اليمن تحت خطر الفكر الحوثي
بقلم/ د. رائد العزاوي
نشر منذ: 14 سنة و شهرين و 17 يوماً
الأحد 10 أكتوبر-تشرين الأول 2010 06:48 م

إن المتتبع للأحداث لا يجد بالغ عناء في اكتشاف التواطؤ الإيراني ومحاولة زعزعة المنطقة ككل وليس اليمن فقط، فاليمن والعراق جزء من مخطط فارسي كبير يرتكز على تصنيع وتصدير المشاكل الطائفية ليسهل على إيران التغلغل داخل البؤر المتوترة وتمرير مشروعها التوسعي...

دخل الصراع في اليمن بين حكومته المركزية وجماعة الحوثيين عامه الخامس، خاض الطرفان فيها ست حروب ودخلت الأخيرة مرحلة خطيرة من المواجهة العسكرية في بلد يواجه تحديات حقيقية، فهناك حراك سياسي في الجنوب بدأ بمطالب حقوقية ثم تصاعد ليطالب بالانفصال، ناهيك عن الوضع الاقتصادي الذي يجعل الإنفاق العسكري والأمني لمواجهة هذه التحديات عبئا حقيقيا فما بالك بالإنفاق على مواجهة عسكرية ممتدة كتلك التي تجرى وقائعها منذ سنوات بين السلطة اليمنية والحوثيين؟

يمثل موقع اليمن الجيوسياسي نقطة جذب لصراع القوى الدولية والإقليمية، شهدنا ذلك في تاريخ اليمن المعاصر، وكيف تم تدويل صراعاتها الداخلية ابتداء من الاستقطاب العربي والدولي الذي تلا نشوب الثورة اليمنية في عام 1962 وتكرر الأمر نفسه في حرب الانفصال عام 1994 ومن ثم فلم يكن غريبا وجود الدور الخارجي في الصراع الراهن بين الحكومة المركزية والحوثيين الدور الذي تمحور تحديدا في الدور الإيراني ودخول الكتل السياسية الشيعة والحوزات الدينية في العراق والبحرين على الخط...

كذلك تردد دور خافت لقطر التي قامت بوساطة بين طرفي الصراع بدت إلى حين أنها ناجحة والتي اتهمت في بعض الكتابات بأن وساطتها كانت لمنع الحسم العسكري الذي كان سيضع نهاية لحركة الحوثيين في اليمن في محاولة لإبقاء الضغط على السعودية.

العوامل السابقة تشير إلى وجود قوى خارجية صاحبة دور في تفجير الصراع وإدامته إضافة إلى الحديث عن دعم سعودي للحكومة اليمنية لاعتبارات الأمن الوطني السعودي وعن ضغوط غربية عامة على الحكومة اليمنية للتصعيد ضد الحوثيين بسبب موقفهم المعادي لليهود وإسرائيل والولايات المتحدة.

الأزمة بين الحكومة والحوثيين: التاريخ والنشأة

انتهت دولة الإمامة ولكن بقي الفكر، حيث حكم الأئمة المنحدرون من النسب الهاشمي "السادة" اليمن لمدة ألف عام تكرست خلالها مصالح ضخمة لهم كفئة وطبقة؛ ومع مجيء النظام الجمهوري عام 1962 تم نزع الحكم منهم وتقليص نفوذهم ومصالحهم بشكل كبير جداً، مع بقاء أعداد في مفاصل الدولة تم تثبيتهم حين تمت المصالحة بين الجمهوريين والملكيين عام 1968، هذا الهامش الذي ترك للسادة تم انتزاعه منهم ليعطى للجنوبيين بعد الوحدة 1990 مما أوجد سخطا بين السادة وعزز عزمهم على العمل لاستعادة مصالحهم ونفوذهم، وكان لا بد من غطاء ديني وآخر سياسي يمهد بشكل مقبول داخليا وخارجيا لعودة النفوذ الهاشمي في اليمن.

وجدير بالذكر أن السائد الآن بين أتباع المذهب الزيدي هوالفرقة الهادوية الأقرب للسنة، وقد أحيا الحوثيون الفرقة الجارودية "نسبة إلى أبي الجارود زياد بن المنذر العبدي ت 150 هـ" وهي الأكثر تطرفا بين فرق الزيدية والأبعد عن السنة والأقرب إلى الإثني عشرية، وقد حاربها الأئمة فيما مضى واندثرت، لهذا يحصل الخلط لدى الكثير بأن الحوثيين اثني عشرية جعفرية.

الفروق بين الجارودية الزيدية والجعفرية الإثني عشرية

- الخمس.

- زواج المتعة.

- ولاية البطنين/ إمامة/ حسبة.

- الأئمة الإثني عشر.

- الإمام الغائب.

- يوم الغدير.

- موقف المرجع الزيدي بدر الدين أمير الدين الحوثي الرافض للاثني عشرية.

- مشكلة الشعار "الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود والنصارى".

ومع مجيء الثورة الإيرانية عام 1979 عاد أصحاب المشروع الجارودي على مهل، بدأ أول تحرك على يد العلامة أحمد فليتة عام 1986 بإنشاء "اتحاد الشباب" وكان ضمن ما يقوم بتدريسه مادة عن الثورة الإيرانية يدرسها محمد بدر الدين الحوثي، وفي عام 1988 تجدد النشاط على يد بعض الرموز الدينية مثل مجد الدين المؤيدي وبدر الدين الحوثي، ومع قيام الوحدة تحولت هذه الأنشطة إلى مشروع سياسي بتأسيس حزب الحق، ثم في عام 1992 قام محمد سالم العزاني بتأسيس "منتدى الشباب المؤمن" والذي انقلب عليه 1997 حسين بدر الدين الحوثي وعبد الله عيضة الرزامي وعبد الرحيم الحمران وتحويل التنظيم من المدلول الثقافي إلى السياسي "تنظيم الشباب المؤمن"، وتفرغ حسين الحوثي للتنظيم تاركا مقعده في البرلمان لأخيه يحيى الحوثي وجعل أباه بدر الدين الحوثي مرجعاً دينيا للتنظيم.

مع الوحدة برزت أحزاب سياسية تعبر عن مصالح السادة مثل أحزاب الله وحزب الحق، وحزب اتحاد القوى الشعبية، ولم تحصل جميعها سوى على مقعدين في أول انتخابات برلمانية عام 1993 ولم تحصل على أي مقعد في انتخابات 1997 و2003، في حين تعزز تمثيل الإسلاميين السنة والقوميين على حسابهم، وهذا رسخ القناعة لديهم بعدم جدوى اللعبة السياسية القائمة على الانتخابات لاستعادة الحكم، وقد تزامن هذا مع الصعود المتنامي لتنظيم الشباب المؤمن ونزوع إيران لتصدير الثورة إلى اليمن، وهذا الدعم هو ما يجعل من بين أدبيات الحوثي الثناء على الثورة الإسلامية في إيران لهدف سياسي وليس عقائدي، الأمر الذي جعل المراقبين يقولون باثني عشرية الحركة الحوثية.

التدخل الإقليمي والدولي في أزمة الحوثيين

مع وحدة 1990 سعى شريكا الحكم "المؤتمر الشعبي العام" و"الحزب الاشتراكي اليمني" لاستقطاب الأحزاب والحركات الأخرى، ولما كان حزب الإصلاح الذي يمثل الإخوان المسلمين والسلفيين حليفا للمؤتمر، تحالف الاشتراكي مع حزب الحق، عدو السلفيين، وبعد انفراد المؤتمر بالسلطة بعد انتخابات 1997 وإبعاده لحزب الإصلاح وتهميش الحزب الاشتراكي بعد حرب 1994 سعى حزب المؤتمر لدعم "تنظيم الشباب المؤمن"، نكاية في الإصلاح وحزب الحق وإضعافاً لهما، واستمر هذا الدعم حتى تثبيت النظام لتنامي قوة الحوثيين، وعندما أراد تحجيم هذه القوة الصاعدة كان الأمر قد خرج عن السيطرة، وبهذا تفجرت الحرب الأولى علم 2004.

لغز الحروب الستة

الصراع في صعدة بين الرئيس علي عبد الله صالح وعلي محسن الأحمر ومؤخرا حميد بن عبد الله الأحمر على الحكم، والحرب على صعدة تؤجل وقوع الخلاف "فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة" فاليمن محكوم من قبل ثلاث قوى أساسية: علي عبد الله صالح "الرئيس"، وعلي محسن الأحمر الذي يتبعه 43 ألف جندي من القوات المسلحة، وحميد عبد الله الأحمر المرتكز على قبيلة حاشد والتجمع اليمني للإصلاح، وقد وصل الوضع في 2003 م إلى مرحلة الصراع بين هذه القوى، بل إلى مرحلة تحالف بين الهاشميين والزيدية وبين الرئيس علي عبد الله صالح، كما صادف في تلك الفترة، تزايد المطالب الأمريكية بالتحقيق مع علي محسن الأحمر بسبب علاقته بالأطراف التي نفذت عملية تفجير المدمرة كول.

كل ذلك جعل من مصلحة علي محسن الأحمر ومن مصلحة التجمع اليمني للإصلاح البحث عن أزمة محلية تؤجل الصراع، فكانت حرب صعدة الأولى، بل حتى الحرب الأخيرة اندلعت كرد فعل لطلب الرئيس من قوات الجيش التابعة لعلي محسن الأحمر الخروج من صنعاء، واستبدالها بقوات الحرس الجمهوري، حيث يوجد الآلاف منهم ويسيطرون على مراكز سيادية في العاصمة، فما كان من علي محسن إلا أن أثار الأحداث من جديد، ثم ظهر للقوى الأساسية في اليمن أن هذه الحرب تخدمهم بطرق لم يكونوا يحسبون لها حسابا.

فمن جهة أصبحت وسيلة يستنزف فيها كل طرف الطرف الآخر، فعلي محسن الأحمر يقحم الجيش فيها ليستنزف قوات الرئيس، والرئيس يقحم علي محسن ليستنزف قواه، كما أدرك الرئيس أن أمامه فرصة لإحداث شق بين قبائل حاشد التابعة لحميد الأحمر وبين قبائل بكيل التي تضم بينها الحوثيين، فالرئيس كون جيشا شعبيا من حاشد لمحاربة الحوثيين، وبطبيعة الحال فإن على الجيش الشعبي المرور من مناطق تابعة لقبائل بكيلية، والبكيلي قد يرضى للجيش المرور من مناطقه، ولكنه يعتبر مرور الحاشدي استهانة به، وعندما يتطور الشعور بالاستهانة إلى معارك، فإنه يتحول إلى أحقاد قبلية تحول دون تحالف حاشد- بكيلي، وأدركت قوى إسلامية أن هذه المعارك فرصة لها للتزود بالسلاح وأيضاً التدريب على القتال، وقد شارك في المعارك كثير من المتطرفين، إضافة إلى هذا فإن التيارات الإسلامية بحاجة إلى وطن جديد بعد الملاحقة الشرسة التي يواجهونها في باكستان وأفغانستان، واليمن موقع ملائم باعتبار تضاريسه وتسلح شعبه، وتدينه الفطري، وثقافته الحربية.

وأخيراً المعركة فرصة لها لتوسيع نفوذها، فالحرب توجد فراغا في الحكم بسبب تراجع نفوذها الناشئ من عجزها عن السيطرة، كما أن الحرب تخلق تراجعا في النشاط الزيدي بسبب الحصار المفروض عليه، وهذان الفراغان سيتم ملؤهما من قبل هذه التيارات المتطرفة، والخلاصة أن مجموع هذه المصالح المتضادة والمتداخلة تقف بطريقة معقدة خلف استمرار الأحداث في صعده.

إغلاق الدائرة الشيعية وتهديدات الأمن القومي العربي

لقد مثل إضعاف العراق بعد عام 1990 ومن ثم غزوه عام 2003 فرصة ذهبية لتمدد النفوذ الفارسي في المنطقة العربية، كذلك استفادت إيران من أحداث 11 سبتمبر في تكريس فكرة أن الإرهاب سني وليس شيعيا، وسوقت إيران فكرة الحلف الشيعي الموالي لمصالح الغرب في منطقة الشرق الأوسط، ولا يمكن إغفال النجاح النسبي لمثل هذه الاستراتيجية، حيث ساعدت إيران الحلف الغربي لإسقاط نظام صدام حسين وجلب حلفائها من شيعة العراق لسدة الحكم، وفي نفس الوقت قامت بدعم فصائل المقاومة السنية والقاعدة لمزيد من توريط أمريكا في العراق وأفغانستان لبقاء حاجة أمريكا لمساعدة إيران على صعيد الملف النووي الذي بدوره يدعم المشروع الإقليمي الإيراني خصوصا وأن إيران تهدد بإغراق المنطقة في الفوضى في حال مهاجمة مواقعها النووية من خلال الأقليات الشيعية في دول الخليج العربية.

إن المتتبع للأحداث لا يجد بالغ عناء في اكتشاف التواطؤ الإيراني ومحاولة زعزعة المنطقة ككل وليس اليمن فقط، فاليمن والعراق جزء من مخطط فارسي كبير يرتكز على تصنيع وتصدير المشاكل الطائفية ليسهل على إيران التغلغل داخل البؤر المتوترة وتمرير مشروعها التوسعي، هذا المشروع المعلن رسميا والذي تبنته كافة الحكومات السياسية الإيرانية والذي يهدف إلى نشر التشيع الصفوي، ترصد له ميزانيات مالية ضخمة لإنجاحه وبما يحقق مساعي التوسع والهيمنة على المنطقة وإعادة المجد الفارسي.

وتحاول السياسة الإيرانية أن تنتشر حيث توجد السياسة الأمريكية بكل فاعليتها الاقتصادية والسياسية في محاولة لإفشال مخطط الحصار والمقاطعة "كما يظهر جليا في منطقة القرن الأفريقي" فهي تركز على منطقة القرن الأفريقي التي حظيت باهتمام السياسة الأمريكية باعتبارها أحد أهم المداخل في أي ترتيبات في الشرق الأوسط.

إن مشروع التمدد الإيراني جاء تنفيذاً لتوصيات المؤتمر التأسيسي لشيعة العالم في مدينة قم الإيرانية والذي أوصى بضرورة تعميم التجربة الشيعية، التي قال إنها كانت ناجحة في العراق، إلى باقي الدول العربية والإسلامية الأخرى ومنها "السعودية" و"الأردن" و"اليمن" و"الكويت" و"البحرين"، وذلك من خلال بناء قوات عسكرية غير نظامية لكافة الأحزاب والمنظمات الشيعية في العالم عن طريق إدخال مجموعة من الأفراد داخل المؤسسات العسكرية الحساسة والأجهزة الأمنية ودعمها ماليا عن طريق تخصيص ميزانية خاصة بها.

نموذج لذلك مليشيا "جيش المهدي" عقب احتلال العراق، هذه المليشيات حاولت في بادئ أمرها إظهار نفسها على أنها حركة ثقافية وجدت لمقاومة الاحتلال بالطرق السليمة، والعمل على تهيئة الساحة العراقية لظهور "المهدي الموعود"، وأنها جماعة غير موالية للنظام الإيراني، ولكن مع مرور الأيام تبين أنها مليشيا طائفية تتلقى الدعم والسلاح من نظام طهران وتنفيذ أوامره وإن مرجعيتها الدينية مستقرة في إيران والتي قررت في آخر الأمر استدعاء زعيم المليشيا "مقتدى الصدر" إلى مدينة قم لمنحه شهادة عليا "الاجتهاد" في الفقه تمنحه الحصانة من الاعتقال والمحاسبة كمرجع ديني أعلى، وتخوله في الوقت نفسه إصدار الفتاوى اللازمة للسيطرة على الطائفة، أداة إيران السياسية في المنطقة.

إن النظام الإيراني الذي أعلن ومنذ أيامه الأولى أنه يريد تصدير أفكاره العقدية ومفاهيمه الثورية إلى البلدان العربية عبر إسقاط أنظمة وحكومات هذه البلدان، لم يتراجع عن هدفه، وما زال يعمل على تحقيق هذا الهدف بكل الطرق، وقد سعى هذا النظام إلى استغلال كل الفرص وعلى رأسها التركيبة الاجتماعية "العرقية والطائفية" في العراق وبلدان الخليج العربي ولبنان وغيرها من البلدان العربية الأخرى، كوسيلة لتسلله وتحقيق مأربه.

هذا النظام، وعلى الرغم مما واجهه من مصاعب وعقبات في طريق تحقيق هدفه خلال الـ30 عاما الماضية، لم ييأس وما زال يعمل باستمرار على ابتداع طرق جديدة في ساحات جديدة آخرها الساحة اليمنية، لقد استغل النظام الإيراني حدوث فتنة "الحوثيين" وعمل على أن تكون جماعة مستنسخة من مليشيا "جيش المهدي" فتم تسليحها ودعمها لأغراض سياسية بحتة.

ولكن لماذا استنساخ جيش المهدي وليس حزب الله؟

إن الهدف من إنشاء حزب الله في لبنان من قبل إيران في عام 1982 كان لإنجاز مهام سياسية تعتمد على تنفيذ العمليات الإرهابية التي تحقق للنظام الإيراني الضغوط على البلدان العربية والدول الأجنبية التي كانت تقف مع العراق في مواجهة العدوان الإيراني، وفي نفس الوقت تقرر أن يكون أحد أهم الأدوات لتنفيذ المشروع الإيراني الاستراتيجي، وكان شعار الحزب المرفوع آنذاك هو "حزب الله الثورة الإسلامية في لبنان"، وقد بقي هذا الشعار يعلو رايات الحزب إلى ما بعد مؤتمر الطائف وإنهاء الحرب اللبنانية، التي كان حزب الله أحد أطرافها؛ ليتحول هذا الشعار بعد ذلك إلى شعار آخر هو "حزب الله المقاومة الإسلامية في لبنان"، ولكن مع الإبقاء على الهدف الأساسي الذي أنشئ من أجله الحزب، لهذا فإن مثل هذا الحزب يصعب على إيران استنساخه في اليمن طالما أن نسخه السابقة في الكويت والبحرين والمملكة العربية السعودية، قد فشلت فشلا ذريعاً، ثم إن الساحة اليمنية ليس فيها ما يعطي النظام الإيراني من المبررات التي تستوجب استنساخ "حزب الله".

أبعاد التحركات الإيرانية

هناك ضرورة للوقوف بموضوعية لتحديد وفهم أبعاد التحركات الإيرانية في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي والتي زادت في الآونة الأخيرة لإيجاد الوسيلة الأنسب للتعامل مع هذه التحركات والحؤول دون تمكين إيران من توسيع مناطق نفوذها ومصالحها في المنطقة، حيث يؤثر ذلك بالسلب على مصالح الدول القريبة من منطقة القرن الأفريقي وعلى رأسها مصر والسعودية واليمن من ناحية، ودول الخليج من ناحية أخرى.

إن التحركات الإيرانية تفرض تحديات على مصر والسعودية، وعلى دول المنطقة، حيث إن أفريقيا هي عمق استراتيجي لمصر والسعودية، وعليهما أن تواجها تحديات التحركات الإيرانية، حيث إنها لا تستهدف فقط زيادة نفوذها في القارة، ولكن التأثير على المصالح العربية في قارة أفريقيا، وخاصة ما يحدث في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، بالإضافة إلى ما تتم إثارته من اضطرابات وقلاقل تهدد استقرار دول ذات علاقة أمنية مشتركة مثل الصومال واليمن والسودان وغيرها.

تثير الأنشطة الاستخباراتية والعسكرية الإيرانية على حدود العالم العربي القلق الشديد، ولم تعد تلك الأنشطة خافية، وعلى صعيد آخر يتزايد الحضور الإيراني في المنطقة، وتتمتع بتسهيلات هامة في ميناء عصب المطل على باب المندب مع زيادة التعاون مع اريتريا، بالإضافة إلى التعاون العسكري بين طهران والخرطوم وإقامة علاقات مع بعض الأطراف المتحاربة في الصومال، ثم أخيراً دعم الحوثيين في منطقة صعدة وشمال اليمن.

إن إيران تسعى إلى فتح ممرات بحرية وبرية تسهل الوصول إلى مناطق الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما منطقة الصراع العربي- الإسرائيلي، من خلال تأمين وجود إيراني بالقرب من الممرات البحرية، خصوصا البحر الأحمر وباب المندب، وهو ما يوفر ورقة تستطيع إيران استخدامها للتعامل مع السيناريوهات المحتملة لأزمة ملفها النووي، وعلى رأسها احتمال تعرضها لضربة عسكرية سواء من جانب إسرائيل أو الولايات المتحدة أو الاثنين معا.

إن الدور الإيراني على الساحة الأفريقية، لا يتم عبر أدوات الدولة الرسمية ولا يسمح بإشراك الدولة بشكل مباشر، رغم أنه يلعب دورا في غاية الأهمية لخدمة أهداف السياسة الخارجية الإيرانية، وقد أنتج ذلك ارتباكا واضحا لدى الأوساط السياسية ودوائر صنع القرار في العديد من عواصم العالم، فالوجود الإيراني واضح في هذه المنطقة لكن بعض أدواته غير مرئية.

وهذا الدور الخفي تقوم به مؤسسات ما يسمى بالفارسية بـ"بنياد امداد امام"، أي "إمداد الإمام"، وهي مؤسسات خيرية تعمل بمعزل عن سيطرة الحكومة وتمثل كيانات اقتصادية عملاقة تناطح إمكانيات الدولة نفسها، مثل مؤسسة "المستضعفين"، و"الشهيد"، و"الإمام الرضا"، و"الخامس عشر من خرداد" وغيرها، وتمارس هذه المؤسسات أنشطة كثيرة تمتد من التجارة إلى التصنيع ونشر الدعوة الدينية- السياسية وتقديم الخدمات الاجتماعية، وهي معفاة من الضرائب وتتبع المرشد الأعلى للجمهورية مباشرة، كما أن مؤسسة "إمداد الإمام" "بنياد امداد امام" هي إحدى الأدوات التي تستخدمها إيران لتأمين وجودها في شرق أفريقيا، لا سيما لجهة دعم تأسيس مراكز شيعية في هذه المنطقة وهو دور تمارسه مؤسسة إمداد الإمام في سياق السعي إلى تصدير الثورة الإيرانية إلى الخارج.

وتحاول السياسة الإيرانية أن تنتشر حيث توجد السياسة الأمريكية بكل فاعليتها الاقتصادية والسياسية في محاولة لإفشال مخطط الحصار والمقاطعة "كما يظهر جليا في منطقة القرن الأفريقي" فهي تركز على منطقة القرن الأفريقي التي حظيت باهتمام السياسة الأمريكية باعتبارها أحد أهم المداخل في أي ترتيبات في الشرق الأوسط.

اليمن تحت نظر القيادة الإيرانية

كشفت مجلة الوطن العربي الصادرة في لندن في عددها رقم 1701 الصادر بتاريخ 7 اكتوبر 2009م عن مخطط إيراني مدروس أشرفت على إعداده ومن ثم كلفت بتنفيذه "قوات القدس" التابعة للحرس الثوري الإيراني ضمن خطة "يمن خوش هال"، أي "اليمن السعيد"، الإيرانية لتقسيم اليمن.

إن خطة "يمن خوش هال" أعد لها منذ أكثر من عام بمباركة اللواء محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الايراني وخصص لها 4 ملايين دولار، وبنيت على تأجيج النزوع الانفصالي وتعزيز الحركات الانفصالية الجنوبية، وميدانيا قامت قوات القدس بتدريب عناصر من حركات جنوبية على فنون حرب العصابات والقتال داخل المدن وزرع العبوات الناسفة والتحريض الجماهيري على الفوضى كآليات متساندة لتفكيك الدولة اليمنية.

تفاصيل "يمن خوش هال "

وعن خلفيات التطورات الأخيرة في اليمن فإن الاضطرابات التي بدأ يشهدها الجنوب- بالتزامن مع الحرب مع الحوثيين في الشمال- ليست وليدة الصدفة، فاشتعال جبهة الجنوب جزء من مخطط إيراني مدروس أشرفت على إعداده ومن ثم كلفت بتنفيذه "قوات القدس" التابعة للحرس الثوري الإيراني ضمن خطة "يمن خوش هال" "اليمن السعيد" الإيرانية لاختراق اليمن.

وتتضمن الخطة مسارين رئيسين:

الأول : شراء ولاءات قبائل الجنوب واستغلال الطبيعة القبلية للمجتمع اليمني لضمان استمرار ما يسمى "انتفاضة الجنوب".

والمسار الثانى: احتضان ودعم الحركات الانفصالية الجنوبية كالحراك الجنوبي الذي يقوده علي سالم البيض الرئيس السابق لليمن الجنوبي والذي كشفت تصريحاته الأخيرة عن دور إيراني "مقبول" في الاحتجاجات الجنوبية.

بدأ الحرس الثوري الإيراني تغلغله في اليمن علم 2004 بإنشاء مستشفى الهلال الأحمر الإيراني بصعده، وتحصُل حركة التمرد الحوثي على عوائده وتستخدمها في تمويل التمرد المسلح، وتأتي خطة "يمن خوش هال" كتحرك ميداني لتنفيذ الأهداف بعيدة المدى لمخطط إيراني يستهدف في النهاية تقسيم اليمن إلى قسم شمالي تعيد فيه حركة الحوثيين حكم "الإمامة" الشيعي، وجنوبي تحكمه حركات سياسية موالية لإيران ويكونان معا منطلقا لتمدد إيراني كبير في منطقة القرن الأفريقي ذات الأهمية الاستراتيجية.

ومع تطور الأوضاع في اليمن باتجاه فتح جبهة قتال في الجنوب فالنتائج محتملة لدخول تنظيم القاعدة على الخط بقوة بحيث تصبح اليمن تحت وطأة خطر ثلاثي: القاعدة- الحراك الجنوبي- الحوثيين، فالقاعدة ورغم ما واجهته من خسائر في معقلها الرئيسي في منطقة الحدود الباكستانية- الأفغانية تمارس نشاطاتها بصورة متزايدة في اليمن، وهو ما يثير القلق من تحول اليمن إلى ملاذ آمن للقاعدة وبخاصة أن الحكومة المركزية لا تسيطر بشكل كامل على كل أجزاء البلاد، ففي الشمال هناك تمرد متصاعد من قبل الحوثيين، وفي الجنوب هناك توترات مستمرة إلى جانب عامل مساعد مهم هو قضية تهريب الأسلحة، فاليمن الذي يبلغ عدد سكانه 22 مليون نسمة لديه ما يقرب من 60 مليون قطعة سلاح وهي تغذى بقوة غياب الاستقرار السائد في المنطقة، إذن فإن المخاطر التي تواجه اليمن هي بحسب الأوزان النسبية: المخططات الإيرانية.

ويشكل التمرد الحوثي المسلح نقطة فاصلة في انطلاقها ميدانيا والمشروعات الانفصالية في الجنوب، وهناك ما يشير إلى تلاقي مصالح بين محركيها وبين الأجندة الإيرانية، والقاعدة العائدة بقوة مستفيدة من كل التناقضات والمستعدة- على ما يبدو- للتحالف مع الأعداء الظاهرين الذين أصبحوا جميعا يتسابقون على "تمزيق اليمن".

توجد تقارير أمريكية تتحدث عن أن استراتيجية الحوثيين تهدف للحصول على موطئ قدم على ساحل البحر الأحمر يسهل على إيران توصيل امدادها لهم، ويبدو واضحا هنا تجاوز الدعم الإيراني العسكري والمادي والإعلامي المقدم للمتمردين الحوثيين في صعدة حدود حماية المذهب.

ومن يوم لآخر تتزايد شواهد وبراهين وأدلة الأصابع الإيرانية في تحريك، فتنة صعدة "أسلحة، أموال، منشورات، تدريب، اعترافات، مبادرات، ووساطات سرية وعلنية لإيقاف الحرب عند تضييق الخناق على المتمردين، دعم لوجستى وسياسي للمتمردين... الخ"، وتلقائيا تتناثر ملامح الدعم الإيراني لفتنة صعدة في أكثر من زاوية وتتكشف عراها في سلسلة أحداث وشواهد ميدانية وأحاديث مترابطة روحيا ولوجستيا بشكل يكشف بوضوح عن حقيقة المشروع الذي تحاول إيران تنفيذه في المنطقة كلها وليس في اليمن فحسب.

البحث عن الحلقة الأضعف في الجدار العربي

العالم العربي يتعامل الآن مع سياسة خارجية أمريكية هجومية، وليست دفاعية، هذه حقيقة مقررة في الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي للولايات المتحدة المعلنة من البيت الأبيض في 20 سبتمبر 2003، التي أنهت العمل بالسياسة الخارجية المتبعة طوال السنوات الخمسين السابقة، التي قامت على مبدأ الاحتواء والردع للعدوالسوفييتي، وهو مبدأ هجومي لا ينتظر أن يكون هناك خطر واضح أمامه، بل يسبق موطن هذا الخطر بالهجوم من قبل أن يتشكل، وهذا بالطبع وفق حسابات أمريكية محضة.

والسياسة الخارجية الهجومية تتجه بالضرورة نحو نقاط ضعف وثغرات، فالجدار الصلب المتماسك المبني على أساس صحي ومتين، والمشروع الأمريكي لتغيير العالم العربي مشروع هجومي، فقد ربط نفسه بالسياسة الخارجية ومصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، وقرر أن الأوضاع الداخلية في الدول العربية بدءا بالديمقراطية والمعرفة بحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية وغيرها، هي أوضاع تنتج الإحباط وتولد العنف وتصدره مهددا الأمن القومي للآخرين وبالتحديد أمن الولايات المتحدة.

وإن غياب مشروع عربي مقابل له هو الثغرة الأكبر التي اختارها هذا المشروع للتحرك نحو المنطقة، خاصة بعد أن تغيرت طبيعة خط المواجهة القديم الذي كان قائما في فترة الحرب الباردة والصراع الأمريكي- السوفييتي، ممتدا خارج حدود الدول، وانتقال خط المواجهة إلى الداخل، حيث لا تقاتل بين الجيوش إلا في حالات بعينها، وإنما التكثيف بقوة الضغوط بأنواعها: سياسية واقتصادية وإعلامية ونفسية على المواقع المطلوب التأثير عليها وتطويعها داخل كل دولة.

بداية، من المهم ألا يغمض أحد عينيه عن حقيقة صارخة في كل العالم العربي هي أي محاولة من الخارج لفرض التغيير، لكنه ليس رافضا للتغيير. وستظل تلك معضلة ينبغي فض الاشتباك حولها. فهو رافض مطالب الخارج، لأنها تعبير عن المصالح الوطنية لقوى أجنبية لها أولوياتها وحساباتها وارتباطاتها، وخضوع قرارات سياستها الخارجية لعناصر وقوى مصالح وضغوط داخلية، وهو يعيش لهفته على مطالبه هو في التغيير، لأنها المخرج الوحيد له من محنة ضعفه أمام حملات الهجوم الخارجية، بالقوة العسكرية، والاحتلال "العراق وفلسطين ". وأشكال الوصاية وآليات الاستعمار القديم، والمنفذ الذي لا بديل عنه للتخلص من حالة الجمود الاقتصادي والتراجع في امتلاك وسائل التنمية البشرية والنهضة الاقتصادية التي امتلكتها دول أكثر ضعفا وأدنى ثراء واقل حضارة وتقدما.

هذا التيار هو مرمى المشروع الزاحف من الخارج، والذي يفترض أن تتقدم إليه الدول العربية، كدول بمشروعها الذي تسد به الثغرة الكبرى، وأن تصيغ لغة تخاطب معه، وألا يكون لها خطابها ويكون له خطابه. أي أن تتقارب مفردات لغة الخطاب الرسمي مع مفردات لغة الخطاب العام السائد في الشارع العربي وتصبح تعبيرا كاملا عنه منطوقا ومضمونا، وإلا بقيت الثغرة متسعة لمن يريد اقتحام الداخل.

تتصل بهذا ظاهرة لافتة لنظر من يرصد أوضاع العالم العربي، تضعف خط المواجهة، وتحصن الثغرة. فمع طول بقاء أنظمة في الحكم "التي تجاوز بعضها الثلاثين عاما". فان الحزب الذي تمثله لم يعد يمثل تيارا محدد الملامح والسمات، يتميز عن أحزاب أخرى تمثل تيارات مختلفة ولها قضيتها المختلفة، لأن هذا الوضع يوجد "ثقافة التحزب" بمعنى الانجذاب إلى مركز الجاذبية أي الحزب الذي في يده الأمر والنهي، الذي يعطي الفرصة والمنصب والمكسب. وتلك ثقافة المنفعة المؤكدة التي لا تجذب في كل الأحوال للحزب الأكثر ولاء وصدقا، لكن الأكثر حماسا لذواتهم ومصالحهم الخاصة قبل المصلحة العامة.

ولوحظ أيضاً من رصد الوضع العربي بشكل عام أنه مع ضعف أو إضعاف بقية الأحزاب فإن كثيرين من النخبة من أصحاب القدرات المميزة، والصدق في المواقف، يفضلون الانسلاخ عن الارتباط الحزبي، حماية لرأيه المستقل بينما هم رصيد ثري وخصب معطل.

وهنا لا يعيب أي نظام أن يلجأ إلى كسر احتكار المتحزبين لمواقع التأثير وأن يوسع دائرة أدائه العام بالاستعانة بعناصر مشهود لها بالتفوق والقدرة والصدق الخاص والعام وجدية التفكير والسلوك، ليس بالضرورة أن تكون من داخل حزبه لأن هذا يمكن أن يكون طريقا للخروج من الركود العام وقفزة إلى التقدم وبعث الاكتراث والحيوية في النشاط الشعبي والجماهيري.

* كاتب وباحث في الشؤون العراقية