هاكان من سوريا يتوعد : لا يمكن التسامح مع سلب إسرائيل للأراضي السورية شابة سعودية حذرت سلطات ألمانيا من منفذ حادثة الدهس العثور على أحد الضباط اليمنيين المفقودين من أصل سته آخرين بعد خروجه من معتقلات الاسد وهو في وضع شبه منهار عاجل : قوات المقاومة المشتركة تدك مواقع المليشيات الحوثية بالمدفعية وتسقط مسياراتها جنوب اليمن مليشيا الحوثي تتجاهل جثامين ضحايا القصف الإسرائيلي بميناء الحديدة دون انتشالهم وزير الأوقاف يرأس اجتماعا لمجلس المعهد العالي للتوجيه والإرشاد وفاة القيادي البارز في الإخوان المسلمين يوسف ندا ...مهندس استعادة جزر حنيش اليمنية هل ينجح أردوغان في حل الخلاف بين السودان والإمارات.. وماهي فرص نجاح الوساطة التركية؟ أول دولة أوروبية تتخلى عن ميليشيات قسد المدعومة امريكيا وتقف في صف تركيا الجمارك في سوريا تلغي 10 قرارات أرهقت المواطنين خلال نظام الأسد.. تعرف عليها
تجمع التقارير الدولية على أن قطاع الصحافة هو المستفيد الأول من ثورة المعلوماتية التي شهدها العالم، وأحدثت نقلات نوعية في حياة البشرية، ولعل السر وراء هذه العلاقة الحميمية بين يكمن في ما يوفره الفضاء الإليكتروني المفتوح من مزايا للنشر الرقمي، وما يتيحه من إمكانات متعددة تكاد تسحب البساط من تحت أقدام وسائل الإعلام التقليدية.
أقل من عقدين من الزمن هو عمر شبكة الإنترنت ومع ذلك فقد حققت الصحافة الإليكترونية من خلالها حضوراً ضخماً وتأثيراً يصعب تجاهله، لدرجة أصبحت معها الوسائل الإعلامية الأخرى تستخدم الإنترنت رديفاً لأدائها الإعلامي، فالصحف الورقية أنشأت لنفسها مواقع إليكترونية طورتها لتغدو صحفاً رقمية لاتقل أهمية عن أمها الورقية، والتلفزيون نقل جزءاً من نشاطه الإعلامي إلى الشبكة العنكبوتية، ليكون رديفاً لنشاطه الأصلي، أو فلنقل ليحجز لنفسه موطئ قدم في إعلام المستقبل، وحققت هذه المواقع الرديفة للتلفزيونات نجاحات مشهودة، يصلح عنواناً عربياً لها موقع (الجزيرة نت) وموقع (بي بي سي العربي)، والأمر ذاته مع الإذاعات والمجلات ووكالات الأنباء التي أصبحت تستعين بالصحافة الإليكترونية لنشر مادتها الإعلامية.
هذا في حين قالت نتائج الإحصاءات إن الإنترنت أسرع وسيلة إعلامية في الانتشار حيث لم تستغرق سوى أقل من عشرة أعوام من استخدام الإنترنت إعلامياً ليصل عدد المستخدمين قرابة 1.7 بليون شخص، بينهم 57.3 مليوناً في العالم العربي، ما يشكل نسبة 15 في المائة من سكان الدول العربية، وفقاً لإحصاءات موقع «انترنت وورلد ستاتس» internetworldstats.com لعام 2009م.
ويعزى هذا الحضور اللافت للصحافة على الشبكة العنكبوتية إلى ما تقدمه الشبكة من مزايا للصحافة لم تسبقها إليها أية وسيلة وسيطة على الإطلاق، سواء من حيث قدرتها على تقديم المنتج الإعلامي بالكلمة المكتوبة، واللون والصورة، والصوت، والفيديو، والصورة الفلاشية والمتحركة.. أو من حيث قدراتها التفاعلية بين الصحيفة والقارئ، وبين القراء وبعضهم، بل أن القارئ أصبح مساهماً مساهمة مباشرة في صياغة المادة الإعلامية من خلال مايبثه من تعليقات تغدو جزءاً من جسد المادة الإعلامية في أحايين كثيرة.
اليمن نموذجاً:
وفي اليمن.. إن كانت التعددية الصحفية التي اقترنت بقيام الوحدة اليمنية قد شكلت محطة هامة في تاريخ الصحافة اليمنية، فإن دخول الصحافة فضاءات الإعلام الإليكتروني هي المرحلة الأهم باعتبار النقلات النوعية التي ساقتها في ركابها، ويكفي رصيدها زهواً أنها أعلت من قيمة الخبر وجعلت له اعتباره في الصحافة اليمنية بعد أن كان ثانوياً بين الألوان الصحفية قبل ظهورها، فالسرعة التي أصبحت تبث بها الصحف الرقمية أخبارها غير مألوفة قبلها، وهو مافتح الباب للسبق الصحفي، وجعلها مصدر غيرها من وسائل الإعلام التقليدية للخبر، كذلك فإن سهولة إنشاء موقع إليكتروني، ومحدودية تكاليفه وتكاليف إدارة صحيفة رقمية وسعت من عدد المنابر الإعلامية الإليكترونية بمستويات غير مسبوقة، حتى وإن لم يواكب هذه الزيادة العددية تطوراً في استثمار التقنيات والمزايا التي تتيحها الشبكة العنكبوتية، ولا تطوراً في جودة المادة الصحفية، التي لم تتجاوز في الغالب الأعم مقولة إنها صحافة ورقية منشورة على الإنترنت، بل وفي أحايين كثيرة أقل من ذلك.
فضاء رقمي مفتوح:
قد لا يدرك الكثيرون أن إنشاء موقع إليكتروني، أو منتدى، أو مدونة شخصية، أو صفحة في شبكة اجتماعية من السهولة لدرجة أن حسابات الزمن، أو تعقيدات الجغرافيا والهوية، أو معيقات التكلفة المالية لاعلاقة لها بهذا الأمر من قريب أو بعيد، وأن البيئة الرقمية الحاضنة لهذه الوسائل الإعلامية قد وفرت من التسهيلات مايجعل بإمكان أي إنسان على هذا الكوكب قادراً على أن يكون له منبر إعلامي _أو عدة منابر_ يرسل عبرها رسالته بحرية مطلقة لجمهور المتلقين دون قيود.
فامتلاك اسم عالمي لصحيفة إليكترونية لايحتاح من الوقت أكثر من كتابة أرقام البطاقة البنكية والضغط على رابط شراء، والأمر ذاته بالنسبة لامتلاك مساحة تسكين للموقع سواء كانت مجانية _وهناك المئات من الشركات التي تمنح مساحات مجانية_ أو مدفوعة الثمن، وعند الحديث عن الثمن لاتكلف رسوم حجز اسم نطاق عالمي لمدة عام أكثر من 15دولاراً لأغلى الامتدادات، وأقل من ذلك لامتدادات أخرى، في حين تكلف رسوم المساحة المستأجرة للتسكين مائة دولار سنوياً في المتوسط.
أما الجغرافيا بالنسبة لشبكة الإنترنت فقد غدت من أحاديث الأمس ولم تعد معنية بها بأي شكل من الأشكال، ولاتعنيها معاييره وتعقيداته، والأمر ذاته بالنسبة لهوية المتعامل مع الإنترنت الحقيقية، فليس مطلوباً إثبات هذه الهوية في أي مرحلة من مراحل إنشاء وسيلة إعلامية إليكترونية، بل حتى الهوية الرقمية ( IP ) أصبح بالإمكان التلاعب بها بسهولة، وعدم الإفصاح عنها حينما تستدعي الحاجة ذلك.
وفي حديث البرمجيات تعج شبكة الإنترنت بعشرات الآلاف من البرامج في أعلى درجات الاحترافية ومتاحة بشكل مجاني لكل من يرغب في استخدامها وتلبي كافة الاحتياجات من صفحة إنترنت بسيطة تعرض مقالة أو خبراً إلى التجارة الإليكترونية والتعاملات البنكية عالية الأمان والدقة.
بل أن لغات البرمجة الحديثة أصبحت تعتمد مايسمى (المصدر المفتوح) الذي تقدم من خلاله معظم البرمجيات مجانية ومفتوحة قابلة للتعديل وفق حاجة المصمم أو صاحب الموقع، وحينما يرغب صاحب الموقع في برمجة خاصة أو تصميم خاص فإنه حتى في هذه الحالة لم يعد الأمر مكلفاً وفي متناول الكثيرين.
صحافة الفرد:
عدة عشرات من الشركات الضخمة المتخصصة وبحجم (قوقل) دولياً، أو (مكتوب) عربياً تشرع المجال أمام سكان المعمورة ليكون كل واحد منهم مالكاً لصحيفة إليكترونية تم الاصطلاح على تسميتها (مدونة) وهي عبارة عن موقع إليكتروني متكامل إلى حد ما، بأسلوب برمجي نمطي، يتيح مجالاً للتعدد في الشكل الإخراجي وأساليب عرض المضمون، وتمنح الشركات في العادة مساحة مفتوحة للتسكين، وإمكانية اختيار اسم للمدونة مرتبط باسم الشركة، وأصبحت مؤخراً تتيح فرصة لمن يرغب في امتلاك اسم نطاق خاص به لايرتبط باسم الشريكة المستضيفة.
عالم التدوين والمدونات اكتسح الفضاء الرقمي الافتراضي بشكل واسع، وغدت المدونات ذات أثر فعال جمهور المتلقين، وتساهم في الرسالة الإعلامية بشكل لافت، تقدر بعض الإحصائيات عدد المدونات على مستوى العالم بنحو 50مليون مدونة شخصية. ضمنها نحو 600ألف مدونة عربية. ساهم العديد منها في إحداث تأثير عال تجاه قضايا محورية، وأصبحت تشكل قلقاً حقيقياً لكل السلطات التي تعادي الشفافية، وحرية التعبير.
وفنياً إنشاء المدونات مفتوح لكل البشر، ومجاني دون أي تكلفة، ولايحتاج من الوقت سوى أقل من ثلاث دقائق ليستقبل بعدها المدون سيلاً من التسهيلات المساعدة له على رسالته الإعلامية وانتشارها.
الشبكات الاجتماعية:
ماتزال العديد من الحكومات على امتداد المعمورة فاغرة فاها من ذلك الانتشار الواسع لعضوية الشبكات الاجتماعية على شبكة الإنترنت أمثال (فيس بوك)، (تويتر)، وسواهما، ومن حجم ونوع القضايا التي تطرح على الصفحات الشخصية، وفي المجموعات المتخصصة، وذلك الأثر الواسع الذي غدت تصنعه.
تقول إحصاءات شبكة الفيس بوك إن عدد أعضائها بلغ أكثر من (400) مليون شخص في العالم، 70% منهم خارج الولايات المتحدة، وإذا أضفنا إلى هذا الرقم معلومة تقول بأنها الشبكة الأكثر شعبية في العالم العربي، أدركنا حجم الأثر الذي يمكن أن تتركه مثل هذه الشبكات الاجتماعية.
ومن نافلة القول الإشارة إلى أن امتلاك صفحة على هذه الفيس بوك بسهولة ما سبق من وسائل إعلامية رقمية.
تقييد الفضاء المفتوح:
بالارتكاز على الحقائق والمعلومات السابقة التي أفضت إلى نتيجة واحدة هي أنه يستحيل التحكم في آلية إنشاء صحيفة إليكترونية، أو أي من الوسائل الإعلامية الرقمية المماثلة، والقدر نفسه من الاستحالة ينسحب على الرقابة المسبقة على ماينشره الإعلام الرقمي، يفرض السؤال نفسه حينما نسمع عن محاولات لتقييد الصحافة الرقمية، والحد من حرية التعبير فيها باسم التشريع، أو عبر محاولات الحجب: أي فضاء هذا الذي يستهدفون تقييده؟ ولماذا التقييد أصلاً؟ وهل أن أية قيود تشريعية أو حتى تقنية قادرة على تحقيق مستهدفات الأنظمة؟
إن مراقبة الفضاء أو وضع قيود عليه مهمة مستحيلة، وما سيحدث إن حاولت أية السلطة ذلك هو أن تفرض قيوداً على المؤسسات الصحفية الملتزمة، والشخصيات الحقيقية والاعتبارية الملتزمة، دون أن تطال يد قيودها ماعدا ذلك من مكونات الفضاء الرقمي.
في حين أن مثل هذه القيود ستؤدي إلى تخليق مشكلات من نوع آخر، فهي حتماً ستدفع من يريد امتلاك وسيلة إعلام رقمية حرة إلى استثمار المتاح من إمكانات الفضاء الحر وإصدار صحفيته دون الرجوع للسلطات، أو إعلان هويته الحقيقية بما يكتنف هذه الحالة من مخاطر ومضار، فتقييد الصحافة الإليكترونية المؤسساتية الاحترافية سواء بخلق شروط تعجيزية أو بمحاولات فرض رقابة، أو بفرض عقوبات لاحقة للنشر تعاقب على الرأي، إنما هو تعقيد الأمر على هذه المؤسسات المعتمدة على صحفيين محترفين، وتحكم أداءها أخلاقيات مهنية، ومن ثم الدفع بها نحو الصحافة الفردية التي قد تكون مجردة من القيود الأدبية التي تمليها المهنية والاحتراف؟
التقييد سيحدث تحولاً من الصحافة العلنية بالأسماء الحقيقية إلى الصحافة السرية المتدثرة بالأسماء الافتراضية، وفي هذه الحالة يصبح الباب مفتوحاً للنميمة السياسية، وترويج الإشاعات، وبلغة أقسى من تلك التي يخشاها الحاكمون في الصحافة المسؤولة، وقد يكون بديلاً للكتابة المسؤولة المستهدفة تشكيل المواقف، ومواجهة السلبيات.. والتحول إلى صحافة أقل التزاماً، وأكثر انفلاتاً، وينسحب الأمر على المتلقي حين يرغب في إبداء رأيه في مادة منشورة على الصحيفة الإليكترونية حيث يلجأ إلى التخفي وراء اسم مستعار وفي هذه الحالة قد يتجرد من الالتزامات الأدبية التي يمليها النشر بالاسم الحقيقي.
وبهذا أيضاً نخلق إشكالية أخرى هي اتساع حجم الشريحة الانفصامية _إن صح التعبير_ التي تقول بأسماء مستعارة مالاتقوله بالأسماء الحقيقية.
وقد خاضت بعض الحكومات العربية تجارب فاشلة في محاولات فرض قيود على إنشاء المواقع الإليكترونية، وتسجيل كل مواقع لدى (الجهات المختصة) لكنها منيت بفشل ذريع لاستحالة الأمر.
لماذا التقييد باسم التشريع؟:
قد تأتي الإجابة على هذا السؤال مغلفة بالحفاظ على ثوابت المجتمع.. لكن الحقيقية أن الثوابت بريئة من كل من يدعي الدفاع عنها، فبغض النظر عن الجدلية الفكرية المعروفة هل هناك ثوابت أصلاً؟ يظهر التساؤل: لماذا الخوف من استهداف الثوابت؟ هل هي هشة لدرجة أن يقتلعها تحريض محرض؟ وهل هي في مهب ريح صاحب رأي معارض لها، أو مشكك فيها؟.. إذا صح أنها بهذه الهشاشة، وليست راسخة في القناعات، فهي إذا ليست ثوابت بل متحولات.
أما التبرير الأكثر قرباً من الحقيقة فهو تخفيف الضغوط على الحكومات أو الأنظمة، والكف عن انتقاد سياساتها، والنيل من بؤر الفساد فيها.. وهذا يستلزم إحدى فرضيتين إما أن يكون نظام الحكم ضعيفاً لدرجة الخوف عليه من كلمة حرة منشورة في وسيلة إعلامية؟ وسياساته فاشلة، وبؤر الفساد تملأ دهاليزه.. في هذه الحالة إن كان بهذا الضعف فالواجب يملي على الجميع تغييره والكلمة الحرة أهم وسائل التغيير، وإن كان قوياً فلماذا تقيد الكلمة طالما لا تشكل ضرراً له أو خطراً عليه. هل هي مخاوف تراكم التعبئة الجماهيرية؟ إن كان كذلك فمن حسنات التعددية وحرية الرأي أنها تتيح الباب على مصراعيه لتعبئة مغايرة وهنا يسقط مبرر التقييد.
القضية الأهم في هذا الجانب هي هل فعلاً يستطيع أي نظام أن يقيد حرية الإعلام الإليكتروني.. الجابة بكل ثقة وقوة .. لا فلم يعد الأمر ممكناً، ليس بالنسبة للناشر أو مرسل الرسالة الإعلامية فحسب، بل وحتى المتلقي أصبح من الصعوبة بمكان منعه من الوصول إلى الرسالة بعد أن فشلت كل أساليب ووسائل الحجب، وغدا الفضاء الإليكتروني متخماً بالبرامج والمواقع التي تكسر هذا الحجب، بل ولم يعد ممكناً حتى تتبع المتصفح أثناء إبحاره في الشبكة العنكبوتية بعد توافر برمجيات تستطيع إخفاء هويته إن شاء ذلك.
وبعد:
إذا كانت الصحافة الإليكترونية بهذه الضخامة من حيث حجمها، وسرعة انتشارها، وسهولة امتلاكها ماهي الآلية المثلى للتعامل معها لحماية المجتمع والأفراد، والمنظومات الأخلاقية من مخاطرها؟
كرؤية شخصية أعتقد أن لجوء السلطات الرسمية إلى إيجاد آلية تسهل تسجيل المواقع الإليكترونية دون تعقيدات أو اشتراطات أو قيود، ومن ثم إيجاد تشريعات تتصل على وجه أخص بالجانب الجنائي للصحافة دون أية محاولة للاقتراب من حرية الرأي والتعبير، وقبل هذا وذاك لا بد أن تضطلع الحكومة ممثلة بوزارة الإعلام أو سواها، ومؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها نقابة الصحفيين اليمنيين بدور محوري في نشر ثقافة الإعلام الرقمي بين منتسبي المهنة لتجويد أدائها والانتقال بها إلى سوية تصبح بها عنصر بناء، وصانعة تغيير مجتمعي نحو الأفضل.
*ورقة عمل مقدمة لندوة ملتقى الرقى والتقدم