نداء الى المغتربين اليمنيين:( ارجع لحولك مرة أخرى !!)
بقلم/ طارق عثمان
نشر منذ: 15 سنة و شهر و 10 أيام
الإثنين 09 نوفمبر-تشرين الثاني 2009 06:12 م

إرجع لحولك كم دعاك تسقيه ... ورد الربيع ماله سواك يجنيه .

لقد كانت كلمات هذه الأغنية عنوانا لمرحلة في تاريخ أبناء اليمن في الخليج ، مرحلة أعقبت إحتلال صدام حسين للكويت ، ووقوف القيادة اليمنية إلى جانبه فقد كان بث الأغنية بمثابة نداء وطني رومانسي مدغدغ للعواطف يدعو اليمنيين الى مغادرة تلك البلدان التي ( تفتقر للعروبة ، والكرامة ، والنخوة ، والشهامة كما كان يصور ) ليعودوا الى وطنهم الذي يحتاج اليهم ليبنوه ويعمروه ويغرسوا شتلاته ويسقوها بعرقهم وليبنوا موطنهم ويهجروا بلاد المهجر ..

توالت الخطابات والاغاني والاناشيد التعبوية التي تذكي الشعور الوطني وتستثير الحمية في عروق اليمنيين فرمى العمال سطول الاسمنت من على كواهللهم ، وقفز كثير منهم من على سقالات البنايات ، وباع البعض أملاكه بثمن بخس وتخل البعض عن ملايينه و ارخى البعض يده ليصفع بها كفيله أو شريكه معلنا قرار إنهاء سنين الخدمة في بلاد الغربة ...

كانت كلمات أيوب طارش تشعل في عروقهم الدماء وتحول وجوههم جنوبا صوب اليمن يحملون أبناءهم وأسرهم التي أمضت عمرها في دول الخليج متجهين نحو الوطن الأم ، نعم لقد قرر الملايين العودة نحو مسقط الرأس، قرروا العودة الى خضر الربى ، والى تليم الحب ، وإلى حاملات الشريم ، والى الغاديات فوق الربى والبطاح ، ويتركوا بلاد الاسمنت ، والاسفلت ، والصحراء ن والرمال ، والنفط والارض المحرقة ..

قرروا العودة الى شماريخ شمسان ، واشتاقوا لرؤية لمح البروق على جبال الاعروق ، ومدارب السيل وقرروا العودة لرؤية الظباء وهي تهرول بين المطر تبحث عن مكنة ، والى سنابل البر في قاع جهران ، حنوا لرؤية دوادح الحب وتلهفوا لاستنشاق دخداخ النسيم وتذوق فراسك صبروبن صعفان ، وهفت انفسهم لسماع نوح الطيور والاستمتاع برؤية طائر أم غرب يتوجه سن أم التهايم ..

اتخذوا قرارهم العاطفي ، المدفوع بالشوق ، المملوء ببؤس الاغتراب ، وتركوا كل شىء وراءهم ،أموال وثروة وتجارة ن وأعمال ، ووضع إجتماعي ، وصداقات وأحباب ..وغادروا أقواج في موسم الهجرة نحو الجنوب ..

عادوا ملبين دعوة رئيسهم وهو يهتف فيهم ويناشدهم أن يرجعوا للوطن الذي يحتاجهم ويحتاجونه وانه مستعد أن يقتسم معهم رغيف الخبز..

وحين عادوا لم يجدوا أيوب طارش ولم يجدوا الزرع أخضر ولا الجهيش بالاحجان بل وجدوا من يأكل الاخضر واليابس و إختفى أيوب وحملت لهم مكبرات الصوت في الاستريوهات صوته وهو يترنم ( مهلنيش ) وأما رئيسهم الذي وعدهم بتقاسم رغيف الخبز فقد فعل فاقتسم رجاله مع العائدين رغيف الخبز الذي جلبوه معهم من بلاد الاغتراب ..

عادوا ليرمى بهم في مخيمات الصفيح والفقر والبؤس والشقاء والتشرد والحقوق الضائعة والكرامة المهانة ، وليصبح صدام مجرد مدينة سكنية بائسة على تخوم الحديدة ... نعم لقد إنكشف الغطاء وذهبت الغشاوة وطارت السكرة واكتشفوا أنهم وقعوا ضحية لمطرب ورئيس فقرروا الرحيل ثانية من حيث أتوا يقطعون البراري والقفار تتساقط من على أجسادهم مزع الكرامة وفي قلوبهم تتصاعد ثورة الندم ..

واليوم يحاول البعض أن يعزف نفس المعزوفة وينادي المغتربين مرة أخرى إرجع لحولك ، بخطابات التهييج وكتابات التثوير والتغرير وإثارة الحمية لدى الطيور المهاجرة لتظهر تبرمها من دول الاستضافة ليجدها البعض ذريعه لتكرار طوابير 1990م يأتي هذا عبر تصوير الحرب في الشريط الحدودي على انه احتلال للاراضي اليمنية وتهييج ابناء اليمن في الداخل والخارج على السعودية ، دون إدراك أنه طيلة الحروب الستة لم تحشد السعودية أي قوات يعتد بها على الحدود إلا بعد عملية التسلل فما الذي سيستفيده المؤججون لهذه المشاعر سوى أنهم قد يجنوا على ملايين المغتربين في دول الخليج وملايين الاسر التي تعيش بفضل غربتهم بعد فضل الله تعالى ورحمته ..

لكن اليمنيين الذين دفعوا ثمن سير البعض وراء جنرالات بغداد غير مستعدين أن يدفعوا ثمن سير البعض وراء ملالي طهران وسيقولون هم هذه المرة ( مهلنيش ) وسيبقون مدافعين عن عقولهم ، وسيحكمونها بديلا عن العواطف فللأسف الشديد السيادة منتهكة أصلا فالامريكيون قتلوا الحارثي وهو في قلب اليمن والسفن تجوب المياه الاقليمية اليمنية ومعظم السفراء يتدخلون في كل شؤننا الداخلية بشكل سافر ، وارتيريا بقيت سنين على أرضنا ونحن نحكم العقل ونجري في ردهات الأمم المتحدة ..

أخيرا أقول ،،

سيبقى اليمنيون يحترمون بلدانا استضافتهم ووفرت لهم فرص العمل سيبقون يحترمون أنظمتها وقوانينها وسياستها مالم تنتهك أرضهم بعدوان صريح صارخ متعمد ليس فيه شبهة ولا شك ويجمع فيه الجميع في الداخل والخارج على أنه كذلك فإن حدث عدوان حقيقي فسيعودون زرافات ووحدانا لوطنهم متذكرين المثل الشعبي \" عز القبيلي بلاده \" سيعودون ليكونوا جميعا جنودا لصناعة وطن العزة التي أفقدهم النظام معانيها منذ عقود وما عدا ذلك فلم يعد تستهويهم العودة للبطالة والفقر والتشرد وضياع الأبناء وتحولهم إلى أصوات تشتى بأكياس الدقيق وقناني الماء البارد وعلب بسكويت أبو ولد ..