نجاد عندما يستنجد بالأسد
بقلم/ عبد الباري عطوان
نشر منذ: 14 سنة و 10 أشهر و 6 أيام
الأحد 14 فبراير-شباط 2010 05:45 م

ربما يكون اعلان السيد احمدي نجاد بلاده 'أمة نووية' هو أهم ما ورد في خطابه الجماهيري الذي القاه يوم امس الاول بمناسبة مرور الذكرى الحادية والثلاثين للثورة الايرانية، حيث كشف عن قدرات بلاده لتخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد ربما يكون اعلان السيد احمدي نجاد بلاده 'أمة نووية' هو أهم ما ورد في خطابه الجماهيري الذي القاه يوم امس الاول بمناسبة مرور الذكرى الحادية والثلاثين للثورة الايرانية، حيث كشف عن قدرات بلاده لتخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد عن الثمانين في المئة، مما يكشف عن الهدف الحقيقي لبرامجها النووية النشطة، اي انتاج رؤوس حربية نووية.

لكن مطالبته الرئيس السوري بشار الاسد بأنه يجب التصدي لاسرائيل، والقضاء عليها، اذا شنت هجوماً في المنطقة (ضد ايران) في اتصال هاتفي اجراه معه، هو التطور الاخطر والأهم في رأينا، خاصة ان هذه المطالبة تزامنت مع تصاعد الاستعدادات للحرب، ورصد عبور سفن وغواصات اسرائيلية نووية مضيق باب المندب وتوجهها الى منطقة الخليج العربي للانضمام الى الاسطول الخامس الامريكي.

الرئيس الايراني في المكالمة نفسها قال 'لدينا معلومات يُعتمد عليها بأن النظام الصهيوني يبحث عن طريقة لتعويض هزائمه المخزية على يد ابناء غزة وحزب الله اللبناني.. فإذا كرر هذا النظام اخطاءه وبدأ عملية عسكرية، فيجب التصدي له بكل قوة لوضع نهاية له الى الابد'.

لا نعرف ماذا كان جواب الرئيس الاسد على طلبات نظيره وحليفة الايراني، ولكن ما نعرفه، ومن خلال تصريحات وزير خارجيته السيد وليد المعلم، انه بات يشعر بقرب حدوث الانفجار، فقد وصف الاخير اسرائيل بـ'الازعر' الذي يتصرف بشكل اهوج في المنطقة، وحذرها من مغبة اي هجوم تشنه على بلاده، لما يعنيه ذلك من إشعال فتيل حرب شاملة ستكون المدن الاسرائيلية، فيها مستهدفة.

من الواضح ان الجهود العربية والامريكية، بل والاسرائيلية التي بُذلت طوال العامين الماضيين لفك التحالف الاستراتيجي بين سورية وايران من خلال استخدام ورقة هضبة الجولان كطعم قد توقفت، او بالاحرى تجمدت، وتحول الوسيط التركي راعي المفاوضات غير المباشرة بين الطرفين السوري والاسرائيلي الى عدو شرس للاسرائيليين والمدافع الاقوى عن الشعب الفلسطيني والمحاصرين من ابنائه في قطاع غزة.

الاسرائيليون يقرعون الآن طبول الحرب بقوة ضد سورية وايران معاً، ولم تكن تهديدات افيغدور ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلي التي هدد فيها باسقاط 'نظام الاسد وعائلته' في سورية زلة لسان، كما ان تصريحات سارة بيلين مرشحة الحزب الجمهوري السابقة للرئاسة الامريكية عن تأييدها لضرب ايران لم تكن ايضا مجرد صدفة عابرة، فقد كشفت استطلاعات الرأي ان 71' من الجمهوريين، و66' من المستقلين، و51' من الديمقراطيين يؤيدون موقفها هذا.

' ' '

تقارير صحافية غير مؤكدة تتحدث عن حدوث نزوح اسرائيلي في المستوطنات الشمالية المحاذية للبنان نحو الجنوب، تخوفاً من ضربات صاروخية، وكشفت صحف اسرائيلية عن اصابة طفلين كانا يتزلجان على الجليد في هضبة الجولان الاسبوع الماضي بجروح خطيرة، من جراء انفجار لغمين في المنطقة قرب الحدود السورية، وعندما جرى الاستفسار عن هذه الالغام قال بيان لوزارة الدفاع الاسرائيلية انها الغام حديثة جرى زرعها لمنع اي هجوم سوري متوقع.

هناك نظريتان تجاه كيفية تصرف الحكومة السورية في حال حدوث هجوم اسرائيلي منفرد، او اسرائيلي امريكي مشترك ضد ايران:

الاولى: ان الحكومة السورية، بما هو معروف عنها من دهاء، لن تحرك ساكناً، وستفضل التريث، تماماً مثلما حدث اثناء العدوان الاسرائيلي على لبنان اثناء حرب تموز (يوليو) عام 2006.

الثانية: تؤكد ان هناك اتفاقاً يحتم على سورية الاشتراك في الحرب، واطلاق عشرات الآلاف من الصواريخ المتراكمة في ترسانتها باتجاه المدن والاهداف الاسرائيلية، بما في ذلك الصواريخ التي تحمل رؤوساً كيماوية وبيولوجية، وهذا ما يفسر اقدام اسرائيل على توزيع الاقنعة على مواطنيها.

من الصعب الانحياز الى خيار دون آخر، لكن ما نعرفه ان الاحتمال الثاني ربما يكون الاكثر ترجيحاً، لان الحرب المقبلة اذا اندلعت قد تكون الاخيرة فعلاً، من حيث تغيير وجه المنطقة جذرياً، تماماً مثلما فعلت الحرب العالمية الثانية، انظمة تمحى بالكامل عن الخريطة، واخرى جديدة تحل مكانها، ولعل اسرائيل ستكون الدولة الاكثر تأثراً، ولن يكون مستبعداً ان يواجه احتلالها مصيراً مشابها لمصير النظام النازي الالماني، فقد كان مصدر جميع المشاكل والتوتر والحروب في اوروبا، وهو كذلك في منطقة الشرق الاوسط.

الادارة الامريكية الحالية قد تمهد للحرب الجديدة بحصار خانق ضد ايران لاستفزازها وابتزازها في الوقت نفسه، فهي تريد أمرين اساسيين من ايران: الاول حدوث تغيير سياسي داخلي، والثاني وقف البرنامج النووي، وبالاحرى تخصيب اليورانيوم.

التغيير السياسي لن يحدث قريباً، فالمعارضة التي عوّل عليها الغرب كثيراً جرى سحقها واحتواؤها، واحمدي نجاد صعّد من طموحاته النووية وكشف عن انجاز اول كمية من اليورانيوم المخصب بعشرين درجة.

' ' '

الضغوط تنصبّ حالياً على الصين لعدم عرقلة قرار دولي في مجلس الامن لفرض الحصار، وهذه الضغوط تستخدم فيها سياسة العصا والجزرة، العصا من خلال تسليح تايوان، وتهديدات اقتصادية، والجزرة تتمثل في جولة السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية الى كل من قطر والمملكة العربية السعودية (والتي كانت مقررة الاثنين) لاقناع البلدين ببيع غاز ونفط بأسعار مخفضة لبكين، لتعويضها عن اي خسائر يمكن ان تلحق بها من جراء فرض اي عقوبات على طهران.

طموحات الصين في ايران ليست اقتصادية فقط، وانما استراتيجية ايضاً، صحيح ان استثماراتها وعقودها مع طهران تزيد عن تسعين مليار دولار، نسبة كبيرة منها في قطاعات النفط والغاز، ولكنها تتطلع الى دور سياسي وموطئ قدم في منطقة الخليج، حيث ثلثا احتياطات النفط في العالم.

في الماضي كانت الصين تصوت مثل موسكو في مجلس الامن، فإذا اعترضت اعترضت، واذا امتنعت امتنعت. الآن تغيرت الصورة، فموسكو تؤيد الحصار على ايران، الامر الذي جعل الصين في موقع قوي للمساومة، ولكن من الصعب التنبؤ بخطوتها القادمة. وهناك حكمة صينية تقول 'عندما لا يكون لك كلب في الصراع عليك باللامبالاة'، ولكن هناك كلاب كثيرة للصين في صراعات المنطقة والعالم حالياً، الامر الذي قد يجعلها تتصرف في المسألة الايرانية بطريقة مختلفة عن تعاملها مع المسألة العراقية.

اذا كانت الحرب حتمية مثلما يعتقد كثيرون فإن السؤال هو كيفية اشعال فتيلها. وهناك عدة احتمالات في هذا الصدد:

الاول: ان تفتعل اسرائيل او امريكا، او الاثنتان، ذريعة تبرر استخدام القوة، فقد فكرت ادارة بوش بطلاء طائرة امريكية بلون الامم المتحدة وعلمها واطلاقها فوق بغداد لاستفزاز نظام صدام حسين ودفعه لاسقاطها في ذروة ازمة المفتشين، بعد ان تم التيقن من عدم وجود اسلحة الدمار الشامل، وكشفت الوثائق الامريكية عن هذه الحقيقة بجلاء

الثاني: ان تلجأ ايران للرد على اي حصار خانق بالاقدام على ضربة استباقية ضد اسرائيل من خلال الايعاز لحزب الله باطلاق صواريخ على المستوطنات الشمالية.

الثالث: ان تستخدم اسرائيل عنصري المفاجأة والتوريط، اي ترسل طائراتها لضرب المنشآت النووية الايرانية لجر الغرب الى حرب شاملة في المنطقة.

المنطقة العربية تشهد صمتاً مميتاً على صعيد تحركات السلام، وحراكا غير عادي على صعيد الحشود العسكرية والمناورات البحرية في مياه الخليج العربي الدافئة، ونحن الآن امام مرحلة قديمة متجددة من الاصطفاف والتحالفات، مماثلة لتلك التي سبقت الحرب على العراق في آذار/مارس عام 2003.

ومن المفارقة ان هناك من يتحدث عن جدول زمني عمره ستة أشهر، وهي الفترة نفسها التي يقال انها تكفي لانتاج ايران اسلحة نووية.