الدستور.. لإعادة صياغة وحدة 22 مايو
بقلم/ عارف الدوش
نشر منذ: 11 سنة و 3 أشهر و 10 أيام
الأربعاء 11 سبتمبر-أيلول 2013 04:27 م

خلال أكثر من عقدين من الزمان ظلّ الحديث عن الوحدة محاطاً بقداسة من قبل المنتصرين في الحرب برغم جريان نهر من الدماء لم تكن من أجل الوحدة كمفهوم تجمع في إطارها التنوع والمختلف في الوطن كجغرافيا وبشر؛ وإنما استخدم تعبير «الوحدة» كغطاء لمشروع سياسي واقتصادي واجتماعي كان مطبقاً في جزء من الوطن أريد فرضه على مستوى الوطن كله؛ وبعبارات أخرى جرى توسيعه من خلال ربط تعبير «الوحدة بالموت» في شعار “الوحدة أو الموت” ليعني في أرض الواقع المعاش الحياة لمشروع سياسي واقتصادي واجتماعي ونمط حياة محدّد، والموت لمشروع سياسي واقتصادي واجتماعي آخر كان مطبقاً وقائماً على أرض الواقع في جزء آخر من الوطن برغم أن الوحدة العظيمة التي تحقّقت في مايو 90م اتفق أن تجمع وتطبق مشروعاً آخر جديداً يجمع إيجابيات المشروعين السابقين المختلفين جذرياً في توجهاتهما ومنطلقاتهما السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبالتالي في حاملهما الذي هو قواهما السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ولا أحد يستطيع أن ينكر أن التغييرات الدستورية السابقة جاءت نتيجة الغلبة ومثّلت رأي وتوجهات المنتصرين في الحروب والتصفيات، وباختصار التغييرات التي حدثت لدستور الجمهورية اليمنية بعد حرب 94م وثم في عام 2001م كانت تعبّر عن حالة الغلبة وإعادة إنتاج نفس القائمين على السلطة، لكن بعد أن جرت دماء كثيرة بأشكال مختلفة وتعالت الأصوات بدءاً من إصلاح أو تصحيح مسار الوحدة إلى القبول وانشراح الصدور لنقاش موضوع الوحدة؛ أصبح البحث في صيغ الوحدة المتعددة لاختيار الصيغة المناسبة والقابلة للحياة التي لا تعيد تكرار دورات العنف حقاً مشروعاً لكل الناس بمختلف توجهاتهم وأطيافهم.

 وحتى لا تتكرّر دورات العنف والصراع والتهميش والإقصاء والإكراه فيفترض في الدستور الجديد لليمن الجديد أن يكون هذا الدستور هو الوثيقة الوطنية الجامعة التي يجمع عليها شركاء الوطن بجميع فئاتهم وأطيافهم ومذاهبهم ومستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية؛ بمعنى أن يجد فيه كل يمني تطلعاته وآماله السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأن يحمي هذا الدستور الشراكة بين فئات المجتمع المختلفة والمتنوعة فكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً من خلال تحديده صيغة الوحدة اليمنية الجديدة التي يفترض فيها أن تقضي أو توقف الصراع والاحتراب على الحكم أو من أجل فرض مشروع سياسي واقتصادي واجتماعي محدد من قبل من يمتلك أدوات ووسائل القوة «السلاح والمال والعدد البشري».

 ويفترض في الدستور اليمني الجديد الذي سيتم صياغته من قبل لجنة فنية “خبراء ومتخصصين” وسيُعرض على سياسيين وقانونيين ثم سيتم الاستفتاء عليه من قبل الشعب أن يكون معبّراً في فصوله ومواده عن جميع طبقات وشرائح المجتمع وحامياً لحقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومتيحاً لها جميعاً فرصة التنافس والتمكن والتمكين من المشاركة في الحكم والتمتع بالثروة، وأن يحمل في مضامينه ما لا يحرم مواطناً أو مواطنة من كل الحقوق التي كفلها الشرع والقانون والمواثيق والأعراف الدولية باعتبار الدستور عقداً اجتماعياً ينظم ويحمي حياة الناس حكاماً ومحكومين.

والدستور الجديد لابد له أن يكون نتيجة لوفاق وطني شامل حتى يصبح عقداً اجتماعياً جديداً حقيقياً ومعبّراً عن توافق بين المشاريع السياسية المتعددة؛ أي يصبح تعبيراً عن المصالح والرؤى المختلفة والمشارب السياسية والفقهية والمذهبية المتعددة وبالتالي لن يمثّل أية غلبة لفئة من فئات المجتمع على أخرى أو مركز حكم مسيطر على الحكم وقوة السلاح والمال، ولابد للدستور الجديد أن يحمل تعبيرات ومواد تخدم جميع الفئات والطبقات بما فيها أغلبية الناس وهم «الطبقة الوسطى» أو الغلابى وهم محدودو الدخل والفقراء المتواجدون في أغلب الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والنقابات.

ولابد أن يشمل الدستور الجديد مواد دستورية واضحة تحميه - أي الدستور - من أي منتصر بحرب أو انتخابات، وتمنع أن يمس أو يغيّر أو يعاد تفصيله على مقاس حاكم ما أو حزب ما أو قبيلة ما أو تحالف أحزاب وقبائل أو تكتل تجمعه مصالح سياسية واقتصادية أو توجه ديني أو مذهبي أو أي من هؤلاء جميعاً كما حصل بعد حرب صيف 94م المشؤومة عندما هندس وفصّل المنتصرون بالحرب دستور الوحدة المستفتى عليه على مقاسهم ليحكموا ويبرّروا أفعالهم وتشريعاتهم..!!.

 وأخيراً.. إن الدستور الجديد فرصة ثمينة ونادرة لإعادة صياغة وحدة 22 مايو 90م التي ماتت بالحرب على أسس وقواعد تشريعية وسياسية وتنموية تخدم تطلُّعات الأجيال القادمة ولا تصادم رياح التغيير التي أطلقها شباب وشابات بعمر الورود والسنابل يحلمون بوطن أفضل للجميع وليس لأسرة أو منطقة أو قبيلة أو سُلالة

aldowsh_4@hotmail.com