حقيقة الدولة الصهيونية وحتمية دعم المقاومة
بقلم/ د/ أحمد عبدالواحد الزنداني
نشر منذ: 12 سنة و 3 أسابيع و 4 أيام
الإثنين 19 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 09:36 ص

لماذا تتصرف إسرائيل بطريقة بربرية؟ و لماذا تحضا إسرائيل بكل هذا الدعم من أوربا و أمريكا رغم علم قادتها بأن هذه الدولة تخالف أبسط القواعد في القانون الدولي, تلك القواعد التي أنشأتها ورسختها الدول الغربية ذاتها؟ وما هو السبيل لمواجهة هذه الدولة العدوانية ؟

في الحقيقة إن المتأمل في حقيقة إنشاء دولة إسرائيل يجد أنها تؤدي وظيفتها الطبيعية التي زرعت من أجلها في هذه المنطقة من العالم, ولقد ساهمت عدة عوامل توافقت مع بعضها وتكاتفت من أجل تأسيس إسرائيل في قلب العالم العربي والإسلامي لتقوم بهذا الدور الذي نشاهده اليوم, وأنه لا سبيل لمواجهة إسرائيل إلا بتبني إستراتيجية المقاومة لمواجهة تلك العوامل والتصدي لها , وهذه العوامل هي:

إنشاء وطن قومي لليهود:

في الحقيقة إن الاضطهاد الذي تعرض له اليهود في أوربا دفع بعضهم إلى التفكير بالهجرة إلى أي أرض يتمكنوا فيها من إنشاء دولتهم على أساس أن تـُمنح المواطنة لأي يهودي, ولقد تجسدت هذه الأفكار في كفاح تيودور هرتزل, مؤسس الصهيونية السياسية, الذي وضع كتيب أسماه "الدولة اليهودية: حل عصري للمسألة اليهودية", وبالنسبة له فلقد كانت المسألة اليهودية مسألة وطن لا مشكلة اجتماعية ولا دينية , لذا كان حله سياسي ولقد كان مطلبه الرئيسي "السيادة على أي بقعة على سطح الأرض تكون مناسبة لحاجة [اليهود] الحقيقية كأمة" ولقد طالب هرتزل بوطن معترف به حيث "يستطيع اليهود المضطهدين في أرجاء الأرض أن يهاجروا إليه وبمجرد وصولهم يصبحوا مواطنين لأنهم يهود لا غرباء". كافح هرتزل بمرارة لينجح في مشروعه ولقد عبر ذات مرة عن إحباطه و فشله في رسالة بعث بها إلى أحد أصدقائه ومؤيديه , ديفد ولفسون, حيث قال "لقد وصلت حركتي [الصهيونية السياسية] إلى نهايتها... لم أتمكن من تجاوز الصعوبات الأولية" معبرا بذلك عن عدم إحرازه لأي تقدم سواء في الجبهة الدولية أو الجبهة الداخلية (اليهود أنفسهم) للحصول على أرض لليهود, إلا إن الأمر انقلب رأسا على عقب فبعد هذه الرسالة البائسة بعدة شهور عُقد مؤتمر يهود العالم في مدينة بازال بسويسرا في 1897 لأول مرة ليكتب هرتزل بعدها في مذكراته "في بازال أنشأت الدولة اليهودية", في الحقيقة كان هناك عامل آخر هو الذي أنقذ مشروع هرتزل وسانده.

المسيحية الصهيونية:

كانت المسيحية الصهيونية تعمل بجد من أجل إنشاء دولة إسرائيل, و لكن لم يكن الغرض وطن قومي لليهود بل كان الهدف ديني بحت, فالمسيحية الصهيونية تؤمن بأن عودة اليهود إلى الأرض المقدسة (القدس) أمر ضروري من أجل عودة المسيح ليحكم الأرض وفقا لنبوءة إنجيلية, و لقد عمل المسيحي الصهيوني سيروس سوكفيلد (1843-1921) على نشر هذا المبدأ الإنجيلي الذي يقول فيه إن المسيح لن يعود حتى يتحقق أمران: الأول عودة اليهود إلى الأرض المقدسة, والثاني أن يقوم اليهود بتحطيم المقدسات الإسلامية في القدس وإعادة بناء هيكل سليمان المزعوم مكانها وستقوم معركة أرمجدون حيث سيقتل ملايين البشر ويتحول اليهود إلى الدين المسيحي, ولعل أخطر ما يؤمن به المسيحيون الصهاينة هو أن دعم إسرائيل واجب ديني مقدس بغض النظر عن سلوك قادتها السياسي سواء كان سويا أو عدوانيا لأن الله يريد ذلك بحسب زعمهم, ولذا لم يتورع أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي من القول إن إسرائيل هي إرادة الله وأنها فوق القانون الدولي.

ولذا منذ بداية عهد النهضة في أوربا عملت المسيحية الصهيونية على نشر تلك الأفكار وتبنيها في الوقت الذي كانت أوربا الرأسمالية في فترة ازدهار ومشاريعها الاستعمارية في تقدم مضطرد, و لقد أدركت الصهيونية المسيحية أن توظيف النزعة الاستعمارية ذات الأهداف الاقتصادية لدى قادة أوربا خير معين لها في إنشاء دولة إسرائيل, فعلى سبيل المثال عمل المسيحي الصهيوني إيرال شافتسبوري (1805-85) وهو بريطاني على وضع خطة لتوطين اليهود في فلسطين برعاية بريطانيا العظمى, و تمكن من إقناع اللورد بلارمستون وزير الخارجية القوي في الحكومة البريطانية وهو أحد أقربائه بأن خطته تلك ستخدم مشاريع أوربا الامبريالية في الشرق الأدنى و في العام 1838 تمكن الرجل من إقناع حكومته بأن تفتح قنصلية لها في القدس والتي كانت في الحقيقة أول مكتب رسمي لبريطانيا في فلسطين, و بهذا ندرك أن عاملا ثالثا قام بدور أساسي في إنشاء دولة إسرائيل.

الرأسمالية (الاستعمار):

 لقد لعبت المطامع الاقتصادية القائمة على التوسع والاستعمار, والتي كانت ولا زالت تحرك ساسة أوربا منذ القرن السادس عشر وحتى اليوم, دورا أساسيا بارزا في إنشاء دولة إسرائيل, حيث إن الهدف الأول من إنشاء دولة إسرائيل بالنسبة لساسة أوربا لم يكن قومي ولا ديني بل اقتصادي, ولذا عمل قادة أوربا على إنشاء إسرائيل بهدف السيطرة على طرق التجارة العالمية التي تمر عبر العالم العربي إلى أسواق الهند وشرق آسيا ومن أجل بسط نفوذ أوربا واستغلال خامات وموارد هذه المنطقة من العالم, وكذلك لتعمل إسرائيل كجبهة متقدمة في قلب الحضارة الإسلامية, تلك الحضارة التي دحرت أوربا وتفوقت عليها في حكم العالم لأكثر من ألف عام, و من هنا كانت قواعد السياسة الدولية تقتضي إبقاء هذا الجزء من العالم مقسما وضعيفا لا يقوى على النهوض مرة أخرى, ولهذا عقد مؤتمر بازال في سويسرا في 1897 ومنح وعد بلفور في 1917 القاضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين وأعُلنت دولة إسرائيل في 1948 بعد تواطؤ بريطاني واضح ضد الشعب الفلسطيني.

لماذا المقاومة؟

من كل ما سبق ندرك أن إسرائيل, الدولة التي تخترق كل القوانين الدولية والمعاهدات بل وكل المبادئ والقيم الإنسانية, تتمتع بنفوذ مهول في العواصم الغربية لأنها ببساطة مشروعا غربيا يهوديا نجح بشكل كبير في تنفيذ المهام المنوطة به, ولذا فإن المجتمع الدولي في ظاهرة غريبة لا تقبل التبرير بأي منطق يُجمع على خنق المقاومة الفلسطينية ومنع وصول السلاح إليها حتى لا تتمكن من حماية حقوقها المشروعة وفي نفس الوقت فهو يُجمع على دعم أمن إسرائيل ومدها بالمال والسلاح وهي الدولة المحتلة الغاصبة.

إن الأمر الوحيد الذي يفسر لنا هذا التناقض هو أن ساسة الدول الغربية يعلمون جيدا أن إسرائيل هي مشروعهم وأن حمايتها ودعمها هدف وغاية غير قابلة للنقاش أو التفاوض, ولقد أسُسّ هذا المشروع ليمارس ثلاث مهام رئيسية, فهي مستوطنة ليهود العالم يمارسون فيها حق المواطنة ولكن على أرض مغتصبة وعلى أساس ديني, لذا فهي دولة عنصرية لن تقبل بحق العودة للشعب الفلسطيني وستستمر في التوسع لتشجيع الهجرة لكل يهودي إلى فلسطين ولن ترضخ لأي اتفاقيات تقوض هذا الدور, المهمة الثانية لهذه المشروع هي شن حرب دينية على كل من لا يؤمن بالنبوءات الأيدلوجية للمسيحية الصهيونية التي تقضي بتدمير كل ما له صلة بحضارة المسلمين من مقدسات و قوى سواء كانت شعوب أو حكومات أو منظمات, علما بأن المسيحية الصهيونية تعتبر كل دول العالم العربي عدو لمشروعها فهي تؤمن بأن الأرض الموعودة لليهود تمتد من نهر الفرات إلى نهر النيل, وهكذا فإن أي مفاوضات تجري باسم عملية السلام لن تنجح لأن المسيحية الصهيونية ستقف لها بالمرصاد وهذا ما أثبتته الإدارات الأمريكية المتعاقبة حتى اليوم, أما المهمة الثالثة فتقضي بإبقاء العالم الإسلامي وبالذات العربي منه مقسما مجزئا ضعيف تنهب ثرواته ويضرب بعضه بعضا, و كما رأينا في العدوان الغاشم على قطاع غزة في نهاية العام 2008م , فالحرب بدأت ثم انتهت بعد قرابة الشهر والدول العربية كانت من الوهن لدرجة أنها لم تتمكن حتى من الاتفاق على عقد اجتماع لمناقشة العدوان ناهيك عن نوعية القرارات وسبل تنفيذها, فضلا عن تآمر بعضها الواضح لصالح إسرائيل وهو الأمر الذي غيرته إلى حد ما ثورات الربيع العربي.

المقاومة الإستراتيجية الناجعة

لا بد أن ندرك إننا بحاجة إلى إستراتيجية تتصدى للدور الوظيفي الذي أنشأت من اجله إسرائيل في قلب العلم العربي , وهذه الإستراتيجية تقوم على قانون "لكل فعل رد فعل مساو له في القوة مضاد له في الاتجاه" حتى نتمكن من حل معضلة الصراع حول فلسطين , وهي الإستراتيجية التي تتبناها المقاومة وتقوم على عدد من المهام , وعليه لابد من دعمها بكل الوسائل المتاحة , وتتمثل المهمة الأولى بالعمل على حرمان اليهود من أن يحكموا موطئ قدم في فلسطين , لا أن نقدم لهم عرض سخي بتسليمهم كل ما احتلوه قبل 1967 كما تنادي الأنظمة العربية قبل الربيع العربي , فهذا خطأ فادح , كما أن إسرائيل غير قابلة للتعامل معه لأنه يتناقض مع طبيعة نشأتها ووظيفتها.

المهمة الثانية هي مواجهة عقيدة المسيحية الصهيونية بالعقيدة الإسلامية التي هي أساس وجود الحضارة العربية والإسلامية في فلسطين ولما تتمتع به هذه العقيدة من مخزون إيماني وإستراتيجي مهول يمثل نقطة محورية تعمل على القضاء على الاختلال في توازن القوى بين إسرائيل والعالم العربي, ولعل أقرب مثل إلينا صمود غزة وراء حماس التي تتبنى هذه العقيدة قولا وعملا رغم فارق القوى المادية الكبيرة بين حماس وإسرائيل , كما أن هذه العقيدة تملك كل ما يثبت بطلان المزاعم المسيحية الصهيونية بشأن الأرض المقدسة ولعل أكبر دليل هو فشل المسيحيون الصهاينة في العثور على أي دليل مادي يؤيد اسطورة هيكل سليمان المزعومة رغم احتلالهم للقدس لأكثر من 40 عاما, هذا فضلا عن أن العقيدة الإسلامية هي المحرك الأول لشعوب العالم الإسلامي الذي يمثل مخزون استراتيجي لأي حركة مقاومة للمشروع الصهيوني ولعل هذا يفسر لنا ثبات حركة حماس رغم تكاتف النظام الدولي بأسره ضدها خاصة أثناء الحصار وحرب 2008م وما بعدها.

المهمة الثالثة التي يتحتم علينا القيام بها هي مواجهة المشروع الرأسمالي الغربي في المنطقة فلا ننخدع بالمشاريع الاقتصادية الغربية التي تتحدث عن فتح الأسواق وتحريرها أمام التجارة الدولية لتتمكن الشركات الغربية من نهب ثروات وموارد الأمة, وإذا كانت معظم الحكومات العربية قد خنعت لهذه المشاريع الاستعمارية فلقد جاء رد الشعوب في الثورات العربية التي أسقطت تلك الحكومات الفاشلة , كما أنه لا ينبغي أن تتخلى الشعوب بمنظماتها الأهلية عن المقاومة بمقاطعة البضائع الأجنبية لأن المعركة ببساطة ووضوح معركة بقاء, هذا فضلا عن حاجة الأمة الماسة إلى دعم كل مشاريع الوحدة والتقارب ما لم تمس المهمة رقم اثنين في هذه الإستراتيجية (العقيدة الإسلامية) لكي لا نتناقض مع أنفسنا فيضرب بعضنا بعضا ونتنازع فنفشل و تذهب ريحنا.

مشاهدة المزيد