أنا كل يوم أحارب!
بقلم/ سلوى الإرياني
نشر منذ: 11 سنة و 11 شهراً و 13 يوماً
السبت 12 يناير-كانون الثاني 2013 05:26 م

كبرت لأجد نفسي متزوجة من رجل لا أدري لماذا و لا متى و لا كيف تزوجته. كان ينتشر و يستفحل أمامي كالقضاء و القدر.أطعته كما تطيع الزوجات أزواجهن و صبرت عليه، حالي كحال كل الصابرات والصابرين. مع تقدمي في السن و تجاوزي الثالثة و الثلاثين بدأت أدرك عيوبه الجسيمة و استوعبت فداحة ظلمه لي .

كان زوجي كاذب ، يكذب يوميا أما أنا فتربيت على أن الكذب "حرام "فما بالك بكذبه هو الذي كان متعمد و بدون أي داعي. أقصد أن لا شيء كان يجبره على الكذب لكن لعله يكذب لمتعة مريضة في نفسه. أو أدرك أن بيع الكلام يجعلني أستمر في تحمله لتأكده أنني غبية و أنا ما كنت كذلك. حكي لي عن الأساور الذهب التي سيهديها إلي، ثم صدمني حين رأيته يكاد يقتلع أصابعي و هو ينزع الخواتم منها ليشتري له قات! وعدني في أحد الأيام أنه سيأخذني في سياحة إلى خارج اليمن ، عدد لي أسماء المدن التي سنزورها ولأن طريق الكذب قصير وجدت نفسي في السيارة وهو يقودها لشلالات بني مطر بدلاً من تلك الرحلة، ظل طوال الرحلة السياحية يسبني فلما بكيت أدار مقود السيارة بعصبية وعدنا أدراجنا إلى صنعاء الشاحبة، الكئيبة قبل أن أرى الشلالات بعيني و أضاف في طريق العودة أن الشلالات أصلاً كانت ستجف بمجرد أن ترى وجهي القاحل. كان زوجي هذا يضربني. لم أكن أجد لضربي سببا سوى احتمال أنه كان حين يراني في صورتي البائسة تلك كان يغزه شعور بالذنب وكردة فعل عكسية كان يضربني متصور أنه يضرب تعذيبه لي و جرائمه في شخصي، ليس مهم لماذا كنت أضرب لكن الأهم هو أنني كنت زوجة يضربهاً زوجها بشكل شبه يومي!! كذلك كان برغم ثرائه الفاحش شديد البخل علي، كثير التبذير على نفسه. يرتدي كل ما هو غالي و عالمي في الأزياء ، و يتركني حتى تبلى ثيابي و من العوز و الحاجة يدفعني للتظاهر أمام جيراني بتجميع ملابس للصدقة على المساكين و كنت ألبس منها ما يناسبني لأن أكثر المساكين مسكنة كانت أنا! كان يقوم بعمل روتيني يومي و هو أن يناديني و يأمرني أن أجلس أمامه متقابلين ثم يبدأ بعاصفة من الشتائم و السباب لابد و أن تطال إما أبي أو أمي أو كلاهما. ثم يعايرني بأنني ربة بيت فاشلة ، وأنني لست بارعة في الخبز و العجين علما بأنه يأكل جميع ما أطهوه و يرميني بالأطباق الفارغة صائحاً في وجهي :- ستظلين جائعة مثل أهلك الجائعين! كنت فعلاً جائعة، لكن بسببه هو. ثم يصف لي النساء اللواتي يعملن في وظائف مرموقة لمساعدة أزواجهن في نفقات الحياة أما أنا فلم أفلح لا في مطبخ و لا في إنجاب و لا في وظيفة، حسب تعبيره!

بطبيعة الحال كنت لا أجرؤ على تذكيره أنه من منعني من استكمال دراستي الجامعية ، لأنني كنت واثقة من أنني سأتلقى بضعة صفعات عوضا عن الرد القاسي. لذا كنت لصيقة بالصمت بل كنت ظله. بكيت عندما كان يذكر أهلي بسوء أما أنا فأعترف أنني كنت قد أعتدت المهانة ، و كنت حين يضربني أنتحب على روحي أما جسدي فكان قد ألف الضرب.

فجأة في أحد الأيام سمعت طرق على الباب ، ذهبت لأفتح متسائلة:- من؟ كانت جارتي. دخلت و بدون أي مقدمات أبلغتني أنها لا تقصد أبداً التصنت لكن صراخ زوجي العالي و صوتي و أنا أصيح وأبكي جعلها تطرق بابي اليوم. لم أحرج ، لم أتحسس، فأدركت أنني في الأصل ما عاد لي كرامة تخصني. أخبرتني أن الصبر على هكذا حياة لا يجوز و أن الله سيحاسبني على روحي التي أرخصتها و هي أساسا وديعة غالية لدي، ملك لله جل جلاله. فهل هكذا أتعامل مع وديعة الله؟سألتني لماذا أرضخ و أرضى بمثل هذا الاستعباد.لم أجبها لأنني كنت لا أدر.حرضتني على الطلاق بعد أن وصفت لي كم من الحكايات قد سمعتها من النافذة، و من شدة حزن ما وصفته عني تذكرت ،أوجعتني الذكرى،تهيجت أحزاني لتذكر ما قد مررت به، أشجتني فبكيت. لعل صبري أبكاني. قالت لي قبل أن تخرج :- خلقك الله حرة و الله عادل لا يرضى بهذا الظلم. بعد خروجها لملمت حوائجي القليلة الهزيلة بروح مرتعدة ، فما كنت أجرؤ على التمرد و لا الرفض لكنني كنت قد نويته. هربت إلى بيت أهلي. عاد زوجي من العمل فلم يجدني فهرع إلى بيت أهلي يفتش عني كالمجنون. توعدني بالقتل، أجبته من خلف باب غرفة أبي :- أنا كل يوم أحارب ، اقتلني! حاول أن يجرني غير أن والداي و أخوتي الصغار أرجعاه وأخرجاه من البيت دفعا و ركلاً. في اليوم التالي قال لي والدي أنه محال أن يطلقني و لابد من الاستعانة بمحامي. بدأ أبي يسأل و سرعان ما أتصل بي رجل و قائلاً أنه محامي و يريد أن أزوره في مكتبة لكي أطلعه على تفاصيل القضية حيث أن المعلومات التي وافاهُ بها أبي لم تكن كافيه ، بعدها سيقرر أن كان سيقبل الترافع في قضيتي أم لا. تعجلت بزيارته،كما يتعجل الإنسان على الفرج. كان رجل ملتحي يرتدي جلباب قصير. جلست أمامه و سألني و سجل أجوبتي و كلمني دون أن يرفع نظره و لو مرة لكي يرى حتى كيف يبدو وجهي. رجل رقيق القلب ، رأيت عينيه تترقرق بالدموع أثناء سردي، لعله حزن لضياع صبري. قرر أخذ القضية و الترافع فيها. سألته عن أتعابه فأجابني أنه لا يريد أي أتعاب و أنه سيترافع لأخت فاضلة ابنة رجل فاضل يكن له كل الاحترام. كدت أقفز فرحا، فلو كان طلب خمس مائة ريال ما كنا أنا و أبي نملكها! حيث كنت أنا و أسرتي من الفقراء و هذا ما شجع زوجي السابق على استعبادي، لم يدرك الغبي أن الفقير وحتى العبد له كرامه برغم فقره و رغما عن عبوديته.

نجح هذا المحامي البارع في تطليقي. أتصل بي و بشرني بطلاقي بنفسه. أخبرته أنني أريد أن أكافئه ، لكن لا أملك المال فطلبت منه عوضا عن المال،أن يطلب وجبه مثل أرز مع الدجاج أو حلوى ، فالطبخ الممتاز هو براعتي الوحيدة.أستغفر الله من كلامي ،وحلف ألا يأخذ أي شيء.عدت حرة أتنفس و أضحك و أركض دون أن أنبطح أرضا خشية أن أضرب ، أو اقتنص، أو أن أهان. تنفست الهواء مليء رئتي. هذه الدنيا جميلة. نحن النساء عصافير ، فراشات لابد أن تظل حرة أما الحياة فمراعي و خميلة. ما خلقتني ،يا إلهي ،ُلأظلم ،لا،لا،لا و ما خلقتنا جميعاً إلا لنحيا، لنسعد،لنعبد و نحمد. بعد قرابة الخمسة أشهر أبلغني والدي أن المحامي الذي حررني من الاستعمار قد تقدم لطلب يدي. كان متزوج ، و أب حسب ما فهمت من أبي،لكنني قبلت. تلك كانت خطيئتي الشخصية و ذنبي الذي لا يغتفر.

تزوجته و بعد مرور أقل من شهر تكشفت عيوبه الجسيمة. الرجل كان يعاني من عقدة الحلال والحرام. كان ينهرني إذا ما فتحت نافذة لتهوية المنزل و يقول لي النوافذ المفتوحة تكشف عورات البيوت. بت و أصبحت محبوسة لا أخرج إلى أي مكان، أزور والداي مرة في الشهر ، ثم تقلصت إلى مرة كل شهرين ثم طلب مني أن يزورانني هم في بيتي أو بمعنى أصدق في سجني. رآني يوماً أتعطر ،منعني قائلاً أن أتعطر من عطره هو الرجالي و عندما سألته لماذا هذا؟ أجابني أن العطر تطير رائحته و قد تفتن رجل يمشي في الشارع و يكتبني الله من الزانيات. نطقت الكلمة بذعر شديد و تمتمت:- الله يكتبني "أنا" من الزانيات؟؟ أعوذ بالله. توقفت عن التعطر و لعنت أبو العطر. ضقت من اسري و توسلت إليه أن يشتري لي تلفاز فأنتفض و صاح :- خزنة إبليس ،محال دخولها بيتي!عودي إلى الله يا امرأة، توبي! منعني من دهن وجهي بالكريم لأنه من صنع الصليبين و أمرني أن أدهن وجهي بزيت الزيتون الأسباني لأنه مذكور في القرآن. كان يلزمني يوميا بحفظ صفحتين من القرآن و لم أكن أجيد الحفظ غيباً، فيأخذ الحفظ نصف يومي. كان يسألني يوميا أن أتلو غيبا ما حفظته و ينتقدني بصرامة إذا لم أحفظ الكلمات و معانيها.كنت أيضا كل يوم أحارب، و إن أختلف العدو. فكنت حين أصحو من نومي انبطح أرضاً و أزحف لأهرب من الغرفة قبل أن يقبض علي بتهمة اليقظة فيحملني ذنوب و خطايا لا أدري كيف يلصقها بي، و يقرر علي منهج عسير مما يجب أن أحفظ في ذلك اليوم و يكرر أمامي قائمة الحلال و الحرام. يرفع إصبعه مهدداً:- إياكِ و فتح النوافذ، إياكِ و التعطر بعطر نسائي. فطمأنته أنني قد رميت قوارير عطوري كلها. ما عاد لدي عطر واحد. صحيح أن زوجي الحالي لا يضربني و لا يسبني لكنه يرهبني و يخيفني، يوحي إلي أنني من المذنبات. يشعرني بأنني زر فوق أحد جلابيبه و أنني بلا هوية.ما هكذا خلق لنا الله الحياة! أنا كل يوم أحارب. أنبطح في عهد زوجي الحالي وأنبطح في عهد زوجي السابق.

بدأت والدتي لأنها امرأة ضيقة الأفق ، سطحية و ساذجة العقلية،محدودة الرؤية، تنقصها الثقافة و بعد النظر تنصحني بالطلاق مجددا و العودة لزوجي السابق! فهي لا تفهم سوى ضرورة أن تكن المرأة "تابع"! ذكرت أمي بأن زوجي السابق كان يسبها و يضربني، قالت لي لكنه لم يحبسك و لم يغلق النوافذ عليك و لم يقطع صلة رحمك. كلام أمي صحيح.... زوجي السابق و زوجي الحالي كلاهما له عيوب. ميزان العيوب كفتيه متوازنتان و متساويتان في الثقل. لا فرق أن كان في كفه الميزان سموم و في كفة الميزان الأخرى علقم...فكلاهما مر... و السم و العلقم كتل من هموم،هكذا أنا أحس وهكذا أنا أفهم. لماذا و الله لن يوصد باب رحمته أظل أفكر في مرفأين فقط؟؟ مرفأ زوجي السابق أو مرفأ زوجي الحالي... أليس داخلك يا روحي أنا مرفأ؟ لماذا أظل أتفرج على من يجدف لي ليمضي زورق حياتي ، أما خلق لي الله ساعدين و ألا أستطيع أن أنشر الخشب و أصنع مجاديفي؟ جارتي حرضتني على الطلاق، و نصحني أبي بالزواج من المحامي، ثم شارت علي أمي بالطلاق و العودة لزوجي السابق. لماذا؟ لم ينصحني أحد أن أنظر و أدرس ما في صدري... إلى أنا...إلى أعماق نفسي لأراها... وسط مساحات الصحاري حلفت أن أشق طريقا ليجري نهري، لم يذكرني أحد أن أكمل دراستي الجامعية، و لم يقل لي أحد أن أقرأ و أنهل من الكتب، فأنا خريجة ثانوية عامة لكنني في فن"انتزاع الحقوق"أمية! ! كرهت زوجي السابق وزوجي الحالي و قررت أن أحب نفسي فقد اخترت لها أن تكن أبية.

هذه القصة مهداة لكل المراهقين سياسيا وعاطفيا من أبناء شعبنا المنكوب و من المتاجرين في سلع السياسة ،الذين أتعبهم النظام السابق فارتموا في أحضان ما توهموا أنه القشة التي ستنقذ الغريق... فأغرقتهم القشة الله لا سامحها... عادوا غرقى ، يشهقون، مبتلين بكل غباء و بلادة إلى النظام السابق حالمين برومانسيتهم البلهاء أنه " ما أحلى الرجوع إليه!" لا للموجة و لا للقشة..لا للجميع!و لا عزاء لليمن....و لا للرضع و لا للمراهقين.