آخر الاخبار
السلطة أم الوطن؟
بقلم/ مصطفى أحمد النعمان
نشر منذ: 7 سنوات و 10 أشهر و 10 أيام
السبت 18 فبراير-شباط 2017 02:58 م
عادت مؤخرا إلى السطح إشكالية استمرار عجز الحكومة والسلطات المحلية عن فرض قوانين الدولة في المناطق التي تمكنت قوات التحالف من استعادتها من سيطرة الحوثيين في جنوب وشرق اليمن، ما عدا نموذجين صالحين في مأرب وحضرموت، والأمر نتاج طبيعي لصراع حول مفهومي الدولة والشرعية وانتهازية بعض ممثليها وحلفائها المحليين وفي المقابل شهية مفتوحة لجماعات مسلحة تسعى لملء فراغات ضعف السلطات وغيابها عن الأرض وعدم التنسيق بينها وتناقض رؤاها وأهدافها النهائية، وتزيد التدخلات الفردية غير المنضبطة من حالة الارتباك التي تعود سلبا على مجمل الأوضاع المعيشية للناس وتتوقف الخدمات الأساسية لانشغال المعنيين بمعاركهم الذاتية، ما يجعل المواطنين يبتعدون عن الولاء لمفهوم الدولة التي لا تقوم بوظائفها الدستورية.
الحروب الأهلية التي تمتد لزمن طويل تيسر تشكل فراغات على مساحات رقعتها الجغرافية، تستغلها تشكيلات وأفراد لا يرتبطون بمفاهيم الدولة، وتزداد المخاطر في حالات ضعف السلطة القائمة وعجزها عن إقناع المواطنين بجدارتها وأحقيتها في حكمهم، وتحت تأثير تزايد التفكك الاجتماعي وانتفاء دور مركز سياسي منظم لحركة المناطق المختلف تتنامى صعوبة التحكم بما يجري والتخفيف من آثار هذا الاضطراب، وإذا كانت مأرب وحضرموت قد تمكنتا من وضع نموذج يمكن التعويل عليه لتثبيت الاستقرار وإحداث قدر معقول من التنمية العمرانية فإن السبب يعود إلى ابتعاد السلطة (الشرعية) عن إدارتهما وعدم تمكنها من التحكم في أعمال السلطة المحلية اليومية وحتى علاقاتها الخارجية.
من الصعب محاولة تكرار تجربتي مأرب وحضرموت في غيرها من المناطق؛ لأن النسيج الاجتماعي فيهما لم يتأثر سلبا إلى الحد الذي وصلت إليه الأحوال في مناطق كانت تُعرف بمدنيتها مثل تعز وعدن بالذات، وقد يكون مرد ذلك إلى أن الأخيرتين كانتا وعاء للكثير من التيارات السياسية والمذهبية المتناقضة التي لم يكن يجمعها سوى رغبة التخلص من (خصم) مشترك، لكنها لم تكن تقف على قاعدة فكرية ولا فقهية واحدة تجاهه فانتقلت خلافاتها إلى القرى والشوارع بحثا عن النفوذ في مربعات المدينتين، وتوارى دور السلطة المحلية بين غياب تام عن تعز وتضارب بينها وبين (الشرعية) في عدن.
الحروب الأهلية التي يطول مداها، تتحول أطرافها المسلحة إلى صراع دموي شرس على السلطة تحت غطاء شعارات لا تعني المواطنين، وتصبح الحرب نفسها غاية ووسيلة في آن واحد، ويتكدس المؤيدون لكل طرف خلف جدران من العناد وتزييف الوقائع وإضفاء صفات الشيطان على معارضيهم، ومن السخرية أن هذه الأطراف تتخذ موقفا واحدا إزاء دعوات ومناشدات المواطنين الذين يعانون وحدهم من ويلات الحرب وليتهم يكتفون بذلك، بل إنهم يخاصمون الإقليم والعالم الذي أصبح أكثر حرصا على دماء الناس.
إن ما يفتقده اليمنيون في هذه اللحظات هو حضور قيادات حريصة على وقف هذا النزيف، وليس من الواضح أن المسيطرين على المشهد الحالي والمتجولين في أركانه قد اقتنعوا بأنهم العقبة التي تعرقل أي توجه لوضع حد لمشاهد الدماء والدمار اليومية، ولعلهم يتذكرون أن رجالا كبارا أكثر وطنية منهم قد مروا على حكم هذا البلد لكنهم آثروا التخلي عن السلطة لأن ثمنها كان جثث اليمنيين ولم يترددوا لحظة في ترك مواقعهم لأنها لم تكن المبتغى وإنما مثلت الوسيلة لتحقيق أماني المواطنين وحين شعروا بعدم قدرتهم لم يصارعوا ولم يقاتلوا بل تركوها طواعية وبقوا يمارسون دورهم التاريخي غير حريصين على منصب ولا موقع.
إن المتصارعين الذي يضعون السلطة هدفا وحيدا لهم ينتهون بفقدانها وفقدان قيمتهم الوطنية.