ماذا بعد زيارة السفير؟
بقلم/ عبد الملك المثيل
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 19 يوماً
السبت 05 فبراير-شباط 2011 05:08 م

قبل عدة أسابيع تناقل العديد من الناشطين في الجالية اليمنية الأمريكية ، خبر وصول السفير الأمريكي في صنعاء السيد/ جيرالد فاير ستاين ، إلى الولايات المتحدة الأمريكية ورغبته في زيارة الولايات التي يتواجد فيها المهاجرون اليمنيون ، وحرصه الشديد في اللقاء بهم ، لسبب لم يستطع أحد كشف معالمه ، وتم تحديد يوم 24/1/2011م يوما للإجتماع به مع مع جالية ولاية ميتشغن ، المعروفة بتواجد عشرات الآلاف من اليمنيين فيها وانتشار الأنشطة المختلفة في صفوفهم ، خاصة السياسية منها والتي طغت على كل الأنشطة الاخرى.

بسرعة لم يسبق لها حضور ، التقى العشرات من ما يسمى قادة المؤسسات والجمعيات القائمة والنائمة للنقاش حول الإجرائات المناسبة التي ستكفل إنجاح زيارة السفير ومن بصحبته ، حتى أن تلك اللقائات شهدت حضور شخصيات خرجت من قبور توارت فيها منذ زمن بعيد وأخرى لا علاقة لها بالجالية من حيث التمثيل والعمل على خدمتها وتحقيق مصالحها ، لتخرج تلك اللقائات بتشكيل لجنة مصغرة مهمتها اختيار مكان اللقاء ودعوة الناس للمشاركة حسب رغبة السفير والوفد المرافق له والذين رغبوا في لقاء أكبر عدد من ابناء الجالية.

عملت اللجنة مشكورة على اختيار وتحديد المكان الواقع في حي الجالية العربية ، ووزعت المنشورات في أوساط الناس ، بينما تكفلت الجمعيات القائمة على المساجد في ابلاغ وحشد المصلين ، ولأن الجميع عجزوا عن تقديم إجابات واضحة وصريحة للمتسائلين عن الهدف من وراء الزيارة ، فقد تطوعت اللجنة الأساسية والمصغرة وكذلك من تحدثوا عبر ميكرفونات المساجد ، بنشر أخبار تؤكد قدوم السفير لسماع شكوى المهاجرين من سوء الأوضاع في قنصلية أمريكا في صنعاء ، والتي يبدوا انها تأثرت بفساد النظام اليمني فأصبحت هي الأخرى تمارس فسادا كبيرا في المعاملات الخاصة بالمهاجرين ، وتقوم بممارسات لا صلة لها إطلاقا بالعمل الإداري السريع والمنظم بحكم القانون الامريكي ،المعروف بسريان مواده الفاعلة على الجميع أينما كانوا ومعاقبة المقصرين والفاسدين الذين يخالفونه ، معرضين بذلك مصالح الناس للخطر والتأخير.

في اليوم المعلوم وصل السفير مع مرافقيه ، وتمام السادسة من مساء 24/1/2011م بدأت فعاليات اللقاء مع المهاجرين الذين استمعوا لتعليمات اللجنة المنظمة ومن تحدث من اعضائها باللغتين العربية والإنجليزية ، وكما هو متداول فقد تم إخبار الحاضرين بان السفير أتى لسماع الشكاوى المتعلقة بالمعاملات وإطالة امدها ، وسوف يستمع ويجيب على الأسئلة المقدمة من الحضور بعد حديثه مباشرة ، وذلك ما نشر الطمأنينة في اوساط المئات الذين حضروا وهم يحملون ملفات تحتوي على اوراق المعاملات الخاصة بهم وأقاربهم ، على امل تقديمها للسفير من أجل معالجة القصور الحاصل في القنصلية الامريكية في صنعاء.

ما ان بدأ السيد السفير في الحديث حتى اتضح لمن يجيد الفهم أن سبب زيارته لا يرتبط إطلاقا بالمعاملات وفساد القنصلية ، فالرجل تناول خلال ما يقارب الأربعين دقيقة الحالة السياسية في اليمن ، متطرقا إلى السياسية الامريكية هناك وحرصها على المساهمة في تطوير البلاد من خلال بناء الدولة ، ولذلك جائت زيارة السيدة هيلاري كلينتون ، والتي اجتمعت بعلي عبدالله صالح وقادة المعارضة ومنظمات المجتمع المدني ، كما أشار أيضا إلى أهمية التوافق الوطني بين القوى السياسية ، وضرورة اجراء الإنتخابات الحرة والنزيهة ، منوها الى الإرهاب ووجوب محاربته ثم ختم بشرح المساعدات الإقتصادية التي تقدمها الحكومة الأمريكية لليمن ، وقبل أن ينهي حديثه تفضل مشكورا بكشف السبب وراء زيارته عندما قال للحاضرين انه يريد أن يسمع منهم حول السياسة الأمريكية تجاه اليمن وهل تنال رضاهم أم لا ؟ داعيا الجميع الى لعب دور هام وكبير في تصحيح الإختلالات القائمة والمشاركة في التغيير لما فيه مصلحة اليمن أولا وأخيرا.

مباشرة بدأ النقاش بين السفير والحاضرين عقب انتهائه من كلمته ، فارتص الراغبون في الحديث في طابور طويل لم يتحدث كل من وقف فيه لضيق الوقت ، غير أن أبرز ما يمكن الإشارة إليه أن السفير بدا مبتسما وهادئا عند سماعه لشكوى المعاملات وطول أمدها ، حتى انه من كثرة ترديد المشاكل اشتكى هو أيضا من طول معاملة زوجته الباكستانية الأصل لأقاربها منذ خمسة عشر عاما ، وإن كان قد استمع باهتمام شديد لمداخلة فتاتين من الجالية فيما يخص معاملات الهجرة والقصور الحادث في القنصلية تجاه آلاف القضايا الشائكة هناك بسبب اهمال ولا مبالاة الموظفين.

ربما كان السفير يبحث عن شيء آخر يرغب في سماعه ، وهو ما حدث عند استماعه للأسئلة والمداخلات السياسية التي كان للصوت المعارض الكلمة العليا ،فصب معظمها في مطالبة الأدارة الأمريكية بضرورة مراجعة مواقفها الداعمة لنظام علي عبدالله صالح ، والذي وصفه البعض بالديكتاتور ، بينما تسائل آخرون عن سر دعم البيت الأبيض لنظام صالح مع العلم بالفساد والمشاكل المعقدة التي تعصف بالبلاد ، واطلاع الإدارة الأمريكية على تعيين صالح لأبنائه وأقاربه في مفاصل الدولة وأهم المراكز الحكومية وذلك ما لاقى استحسانا كبيرا من الحضور.

في المداخلات المقدمة من الأعضاء المؤسسون للقاء الوطني للمهاجرين اليمنيين (تم تأسيسه حديثا ككيان سياسي معارض يهتم بقضايا الداخل فقط ) تم مطالبة السفير بضرورة تقديم المساعدات الإقتصادية للشعب اليمني مباشرة دون تسليمها للحكومة التي تنهبها وتضعها في أرصدة أعضائها ، كما وضع بين يدي السفير تسائلا عن عدم دعم أمريكا للتغيير في العالم العربي مع ان السيد اوباما جاء الى البيت الأبيض وهو يحمل شعار التغيير والأفضل لأمريكا أن تسارع في مد يدها الى الشعوب العربية التواقة الى الحرية عبر رفع دعمها عن الأنظمة الفاسدة ، ثم أتت مداخلة أخرى طلب من السفير أن يقوم بأبلاغ الرئيس أوباما بأن يرفع الدعم عن نظام علي عبد الله صالح مباشرة ، وإن أصرت إدارة البيت الأبيض مواصلة دعمها لذلك النظام الفاسد فعليها أن تقدم لجوء سياسي لخمسة وعشرين مليون نسمة وتترك اليمن لعلي عبدالله وأولاده ومراكز القوى المنتفعة من وجوده، والذي يدعي زورا وبهتانا بممارسة الديمقراطية التي أفرزت منذ تسلمه السلطة ستة رؤساء في أمريكا بينما هو لم يتغير منذ 33 سنة ، وحملت المداخلة استفسارا للسفير عن كيفية ذلك الدعم ووثائق الويكيليكس المقدمة من السفراء أنفسهم تثبت فشل النظام اليمني في توفير أبسط متطلبات الحياة كالمياه والكهرباء وتحويله البلاد إلى أرض للصراع الإقليمي والدولي ، مطالبة بدعم الشعب اليمني التواق الى الحرية والعدالة والمساواة ولن يتم ذلك سوى برحيل النظام القائم الذي أدخل البلاد في حروب وصراعات نتج عنها آلاف القتلى والجرحى ، والذي يستخدم القاعدة شماعة لدعمه وهو من يوفر لأعضائها الحماية ويمنحهم التصاريح والسلاح ويساهم في تنقلهم في طول وعرض البلاد.

الواضح أن السفير وجد ما بحث عنه من لقائه بالجالية اليمنية التي كررت المشهد الذي حدث عند لقائه بطلاب إحدى الجامعات ، وهو ما حدث أيضا في ولاية نيويورك بحسب أحاديث موثوق في ناقليها ، ووحدها الأيام ستكشف مدى تأثير موقف الجالية الذي تلخص في ضرورة رفع الدعم عن نظام علي عبدالله صالح ، ومساعدة الشعب اليمني في بناء دولة ترتكز على القيم الإنسانية كالعدالة والمساواة وسريان القانون على الجميع دون استثناء ، ويبدوا أن الخلاف القائم بين أصحاب القرار في إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، حول الحل الأنسب والممكن تجاه نظام علي عبدالله صالح كان سبب زيارة السفير الذي جاء لجس نبض اليمنيين الأمريكيين ، وهنا يمكن القول أن الإدارة الأمريكية ستبدأ في اتخاذ خطوات مغايرة إن عملت لجس نبض الجالية حساب وعلى القوى الوطنية في الداخل أن تعي وتفهم هذه الرسالة بشكل جيد.

ما يجب الإشارة إليه هنا ، أن السفير كان قبل اللقاء العام قد التقى بالعديد من أبناء المحافظات الجنوبية على انفراد وذلك ما يكذب إدعائات المتشدقون الذين يدعون كذبا وبدون خجل نجاحهم في منع السفير من حضور ذلك اللقاء وكأنه موظف لديهم ، وحرص أيضا على تناول العشاء مع العديد من أبناء الجالية المصنفين في خانة قادتها والممثلين لها ليسمع منهم إن كان لهم راي ، لكنهم ركزوا تركيزا مباشرا على القنصلية وفسادها ، باستثناء رؤية صائبة أيدها السفير وأبدى إعجابه بها وكانت لأحد أئمة المساجد الذي شرح كيف أن الفساد والقهر والإذلال عوامل تؤدي إلى خلق أجيال متطرفة في أي بلد يحكمه حاكم مستبد لا يجيد من الدنيا سوى خلق تلك المنتجات.