الوزير والنواب.. وصعوبات الاختيار
بقلم/ عبده محمد الجندي
نشر منذ: 14 سنة و شهرين و 16 يوماً
الإثنين 11 أكتوبر-تشرين الأول 2010 06:47 م

كلنا يتحدث عن الاختلالات الناتجة عن الفساد المالي والإداري!! وكلنا يدرك سلفاً أن جزءاً كبيراً من هذه الاختلالات والممارسات الفاسدة ناتجة عن عدم تطبيق ماهو نافذ من المرجعيات الدستورية والمنظومات القانونية!! وكلنا يقول من الناحية النظرية المجردة إن الحل في الاحتكام لسيادة القانون ولكن إذا كان في صفنا أو إذا كان يلبي مالدينا من المصالح الأنانية المنحازة لحب(الأنا) المستجيبة للأهواء الذاتية، أما إذا أعطى الأولوية لصالح ماينسجم مع روحه من الموضوعات والمصالح الموضوعية ذات الصلة بحق الآخر فإننا سرعان ما نغير مواقفنا من النقيض إلى النقيض ونتحول في تكييف مواقفنا من الموضوعي إلى الذاتي مستخدمين مالدينا من السلطات والصلاحيات بأقصى قدر من الهيجان والشطط اللامعقول واللامقبول بأي حال من الأحوال الدستورية والقانونية.. أقول ذلك وأقصد به إننا نقبل بقدسية الدستور وسيادة القانون شكلاً وقولاً ونرفضه واقعاً وفعلاً بحكم ماتكون لدينا من الطبع الذي ولد في أجواء الوساطة والرشوة والمحسوبية الفوضوية، لأن أحدث الدراسات والأبحاث العلمية والنفسية تؤكد بأن (الطبع يغلب التطبع وأن من شب على شيء شاب عليه) من العادات والتقاليد والعلاقات التقليدية.. لأن التعامل مع الجديد والتكيف معه يحتاج إلى الوقت والجهد ويحتاج إلى ثقافة جديدة ويحتاج إلى قوة في غرس القيم والمبادىء الجديدة ويحتاج إلى الأثرة والتضحية بالذات من أجل الموضوعي من خلال العدالة والمساواة في الحق وحسن استخدام مالدينا من الطاقات والامكانيات المتاحة.

أعود فأقول إن مايتعرض له وزير الداخلية من ردود أفعال برلمانية غاضبة من قبل بعض أعضاء مجلس النواب الذين لم يحصلوا على استيعاب كلي أو جزئي لمن تقدموا من دوائرهم للإلتحاق بكلية من المتقدمين الذين وصل عددهم إلى مايقرب من عشرة آلاف طالب.

شيء طبيعي إذا علمنا أن المقبولين للعامين الدراسيين أقل من ألف طالب حتى ولو كان المسئولون عن القبول ينحدرون من الملائكة الذين لايخطئون ولايجاملون ولايرتشون ولايظلمون.. ولأنني من الذين يعرفون نزاهة وقانونية وصراحة الأخ وزير الداخلية عن قرب وعن تجربة أجد نفسي مضطراً إلى سرد عدد من الحقائق لابد لنواب الشعب من مراعاتها وهم بصدد تقديم الأسئلة حول الكيفية المنهجية التي اتبعت في اختيار من تم الاعلان عن قبولهم في كلية الشرطة لعام 2010 - 2011م من معظم الدوائر الانتخابية دون تمييز أو مجاملة مناطقية باستثناء تلك الدوائر التي لايوجد فيها طلبة متقدمون أو طلبة ناجحون فيما خضعوا له من الامتحانات البدنية والامتحانات النظرية.. أقول ذلك وأسوق للقارىء عدداً من الحقائق والاعتبارات الموجبة للمراعاة وتقدير الظروف بدلاً من التذمر والمبالغة في الشكوك الكيدية:

 لاشك أن اللجان الفنية التي أنيط بها الإشراف على امتحان اللياقة البدنية هي التي قامت بالتصفية الأولى من الذين تم استبعادهم لأسباب عدم النجاح في اللياقة البدنية أو لأسباب طبية وصحية ناتجة عن أمراض أو تشوهات خلقية أو بدنية هي التي حالت دون وصولهم إلى مقابلة الهيئة، ومعنى ذلك أن عدم القبول مسألة فنية بحتة لاعلاقة لها بالأخ وزير الداخلية ولاعلاقة لها بالهيئة التي تتكون من قيادات أمنية عليا يقوم بها فريق من المتخصصين الفنيين الذين يمتلكون الكفاءة والخبرة العملية.

إن أعضاء مجلس النواب المحرجين أمام الذين لم يحالفهم النجاح لايجدون مايبررونه به مواقفهم أمام المتقدمين من أبناء دوائرهم الانتخابية سوى استخدام مالديهم من سلطة لإستدعاء وزير الداخلية واتهامه بماليس فيه من العيوب على مرأى ومسمع من ناخبيهم المشاهدين.

 إن الأعداد الهائلة لغير المقبولين المتذمرين من قيادة الوزارة والكلية عملية طبيعية قياساً لمن تم قبولهم من القلة الراضية وهذه مشكلة نستدل منها على حجم البطالة المستشرية في أوساط الشباب من خريجي الثانوية العامة الذين لايستطيعون مواصلة الدراسة الجامعية على نفقة أسرهم ولا الانتظار الطويل للعمل بعد تخرجهم والذين يعتبرون الالتحاق بكلية الشرطة بمثابة ضرب عصفورين بحجر واحد، أي يدرسون ولكن بكلية أقرب إلى المدنية منها إلى العسكرية وعلى نفقة الدولة وفي فرصة عمل مضمونة لاتحتاج إلى الانتظار..

 إن واحداً من الأسباب التي أدت إلى كثرة المتقدمين إلى كلية الشرطة قياساً بغيرها من الكليات العسكرية المضمونة في نفقاتها وفيما توفره من فرص العمل المستقبلية.. إن وزير الداخلية مدد فترة القيد والتسجيل لمدة أسبوع قياساً بغيرها من الكليات العسكرية التي أغلقت أبوابها خلال أيام خوفاً من الكثرة وما يترتب عليها من ردود الأفعال الصاخبة والغاضبة لغير المقبولين وأصحاب الأصوات المرتفعة في الشكوى.

حينما يكون الطلب محدوداً بحدود قدرة الكلية على الاستيعاب لايمكن لمن يتحمل مسئولية القبول بالمئات أن يرضي الكثرة غير المقبولين بالآلاف.. مهما كان عادلاً وحريصاً على توفير الحد الأدنى من الفرص المتكافئة بين المتقدمين إلا أن المؤكد بأن الكثير من الذين يشعرون بالظلم سوف يلقون بالمسئولية على صاحب القرار، غير معترفين أن من تم قبولهم أفضل منهم على الإطلاق.

 إذا كان الحد الأدنى للقبول هو النجاح بنسبة 75 % فإن المؤكد أن هناك شروطاً للقبول تعود إلى قوة الشخصية واللياقة والذكاء في الاجابة على الأسئلة التي توجهها الهيئة للمتقدمين الناجحين في الامتحانات السابقة لاسيما وأن البعض من أصحاب المعدلات المتواضعة أفضل من البعض من أصحاب المعدلات العالية لأسباب يعرفها الجميع ولاتنكرها حتى قيادة وزارة التربية والتعليم.

 قد يكون الأفضل في الاجابة على الأسئلة المباشرة هو الأقل في معدله العلمي وقد يكون الأسوأ في معدله العلمي هو الأفضل في معدله الشفوي وقد يكون الأفضل في ثقافته الذاتية هو الأسوأ في لياقته البدنية وفي ضعف وقوة شخصيته الأمنية، وهكذا تختلف المفاضلة باختلاف المستويات المتباينة للمتقدمين وقد تكون مختلفة باختلاف الرؤية عند أعضاء الهيئة التي تحدد الرفض والقبول النهائي الذين لايمكنهم أن يتفقوا على الضلالة والظلم مهما أظهره من التعاطف لأسباب ذاتية وشخصية مع هذا القريب أو ذاك الصديق أو في المفاضلة بين المحافظات والمديريات على الإطلاق.

 هناك أبناء الشهداء من المتقدمين الذين لاتملك أي هيئة من هيئات القبول إلا قبولهم إذا توفرت فيهم شروط الحد الأدنى للقبول تنفيذاً لتوجيهات القيادة السياسية من باب الوفاء لما قدمه آباؤهم من التضحيات بدمائهم الزكية وأرواحهم الطاهرة من الذين قدموا حياتهم رخيصة دفاعاً عن الوطن والشعب.. رغم عدم قبول من هم أفضل منهم في معدلاتهم العلمية ولياقتهم البدنية وشخصياتهم الأمنية المناسبة.

 إن اختيار تسعمائة طالب من بين مايقرب من خمسة آلاف طالب مهمة صعبة وغير قادرة على إرضاء الأغلبية حتى ولو كان القائمون بها من الملائكة ناهيك أنهم من البشر الذين يصيبون ويخطئون في أعمالهم وتقييماتهم.. ناهيك عما تستوجبه الضرورات الأمنية والاعتبارات الاجتماعية من مراعاة تستوجب تخصيص نسبة معينة لاستيعاب البعض من أبناء كبار العاملين مع الدولة في السلكين العسكري والمدني كما هو الحال للوزراء ونواب الشعب وكبار القادة العسكريين، لاتؤثر على الاستحقاق والمنافسة المتكافئة.. ومعنى ذلك أن إطلاق الاتهامات الجزافية من قبل نواب الشعب التي تشكك في اخلاص قيادة وزارة الداخلية أو في إخلاص قيادة وزارة الدفاع عملية مؤلمة لاتخلو من الذاتية والعفوية والمجازفة المرتجلة مهما زعم أصحابها أنهم أكثر حرصاً وأكثر اخلاصاً وأكثر وطنية وأكثر حرصاً على المساواة والعدالة المطلقة من غيرهم من المسئولين الذين يعتقدون أنهم لايقلون عنهم وطنية ونزاهة وإخلاصاً لله وللوطن وللقيادة السياسية ممثلة بفخامة الأخ رئيس الجمهورية الذي ما برح يحرص على المساواة بكل ما لديه من شعور بالمسئولية على حسن الاختيار وتعميم العدالة بين أبنائه الطلاب المتقدمين لكلية الشرطة أو المتقدمين للكليات العسكرية البرية والجوية والبحرية كحرصه على تحقيق الفرص المتكافئة للقبول العادل في غيرها من الكليات والتخصصات الجامعية المتعددة والمختلفة باختلاف العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية الموجبة للاجتهاد والتنافس بين أبناء الشعب اليمني الواحد.. إن الخطأ والصواب لايمكن الفصل بينهما في عمل الجماعات وعمل الأفراد على حد سواء ومهما كان الانسان حريصاً على التصويب إلا أنه لايستطيع أن يزعم بأنه كامل لايخطئ في ما يقوم به من الأعمال وذلك ما جعل وزير الداخلية يجيب بأقصى قدر من الوضوح والشفافية والثقة بالنفس.