عليك أن تموت أولاً لكي تصير مبدعاً !!
بقلم/ د.رياض الغيلي
نشر منذ: 14 سنة و 6 أشهر و يوم واحد
الإثنين 21 يونيو-حزيران 2010 09:39 م

الإبداع هو :

. أن ترى ما لا يراه الآخرون .

. أن ترى المألوف بطريقة غير مألوفة .

. طاقة عقلية هائلة، فطرية في أساسها، اجتماعية في نمائها، مجتمعية إنسانية في انتمائها .

. القدرة على حل المشكلات بأساليب جديدة تعجب السامع والمشاهد .

هذه هي الصورة المتفق عليها لتعريف الإبداع والمبدعين ، غير أن الإبداع في بلداننا العربية عموماً له صورٌ أخرى في إطارها يظهر المبدعون ويكرمون ، ومن صور الإبداع في بلداننا العربية :

•حكامٌ مبدعون : برعوا في الاحتفاظ بمقاعد الحكم لفترات طويلة والاحتفاظ بحاشيتهم إلى أبد الآبدين .

•سياسيون مبدعون : يجيدون قلب الحقائق ، ويحولون الصورة السوداء قاتمة السواد إلى صورة بيضاء ناصعة البياض .

•مسؤول مبدع : يجيد التحايل على الأنظمة واللوائح ، وله فنون خاصة في نهب المال العام وجمع الثروات .

• كتابٌ مبدعون : انحرفوا بقدسية الكلمة ، وجعلوا من القصة والرواية والمقالة ميداناً للطعن في القيم وخرم المروءة وتمييع الأخلاق الفاضلة .

• شعراء مبدعون : شوهوا جمال القوافي فوظفوها للارتزاق على أبواب الحكام والظلمة مدحاً وتمجيداً وتبجيلاً .

• فنانون مبدعون : أشاعوا الرذيلة في المجتمعات بالغناء الماجن والرقص المثير والتعري والشذوذ .

ذلك هو الإبداع في قاموسنا العربي الحديث ، إبداعٌ زائف مغشوش ، أما المبدعون الحقيقيون فقد استبعدوا بعد أن فشلت الأنظمة في استعبادهم ، وغيبوا بعد أن فشلت الأنظمة في إخضاعهم .

إن المبدعين الحقيقيين لا يمكن البحث عنهم في أكوام القمامة ، وكل ما يطفو الآن على السطح من تلك الصور الإبداعية الزائفة لا تعدو غير أسماك ميتة ونفايات عالقة ، أما الأعماق ففيها تسكن دُرر الإبداع وكنوزه ، وفى بلداننا العربية من المبدعين ما يكفى لإصلاح ما أفسده الآخرين لكن الأنظمة تطاردهم مطاردةً لا هوادة فيها ، وتعمل على تهميشهم ، وتعمد إلى إذلالهم ، وفي أفضل الحالات توصي بإهمالهم .

علاو نموذجاً:

لعل المبدع الراحل يحيى علاو أوضح صورة لما ذكرتُ آنفاً ، فهو مبدعٌ من طراز (عجيب) ، استطاع بموهبته الإعلامية أن يجعل من برامجه على الفضائية اليمنية البرامج الأكثر مشاهدة والأوسع شعبية ، لكن إبداعه أثار حفيظة المتخلفين (أعداء الإبداع) فحاربوه واستبعدوا برامجه من قائمة البرامج في الوقت الذي أبقوا فيه على برامج فاشلة يقدمها مذيعون كلما شاهدهم المواطن العادي يصاب بالغثيان ، ولم يكتفوا بذلك بل أوقفوا راتبه في الوقت الذي كان بأمس الحاجة إليه وهو يصارع المرض ، وتركوه يعاني آلام المرض دون أن يمدوا إليه يد العون والمساعدة .

ثم كانت جنازته أكبر دليل على إبداعه وتفوقه وقدرته على كسب قلوب الجماهير التي شيعته بالآلاف إلى مثواه الأخير ، حتى صدق فيه قول الشاعر :

علوٌ في الحياة وفي الممات لحقٌ تلك إحدى المكرمات

كأن الناس حولك حين قاموا وفود نَداك أيام الصلات

كأنك قائم فيهم خطيبا وكلهمُ قيامٌ للصلاة

والأعجب من ذلك أن الذين أنكروا إبداعه بالأمس أصبحوا يتغنون بإبداعه اليوم ، وكأنه كان عليه أن يموت أولاً لكي يُعترف بإبداعه .