الحرب على الصحافة والصحفيون الأحرار
بقلم/ احمد منصور
نشر منذ: 16 سنة و شهر و 5 أيام
الإثنين 10 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 05:56 ص

بين المغرب والقاهرة واليمن عايشت علي مدي الأسابيع الماضية معاناة الصحافة والصحفيين من الضغوط التي تمارسها السلطات علي الكلمة الحرة والصحفيين الأحرار ، الذين أصبحوا يقضون معظم أوقاتهم بين أروقة المحاكم بدلا من التفرغ للحديث عن معاناة الناس ورفع سقف الحرية ، والارتقاء بالإنسانية في بلادهم ، لكن الحكم الذي صدر يوم الخميس الثلاثين من أكتوبر الماضي من قبل محكمة استئناف الرباط بتأييد الحكم الابتدائي القاضي بتغريم صحيفة المساء المغربية غرامة مقدارها ستمائة مليون سنتيم أي ما يعادل ثمانمائة وخمسون ألف دولار لصالح النواب الأربعة للوكيل العام للملك بالقصر الكبير ، الذين كانوا قد رفعوا شكوي ضد الصحيفة في العام الماضي بعد نشر خبر عن واحد منهم لم يذكر بالاسم قد حضر حفلا للشواذ أثار ردود فعل واسعة فى المغرب آنذاك..

، ورغم أن الصحيفة كانت قد قدمت اعتذارا لمن يفترض أنهم تضرروا إلا أن هذا الحكم الغير مسبوق فى العالم العربي يدخل فى إطار الحرب المعلنة علي الصحافة الحرة والصحفيون الشرفاء فى العالم العربي الذين قرروا أن يخوضوا حربا شرسة لانتزاع حرية الصحافة من الأنظمة التي استولت عليها كما استولت علي حرية الإنسان فى العالم العربي طوال أكثر من خمسة عقود من رحيل الاستعمار عن بلادنا ، حيث خلف الاستعمار فى كثير من الدول العربية أنظمة أسوأ منه واصلت تقديم الخدمات له ولأعوانه مقابل البقاء علي الكراسي وإذاقة الشعوب الويلات والأهوال ، هذا الحكم الذي وصفه مصطفي الرميد محامي صحيفة المساء بأنه " حكم لا يشرف بلادنا من قضاء لا ينتمي إلي عصرنا " يعكس طبيعة الحرب الطاحنة التي تخوضها الأنظمة المستبدة وأعوانها ضد حرية الصحافة والصحفيين الأحرار الشرفاء فى العالم العربي الذين لا يملكون سوي القلم يزودون به عن حمي الشعوب المقهورة ، فبعدما فشلت عشرات الأحكام التي صدرت بالسجن أو الاعتقال أو الحرمان من الكتابة أو الغرامات المالية أو الاعتداء بالخطف و الضرب والإهانة علي الصحفيين حتى يكفوا عن كشف الحقائق وفضح الفساد السياسي بكل أشكاله و عمليات السلب والنهب التى تتم فى بلادنا توجهت أجهزة قمع الحريات في العالم العربي إلي الإعدام المالي للصحف والمؤسسات الإعلامية عبر تلك الغرامات الباهظة وغير المسبوقة التي يمكن أن تؤدي إلي إفلاس أي صحيفة مهما كانت مصادر دخلها ، لأن صحيفة " المساء " علي وجه التحديد في المغرب تعاني من كثير من القضايا المرفوعة ضدها من أعداء الحرية ، وإذا ما طبق هذا الحكم ، فإنه هذا سوف يفتح الأبواب أمام إفلاس الصحيفة ومن ثم توقفها عن الصدور بعدما تمكنت خلال عام واحد فقط من أن تستحوذ علي اهتمام القراء فى المغرب لأنها أصبحت تعكس آلامهم وآمالهم ونجحت في أن يرتفع توزيعها إلي مائة وخمسين ألف نسخة في اليوم ، وأن تتحول إلي مدرسة صحفية ومؤسسة تصدر صحيفة أخري يومية بالفرنسية هي " لوسوار " وأكثر من مجلة أسبوعية سياسية وأسرية ، وقد اتصلت علي الزميلين رشيد نيني مدير النشر للصحيفة وتوفيق بوعشرين رئيس التحرير لأسألهما عن الخطوة القادمة بعد صدور هذا الحكم الجائر الذي لا ينتمي إلي هذا العصر كما وصفه محامي الصحيفة ، فقال توفيق " لقد تلقينا آلاف الاتصالات من القراء بينهم رجال أعمال وتجار أبدوا استعدادهم لدفع هذا المبلغ الباهظ حتى تستمر الصحيفة فى رسالتها لكننا اتخذنا قرارا بأننا لن ندفع سنتيما واحدا وسوف نواجه هذا الحكم الجائر بكل قوة ، لأننا إذا قبلنا بهذا الحكم فإننا كمن يقبل بتنفيذ حكم الإعدام ليس علي صحيفة المساء فقط ولكن علي كل الصحافة الحرة فى المغرب التي بدأت ترسخ لمدارس صحيفة متميزة ، وتفتح المجال أمام الشعب ليعرف حقيقة ما يحدث فى بلاده .. لن ندفع شيئا وليفعلوا ما يريدون " هذا الموقف يفتح الباب أمام الصحافة الحرة فى العالم العربي كله لكي تدعم موقف المساء ، وتدعم كذلك مواقف الصحف و الصحفيين العرب الشرفاء سواء الذين يواجهون أحكاما قضائية بسبب آرائهم أو حرية التعبير والنقد التي نسعى جميعا لترسيخها ، أو الذين يتعرضون للمضايقات فى أرزقاهم لأنهم قرروا أن يحترفوا تقديم الحقيقة إلي الناس ، أو الذين يتعرضون للاعتداء الجسدي والنفسي ، وهنا أذكر أني حينما اتصلت علي الزميل إبراهيم عيسى رئيس تحرير صحيفة الدستور المصرية ـ والذي حكم عليه مؤخرا بالسجن لمدة شهرين بتهمة الإساءة لرئيس الجمهورية فى مصر ثم صدر عفو رئاسي عنه ـ وذلك أثناء فترة المحاكمة قال لي وهو يضحك " هل تعلم يا أحمد أني أواجه الآن أربعين قضية مرفوعة ضدي فى المحاكم المصرية حتى أني قررت أن أراسل موسوعة جينس للأرقام لإدراجي كأول صحفي يواجه أربعين قضية في آن واحد حتى أني أصبحت أقضي كثيرا من وقتي في المحاكم وليس في الصحيفة لأتفرغ لعملي " ليس معني هذا أن هذه القضايا قد أصبحت تسعة وثلاثين بعد الحكم على عيسى في واحدة ولكن ربما زادت لأن هناك قضية جديدة ترفع من آن لآخر ولا أدري كيف أصبح عددها الآن ، وإذا نظرنا إلي خريطة العالم العربي من مشرقة إلي مغربة لن نجد قطرا يخلوا من محاكمة صحفي أو صاحب رأي أو معارض إلا ما ندر في إشارة واضحة إلي مساحة القمع الفكري وسياسة كسر الأقلام الحرة في بلادنا .

إن هذه السيوف المسلطة علي رقاب الصحفيين والصحافة الحرة في العالم العربي من إرهاق الصحفيين الأحرار بكثرة القضايا المرفوعة واستنزاف طاقتهم الجسمانية والفكرية والعصبية والمالية في ساحات المحاكم ، ثم إصدار أحكام عليهم لا تنتمي إلي عصرنا ، هذه المحاولات كلها لن تفت من عضد الصحفيين بل تدفع بالمزيد منهم إلي أن يتحرروا من ربقة العبودية لهذه الأنظمة المتسلطة وينحازوا لتحرير هذه الشعوب من نير الاستبداد والقمع السياسي ، لأن

الصحافة الحرة والصحفيون ألأحرار عليهم المسئولية الأولي في حماية الشعوب وتنويرها وزيادة مساحة الوعي لديها ، وليكن العصيان الذي أعلنته صحيفة المساء المغربية بالامتناع عن دفع الغرامة دافعا لصحف المشرق حتى تواصل الطريق .. طريق انتزاع الحرية للصحافة وللشعوب العربية