نفوذ إسرائيل في الولايات المتحدة
بقلم/ عرض- مل الشريف
نشر منذ: 17 سنة و 9 أشهر و 13 يوماً
الجمعة 09 مارس - آذار 2007 05:41 م

مأرب برس - عرض- مل الشريف

"هل قضية إسرائيل هي قضية أميركا؟" هذا هو المبدأ الذي يظهر على لسان كل مرشح سياسي لمنصب الرئاسة في البيت الأبيض أو لعضوية الكونغرس، والذي كان شعار حملة الرئيس بوش ومنافسه جون كيري في الانتخابات الرئاسية السابقة.

وتعكس هذه المقولة مدى سيطرة المنظمات اليهودية الأميركية الموالية لإسرائيل على السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، وهو ما يتعرض له الكاتب الأميركي جيمس بتراس بكتابه الأخير "نفوذ إسرائيل في الولايات المتحدة".

هذا النفوذ الذي يطغى على الكونغرس والإدارة الأميركية ووزارة الدفاع (البنتاغون) بل وعلى المواقع الإستراتيجية بالولايات المتحدة سواء في قطاعات المال والإعلام والنقابات والأكاديميات من خلال سطوة (المحافظين الجدد) أو من يسميهم بتراس الصهاينة (أتباع إسرائيل).

ويستعرض الكتاب كيف استطاعت شبكة المحافظين الجدد من الجناح اليميني ذات الولاء المزدوج بعد وصولهم إلى مراكز إستراتيجية في عهد الرئيس بوش الابن دفع واشنطن إلى خوض حرب في العراق ضد مصالحها الاقتصادية والنفطية بالشرق الأوسط لحساب إسرائيل، ولتأكيد هيمنتها العسكرية في المنطقة.خضوع مذل

وأوضح بتراس كيف أن اللوبي اليهودي الأميركي نجح في حشد الكونغرس للموافقة على فرض عقوبات ضد سوريا، وهم يبذلون جهدا كبيرا من أجل المواجهة العسكرية الوشيكة مع إيران.

ويعتبر المؤلف أن الاجتماع السنوي لمنظمة إيباك اليهودية الذي يحضره كبار الزعماء السياسيين الأميركيين، بالرغم من تورط المنظمة في قضية تجسس كبرى لحساب إسرائيل، هو أكبر مظهر مقزز لخضوع السياسيين الأميركيين المذل للنفوذ الصهيوني سعيا وراء تبرعات الحملات الانتخابية.

ويحاول هذا الكتاب عبر فصوله تقديم نظرة تحليلية وتوثيقية للضغوط التي تمارسها إسرائيل عبر اللوبي اليهودي الأميركي لتشكيل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.

فقد أوضح استطلاع أجراه ريتشارد كوهين لصالح صحيفة واشنطن بوست أن 60% من تمويل الديمقراطيين و35% من تمويل الجمهوريين يؤتى من هذه المؤسسة الموالية لإسرائيل، وغالبا ما يركز اللوبي اليهودي على موضوع واحد وهو التأييد المطلق لإسرائيل ومؤسساتها وسياساتها واغتصابها للأراضي ومفاهيمها العسكرية والسياسية لتحديد أعدائها.

والأمر المثير للدراسة هو أن المساعدات الأميركية لإسرائيل التي تقدر بما بين 3 و10 مليارات دولار سنويا تتعامل معها إسرائيل لتعود ثانية للوبي اليهودي الأميركي عبر التحويلات البنكية وصفقات مربحة بين متبرعي اللوبي اليهودي الأميركي والشركات والبنوك الإسرائيلية، مما يعنى أن دافعي الضرائب الأميركيين يمولون شبكة اللوبي اليهودي الأميركية لصالح قوة دولة أجنبية هي إسرائيل.

وتتم ممارسة هذا النفوذ المالي لهذا اللوبي على الأحزاب الأميركية إما بمكافأة الموالين لإسرائيل أو بمعاقبة المعارضين لها، وذلك بتمويل المرشحين المؤيدين لإسرائيل أو شن حملات قذف دعائية ضد المعارضين عبر وسائل الإعلام الصديقة لليهود.

إن هذا النفوذ المالي للوبي اليهودي لا يساعد فقط على تحقيق امتيازات خاصة لصالح بعض الأفراد، ولكن لتحقيق الأهداف الاستعمارية التوسعية لدولة إسرائيل وتفوقها الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط.

منطقة أميركية إسرائيلية

وكما يوضح واضعو الأيديولوجية الصهيونية وصانعو السياسة فإن الهدف الأكبر لها هو تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى (منطقة أميركية إسرائيلية مشتركة للازدهار الاقتصادي) وهو مشروع يرتدي قناع التبشير بنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط على متن الآلية العسكرية الأميركية.

ويكمن جذور نفوذ اللوبي اليهودي في مؤتمر( بى إيه سى) الأميركي إلى ارتفاع نسبة الأغنياء من العائلات اليهودية بين الأثرياء الأميركيين.

ووفقا لما نشرته مجلة فوربس الأميركية فإن ما بين 25% و30% من المليارديرات الأميركيين من اليهود، وإذا أضفنا إليهم مليارديرات اليهود الكنديين الذين يملكون 30% من الأصول المالية في سوق المال الكندي نستطيع أن ندرك حجم وعمق نفوذ اللوبي اليهودي الذي يملي السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط سواء في الكونغرس أو داخل الإدارة.

إن سيطرة إسرائيل على الولايات المتحدة لها عواقب وخيمة على السلم والحرب العالميين، واستقرار وزعزعة الاقتصاد العالمي ومستقبل الديمقراطية في الولايات المتحدة.

إن هدف اللوبي اليهودي الأميركي ليس مجرد الضغط على الكونغرس للحصول على مساعدات مالية في الميزانية الأميركية أو إعفاءات ضريبية استثنائية محدودة أو إصدار تشريع لتحقيق مصالح اقتصادية أو إقليمية محددة، ولكن هدفه هو ضمان التأييد الأميركي لحروب إسرائيل العدائية ضد الدول العربية سواء عام 1967 أو1973 أو 1982، والحرب الأميركية في العراق 1991 ثم عام 2003 والعمليات العسكرية ضد لبنان وفى غزة 2006 والتهديد العسكري المتواصل ضد سوريا وإيران.

وليس من قبيل المفاجأة أن أغلبية الأوروبيين يدركون أن إسرائيل تمثل التهديد الأكبر للسلام العالمي، وأن اللوبي اليهودي الأميركي يستخدم معاونيه في وسائل الإعلام لترويج الادعاءات الصاخبة واتهامات معاداة السامية الشائعة في جميع مستويات المجتمع الأوروبي مما يؤثر على الإدارة الأميركية.

وقد ظهر ذلك في استجابة واشنطن لهذا النفوذ وإكراه إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش لأوروبا على دعم موقفه المنادي بالحرب في منطقة الشرق الأوسط.

وفى نفس الوقت يبدو طغيان إسرائيل من خلال تفويضها لهذا اللوبي اليهودي في التأثير على سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، كما يتجلى في تجنب الإعلاميين والمثقفين الحديث عنه خشية التعرض للحروب الكلامية والابتزاز المؤسسي ونبذهم من جانب زملائهم الموالين لإسرائيل.

وفي مواجهة طغيان إسرائيل واللوبي الموالي لها تقع على المثقفين الأميركيين مسؤولية كشف مدى سلطة وحجم ثروة هذا اللوبي وعلاقاته بدولة إسرائيل التوسعية، وتأكيد حرية الحوار والنقد لمحور اللوبي الإسرائيلي، والاستفادة من هذه الحرية لتحديد وتنظيم سياسة خارجية ديمقراطية بعيدا عن الحروب الاستعمارية وخوض حروب بالوكالة لصالح الغير.

الحرب الخفية

ويركز الكتاب في الفصلين الأول والثاني على النفوذ الصهيوني في أميركا، ودور المسؤولين الحكوميين الموالين للوبي اليهودي في توريط الولايات المتحدة في شن حرب ضد العراق من المحافظين الجدد أمثال رمسفيلد ومرؤوسيه باول فولفتس ودوجلاس فيث وأبراهام شولسكى فى البنتاغون.

كما يتناول الفصل الثالث النزاع داخل الصفوة السياسية في الإدارة الأميركية، وبخاصة بين أتباع إسرائيل وأعضاء الجهاز الإداري التقليدي الذي بلغ ذروته في فضيحة سكوتر ليبى الذي كشف هوية عميلة لـ CIA
انتقاما من زوجها الذي فضح أكاذيب الرئيس بوش والمحافظين الجدد حول امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل كذريعة لغزو بغداد.

أما الفصل الرابع فيوضح أن النفوذ الصهيوني لا يقتصر على اللوبي اليهودي الأميركي، بل ينعكس أيضا على الصحفيين الذين يتحاشون دائما الإشارة إلى دور أتباع إسرائيل داخل الإدارة الأميركية.

وعلى سبيل المثال يوضح الفصل الخامس أنه في الوقت الذي فشل فيه الصحفي والمحقق الأميركي الشهير سيمور هيرش في كشف الصلة بين الصهيونية الإسرائيلية وشن الحرب ضد العراق، استطاع جهاز المباحث الفيدرالية الأميركي كشف ثلاثة جواسيس بين موظفي مؤتمر كبرى المنظمات اليهودية الأميركية لهم صلات بالمسؤولين الإستراتيجيين في الإدارة الأميركية وعملاء الموساد في السفارة الإسرائيلية بواشنطن.

وفى الجزء الثاني من الكتاب يعالج الفصل السادس دور التعذيب والاغتيالات وممارسات الإبادة الجماعية كعمل متكامل في خطة بناء الإمبراطورية الأميركية الإسرائيلية.

كما يناقش الفصل السابع بوجه خاص الغزو الوحشي الإسرائيلي لقطاع غزة كنموذج جلي لسياسة التطهير العرقي باستخدام إرهاب الدولة بالقصف وتدمير البنية التحتية للمدنيين الفلسطينيين، مشيرا إلى أن إفلات إسرائيل من العقاب كان عاملا مساعدا على تماديها في سياستها الإجرامية وسببا في شن هجوم الإبادة الجماعية ضد لبنان.

والفصل الثامن يبين كيف لعب اللوبي اليهودي دورا رئيسيا في تأكيد الدعم الأميركي غير المشروط لأعمال الهولوكوست الإسرائيلية ضد قطاع غزة ولبنان، كما يوضح الفصل التاسع دور وكلاء إسرائيل الأميركيين في إعداد الولايات المتحدة لشن حرب ضد إيران وعواقب ذلك الوخيمة المحتملة.

الحرب النفسية والأيديولوجية

أما الفصل العاشر المعنون (بأزمة الرسوم الكاريكاتيرية فى سياسات الشرق الأوسط ) فيناقش استخدام إسرائيل سلاح الأيديولوجيا في أزمة الرسوم الكاريكاتيرية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم كوسيلة لخلق استقطاب بين المسلمين والغرب لزيادة حدة التوتر في المنطقة، وتبرير ضرب إيران والصمت عن أعمال الإبادة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.

وفى الجزء الثالث يحلل الكاتب كيفية استخدام السلاح النفسي والأساس الأخلاقي ضد المقاومة، في الوقت الذي يحلل الفصل الحادي عشر دور إسرائيل واللوبي اليهودي من خلال (خبراء الإرهاب) الذين وضعوا خطط القتل والتعذيب ضد الفلسطينيين والإسلاميين ورجال المقاومة والشعب العربي.

كما يوضح كيف أن خبراء الإرهاب قدموا تبريرات على أساس الخبرة العلمية وانتمائهم لمؤسسات أكاديمية عريقة في تقديم أشكال من التعذيب غير الإنسانية والاعتقالات الجماعية التعسفية والعقاب الجماعي للشعوب ضد خصوم إسرائيل والاستعمار.

ويقدم الفصل الثاني عشر على النقيض من الحجج المنحازة منظورا آخر لموقف الانتحاريين حين يركز على أن التأثير السلبي للأضرار المادية والنفسية والوجودية نتيجة ممارسات القوى الاستعمارية ضد الشعوب كان السبب في إشعال العمليات "الانتحارية" في مواجهة الظلم وعدم التوازن الكبير في ميزان القوى العسكرية.

وفى الجزء الرابع نرى في الفصل الثالث عشر الحوار السياسي الدائر حول أهمية نفوذ اللوبي اليهودي في تشكيل السياسة الاستعمارية الأميركية وعلاقتها بجماعات المصالح، وتفنيد محاولة الباحث نعوم تشومسكي تقليل أهمية دور اللوبي اليهودي وتأثيره على السياسة الأميركية نقطة نقطة.

ويفند الكاتب 15 فرضية علمية خاطئة لتشومسكي توضح مغالطاته حول مدى النفوذ اللوبي اليهودي الأميركي، وتشكيله للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط.

كما يقدم رؤية نقدية للدور الشهير لأصحاب المصالح الاقتصادية في قلب عاصمة المال والنفط واشنطن بشأن تشجيعها لشن الحرب ضد العراق، وحقيقة أن إسرائيل هي المستفيد الأول من غزو العراق للتخلص من عدوها اللدود صدام حسين الذي كان عقبة أمام مشروع إقامة منطقة ازدهار أميركي إسرائيلي في الشرق الأوسط.

وأخيرا يناقش الكاتب في الفصل الرابع عشر إمكانيات مواجهة الصهيونية واستعادة حرية الحوار حول السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وكيف أن التحول من السياسة العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط إلى سياسة خارجية ديمقراطية لن تقوم لها قائمة إذا لم ينظم الرأي العام الأميركي نفسه باعتباره أغلبية ديمقراطية قادرة على مواجهة زعماء الأحزاب والكونغرس والإدارة الأميركية بالخيار التالي "إما أن يكون ولاؤكم لأميركا أو لمنظمة إيباك!".