آخر الاخبار
أثر المؤتمرات الدولية على السيادة الوطنية
بقلم/ عبده عبدالله مكتّف
نشر منذ: 14 سنة و 9 أشهر و 4 أيام
الجمعة 19 مارس - آذار 2010 06:58 م

حتى عام 1973م والغرب في وجهته للشرق لا سيما العالم الإسلامي يطلق على تلك الدراسات والبحوث مصطلح \\\" استشراق\\\" ثم عدل عن هذا المصطلح بقرار من منظمة المؤتمرات العالمية في مؤتمرها الذي عقد في باريس عام 1973 حيث استغني عن مصطلح الاستشراق ، وألقي به في مزابل التاريخ، كما قال المستشرق لويس، فقد رأى الغرب أن هذا المصطلح ينطوي على حمولات تاريخية ودلالات سلبية وأن هذا المصطلح لم يعد يفي بوصف الباحثين المتخصصين في العالم الإسلامي، مستحدثين مصطلحا جديدا لمنظمة المؤتمرات العالمية أطلق عليه (المؤتمـرات العالمية للدراسات الإنسانية حـول آسيا وشمال أفريقيا ICHSANA) [13 ]. وعقدت المنظمة مؤتمرين تحت هذا العنوان إلى أن تم تغييره مرة ثانية إلى (المؤتمرات العالمية للدراسات الآسيوية والشمال أفريقية ICANAS ).

ورغم وجود معارضين غربيين لإلغاء هذا المصطلح إلا أن المنظمة مضت في تفعيل قرارها وعقدت عشرات مئات الفعاليات ما بين مؤتمر وندوة وورشة ... تحت المسمى الجديد، الأمر الذي يؤكد استمرار اهتمامهم بدراستنا كوحدة جغرافية وأمة واحدة لتحقيق أهداف الاستشراق\\\" المؤتمرات العالمية للدراسات الآسيوية والشمال أفريقية\\\" ومنها معرفة الإسلام بهدف محاربته وتشويهه وإبعاد النصارى عنه، بل دعوة النصارى للتنصير في العالم الإسلامي، هذا على المستوى الديني، أما على المستوى العلمي فقد رأى زعماء أوروبا \\\" أنه إذا كانت أوروبا تريد النهوض الحضاري والعلمي فعليها بالتوجه إلى بواطن العلم تدرس لغاته وآدابه وحضارته\\\"، لذلك اتجه الغرب نحو المكتبة الإسلامية فترجموا عنها، وقد ترك ذلك أثرا كبيرا في مسار حياتهم، وفتح أمامهم آفاق التحضر ، وزاد من اهتمامهم بالعالم الإسلامي، فكان العمل الاقتصادي و التجاري واحدا من الأهداف التي دفعت بهم نحو الشرق الإسلامي الذي اتضح لهم من خلال الدراسات أنه غني بالمواد الأولية التي تحرك مصانعها، ومع تزايد الإنتاج، أخو1 في البحث عن أسواق تجارية لتصريف هذا الإنتاج، فزاد اهتمامهم بالعالم الإسلامي، الأمر الذي دفع بآلاف المستشرقين لتقديم خدمات استخبارية تبيّن مكامن القوة والضعف لدى المسلمين وتحفز الغرب لاستعمار الشرق، ولم يقف تعاون الاستشراق مع حكومات الغرب عند هذا المستوى، بل أصبح هؤلاء المستشرقين بمثابة مستشارين وممثلين دبلوماسيين لبلدانهم ، بل يتلقون الدعم لإقامة جامعات ومراكز دراسات متخصصة تعنى العالم الإسلامي، ولها امتداد ثقافي ، يغلب عليه طابع التعاون مع التنصير، وذلك من أجل إحداث الاغتراب الديني والثقافي والأخلاقي للأمة ، فمن خلال المدارس الأجنبية ومراكز اللغات ومناهجها والإعلام المفتوح يغزون عقول أبنائنا وبناتنا محدثين تغييرا في سلوكهم وأسلوب حياتهم، ومن ذات الفئة يقتنصون ما يسمونهم بالنخب، مقدمين لهم المنح الدراسية في بلاد الغرب، وهي مرحلة من مراحل الغزو الفكري، وتنشئة جيل مبتور عن ماضيه وحاضر أمته، ليزرع في جسد الأمة، مشكلا نموا منفردا ، مغايرا للقيم الإسلامية، وهو ما يراه الغرب أنموذجا يجب دعمه وإحاطته بكل أنواع الدعم المادي والمعنوي حتى يكون محل اقتداء واقتدار في المجتمع، ويحتل لتعليم الجامعي والبحث العلمي، مكانة هامة لدى الغرب في تحقيق أهدافهم الاستعمارية، التي اقتضت التوسع في دراسة العالم الإسلامي، من خلال فتح آلاف الأقسام العلمية التي والمجلات ودور النشر .. التي تعنى بالشرق، وتسهم هذه الوسائل في تكوين عقلية الطالب والقارئ وفهمه وإدراكه للقضايا التي تخص الإسلام والمسلمين من خلال تشويه مفهوم الولاء والبراء، والفهم الصحيح للإسلام والاعتزاز به، مستهدفين الوحي( الكتاب والسنة) ومحاولة رد معطيات الدين الإسلامي إلى أصول يهودية ونصرانية ، والتشكيك في صحة الحديث النبوي الشريف، والبحث على الضعيف والشاذ من الروايات ، والاهتمام بالفرق والأقليات وأخبار الصراعات والبحث عن الوثنيات والتاريخ السابق لبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والخضوع للهوى والبعد عن التجرد العلمي ، وإسقاط الواقع المعاصر المعاش، على الوقائع التاريخية الضاربة في أعماق التاريخ فيفسرونها في ضوء خبراتهم ومشاعرهم الخاصة وما يعرفونه من واقع حياتهم ومجتمعاتهم\\\"، فجاء المستشرقون إلى بيعة الصديق رضي الله عنه فصوروها على أنها اغتصاب للسلطة أو تآمر بين ثلاثة من وهم بزعمهم ( أبو بكر وعمر وأبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنهم أجمعين) زاعمين أنهم تآمروا على أن يتولوا الخلافة الواحد تلو الآخر، وكما هو دأبهم في إثارة الشكوك في معطيات السنة والتاريخ، والتحريف والتزييف والادعاء، واعتماد مصادر غير موثوقة لدى المسلمين، وبذلك قدم الاستشراق خدمات كبيرة للغرب لتحقيق أهدافه، وكان لها آثارها على العالم الإسلامي، فظهر جيل أطلق عليهم الاستشراق مصطلح\\\" النخب\\\" متأثرين بالمدرسة الغربية في منادتها بفصل الدين عن الحياة، دون معرفة الأسباب التي أوصلتهم لذلك، فنشأ جيل يحاكي الغرب ويدعو لتقليده، ولا زال يتقدم في تنفيذ مخططات الأعداء حتى تجرأ على الثوابت الشرعية والاجتماعية والوطنية، فظهرت آثار هذه التبعية في تقسيم العالم الإسلامي إلى دويلات، ثم الدول إلى أحزاب ومنظمات أفرزت حكما أحاديا هدفه إرضاء الغرب، ومعارضة لا سبيل لتقدمها إلا أيضا بإرضاء الغرب ، فضلا عن الأثر الاجتماعي المباشر المتمثل في ضرب الصف الإسلامي الواحد، الذي صرف المسلمين عن أهدافهم النبيلة، بل أعادهم لعصر التقليد والجمود، وإن ادعوا التجديد والإقلاع الحضاري ، لأن من لا يستطيع أن يقلع من ذاته لا يستطيع أن يتجاوزها للآخر.

ومما شغل الأعداء به المسلمين قضية المرأة التي تعتبر قضية المؤتمرات الدولية بهدف إفساد المجتمع الإسلامي باسم التنمية والمساوة وحقوق المرأة ويرى الدكتور محمد خليفة أن موقف الاستشراق من المرأة المسلمة نابع من وقوعه \\\"تحت تـأثير وضع المرأة الغربية أنها نموذج يجب أن يحتذى به، وان ما حققته من مساواة وحقوق، في نظرهم، يجب أن يتسع ليشمل المرأة المسلمة والمرأة الشرقية العامة. …ويضيف خليفة بأن الاستشراق يسعى \\\"إلى تقويض وضع المرأة المسلمة داخل الأسرة على التمرد على النظام والخروج باسم الحرية وتصوير وضع المرأة المسلمة تصويراً مزيفاً لا يعكس الحقيقة\\\"، لكن واقع المرأة في الغرب اليوم يحكي مدى الغبن الذي وقعت فيه نتيجة التنظير البشري القاصر الذي لم يخل أيضا عن أهواء ونزعات، وهو ما لا تريد عن تكشفه المنظمات الدولية العاملة في العالم الإسلامي، فهي دائما مشغولة بدراسات اجتماعية داخلية ظاهرها الرحمة وباطنها من قبله العذاب، لأنها دراسات استخبارتية الهدف منها هو معرفة مواطن الضعف والقوة عند المسلمين ومن ثم تقديم خيارات لمراكز القرار للتعامل معها، ويقوم الاستشراق الإعلامي بدور كبير في خدمة الغرب في هذا المجال وغيره مما هو في دائرة اهتمامات الغرب فيما يخص المسلمين.

وأصبح بعض صناع القرار في بعض الدول العربية والإسلامية يتباهون بالقرارات والتشريعات التي سنوها في بلدانهم ومنها تجريم لبس الحجاب وتعدد الزوجات ومنع إقامة الشعائر الدينية، وفتح المجال على مصراعيه للخنا والزنا والسياحة الجنسية، في مهاجمة صريحة وحرب لا هوادة معها للقيم والأخلاق الإسلامية، وذلك بفضل تمكنهم من السيطرة على منابر الرأي في العـالم الإسلامي، وتوظيف مخرجات الاستشراق لأهداف استعمارية، وبذلك فالمؤتمرات الدولية هي الحقيقة مظلة استعمارية جديدة، تنازع الدول في سيادتها، والشعوب في ثوابتها الدينية، وقيمها الأخلاقية ، فباسم الشفافية المزعومة ترفع الحكومات العربية والإسلامية تقارير حقوق الإنسان لجنيف، كما تنشئ منظمات المجتمع المدني لمتابعة توصيات هذه المؤتمرات، تحت ضغوط اقتصادية باسم المنح، التي هي عتوات تفرضها الأمم المتحدة على الدول الغنية ثم تستفز بها الدول الفقيرة، لذلك نحن بحاجة اليوم لدراسة الغرب ومعرفة ما يعانيه من انفصام بين الفطرة والتشريع، ناهيك عن أزمات خانقة ألجأت المرأة في الغرب أن تبيع رحمها مقابل الصول على قوتها الضروري، الأمر الذي أضاف بورصة جديدة في عالم المال، هي بورصة الأرحام، في الوقت الذي تعاني دول الغرب من تهديد بالانقراض، نتيجة عدم الشعور بالطمأنينة نحو الإنجاب، في مقابل الحرية الجنسية التي لا حدود لها سوى الرغبة والرضا أو عدمها.

كما أن الجو الأسري في الغرب يكاد مفقودا، ولا مكان للأسرة الحقيقية في الغرب، وهو تهديد مباشر للحضارة الغربية جعلها تحاول صرف الأنظار بممارسة سياسات تناهض بها التشريعات و القيم الإسلامية التي أثبتت قدرتها على تأطير المسلمين في بوتقة واحدة، رغم ما يقوم به عملاءهم من سياسات قذرة في أوساط المسلمين لتكريس التبعية للغرب، وهو ما يلاقي مناهضة قوية من المجتمعات الإسلامية، بدافع العقيدة والإيمان والاعتزاز بالحق ونصرته، مسارعة في رضا الله شعارهم دائما :\\\" وعجلت إليك ربي لترضى\\\".