آخر الاخبار
إخوان مصر بين« أحلام الأمس.. وحقائق اليوم»
بقلم/ ابراهيم الجهمي
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 22 يوماً
الجمعة 01 يونيو-حزيران 2012 03:17 ص

الإخوان المسلمون في مصر كان لهم دوراً بطولياً في إنجاح الثورة ودعمها وتجلى ذلك واضحاً في تصديهم لبلاطجة نظام مبارك أثناء محاولتهم إقتحام ميدان التحرير في موقعة الجمل وتدعيمهم الثورة من خلال تنظيمهم المتميز في بسط الأمن وتأمين الأحياء السكانية حينما إنسحبت قوات الأمن فُشكلت لجان شعبية كان للإخوان الدور الأبرز في تنظيمها وترتيبها, مما جعل لهم قبولاً كبيراً لدى أوساط شباب الثورة, وتقديراً لدورهم ولما يتمتعوا به من ثقل مجتمعي نظير خدماتهم الممتدة في أنحاء مصر لا سيما المناطق العشوائية, والقرى النائية, والمتمثلة في جمعيات نوعية, ومستشفيات, ونوادي, ومراكز خدمية .

وبعد الثورة سرعان ما شكل الاخوان المسلمون حزبهم السياسي ( الحرية والعدالة ) الذي دخل الإنتخابات البرلمانية ليحصد وبسهولة عدد 235 من اصل 508 مقعداً بنسبة 47%، وحصدوا 107 مقعدا في مجلس الشورى بنسبة 59% , من إجمالي 180مقعداً تم إنتخابهم بالإقتراع المباشر من الشعب و90 مقعدا تم تعينهم من المجلس العسكري, وكانت النتيجة حصول الإسلاميين في مجلس الشعب نسبة 65% الاخوان بما فيهم حزب النور(سلفيين) وحزب الوسط, وحزبا البناء والتنمية, والأصالة, ونسبة 85% في مجلس الشورى للإخوان بما فيهم حزب النور, وكانت عدد الأصوات التي صوتت للإخوان من مجموع الناخبين وصلت الى 11 مليون صوت في إنتخابات البرلمان. وتقريبا 7 مليون صوت في انتخابات مجلس الشورى . وتشكلت هيئة رئاسة مجلس الشعب برئاسة القيادي الإخواني الدكتور سعد الكتاتني واستأثروا برئاسة أغلبية لجان المجلس .

لقد شعروا بالزهو وتفاخروا لدرجة الغرور بأن يصرح أحد قياداتهم وهو الدكتور صبحي حسن بقوله (لو انتخب الأخوان كلباً ميتاً لاختاره الناس )على غرار مقولة لزعماء حزب الوفد إبان زخمه في منتصف القرن الماضي حيث كانوا يرددون لو( رشح الوفد حجرا لانتخبه الناس).

كانت الأحزاب السياسية الأخرى تطمح الى مشاركة سياسية واسعة مع الأخوان باعتقادهم أن الإخوان وصلوا إلى ماوصلوا إليه بفضل الثورة التي اشتركت فيها جميع القوى السياسية والشخصيات الوطنية, وكان الإخوان في خطبهم ورسائلهم السياسية يوحون بالطمـأنينة للجميع معلنين شعار المشاركة لا المغالبة, وأكدوا مراراً أنهم لن يستأثروا بالمشهد السياسي وسيشركون الجميع في صنع ملامح الدولة القادمة والقائمة على المواطنة المتساوية في ظل دولة مدنية..

قبيل الإنتخابات البرلمانية صرح الإخوان بأن في مقدورهم الحصول على ثلثي مقاعد البرلمان ومع ذلك سيكتفوا بالمنافسة على ثلث المقاعد فقط مما يؤهلهم لقيادة الكتلة المعطلة, ولكنهم في الحقيقة نافسوا وبقوة على كل المقاعد البرلمانية ولم يشركوا في قوائمهم قوى أخرى أو شخصيات في الغالب لا تنتمي اليهم والى فكرهم سوى عدد من المرشحين لا يزيدون عن عدد اصابع اليد الواحدة منهم النائب المسيحي أمين اسكندر.

جاءت نتيجة انتخابات رئاسة الجمهورية في الجولة الأولى غير متوقعة وصادمة للجميع بل وأحدثت هزة عنيفة لاسيما لدى قوى الثورة وشبابها بما فيهم الإخوان أنفسهم تمثلت المفاجئة الكبرى صعود الفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد المخلوع حسني مبارك وكان من أركان حكم مبارك والمحسوب ضمناً على المجلس العسكري الذي يحكم البلاد حالياً ويطالبه الشعب بالوفاء بوعده وتسليم السلطة للإرادة الشعبية عبر صناديق الإنتخابات وعودة الجيش إلى ثكناته العسكرية.

 تسارعت القوى الوطنية الى القاء اللوم في وصول شفيق لمرحلة الجولة الثانية للإنتخابات وبنسبة تصويت غير متوقعة على عاتق الإخوان وأصبحوا في مرمى الإتهام من كافة الفصائل والقوى الوطنية على إختلاف توجهاتها الفكرية والحزبية والسياسية يمينية ويسارية ووسطية بل وحتى ومن داخل جماعة الإخوان أنفسهم لاسيما الذين كان لهم رأي مخالف لخوض انتخابات الرئاسة.

ورغم أن مرشح الاخوان الدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة قد حصل على أعلى الأصوات ولكن بفارق ضئيل بينه ومنافسه الفريق أحمد شفيق المحسوب على النظام السابق الذي ينعته شباب الثورة بمرشح (الفلول).

سيكون من الصعوبة التنبؤ بفوز أحد المرشحين في ظل إنقسام حاد لقوى الثورة والأحزاب السياسية ومكونات إئتلافات شباب الثورة التي تزيد عن مائة إئتلاف, مع العلم أن نسبة حصول شفيق 24% من إجمالي أصوات الناخبين يزيد عنه الدكتور محمد مرسي بفارق1% ولكانت فرصة شفيق بالفوز من الجولة الاولى مؤكدة لو لم يدخل في سباق الإنتخابات عمرو موسى الذي حصل على نسبة 11% لأن الكتلة التصويتية للمرشح شفيق والمرشح موسى واحدة وكلاهما محسوبين على النظام السابق.

الأصوات الباقية توزعت على بقية المرشحين وهي محسوبة على الثورة ولو كان هناك إتفاق على مرشح واحد لقوى الثورة وشبابها لكانت النتيجة محسومة مقدماً, ولكن تعدد المرشحين شتت الأصوات ليفسح المجال كما أسلفنا لوصول الفريق أحمد شفيق الذي تخشاه جميع قوى الثورة وترى أن وصوله لكرسي الرئاسة خطراً حقيقياً, وانتكاسة كبرى للثورة وهو بمثابة إعادة إنتاج النظام السابق.

أخطاء الإخوان

هناك مآخذ تؤخذ على الإخوان ترتكز على أخطاء حقيقية وقد تكون تاريخية وقع فيها الإخوان المسلمون, جعلتهم وثوار مصر أجمعين في موقف حرج للغاية, ووضعتهم في مرمى الإتهام وأمام تحدٍ صعب جداً فخسارتهم في الجولة الثانية جولة الحسم لمقعد الرئاسة ليست وبالاً عليهم فقط ولكن ستكون وبالاً على الشعب المصري وعلى الثوار والثورة بل يمتد هذا الخطر ليشمل دول الربيع العربي والذي عبر عنه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي حين قال (الأمة العربية تنتظر نتيجة الإنتخابات المصرية وأن تلك النتائج سيكون لها تأثيرها على المستقبل العربي), وذلك يساعد ويشجع على انحسار المد الثوري وتنامي الأنظمة المخلوعة ولو بلباس جديد.

 و فرصة انتصار مرشح الإخوان والتي ستكون شبة مستحيلة وغير محسومة فيما لو دخلوا بدون دعم قوى الثورة في حالة اعتمادهم على الأصوات التي حصلوا عليها في الجولة الأولى فقط ، خاصة وأن من صوت لغير مرشح الاخوان لديه تحفظ أو تخوف من الإخوان ونهجهم, أومن مشروعهم, او من أساليبهم التي جعلت عدد كبير من أبناء الشعب ينفر منهم وعنهم ، يدلل على ذلك تناقص ملحوظ في الكتلة التصويتية التي تراجعت وانحسرت للإخوان من 11 مليون صوت في انتخابات مجلس الشعب الى 5 مليون ونصف صوت في انتخابات الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية .

ومن جملة الأخطاء التي انتقد الإخوان فيها من قبل شباب الثورة والقوى الأخرى المختلفة الأطياف والتوجهات:

1-ترتيباتهم المنفردة مع المجلس العسكري وتنسيقهم الثنائي معه في مواقف عدة منها عملية الإستفتاء على الدستور المؤقت (الإعلان الدستوري) واشتراك ممثل عنهم دون باقي القوى في لجنة إعداد الدستور وهو الدكتور صبحي حسن, ثم تحول ذلك الوفاق والإنسجام الى تبادل الإتهامات بين المجلس العسكري والإخوان ليتهمهم المجلس بأنهم لم يفوا بالتزامات تم الاتفاق عليها وأنهم يسعون للتفرد بالمشهد السياسي وأنهم يريدون إسقاط حكومة الجنزوري التي أيدوها بعد إقالة حكومة عصام شرف.

2-في انتخابات المجلس التشريعي أعلن الاخوان أن بمقدورهم الحصول على ثلثي مقاعد البرلمان ومع ذلك لن يسعوا إلى الإستحواذ والإستئثار وسيتيحوا مجالاً لبقية المرشحين المستقلين والحزبيين, ولكنهم دفعوا بمرشحيهم لكل الدوائر الإنتخابية وحصدوا نصف مقاعد البرلمان الا قليل. وشكلوا هيئة رئاسة المجلس برئاسة الدكتور سعد الكتاتني أمين عام حزب الحرية والعدالة (الاخواني) الذي استقال من منصبه الحزبي لاحقاً، واستأثروا بأغلب لجان المجلس .

3- اعلنوا رسمياً على لسان العديد من قياداتهم ومنهم الدكتور سعد الكتاتني أمين عام حزبهم بعدم نيتهم الوصول الى رئاسة الجمهورية وقال حينها في مقابلة تلفزيونية بقناة النهار يوم14/1/20122م، (لن ترشح جماعة الاخوان أحداً للرئاسة وعلى مسؤوليتي وذلك قرار الجماعة) ، ونفى الدكتور جمال حشمت، أحد قياديهم وهو وكيل لجنة العلاقات بمجلس الشعب ، حينها ما يتردد من إشاعات حول عزم الإخوان ترشيح أحداً منهم لرئآسة الجمهورية, وأيضاً تصريح لمرشد الإخوان (السابق) مهدي عاكف بعدم نيتهم ترشيح أحداً للرئاسة, وأكد ذلك الموقف الكثير من قياداتهم, ولكنهم فاجئوا الجميع بمن فيهم المقربين منهم والمناصرين لهم بقرار ترشيحهم المهندس خيرت الشاطر للرئاسة ولما تم رفض ترشيحه قانونياً استبدلوه بالدكتور محمد مرسي, ما أثار حفيظة جميع القوى من الإخوان واعتبروه تراجعاً عن موقفهم السابق وتأكيداً لما يتردد عن رغبة الإخوان الوصول للحكم وإستئثارهم بالحياة السياسية في كافة أدواتها, وتراجعهم عن الوعود السابقة التي قطعوها على أنفسهم.

4-الغرور الذي بلغ بهم درجة أن يقول أحد قادتهم وهو الدكتور صبحي حسن (لو رشح الإخوان كلباً ميتاً لانتخبه الناس) وقد انتشرت تلك المقولة عنهم ولم يقوموا بنفيها أو الإعتذار عنها ولقد قال الدكتور ابراهيم الزعفراني أحد قيادات الإخوان التاريخية والذي انفصل عنهم لاحقاً حيث قال في لقاء مع صحيفة المصري اليوم بتاريخ 3/4/2011م "سمعت صبحى صالح يقول إن الجماعة لو رشحت «كلب ميت» هينجح، ولم يخرج أحد يلومه أو يكذب هذا التصريح، وقديماً قال حزب الوفد إنه لو رشح «حجر هينجح»، لكن الأيام دارت دورتها وجعلت الجماعة الحجر كلباً، مما يجعلنى استحسن كلمة الوفد".

5-تخلي الإخوان عن العديد من المسيرات والإعتصامات والوقفات المليونية التي كان ينادي لها شباب الثورة وتشترك فيها القوى السياسية وكذلك الأحداث التي تمت فيها اعتداءات على شباب الثورة كأحداث مجلس الوزراء وأحداث شارع محمد محمود وأحداث (مايسبيروا)، واعتبر البعض تخلي الإخوان عن المشاركة في تلك الأحداث ومساندة شباب الثورة أنه تنسيق وصفقة مع المجلس العسكري، كما انتقد الإخوان شباب الثورة في تلك المسيرات والأحداث مما ولد إستنكاراً لدى القوى السياسية في تخلي الإخوان عن دورهم في الدفاع عن الثورة وحمايتها وقد اتهمهم الكثير ومنهم حمدي الفخراني عضو مجلس الشعب في مقابلة مع المصري اليوم بتاريخ 27/5/2012م بالتخلي عن الثورة وانهم شوهوا الثوار ووصفوا المتظاهرين بالبلطجية .

6-الإستفتاء على الدستور المؤقت (الاعلان الدستوري) بتاريخ19/3/2011م والذي دعى اليه المجلس العسكري وأيده الإخوان مع القوى الإسلامية وأنصار الحزب الوطني الحاكم (السابق) على الرغم من اعتراف غالبية الموافقين على عملية الإستفتاء بأنها غير كافية ولا تعبر عن طموحات الثورة المصرية, وعارضته جميع الأحزاب والقوى السياسية وكانت تنادي بالدستور أولاً وليس بدستور مؤقت ومع ذلك تم التصويت بأغلبية شعبية على الدستور المؤقت والذي كان سبباً فيما بعد لتقييد أداء البرلمان في سلطته المطلقة في رقابة الحكومة وحقه في حلها وهو ما سعى إليه حزب الحرية والعدالة وفشل بسبب عدم صلاحيته في ذلك حسب الدستور المؤقت الذي نزع منه تلك الصلاحية وأعطى سلطات واسعة للمجلس العسكري بما فيها حل البرلمان .

7-إستئثار الإخوان باللجنة المشكلة لصياغة دستور البلاد وتسمى (اللجنة الدستورية) حيث طالبت جميع القوى والتيارات السياسية والشخصيات الوطنية والمؤسسات الدينية بأن لا ينفرد أي حزب أو فصيل أو جماعة بالإعداد للدستور الدائم والذي يعتبر موضوع هام ومصيري وحساس وهو أهم صراع سياسي يرسم مستقبل مصر وطالب الجميع بأن يشمل جميع فئات وأطياف الشعب وهيئاته ونقاباته وأن يراعى في تشكيلها التنوع والتوافق الوطني, حيث وأن عدد أعضاء اللجنة المكلفة لإعداد للدستور مائة شخص واختلف حول تشكيلها, وتم الإتفاق بعد مناقشات حثيثة بأن تشكل اللجنة نصفها من مجلسي الشعب والشورى, والنصف الآخر من خارجهما حيث يمثل فيها الأقباط, والمرأة, والنقابات, ومنظمات المجتمع المدني, والقوى السياسية, وتم التصويت في البرلمان على لجنة صياغة الدستور الذي بدا واضحاً هيمنة الإسلاميين عليها برئاسة الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب, وتم رفضها من كافة القوى والتيارات الليبرالية وقدمت طعنا لدى المحكمة الدستورية العليا, وقضت ببطلان تأسيس الجمعية, ونتجت أزمة عاصفة على إثرها انسحب ربع أعضاء اللجنة الذين أدعوا بأن الإخوان شكلوا أغلب أعضاء اللجنة من شخصيات إخوانية من داخل البرلمان ومن خارجه ممن ينتمون إليهم وقد عبر عن ذلك رفعت السعيد رئيس حزب التجمع - يسار- (إننا نواجه محاولة لاحتكار كل شيء لكن احتكار الدستور هو اخطرها الدستور لا ينبغي ان يكون انعكاسا لرأي الاغلبية وانما انعكاسا لكل قوى المجتمع) ،وتدخل المجلس العسكري وحث مجلس الشعب على إعادة النظر في تشكيل اللجنة وحمله مسؤولية التأخير في الإعلان عنها وحتى بعد الجولة الأولى للانتخابات لم يتم الإعلان عن تشكيل اللجنة, ويعتبر تشكيل اللجنة بالنسبة للقوى السياسية مؤشراً على مدى موقفهم من ترشيح الدكتور محمد مرسي من عدمه في الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة .

8- أخطاء الإخوان في البرلمان خلال الفترة الماضية والتي عبر عنها المستشار طارق البشري والذي يلقب في مصر (بالحكيم) وهو قريب من التيار الإسلامي وكان رئيس لجنة صياغة الدستور المؤقت حيث انتقد أداء الإخوان في البرلمان في صحيفة الشروق بتاريخ 11/5/2012م فبالاضافة الى أخطائهم في تشكيل لجنة صياغة الدستور أشار الى أخطائهم في إعداد قانون العزل السياسي والذي ترددوا وتباطؤا وتقاعسوا في إصداره في البداية , وحينما سعوا بدفع مرشحهم للرئاسة أصدروا قانون العزل السياسي كي يفسح المجال لمرشحهم ويطيح من طريقه ترشيح عمر سليمان وأحمد شفيق, ومن ثم فإن فكرة "العزل السياسى"، كما يقول البشري، فقدت عموميتها وتجريدها اللازمين لأي عمل قانونى تشريعى صحيح، ولكنه في هذه الأثناء إنما يعنى أن الحزب المسيطر على الأغلبية البرلمانية يلجأ لسلطة التشريع، ويستخدمها لا من أجل صالح عام فقط، ولكن من أجل إزاحة منافسين لمرشحه على رئاسة الجمهورية .

العدوان على السلطة القضائية : المتمثل في المحكمة الدستورية حيث ينتقد البشري ما صرح به حزب الأكثرية عن نيته فى إجراء إدخال تعديلات على قانون المحكمة الدستورية وإعادة النظر فى تشكيلها فى وقت تنظر المحكمة دستورية مدى قانونية تشكيل مجلس الشعب الذى يشغل فيه حزب الحرية والعدالة الأكثرية النيابية ومما يترتب عليه أيضًا إعادة النظر فى تشكيل لجنة انتخابات الرئاسة التى يرأسها رئيس المحكمة الدستورية, وهنا يقول البشرى بكل صراحة ووضوح: "فإن حزب الحرية والعدالة، يريد أن يستخدم أكثريته فى مجلس الشعب وسيطرته على المجلس، ويريد أن يستخدم هذه السلطة التشريعية لتحقيق مكاسب حزبية ذاتية، تأثيرًا على المحكمة الدستورية وضمانًا لبقائه ودعمًا لمرشحه فى الرئاسة، وهو ورجاله لا يدركون ما فى قولهم من عدوان صارخ على السلطة القضائية وتهديد لواحدة من كبرى هيئاتها.

التعامل الخطأ مع بيان الحكومة : بل وسعي المجلس لسحب الثقة من الحكومة وفي ذلك يستغرب البشرى بشدة من سلوك مجلس الشعب عندما فشل فى إسقاط الوزارة لأنه لا يملك الوسيلة القانونية ولا الدستورية ولا السياسية، لذلك أعلن عن توقيف جلساته لمدة أسبوع، أي أنه قرر الإضراب عن العمل، وهى أول مرة تلجأ فيها سلطة من سلطات الدولة، فقد يضرب موظفون مثلاً ولكن السلطة ذاتها لا نعرف أنها أضربت فيما عرفنا من تجارب الأمم والشعوب.

 فيما سبق يعلق الدكتور سعد الدين ابراهيم في مقاله (هل هناك حدود للجشع الإخواني)بصحيفة المصري اليوم, يقول أن ما يفعله الإخوان المسلمون، منذ رفعوا شعار «الإسلام هو الحل»، هو توظيف الدين لأغراضهم السياسية، وأهمها الفوز فى الانتخابات سواء كانت النيابية أو الرئاسية. ومن ذلك أيضاً ما كشفت عنه سلوكياتهم وتصريحاتهم منذ ثورة يناير المجيدة. ففضلاً عن أنهم لم يلتحقوا بصفوف الثورة إلا بعد خمسة أيام من بدايتها، وبعد أن تأكدوا من التفاف الشعب حولها، وأنها ستنجح بهم أو بغيرهم. فإنهم حاولوا اختطاف الثورة، على أقساط. فقالوا فى البداية إنهم لن يُرشحوا لعضوية مجلس الشعب سوى ثلاثين فى المائة، وظلّوا يرفعون من هذه النسبة حتى وصلت مائة فى المائة فعلوا الشىء نفسه بالنسبة لمنصب رئيس الجمهورية، ففى البداية قالوا إنهم لن يترشحوا للتنافس عليه، ولكن حينما اقترب الموعد، سال لُعابهم للاستئثار به. بل رشحوا له الدكتور محمد مُرسى.

وانتقد الفقيه الدستوري ونائب رئيس الوزراء السابق د.يحيى الجمل «سياسة الاستئثار بكل شيء والتي تتبعها جماعة الإخوان المسلمين»، مشيرا إلى أن قادة الجماعة يكررون نفس سيناريو أمين التنظيم بالحزب الوطنى المنحل أحمد عز عندما أراد الاستحواذ على كل شيء فخسر كل شيء, وأعرب الجمل عن إعتقاده بأن شباب الثورة ارتكبوا خطيئة عندما لم يتحدوا فى كيان مستقل يكون ممثلاً لهم وضامنًا لحقوقهم وواجباتهم السياسية.

النائب الإسلامي ياسر القاضى، موجهًا كلامه عبر صحيفة الأهرام بتاريخ27/5/2012م لجماعة الإخوان المسلمين: "عليكم أن تشعروا بالغيرة من اليهود، وأن تتعلموا منهم، فقد تجمعوا وتوافقوا على تشكيل حكومة خلال ساعتين، ونحن فى مصر عقدنا 280 اجتماعًا، سواء مع المجلس العسكري أو مع القوى السياسية أو الجمعية التأسيسية للدستور، ولم نتفق على أي شيء.

وهناك اعترافات متعددة مؤخراً من بعض قيادات الإخوان بالأخطاء التي وقعوا فيها حيث قال محمد مهدي عاكف المرشد السابق للجماعة في مقابلة تلفزيونية مع قناة العربية يوم الأحد27/5/2012 (ان الإخوان المسلمين ارتكبوا جملة أخطاء انعكست في تراجع ملحوظ لشعبيتهم في الشارع المصري.. ومنها أداءهم في البرلمان).

حيرة وترقب

 كل ماسبق ذكره ونتيجة الإنتخابات الرئاسية في المرحلة الأولى والتي أسفرت عن فوز مرشح الإخوان الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق وتباين ردود الأفعال الواسعة ألقى بظلاله على المشهد السياسي الذي تعيشه مصر ويترقب العالم نتيجته, وأصبح الشارع المصري منقسم حول إختيار أحد المرشحين حيث يعتبرون أنهم وقعوا بين خيارين أحلاهما مر حسب تعبير الكاتب مصطفى خلاف في مقاله بعنوان(أمران كلاهما مر) في صحيفة صدى البلد. 

و حتى الآن لا يستطيع وليس بمقدار أحد التنبؤ بنتيجة الجولة الثانية لإنتخابات الرئاسة, ومن خلالها ستتضح ملامح المرحلة القادمة والحاسمة لمستقبل الشعب المصري .

ويتداعى أنصار الثورة من كافة القوى الى تنبه خطورة المرحلة الحالية وتتزايد المناشدات أوساط النخبة الى الإحتشاد لمواجهة الصراع الحقيقي بين الثورة وخصومها, منهم الكاتب فهمي هويدي في مقاله (إنقاذ الثورة واجب الوقت) ، حيث دعى إلى اتحاد معسكر الإسلاميين مع معسكر اليساريين باعتبارهم ينتمون معًا الى معسكر الثوار ضد الفريق شفيق, وألا تكون آثار المعركة الانتخابية مؤثرة في قراراتهم وحشودهم في جولة الإعادة, ويوجه سؤاله المحوري: هل أنتم مع إستمرار الثورة أم لا؟ وماهو الأكثر أهمية لديكم هل إنقاذ الوطن أم المصالح الخاصة بالتيار السياسي؟ ويدعوا المعسكر الإسلامي كذلك طمأنة باقي طوائف معسكر الثورة, ويدعوا لاحتشاد عناصر الجماعة الوطنية الذي يفرض نفسه بقوة في الوقت الراهن، ويقول أن أي تقاعس عنه أو تفريط فيه يمهد إلى الإنقضاض على الثورة وتصفيتها, مضيفاً أنه إذا كانت التجاذبات والتراشقات قد استمرت بين مكونات تلك الجماعة خلال الأسابيع الماضية، إلا أنه في مرحلة الإعادة بين المرشحين على الأقل، لا مفر من إيقاف كل صور التقاطع والتجاذب، والتركيز على إنقاذ الثورة واستمرارها. وهو خيار فرضته الأقدار علينا. 

كذلك الكاتب محمد الولي في مقاله (دلالة نتيجة الجولة الأولى) يدعو الى اتحاد معسكر الإسلاميين فيما بينهم واتحادهم أيضاً مع معسكر اليساريين باعتبارهم ينتمون معا الي معسكر الثوار ضد الفريق شفيق؟ ويسأل هل ان الفجوة بين كثير من اليساريين والإسلاميين ستدفعهم لعدم المشاركة نكاية في الإسلاميين وحتى لا يحصلوا علي مؤسسة الرئاسة؟ ويدعو الى مشاورات سريعة بين أطراف معسكر الثورة حفاظا عليها، كي لا تكون آثار المعركة الانتخابية مؤثرة في قراراتهم وحشودهم في جولة الإعادة, مضيفاً مزيداً من الأسئلة، هل أنتم مع استمرار الثورة أم لا؟ وماهو الأكثر أهمية لديكم هل انقاذ الوطن أم المصالح الخاصة بالتيار السياسي؟ ويدعو المعسكر الإسلامي كذلك طمأنة باقي طوائف معسكر الثورة. 

ويشير الدكتور محمد بسيوني في مقاله (ثنائية الاخوان والعسكر) بصحيفة صدى البلد إلى أننا جربنا العسكر عبر ستة عقود كاملة تراجعت خلالها مصر على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والإجتماعية والوضع لم يعد يتحمل أن يستمر الحكم العسكري بعدما ثبت فشله على مدار هذه السنوات العجاف، ويقول أن الحل الأوحد أمام المصريين الثوريين أن ينتخبوا مرشح الإخوان المسلمين, وكلها دورة رئاسية مدتها أربع سنوات إن فشلوا ولم يحققوا للمصريين ما ينشدونه فقد أخذوا فرصتهم وليذهبوا للجحيم , فضلاً عن خلع الإخوان المسلمين من سدة الحكم بإعتبارهم فصيلاً مدنياً أسهل بكثير من خلع الجنرالات.

ويقول الكاتب الكبير صلاح عيسي في حواره مع صحيفة الوفد إن مصر كبيرة على "الاخوان" ولولا المجلس العسكري لفشلت الثورة ومع ذلك يرى الى أن رحيل الإسلاميين عن المشهد ليس في صالح الثورة. وأن الجماهير ستنقلب عليهم إذا لم يحققوا وعودهم.

ونقلاً عن وكالة رويترز يقول الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة وأحد الأصوات المستقلة في الحركة الإصلاحية "يسود حاليا شعور بعدم الثقة في الإخوان المسلمين لقد حاولوا الإنضمام إلى التوافق الوطني لكنهم في كل مرة أعطوا الأفضلية لأهدافهم مضيفاً "الاخوان المسلمون بحاجة ماسة إلينا الآن, يحتاجون إلى المجتمع المدني، إلى قوة ثالثة, وفي الوقت نفسه سنحتاج أيضاً إليهم. 

المرشح الرئاسي في الإنتخابات الرئاسية السابقة الدكتور أيمن نور وهو سياسي ليبرالي حضر مؤخراً إجتماع دعى له حزب الحرية والعدالة وعلق على ذلك بأن المحاورين لم يتلقوا من الإخوان المسلمين حتى الآن إلا كلاماً جميلاً عن التعاون، مضيفًا أن الإخوان بحاجة إلى تأييد واسع من الليبراليين وغيرهم للفوز في جولة الإعادة.

وقال صابر حسن، نائب مجلس الشورى عن حزب "البناء والتنمية" (الجماعة الإسلامية) لــ"صحيفة الأهرام" أن جماعة الإخوان المسلمون ستخسر كل شيء إذا حاولت احتكار السلطة في مصر، مشيرًا إلى أن الاحتكار سيجعلهم منبوذين من الشعب المصري الذي صنع ثورة 25 يناير، وأسقط نظام الحزب الوطني الذي احتكر كل شيء, وأضاف القيادي بالجماعة الإسلامية أن الجميع يريد ضمانات حقيقية من الإخوان كي يقفوا مع مرشحهم الدكتور محمد مرسي، لافتًا إلى أن الشعب المصري يريد حاليًا تصريحات تطمئنه، وليست تصريحات تبث الخوف في روحه، وتمنى أن يعلن الدكتور مرسي أنه مرشح للشعب المصري وليس مرشح حزب "الحرية والعدالة, وأوضح نائب حزب "البناء والتنمية" أن التيارات الدينية لن تدعم شفيق، مطالبًا من "الإخوان المسلمون" إعادة الطمأنينة للشعب المصري، وإعلان أن مرشحهم الدكتور مرسي سيمثل طوائف الشعب المصري، مشيرًا إلى أن هزيمة الفلول تكون بالانتصار عليهم في صناديق الاقتراع وليس بالتصريحات التي أصبحت تفرق شمل الشعب المصري.

خالد يوسف المخرج السينمائى، وأحد أقوى مؤيدى حمدين صباحى(احد منافسي الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية) ، كتب في حسابه الخاص على تويتر، إنه سيعطى صوته لمرسى فى الإعادة، معللاً ذلك بقوله "خلافنا مع الإخوان سياسي وخلافنا مع الفلول جنائي.. نعم لمرسي. 

ويؤكد أحمد ماهر مؤسس حركة 6 إبريل (أكبر الحركات الشبابية التي أنشئت عام 2008م) أن الحركة لا تزال في تشاور داخلي وكذلك مع باقي القوى الثورية لتقرير موقفها من جولة الإعادة وأكد ماهر أن على جماعة الإخوان المسلمين إدراك اللحظة الفارقة.

وحذر ماهر في بيان له " تعامل الإخوان المسلمين مع هذه اللحظة بأي غرور أو استعلاء اعتمادًا على أصواتهم التى لم تتعدى 25 % سوف يكون هذا خطأ كبير , وسوف يعانون جميعاً ونعانى معهم من نظام مبارك الذي سيعود وينتقم على يد أحمد شفيق من كل من شارك في الثورة, وأكد ماهر أن الضمانات التي طالبت بها بعض القوى السياسية وبعض الرموز لا يجب اعتبارها تنازلات كما يروج بعض شباب الإخوان المسلمين (حسب وصفه) لانها تمثل الحد الأدنى من التوافق الوطني، مضيفاً أن أداء الإخوان المسلمين السياسي في الفترة السابقة هو ما أدى إلى ما نحن فيه الآن, ويدعوهم إلى أن يدركوا أن هناك حالة هلع حقيقي من أدائهم أدت إلى نتائج الجولة الأولى في الإنتخابات, وبالنسبة لموقف حركة 6 ابريل من أحمد شفيق فأكد ماهر أن الحركة لن تدعم أحمد شفيق بأى حال من الأحوال، وأن هذه الفكرة غير مطروحة للنقاش من الأساس, مستنكرًا مغازلة الفريق أحمد شفيق للقوى الثورية(فى مؤتمره الصحفى مؤخرا) رغم أنه ضد الثورة فى المقام الأول، ووصف ماهر خطاب شفيق بخطاب مبارك قبل التنحى وأن موقف الحركة منه هو نفس موقفها من مبارك ونظامه الفاسد الذى قامت عليه ثورة فى 25 يناير 2011.

وقد كتب الكاتب الكبير فهمي هويدي مقالًا في جريدة الشرق القطرية بعنوان (فتنة الدعاية السوداء) محذراً شباب الثورة بـعدم الإلتفات إلى دعايات سوداء ترددها منابر إعلامية بصياغات مختلفة تروج حملة من الشائعات التي لا تشيع الخوف فقط، ولكنها تدفع إلى الإحباط أيضا, وهذا الإحباط من شأنه أن يحدث تأثيرا سلبيًا على الإقبال على التصويت في انتخابات الإعادة. وهذا هو المحظور الثاني الذي يحذر من وقوعه حيث يلاحظ كما يقول في مقاله أنه بمضي الوقت يهدأ الحماس وتتراجع نسبة المصوتين في الانتخابات (كانت النسبة في انتخابات مجلس الشعب 54٪ وهي في الانتخابات الراهنة لم تتجاوز 50٪). ويبدي تخوفه بقوله "أخشى إذا استمر الترويج للإحباط وأن تقل أيضا نسبة المشاركين في الإعادة، في حين أن المطلوب هو إستثارة الهمة واستنفار المجتمع للدفاع عن استمرار الثورة. لأنه إذا حدث العكس ففرصة فوز مرشح الثورة المضادة تصبح واردة.. لا قدر الله".

ختاماً

معركة حسم الجولة الثانية من الإنتخابات تشتد ضراورة, ولقد بادر الإخوان الى عقد لقاءات تشاورية مكثفة مع مختلف القوى السياسية والشخصيات البارزة والمؤثرة ومع بعض المرشحين السابقين في الجولة الأولى على رأسهم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والذي يسعى لعقد لقاءات مع القوى الوطنية مشدداً في (بيان له)عقب التقائه د. محمد مرسي على ضرورة الإصطفاف الوطني وأهميته في ظل الأوضاع التي تمر بها مصر وعودة فلول النظام القديم للظهور مجددا وكأن الشعب لم يقم بثورته, ويشير أبو الفتوح إلى أن هذا التوحد والإصطفاف هو الضامن الوحيد لنجاح ثورة 25 يناير المجيدة والحفاظ على مكتسباتها وتحقيق أهدافها ، متعهداً علي العمل الجاد من أجل تحقيق أهداف الثورة وتحقيق مكتسباتها وفاءاً لدماء الشهداء, وقد أعلن الدكتور أبو الفتوح يوم الاربعاء30/5/2012 تدشينه حملة (توعية لمواجهة فلول النظام) قائلاً في بيان أصدره (إننا لا نريد لحالة الحماس والحيوية التي كنا فيها أثناء عملنا بحملتنا الرئاسية أن تنتهي أو تخمد، لذا وجب علينا من الآن العمل لإستكمال مشروعنا الوطني، وسنبدأ معه بالتوازي حملة توعية كبرى لأهلنا في كل المحافظات ضد فلول النظام القديم ورموزه).

هناك مبادرات وعروض عديدة ومتنوعة ومتباينة من قبل أحزاب سياسية وقوى وطنية وشخصيات بارزة للتباحث مع الإخوان تدعوا الى توافق وطني واضح بين الإخوان وقوى الثورة مطالبة بضمانات واضحة، ووعد الإخوان بتدارسها وإبداء الرأي حولها, وحتى الآن ينتظر الجميع المبادرة التي سيعلنها الإخوان ، وهل ستكون أحلام الأمس لدى الإخوان حقائق اليوم ...؟

 فلنترقب

القاهرة31/5/2012م

Jahmy2010@yahoo.com