصحافة والحريات الشخصية والرعاية الصحية والتعليم ومعدلات دخل الفرد.

و ليس لإنه حول محافظات بأسرها إلى رقعة شطرنج كبيرة كان فيها قائد المنطقة الشمالية الغربية هو الخصم وكان سكان المحافظات الشمالية وأفراد الجيش فيها ليسوا أكثر من قطع الشطرنج. كل مرة.. كانت تُرمي كل قطع الشطرنج السوداء والبيضاء خارج الرقعة ليبقي الملكان الأحمران وحيدان ليقررا بعدها البدء بلعبة جديدة. تساقطت الآلاف من قطع الشطرنج دون أن يشوّش أنينها على رغبة الملكيْن الأحمرين في متابعة اللعب. وكما تكشف تسريبات ويكليكس فإن السلطات اليمنية سلمت للطيران السعودي احداثيات منزل علي محسن الأحمر بوصفه موقعاً حوثياً يجب قصفه و قبل ساعة الصفر تكتشف الشقيقة أنها كانت توشك على قصف أحد أهم أصدقاءها في اليمن. تعيد الشقيقة ترتيب حساباتها لكن تقريراً خطيراً كهذا مر هنا دون أن يلقي له أحد بالاً.

وكما يكتب المُحرِّر السياسي في التلغراف اللندنية: فإن الرئيس صالح لم يعد بوسعه الإستمرار طويلاً في الحكم عن طريق شراء الذمم والولاءات كما فعل طويلاً لإن مخزون البلاد من النفط الذي استخدمه لهذا الغرض يوشك على النفاذ.

صحيح أن كل ما مضي هي اسباب أكثر من كافية لإسقاط أي نظام و إشعال ثورة جارفة تعصف بأركانه مهما كان جبروته.

لكنها ليست بالضبط السبب الحاسم هنا. فكل هذه العوامل في نهاية الأمر ليست طارئة وليست وليدة اللحظة لتصنع الفرق.

ماهو طارئ هو الحتمية التاريخية التي تجعل من شعلة البوعزيزي وتوابعها منعطفاً تاريخياً جديداً في تاريخ المنطقة وتاريخ الإنسانية جمعاء. وكل ما ينطبق على عصر ماقبل البوعزيزي لا يمكن اسقاطه على ما بعده.

و شعوب المنطقة باتت اليوم تدرك أن من كان يحكمها لعقود خلت ليس السلطان بهيلمانه وعسكره بل الخوف المتجذر في اعماقها.

وباتت تدرك ايضاً أن الجلاد يضرب بقدر خوفه. وانه يخاف كما يخافون ويهرب كما يهربون هم أمام كلابه..

وأدركت كم هي قادرة على تبادل الأدوار معهم إن هي قررت ذلك. وكم كان هذا الإكتشاف مدهشاً!.

يصف السفير الإمريكي السابق في اليمن الرئيس صالح بأنه مراوغ وقادر على ادارة الإزمات. إنه "رجل الصفقات" على حد وصفه. وبوسعه الوصول إلى صفقة مرضية مع أي طرف كان , أكانت الإدارة الأمريكية , رجال القبائل أو حتى القاعدة.

لكن الرئيس صالح سيجد صعوبة في توظيف مهاراته في عقد الصفقات لتجاوز الأزمة الحالية لإن الطرف الأخر ليس الإدارة الأمريكية ولا رجال القبائل ولا القاعدة ولا الحوثيين ولا حتى قادة اللقاء المشترك الذين خبَرَ صالح المهارات المطلوبة لعقد صفقة ولو مؤقتة الصلاحية مع أحدهم.

الطرف الآخر هذه المرة هو الشعب بكل أطيافه الذي يحتشد بالملايين ليهز عرشه بصوته الهادر : إرحل.. إرحل.

الملايين التي لا شئ يعوضها (حتى رحيل صالح) عن أعمارها التي بددتها فترة حكمه المظلمة. وأحلامها التي تحطمت تحت هراوات سياساته المرتجلة. و أحبائهم الذين سحقتهم ماكينته القمعية كما أنهم لم يعد بوسعهم المجازفة بما تبقى من حياتهم وحياة أبنائهم التي بدا لهم أخيراً أنها غالية وتستحق أن تعاش.