محنة العقل العربي بين سوط الحاكم وثقافة العجائز
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 17 سنة و 9 أشهر و 17 يوماً
الإثنين 05 مارس - آذار 2007 09:11 ص

مأرب برس – خاص

استطاعت كثير من شعوب العالم الحرة والحية أن تتجاوز كثيراً من نكباتها ، وأن تلحق بركب الحضارة والتقدم والتطور والمدنية ، رغم عظم النكبة وفاجعة الكارثة ، لعلّ من أهم أسباب هذه النهضة وجود الإرادة السياسية الكافية للتغيير لديهم ، وتمتع تلك العقول بقدر من الحرية والانطلاق ، فدولة اليابان بعد قنبلتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين في 6 و9 أغسطس 1945م ، واليابان التي لا تملك أرضاً خصبة بل هي عبارة عن جزر قاحلة لا تنبت عشبا ولا تنبت كلأً ، بيد أن اليابان أص
رت على تجاوز محنتها ، بل محنها الكثيرة ، فلملمت جراحها وكفكفت دموعها ، ولم يقف الحد عند هذا ، فها نحن اليوم نرى إمبراطورية اليابان تسابق وتسبق الحضارة والتكنولوجيا الغربية والأميركية .

في بلداننا العربية الأمر عكس هذه الصورة اليابانية تماماً فلدينا أرض خصبة وأنهار ووديان وجبال من الذهب والمعادن الكريمة ، وبحار فيها اللآلئ والمرجان والمعادن الثمينة ولدينا البترول ومشتقاته ، ولدينا صحاري واسعة ، ولدينا الأموال التي فاضت بها بنوك أوربا وأمريكا حتى عجزت عن استيعابها ، حيث تقدر الأموال العربية المهاجرة بما يتراوح ب 1200 إلى 2400 مليار دولار ، إلا أن أفقر وأتعس شعوب المعمورة هي شعوبنا العربية والإسلامية ، رغم هذا المخزون الهائل من المال والثروة ، إن أمتنا لا تفتقر بإمكانياتها الهائلة والضخمة إلا إلى العقل العربي الحكيم .

 لقد أطبق الاستبداد السياسي والقهر والظلم وسياسات التجهيل على أممنا الإسلامية والعربية فباتت كالعجوز العمياء ذات الثروات والأموال الطائلة ، ولها قائد يقودها في حالك الليالي المظلمة إلا أن هذا القائد لص محترف تنقصه أدنى مقومات الأخلاق الإنسانية ، فاجتمع على هذه العجوز العمى والجهل والخرافة واللصوصية ، كذا هي الصورة التي تمر بها أمتنا اليوم.

فشعوبنا يخيم عليها الخرافة والاستبداد والجهل والتخبط والعمى ، رغم وجود كل مقومات النهضة والتطور والحضارة لديها ، إن ثمة صوراً كثيرة في أمتنا تبعث على المأساة والألم والحسرة ، لا يجد لها المرء من تفسير إلا أن يفسرها بأنها محنة العقل العربي ، وسيطرة ثقافة العجائز على أممنا وشعوبنا ، قل لي بربك كيف تنفق دول الخليج على المساحيق والزينة والألوان الكاذبة أكثر من ملياري دولار؟! ولا تنفق مليار دولار لبناء وتشييد مصنع!! ، وكيف ينفق الشعب اليمني على شجرة القات يومياً أكثر من 2.5 مليار ريال؟! وكيف ينفق بعض الأثرياء لبضع ساعات على حفلة عرس مائتا ألف ريال قطري وربما يصل في بعض الأحيان تكاليف عرس واحد إلى 500 ألف ريال ؟! وكيف يوجد في بلاد الجزيرة والخليج ملايين النساء العوانس؟! يقف استبداد وحمق وجهل وجشع أولياء أمورهن حجر عثرة أمام سعادتهن وحياتهن ، كآدميات!! وكيف تهجّر قبائل مسلمة من أوطانها وأرضها بلا ذنب ولا جريرة ، فيما يهود صعدة ينقلون بطائرة خاصة إلى العاصمة صنعاء ليحظوا بالعناية الكريمة من القصر ، فيم القصر لم ينظر نظرة رأفة ولا رحمة إلى أبناء شعبه في الجعاشن ، ولا إلى من يسميهم ب"الأخدام" الذين هم بالآلاف ، ولا إلى حوالي مليون متسول يجوبون شوارع العاصمة صنعاء ومحافظات الجمهورية ، بحثاً عن الرغيف أو الخبز غير النظيف ، ليست هذه هي محنة النظام ، بقدر ماهي محنة أمة ووطن وشعب وعقل وفكر وثقافة .

 إن الإسلام الذي أمر بحماية أهل الذمة وحفظهم والإحسان إليهم كواجب إسلامي ، أيضاً أمر بالعدالة والمساواة وضمن حد الكفاية للمسلمين الموحدين .

كم تُعدد في أوطاننا من الجمعيات النسوية والاستهلاكية والإغاثية والتربوية .. التي تعنى كثير منها بأنواع الأغذية والمطعومات والملبوسات والزينة.. ، وتلتفت بحثاً عن منظمات حقوق الإنسان المستقلة وعددها في أوطاننا فتجدها في أحسن أحوالها لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ، رغم أن أعتى المناطق في العالم هدراً لحقوق الإنسان هي المنطقة العربية للأسف ، لن تجد هذه المنظمات الحقوقية!! ، لأنه ببساطة ليس لدينا إنسان حتى يكون له حقوق بل لدينا براميل تمشي على الأرض ، هكذا هي شعوبنا في أعين نفسها وفي أعين حكامها!! .

لربما تسمع عن بعض هذه الجمعيات بين الحين والحين ، فتتذكر أننا بشر ، وأن للبشر حقوقاً ، وأن الأنظمة حماها الله تحمي الحقوق والحريات والكرامات ، لكنك تجد بعد عناء أنها جمعيات غير مستقلة مهمتها التستر على جرائم أنظمتنا العربية وعلى فسادها وعلى سجونها ومعتقلاتها وفاشقراطياتها!!، أستغفر الله العظيم إن خانني التعبير .

ليس هذا حال الأنظمة السياسية فحسب بل كذلك منظمات مجتمعنا المدني وجامعاتنا ومؤسساتنا ووسائل إعلامنا وأحزابنا ، إلا ما رحم ربي ، وقليل ما هم .

 من البدهي والطبيعي في بلداننا ألا تجد شيئاً في نظمنا الإدارية اسمه ترقية أو تحسين وضع ، وإذا مت فعليك رحمة الله ، لا لشيء إلا أنك لم ترق لسعادة معالي من في البلاط .

ليس الحال كذلك في عالم الإنسان الغربي الذي سنّ من القوانين والنظم ما حفظ به كرامة الإنسان وحريته وآدميته ، فمخاطر العمل في أوربا وأمريكا تقدر في بعض الأحيان بمئات الآلاف من الدولارات ، سوى الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي ، بينما في بلداننا المسلمة لا تتجاوز في أحسن أحوالها قولهم "عليه رحمة الله" .

إنها بحق محنة عقل وبلاء أمة ، ومصيبة فكر ، وأزمة ثقافة ، وليست محنة نظام فحسب!! .

لا يعني هذا تمجيد حضارة الغرب ولا ديمقراطيته العمياء التي أيضا لا تعرف حقا إلا للإنسان الغربي أو لكلاب الغرب وحيواناته ، لا غير ، رغم ما قدمته الحضارة الغربية للبشرية من وسائل الرفاه والحياة .

إن أمام أحزابنا السياسية الإسلامية والوطنية الأصيلة تركة ضخمة وموروثاً ثقافياً هائلاً من التحديات والصعاب يواجه مشروعها الحضاري النهضوي ، ليس فقط الأنظمة باستبدادها وديكتاتورياتها وفسادها تقف أمامه ، وليس فقط يقف أمامه الأفندم ، بل أيضاً تقف أمامه ثقافة الشيخ والمؤسسة والجامعة والشركة ، تلكم الثقافة الاستبدادية الموروثة من عصور التخلف والانحطاط والاستعمار وحضارة الغرب المادية التي أسهمت إلى حد ما فيما نحن فيه من بلاء ، ومحنة للعقل وللفكر العربي ، وأمام هذه الأحزاب مراحل طويلة من عمليات البناء والإعداد والإصلاح ليس فقط في الأمة والمجتمع والنظام ، بل الجزء الأكبر من عمليات البناء والإصلاح يجب أن يتجه داخل هذه الأحزاب ، قبل كل شيء .

والله تعالى من وراء القصد ،،

Moafa12@hotmail.com