اليمن: بوابة عبور المخدرات للمنطقة
بقلم/ إبراهيم الحكيم
نشر منذ: 17 سنة و 8 أشهر
الجمعة 20 إبريل-نيسان 2007 08:20 م

* حتى بداية الألفية الثالثة لم تكن آفة المخدرات تعني اليمن، فظلت مشكلة خارجية، يسمع عنها ويشاهدها فقط على شاشات التلفاز، وبينما كان يمهد لتوجهات رسمية للحد من تنامي زراعة وتعاطي آفة (القات) المُختلف في تصنيفها ما بين المنشطات والمخدرات؛أطلت عليه الأخيرة بعواقبها الأكثر تدميراً، ظاهرة محلية جديدة يعانيها منها وتشهد نمواً لافتاً من عام لآخر، وتجعل اليمن يلهث في اكتساب خبرات وإمكانات مكافحتها على مختلف جبهاتها، ولسان حاله (لدينا ما يكفي للكيف)!!

تضاعف البلاء

بالنسبة لآفة (القات) الذي غزا اليمن قبل 600 عام من الحبشة، ويُصنف (نبتة مُخدرة) في نشرة الأمم المتحدة بالمواد المخدرة، بينما تعتبره منظمة الصحة العالمية (مُنبهاً ضاراً بالصحة)؛ فتُقدر أحدث الدراسات الاقتصادية أن (ثلاثة ملايين يمني منهم 60.5% من الشباب، ينفقون يومياً نحو 6 ملايين دولار، ويهدرون 20 مليون ساعة في جلسات مضغ القات بواقع 6,5 ساعة في اليوم لكل فرد).وقد كان حدثاً استثنائياً إعلان اليمن في العام 2000؛ وللمرة الأولى منذ فشل قرار مجلس الوزراء سنة 1975 بحظر زراعة وتعاطي القات؛ توجهاً رسمياً للخطة الخمسية الثانية للتنمية في البلاد (2001-2005)، نحو منع اتساع زراعة القات الذي يشغل الآن 25% من مساحة الأراضي الزراعية المروية، ويستنزف 30% من استهلاك الزراعة للمياه. ويشكل 33% من الإنتاج الزراعي، ويرتبط بزراعته النشاط الاقتصادي لنحو 30% من السكان.بل إن الحكومة اليمنية عقدت أول مؤتمر وطني لبحث أضرار القات ومعالجاته، واعتمدت منه: زيادة الضرائب على مزارعي القات، ورفع تعرفة خدمات المياه، ومنح تسهيلات لزراعة محاصيل نقدية بديلة، وتوفير بدائل ترفيهية وثقافية بدلاً من عادة مضغ القات، وصدور قرار جمهوري بحظر تعاطيه في المرافق والأماكن العامة، واعتزال الرئيس اليمني مجالس القات ومن بعده رئيس الوزراء وكبار رجال الدولة تبعاً، ..إلخ.

وفي فبراير الماضي وافقت الحكومة على مشروع قرار من وزارة الزراعة والري بمنع زراعة القات في القيعان الزراعية.لكن هذه التوجهات الحكومية التدريجية للقضاء على آفة (القات)، قابلتها مؤشرات نمو آفة المخدرات الأشد فتكاً لبنية البلاد البشرية والاقتصادية والاجتماعية، وسرعان ما بدأت أخبار مضبوطاتها تستحوذ على مساحة لافتة في وسائل الإعلام المحلية، وعلى نحو عزز أطروحات الفريق المؤيد لبقاء بلاء القات واقياً من بلاءات أشد وأعنف!!.

بيد أن ما يجده المعنيون (بعض البلاء ولا كله)، في وصفهم القات (وقاية من المخدرات)؛ لم يعد كذلك، وإضافة لبروز ظاهرة تعاطي الشباب مع القات لحبوب الهلوسة؛ بدأ تعاطي الشباب أصناف المخدرات الأخرى يأخذ طابع الظاهرة منذ 2006.إذ (لم تعد اليمن مجرد دولة عبور للمخدرات)، حسبما يؤكد مدير مكتب الأمم المتحدة UNDCIP لمكافحة المخدرات والجريمة أنطونيو ماريا كوستا.(كوستا)وهو أيضاً مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، قال لدى زيارته اليمن مطلع هذا العام: (اليمن دولة عبور، وأخيراً أصبحت تُهاجم بالمخدرات، ونذكر هنا الحشيش الذي يأتي من أفغانستان، والمخدرات المصنعة والحشيش والماريونا التي تأتي من القرن الإفريقي، ..وهناك بعض المعلومات عن زراعة حشيش في اليمن، لكن هذا غير مؤكد وقد يكون بسيطاً جداً). لافتاً إلى (إساءة استخدام بعض الأدوية المخدرة).

استنفار يمني

أخذت جرائم تهريب المخدرات إلى اليمن تنمو بمعدل مطرد، وبعد (ضبط 41 جريمة عام 2000 اتهم فيها 51 مُهرباً للمخدرات بأنواعها)؛ انخفضت معدلات ضبطها لأسباب لا يعزوها المعنيون إلى (تراجع أو توقف عمليات التهريب بالضرورة)، فسُجل (في 2001، ضبط 20 جريمة فقط اتهم فيها 37 مهرباً، ثم 23 جريمة في 2002 و34 متهماً بتهريب المخدرات).

كانت كميات المضبوطات محدودة، فلم تتجاوز «24 كيلو و99 جراماً من الحشيش المُصنع (الرايتنج) و3754 أمبولة حبوب مخدرة متنوعة عام 2000، ثم ارتفعت إلى 1136 كيلو و139 جراماً من الحشيش و1263 حبة مخدرة في 2001، لتنخفض مضبوطات الحشيش في 2002م إلى 26 كيلو و125 جراماً في مقابل ارتفاع مضبوطات الحبوب إلى 204773 حبة مخدرات متنوعة)!!

نجحت هذه المؤشرات – نسبياً - في إثارة حفيظة السلطات اليمنية التي ظلت تنظر للمخدرات بوصفها (ظاهرة دخيلة لا تشكل خطراً حقيقياً)، فصدر في 2002 قرار إنشاء إدارة عامة لمكافحة المخدرات بوزارة الداخلية، لكنها لم تُفَعل عملياً إلاَّ في 2004، وفقاً لمديرها العميد خالد الرضي (فبدأت تمارس مهامها واختصاصاتها بموجب مشروع لائحة تنظيمية تم تفعيلها عملياً، وبما يتطلبه هذا المشروع من إمكانات مادية وبشرية، وميزانية خاصة).

وخلال أقل من عام أنشأت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في اليمن 33 فرعاً في المنافذ البرية والبحرية والجوية، ونفذت زيارات متواصلة لنظيراتها في الدول العربية والأجنبية، ووقعت نحو 15 وثيقة وبرتوكول تعاون تنظم في مجملها (تبادل المعلومات حول الجرائم وعصابات المجرمين، والمساعدة الأمنية في مجال مكافحة الاتجار في المخدرات والمؤثرات العقلية، زراعةً وإنتاجاً وتصنيعاً وتعاطياً وجلباً واستيراداً وتصديراً).لكن في المقابل ظل انعدام التغطية والرقابة الأمنية لسواحل اليمن البحرية الممتدة على البحر الأحمر غرباً وخليج عدن والمحيط الهندي جنوباً حتى بحر العرب شرقاً، بمسافة 2500 كم؛كابوساً حقيقياً لليمن ودول محيطة أيضاً، حتى ظهر أول توجه جدي لتبديده، فقضى أول قرار جمهوري لعام 2002 بإنشاء قوات خفر سواحل يمنية، ونصت المادة الثالثة من القرار على (مكافحة تهريب المخدرات والمؤثرات العقلية وضبطها).

كان من حسن طالع هذا التوجه تدشين (الحرب الدولية ضد الإرهاب)، فحاز اليمن دعماً لوجستياً، أمريكياً وفرنسياً وإيطالياً، لبناء قدراته في ضبط أمن الملاحة الدولية في مياهه الإقليمية، عبر تقديم منح دراسية وإيفاد خبراء تدريب، وتزويد اليمن بنحو 50 زورقاً متخصصاً حديثاً، منها:29 زورقاً أمريكياً بقيمة 32 مليون دولار، و10 زوارق فرنسية بقيمة 10 ملايين دولار، و11 زورقا اشتراها اليمن من أستراليا.

وأخيراً في ديسمبر الماضي، احتفل معهد تدريب خفر السواحل في عدن بتخرج الدفعة الثالثة والدورات التخصصية، وأعلن الرئيس علي عبد الله صالح في الحفل: (تجهيز وإعداد خفر السواحل وبلوغ قوامها أكثر من عشرين ألف فرد من ضباط وصف وجنود). مُؤكداً أنه: (سيتم خلال العامين المقبلين استكمال تجهيز هذه القوات لتغطي طول الساحل اليمني مثلما تم تنفيذ خطة الانتشار الأمني في اليابسة).

تصاعد لافت

في حديثه لـ (المجلة) يؤكد مدير المعلومات والإحصاء بإدارة مكافحة المخدرات الرائد منصور دهمان تنامي ظاهرة تهريب المخدرات إلى اليمن. ويقول: (استطاعت فروع الإدارة بالتعاون مع خفر السواحل خلال 2003 ضبط 31 جريمة تهريب مخدرات و46 مهرباً بينهم 4 مهربين من العرب؛ وفي 2004، 42 جريمة و75 مهرباً بينهم 3 أجانب، ثم 45 جريمة، و86 مهرباً ومروجاً في 2005م).

وفي المقابل، شهدت كميات تهريب المخدرات تصاعداً.يقول الرائد دهمان: (ارتفعت المضبوطات من 6 كيلوجرامات و808 جرامات من الحشيش و80 حبة مخدرة فقط عام 2003، إلى 1871 كيلو و157 جراماً من الحشيش المصنع (الرايتنج)، و1500 غرسة، و88956 أمبولة فيرتوين مخدرة، وفي 2005 تم ضبط 3000 كيلوجرام من الحشيش، و4 كيلوجرامات و400 جرام من الهروين، في مقابل انخفاض مضبوطات حبوب المخدرات إلى 6.5 حبة فقط)!!

ثم سجلت كميات المخدرات المهربة إلى اليمن أعلى رقم لها في العامين (2005 و 2006) وفقاً لنائب رئيس الوزراء اليمني وزير الداخلية د.رشاد العليمي الذي أعلن في يناير الماضي أن وزارته:«ضبطت خلال العامين الماضيين أكثر من 10 أطنان من المخدرات كانت في طريقها إلى دول الخليج). كاشفاً أن: (أكثر من مائة شخص من العناصر الإرهابية الذين يمثلون أمام المحاكم المتخصصة، أثبتت التحقيقات أنهم مولوا العمليات الإرهابية من تجارة المخدرات).

يُضاف إلى هذه الكميات في 2006 فقط (12 ألف كجم من الحشيش، وكجم هيروين، و32 كيلو جراما من الأفيون، و10 آلاف حبة مخدرة، وما يزيد على خمسة ملايين كجم من القات» يأتي على ذكرها التقرير السنوي لمضبوطات مديرية حرس الحدود السعودي.لافتاً إلى إن (تهريب المخدرات كان يتم بشكل كبير من حدود العراق لكنه انتقل الآن للحدود الجنوبية مع اليمن).

وعلاوة على ضبط وإتلاف كميات كبيرة من الخمور والمسكرات المهربة، فإن معدل جرائم المخدرات واصل النمو هذا العام، وتفيد إحصاءات إدارة مكافحة المخدرات أن: (الإدارة وأجهزة الأمن ضبطت منذ يناير وحتى نهاية الأسبوع الأول من أبريل الجاري 2822.5 كجم من حشيش الرايتنج). ووفق تصريحات صحافية متعاقبة لمدير الإدارة العميد خالد الرضي فإن: (2665 كجم منها كانت في طريقها إلى السعودية).

الأمر الذي أفضى في المحصلة إلى اعتراف الأجهزة المعنية في اليمن بأن (المخدرات باتت ظاهرة اجتماعية محلية، تشهد تفاقماً ملحوظاً)، ويؤكد مدير المعلومات والإحصاء في إدارة مكافحة المخدرات الرائد منصور دهمان، لـ (المجلة) إن (العام 2006، شهد ضبط 119 قضية مخدرات، و199 متهماًً، بينهم 4 من العرب و11 من جنسيات أجنبية)، قياساً بـ (42 قضية و51 متهماً في 2000).

ومن واقع الاحصاءات السالفة، يتبين إن إجمالي مضبوطات اليمن بإمكانياته المحدودة خلال ست سنوات بلغ قرابة (18.5) ألف طن من حشيش (الرايتنج/القنب)، والهيروين، ونحو 310 آلاف أمبولة مخدرات متنوعة، و1500 غرسة حشيش، وبقيمة تُقدر بنحو 9 مليارات ريال يمني كحد أدنى وفق المعنيين، فضلاً عن 200 مليون ريال يمني (مليون دولار تقريباً) قيمة كمية حبوب المخدرات المتنوعة المضبوطة.

يُرجع العاملون في إدارة مكافحة المخدرات هذا الارتفاع المطرد لجرائم تهريب وترويج المخدرات، إلى ارتفاع عدد من يتاجرون فيها ستة أضعاف خلال خمس سنوات.وتفيد التقارير الأمنية أنه: (ضُبط تاجران فقط عام 2000، ثم ثلاثة تجار (2001)، فخمسة تجار (2002)، فأربعة (2003)، ثم سبعة في 2004م، وصولاً إلى ضبط 13 تاجراً للمخدرات من مختلف الجنسيات في 2005).

ويرصد القانون اليمني لمكافحة المخدرات عقوبة الإعدام لمن يُدان باستيراد المخدرات أو تصديرها أو زراعتها أو تصنيعها، والسجن ما بين (15-25) عاماً لمن تثبت إدانته بحيازة أو نقل أو ترويج المخدرات، وقد أصدر القضاء 7 أحكام بالإعدام لموردي مخدرات بينهم 3 باكستانيين، و37 حكماً بالسجن 25 عاماً.وحالياً ينظر في 30 قضية مخدرات، أبرزها قضية أكبر عصابة دولية لتهريب المخدرات تُضبط حتى الآن، تتألف من 38 عضواً، بينهم 10 باكستانيين و15 يمنياً.

..وأساليب تهريب

يراهن مهربو المخدرات إلى اليمن وعبر أراضيه، على حداثة عهد اليمن بهذه الآفة وقصور خبرته.ولهذا فإنهم حتى عهد قريب جداً، لم يحرصوا على استخدام وسائل وطرق معقدة جداً في تهريب المخدرات، مُعتمدين أساليب تقليدية ظلت إمكانيات اليمن دون اكتشافها، في مختلف المنافذ البرية والجوية والبحرية، والأخيرة هي البوابة الكبرى لنفاذ المخدرات إلى اليمن وعبر أراضيه إلى محيطه الإقليمي.

هذا ما تقرأه في أحاديث المعنيين، حول الأساليب التقليدية والجريئة أيضاً لمهربي المخدرات، ومنها:تصدير المخدرات في حاويات تجارية.ويتذكر موظفو جمارك ميناء الحاويات في عدن اكتشاف عملية تهريب طن من الحشيش المُصنع (الرايتنج) قيمته 500 مليون ريال يمني (ما يعادل 10 ملايين دولار آنذاك)، داخل حاوية آتية من باكستان ترانزيت، وقد صدر حكم الإعدام بحق أربعة نفذوا العملية، بينهم باكستانيان.

إضافة إلى أسلوب الإنزال الليلي للمخدرات داخل أكياس نايلون عائمة، مِنْ لنشات متسللة للمياه الإقليمية اليمنية، قبل أن ينتشلها شركاء المهربين بطريقة الجرف (شباك الصيد) من نقاط لا تخضع لرقابة خفر السواحل اليمنية، أو الإخفاء المحكم للمخدرات في أجزاء خفية على متن زوارق ولنشات زائرة لميناء عدن بزعم قصد التزود بالوقود أو الصيانة وإصلاح عطب، كما حدث مطلع فبراير الفائت مع لنش باكستاني ضُبط بحمولة 1190 كجم من حشيش الرايتنج.

وفي المرحلة الثانية لعمليات تهريب المخدرات إلى اليمن، يستخدم المهربون طرق تموية محكمة لكميات المخدرات، يذكر منها الرائد منصور دهمان:(داخل حمولات فواكه أو خضراوات أو خلف المقاعد، أو أسفل طبقة الفيبر جلاس لسيارات النقل (الهايلوكس)..إلخ). ووفقاً لمصادر أمنية فإن المهربين مازالوا يلجأون أحياناً إلى (الحمير المُدربة) من حيث اعتيادها طرقاً وعرة لاجتياز نقاط التفتيش بين المحافظات والمنافذ الحدودية لدور الجوار.

وإذا كانت سلطات الجمارك السعودية في منفذ (الحديثة) بالقريات تمكنت من ضبط أغرب عملية تهريب للمخدرات داخل أحشاء (204) من الماعز الموردة إلى السعودية؛فإن سلطات أمن محافظة المهرة هي الأخرى (استطاعت في يونيو 2006 ضبط أربعة متهمين بالتهريب على متن شاحنة أسماك بداخلها كمية من المخدرات قدرت بطن واحد، أثناء توقف الشاحنة في ضبوت الساحلية التي تبعد نحو 40 كيلو متراً عن عاصمة المحافظة).

تفاقم الإدمان

لكن خطر المخدرات لم يعد خارجي المصدر فقط، إذ تكشف التقارير الرسمية إحباط محاولات زراعة المخدرات في اليمن، لعل أولها في 2004 عندما (ضبطت شرطة مكافحة المخدرات 1500 غرسة حشيش مهربة لليمن)، وداهمت أجهزة الأمن بداية العام نفسه (مزرعة حشيش إلى الغرب من صنعاء بمديرية الحيمة) اتضح أنها لكهل جاوز المائة عام، كما أحرقت نهاية العام نفسه (مزرعة نباتات مخدرة جنوب صنعاء بمنطقة بلاد الروس).

وفي يونيو 2005م أحرقت أجهزة الأمن (مزرعة للحشيش بإحدى ضواحي محافظة عمران) شمال صنعاء، وضبطت بعض القائمين عليها.بينما تواصل حملاتها في محافظة إب (193 كم جنوب صنعاء)، التي بلغت شهرة زراعة الحشيش في بعض مديرياتها حد إطلاق نكتة شعبية من باب التندر، مفادها: أن غراباً شوهد على الطريق العام يسير على قدميه من إب إلى صنعاء، ناسياً أن له جناحين بفعل (سطلة الحشيش)!!

أما إساءة استخدام الأدوية الطبية المخدرة في اليمن التي أشار إليها مدير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات أنطونيو كوستا؛فبدأت تنتشر أخيراً بين أوساط طلبة مدارس المرحلتين الإعدادية والثانوية، ظاهرة استنشاق المواد الطبية والكيميائية المخدرة وذات المؤثرات العقلية، بدءاً باستنشاق مادتي (الثنر) و(السيكوتين)، وتعاطي أدوية السعال مثل (التوسيرام).

ومروراً بتعاطي المواد المستخدمة في العمليات الجراحية، مثل:مطهر (الزبورت)، و(البثدين) و(المورفين)، بوصفها مواد متاحة وبأسعار في متناول اليد، يمكن شراؤها من الصيدليات ودون روشتة طبية بالضرورة في ظل غياب الرقابة الفاعلة على ضوابط ومعايير مزاولة مهنة الصيدلة.بينما يأتي النوع الآخر من الإدمان الآخذ في النمو بين أوساط الشباب في اليمن، تعاطي الحبوب المخدرة، بدءاً من حبوب الهلوسة (الديزبام والارتين والباركزول)، وصولاً لأخطر أنواع الحبوب.

تؤكد نقابة الصيادلة اليمنيين أن السوق في اليمن تزخر بأصناف حبوب طبية مخدرة وذات تأثيرات عقلية، أغلبها يدخل البلاد عبر التهريب أيضاً، رغم تأكيد مسؤولي وزارة الصحة العامة والسكان بأن (الهيئة العليا للأدوية تحدد قائمة الأدوية المخدرة، ولا تسمح بتسجيلها أو استيرادها إلا عبر جهات مخولة قانوناً أو للمستشفيات العامة)، وأن (الوزارة تقوم بالرقابة على الصيدليات ومخازن الأدوية واتخاذ الإجراءات القانونية ضد مَن يثبت إدانته ببيع بعض الأدوية المُخدرة أو المهربة).

إلا أن القائمين على الهيئة اليمنية العليا للأدوية هم أول مَنْ يشكون استفحال ظاهرة تهريب الأدوية بما فيها المخدرة، التي تُقدر مصادر في نقابة الصيادلة اليمنيين أن (ما يدخل منها عبر التهريب أصبح موازياً تماماً لما يستورد عبر الطرق المشروعة)، رغم جهود المكافحة التي أسفرت أخيراً عن إتلاف أطنان من الأدوية المهربة في صنعاء وتعز وعدن، جاوزت قيمتها 200 مليون ريال يمني.

أبرزها هذه الحبوب المخدرة انتشاراً بين أوساط الشباب في اليمن، حبوب:المنشطات الأمفيتامينية (إيه تي إس) المعروفة إقليمياً باسم «كابتاجون»، وبخاصة حبوب:الفيرتوين والفينيتيلين، والفلنيترازيبام (روهيبنول)، البنزوديازيبين (عقار مهدئ)، والمنتجات الصيدلية التي تحوي (الديازيبام)، و(اللامفيتامين)، و(الفاليوم) ومشتقاته: (الماكدوم) و(الريفوتريك) المعروف باسم (أبو صليب)، وصولاً لتعاطي ما يسميه الشباب هنا (مخدرات).

لا يعد غالبية المدمنين من الشباب في اليمن هذه الحبوب والعقاقير الطبية (مخدرات)، بقدر ما هي (مهدئات ومنشطات)، وفي أحسن الأحوال (أدوية طبية). ويطلقون اسم (المخدرات) فقط على: حشيش البانجو (عشبة القنب)، وحشيش (الرايتنج)، والهيروين، التي يراوح سعر الجرام منها بين ما يعادل (3-6 دولارات)، والأفيون (الخشخاش)، والكوكايين، وإن كان الصنفان الأخيران هما الأقل انتشاراًَ في اليمن حتى الآن.

ورغم غياب إحصائيات أعداد ضحايا المخدرات في اليمن (من الشباب الذين يعانون مشكلات اجتماعية واقتصادية وبطالة وفراغا قاتلا) حسب الباحثين الاجتماعيين، إلاَّ أن تزايد الضحايا أوجد أخيراً الحاجة إلى إيجاد مكافحة علاجية، فبدأ في يناير الماضي للمرة الأولى التفكير جدياً في إنشاء مراكز استشفاء من إدمان المخدرات، ويجري التواصل مع الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات INCB التابعة للأمم المتحدة، لتأمين الدعم والمساندة.

وضع حساس

يستشعر اليمن تماماً حساسية وضعه الجغرافي، ويقول العميد خالد الرضي: (الحقيقة التي لا نستطيع تجاهلها أن حجم مشكلة المخدرات محلياً في تزايد مستمر سواء في الترويج والتعاطي أو الجلب والتهريب، وهذا يرجع لامتداد السواحل اليمنية مما يصعب السيطرة عليها، ولما تحتله اليمن من موقع جغرافي مهم، يتوسط دول الإنتاج ودول الاستهلاك، ويجعلها بوابة عبور وترانزيت لبلدان أخرى، وخصوصاً دول الجوار، التي قد تكون الهدف الأساسي لبعض تجار ومهربي المخدرات).

ويقر الرضي بتجاوز خطر المخدرات قدرات التصدي المحلية، قائلاً: (رغم الجهود المبذولة للقضاء على هذه الظاهرة، إلا أننا لم نستطع الوصول إلى الغاية المنشودة، لجملة أسباب، أعتقد أن أهمها تواضع الإمكانات المتوافرة والمتاحة أمامنا، إذا ما قورنت بحجم الخطر وتطور الأساليب والإمكانات الإجرامية التي ينبغي التصدي لها ومواجهتها بالكفاءة نفسها إذا لم يكن بأعلى منها.لهذا يجب تركيز جهودنا في هذه المرحلة لدعم وتوفير الإمكانات اللازمة للقيام بالمهمة على أكمل وجه ..).

الأمر الذي عبر عنه نداء وجهه أخيراً الرئيس (صالح) للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي (لتعزيز قدرات اليمن للتصدي لهذه الجرائم). وبحسب المسؤول الأممي لمكافحة المخدرات أنطونيو كوستا، فقد تم الاتفاق على دعم اليمن في: (تعزيز قدرات حماية ورقابة الحدود، ومراقبة الحاويات بميناء عدن، ورفع قدرات تحريات جرائم المخدرات، إضافة للتعاون في مجال حملات التوعية، وجمع الأدلة، وإنشاء قاعدة المعلومات، وتطوير معمل للتحليل باستخدام الحمض النووي DNA ).

وفي هذا انتهت مصلحة الجمارك اليمنية مؤخراً من تركيب ثمانية أنظمة لفحص الحاويات والبضائع بالأشعة في المنافذ الجمركية البرية والبحرية كافة، تبلغ تكلفتها 23 مليون دولار. ويعول عليها (المساعدة في كشف البضائع والمواد المهربة كافة بما فيها المخدرات والبضائع الممنوعة). بينما قدمت الولايات المتحدة الأمريكية 50 جهازاً شخصياً لمفتشي الجمارك، يجري تدريبهم على استخدامها.

من جهتها تتوقع مصلحة خفر السواحل اليمنية في ديسمبر المقبل انتهاء شركة إيطالية من تنفيذ المرحلة الأولى من شبكة رادارات الرقابة الساحلية بامتداد 500 كيلومتر، وبتكلفة 20 مليون يورو.وبينما يشير مسؤولو وزارة الداخلية لتواصل المرحلة الثالثة لخطة بناء وتجهيز خفر السواحل حتى 2010؛ فإن تقارير دولية تؤكد إن المشوار مازال طويلاً لإغلاق البوابة الكبرى لتهريب المخدرات إلى البلاد، إذ (يلزم اليمن 700 مليون دولار على الأقل لضمان السيطرة الكاملة على سواحله).

عن مجلة المجلة