أخي في النضال أما تستحي .. وتخجلُ من شعبك الثائرِ
بقلم/ عادل الاحمدي
نشر منذ: 14 سنة و 3 أشهر و 10 أيام
الجمعة 03 سبتمبر-أيلول 2010 09:32 م

للسنة الثانية على التوالي، تدعو الحكومة في اليمن في شهر رمضان المبارك ممثلة بفخامة الرئيس علي عبدالله صالح إلى التقشف، مٌظهِرة عُسر الحال وضيق ذات اليد..

وتتواكب مثل هذه الدعوة مع تصريحات حكومية متباينة المستوى تتحدث عن عجز في الاحتياطي، واضمحلال في الإيرادات... الخ.. وجملة ذلك كله يؤدي إلى تنصل حكومي من إكرامية الرئيس التي ينتظرها الموظفون بكل شوق..

والعجيب هو أن هذه الدعوات والتوجيهات للتقشف والاخشوشان لا تأتي إلا في شهر رمضان المبارك، الذي هو شهر الصدقات وجنة المساكين.. وكأن حكومتنا عزمت على أن تتبع نهج "أصحاب الجنة" الذين تحدث عنهم القرآن الكريم، وأجمع الرواة أنها كانت حوالى صنعاء، وقد قال القرآن الكريم بلسانهم: "ألا يدخلنّها اليوم عليكم مسكين، وغدوا على حرد قادرين".. والحرد هو المنع، لكن الله منعهم نعمتهم وحرمهم جنتهم.. "فأصبحت كالصريم".. ثم انقلبوا بعد ذلك نادمين. ولات حين ندم.

ومن حكمة الله عز وجل أن جعل صريم هذه الجنة شاهداً شاخصاً بين أعيننا في الطريق ما بين صنعاء وعمران، حيث كانت الجنة التي أصبحت اليوم أرضاً من الصخور السوداء الصماء، الى باطن الأرض وليس فيها ذرة من تراب.. و"الصريم" هو الليل الحالك السواد، وهو تشبيه أقوى ما يكون لمآل تلك الجنة.

أما العجيب الثاني، فهو أن مثل الدعوات للتقشف، ومثل هذا الشح والحرد، لا نجده على الإطلاق في مواسم الانتخابات، تلك التي تصرف فيها الإكراميات من أجل عيون الأصوات.. وليس تقرباً إلى من في يديه خزائن السماوات والأرض أو تعبيرا في فائض في بنك الحكومة..

أقول: تصريحات الإفلاس والعوَز الحكومي ليست عارية تماماً من الصحة، فحكومتنا بالفعل، رغم فوارق الصراف ورغم اندياح الإيرادات الناشئ عن الكثافة والحراك السكاني، إلا أنها تعاني فقرين في وقت واحد:

فقر في الاحتياطي، وفقر حاد في الأخلاق وطيبة النفس.. والثاني سبب للأول، لو كانوا يعلمون. ويأتي الفساد وأذون الخزانة لتمحق ما بقي من المحصول.

و لولا أن منَّ الله على بلادنا بغيث من عنده، هدأت معه القلوب وإلا فما ندري كيف كانت أحوال الناس ونفسياتهم وأعصابهم لتكون في هذا الشهر المبارك بالتزاماته الأسرية في المطعم والملبس وصلة الرحم في ظل هذا الغلاء وضيق ذات اليد.. ولا ندري كيف نقنع حكومتنا وعلى رأسها الرئيس الصالح بأن جمعية الصالح لا تستطيع أن تفي بمتطلبات ما يقارب خمسة ملايين عائل.. وعيال الحكومة (الموظفون) يمثلون نسبة كبيرة من الشرائح البائسة و"كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول"..

كيف لنا أن نقنع حكومتنا بأن إكرامية رمضان، أياً كان حجمها ستجلب لها من دعوات الناس ما ينور لها الدرب ويزيح من أمامها العوائق.. ويبدو أن الحديث بالمواعظ لم يعد يجدي أمام وزراء التكنوقراط الذين تحنطوا أمام الأرقام والنسب، والجداول البيانية.. فضيعوا الأمرين: اليمن والإيمان.

إن اهتمام الدولة بموظفيها في أيام قاهرة كهذه الأيام بإمكانه، وفق تقدير السنن، أن يحسّن عائدات الدولة من واجبات وضرائب، ذلك أن عموم الشعب سيرى أن في الدولة بعض الخير لمواطنيها.. ذلك أن الإكرامية لا يستفيد منها الموظف فحسب، بل ستستفيد منها كل الفئات، إذ الموظف سوف يشتري ويسدد ويعايد أشخاصاً غير موظفين..

إن تكرار توجيهات التقشف والاخشوشان في شهر رمضان المبارك بالذات، وتهرُّب الحكومة المتكرر من إكرامية عيالها قد يغرس لدى البعض شكوكاً بأن أزمة الدولار كانت مفتعلة من أجل إشعار الناس فقط بأن الدولة ليس لديها في الخزينة شيءبحيث يسهل عليها التنصل من الإكرامية.. وأدت ارتفاع الدولار إلى ارتفاع الأسعار على المواطن المسكين، ثم انخفض الدولار لوحده والأسعار لا علم لها بانخفاضه..

ولعل مما يثبت أن الدعوة الرمضانية للتقشف لم تأتِ لدواع وجيهة وإنما ناجمة عن فقر حاد في طيبة النفس أن الشهر الذي ينبغي فيه تكثير الدعوات إلى التقشف والاخشوشان، فهو شهر ديسمبر، الذي يتكالب ويتهافت فيه كل مرافق الدولة على صرف ما تبقى لديها من عهد مالية وبعثرتها في مشتروات وبنود وتوافه مبتكرة الهدف منها أن لا يعود فلس واحد إلى خزانة البنك المركزي من حسابات تلك الوزارات والمرافق..

ولربما قلنا أن سبب تنصل الدولة من مثل هكذا إكرامية في بلد شحيح الرواتب قد يكون بسبب سكوت الناس عن المطالبة.. لكن المؤسف والمخجل أن هذا التنصل يأتي رغم بروز الكثير من الدعوات المؤدبة والذابحة أيضاً، من قبل مقالات في صحف عديدة، وبيانات من نقابات كثيرة.. لعل أبرزها نقابة المعلمين اليمنيين التي يبدو أن الدولة تريد أن تخسر الأجر حتى لا تكسب النقابة.. والله أعلم..

وبالطبع فإن المنافقين جاهزون لوصم من يطالب بهذه الإكرامية أنه جائع وأنه يطالب من أجل أمعائه عندما انقطع عليه الحنفي.. إلى آخر هذه الطروحات التي تهدف لإرهاب المطالبات وإخراسها.

وختاما نقول: سقا الله أياما كان للدولة فيها سمع مرهف، ووجه تخاف على مائه من أن يراق على يد كاتب أو شاعر.. ولننظر على سبيل المثال ما قاله الشاعر قاسم الشهلي مخاطباً القاضي عبد الرحمن الإرياني (رئيس الشطر الشمالي سابقا) في مطلع السبعينات، في أيام احتاج فيها شعبنا لمعونة من الحبوب وجاءت هذه المعونة من "النصارى" لكن لوبي الفساد (البدائي يومها) أخّر سفينة القمح في الميناء أو أنه ربما تلاعب بها.. فأنشد الشاعر مخاطباً الرئيس:

أخي في النضال أما تستحي

وتخجل من شعبك الثائرِ

أما تستحي من إله السماء

وتخجل من سطوة القاهرِ

أخذتَ المعونة إذ أرسلت

إلى شعبك الجائع الحائرِ

تركتَ الفقير على جوعه

وبعتَ المعونة للتاجرِ

إذا لم يكن عندكم رحمةٌ

فخلوا لنا رحمة الكافرِ

أخي لا تظنوا بأن الدجى

سيبقى على وصفه الحاضرِ

فكم قد طغى قبلكم أوّلٌ

فأودت به صفعة الآخرِ

أيهنا لك العيش في نعمة

وشعبك في لهب ساعرِ

أيهنا لك العيش بين الزهور

تحيط على قصرك العامرِ

وفي باب (قصركْ) ألوفُ الجياع

تئنُّ حيارى على الدائرِ

وتشتمّ في الباب ريح الطبيخ

وترنو وتشكو إلى القاهرِ

>>> 

ظننا بأنكمُ تسلكون

على المنهج العادل الثائرِ

وثُرنا معاكم بيوم الوغى

مع جيشنا الفاتك الظافرِ

ولما وصلتم إلى حيثما

تسنى لكم أمس بالخاطرِ

فكنتم شتاءً على شعبنا

بغير ربيعٍ ولا ماطرِ

إذا دولةٌ انتهى حظها

تلصّصَ فيها يد الآمرِ

سئمنا الحياة على حظها

وها نحن بالنفَس الآخِرِ

إذا لم تعوا منطقي في الدجى

غدا تسمعوا مدفع الثائرِ

فلو أن موسى درى جوعنا

لأرسل بالعجل و"السامري"

فخامة الرئيس.. لم يفت شيء بعد. عليك الاستدارك. لكي تدعو الملايين في العشر الأواخر لك.. وليس عليك.