التمرد الحوثي من الشباب المؤمن حتى مشروع الدويلة! (الأخيرة)
بقلم/ نصر طه مصطفى
نشر منذ: 15 سنة و أسبوعين و 6 أيام
الثلاثاء 01 ديسمبر-كانون الأول 2009 03:21 م

منذ أعلن الرئيس علي عبد الله صالح وقف الحرب الخامسة مع المتمردين الحوثيين في 17 تموز (يوليو) 2008م والحكومة اليمنية تبدي حسن النوايا والجدية التامة في إرساء السلام بمحافظة صعدة، فالرئيس صالح أكد عند إعلانه وقف الحرب أنها لن تعود وكانت تلك رسالة حسن نوايا للحوثيين بأن الدولة جادة وأن عليهم بالمقابل إبداء نفس القدر من الجدية... وعلى الفور أقرت الحكومة اعتماد عشرة مليارات ريال (خمسين مليون دولار) لإعادة إعمار صعدة وتعويض المتضررين، فيما شكل الرئيس صالح لجنة رئاسية تضم ممثلين عن الدولة والمتمردين بغرض إرساء أسس السلام وفقا لما نصت عليه اتفاقية الدوحة التي تضمنت نزول الحوثيين من الجبال وتسليم أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة وإعادة كل المنهوبات الخاصة والعامة وعدم التدخل في شؤون المديريات مقابل إعطائهم الأمان وإطلاق سجنائهم وإتاحة المجال لهم لإنشاء حزب سياسي إن أرادوا ذلك... وطوال عام من التفاوض كان المتمردون يضعون الشروط التعجيزية تلو الأخرى وكانت المفاجأة أن الرئيس صالح كان يوجه بتنفيذ بعضها، ذلك أنه كان يهدف إلى عدم توفير أي ذرائع لهم للمماطلة من ناحية وفضح تعنتهم وعدم جديتهم أمام الرأي العام من ناحية أخرى، وخلال العام الذي جرى خلاله وقف الحرب أعادت الحكومة الإعمار في عدد من مديريات المحافظة فيما كان المتمردون يماطلون في الانسحاب من مواقعهم العسكرية إلا في النادر بغرض التمويه، وفي الوقت ذاته كانوا يعيدون ترتيب أوضاعهم الميدانية وتوزيع عناصرهم والاستعداد لحرب جديدة عبر نشر كم هائل من الألغام التي يقومون بتصنيعها بخبرة مكتسبة من أحد الأحزاب السياسية العربية، كما كانوا يقومون بشراء كميات كبيرة من المواد الغذائية والمشتقات النفطية توجسا لأي حصار محتمل يمكن أن يتعرضوا له... والأخطر من ذلك كله أن أجهزة استخبارية رصدت قيامهم بشراء أراض شاسعة في مديرية (ميدي) المطلة على البحر الأحمر استعدادا لليوم الذي يعلنون فيه دويلتهم المرتقبة الممتدة على كامل مساحة محافظة صعدة وبعض مديريات محافظة الجوف (جنوب شرق صعدة) وبعض مديريات محافظة عمران (جنوب صعدة) وبعض مديريات محافظة حجة ومنها ميناء ميدي (جنوب غرب صعدة).

وأمام كل هذه الاستعدادات المرصودة من أجهزة الأمن وبعد أن شرعوا في الشهرين الأخيرين السابقين لاندلاع الحرب السادسة بالاعتداءات على المواطنين غير الموالين لهم والقيادات المحلية والعسكرية والأمنية، لم يكن أمام الحكومة من خيار سوى الترتيب والإعداد لمعركة حاسمة تقضي نهائيا على الفتنة مهما كانت فداحة الخسائر المتوقعة، فقد ثبت للرأي العام اليمني بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الفئة المتمردة غير جادة مطلقا في السلام وأنها ماضية في تنفيذ مشروعها السياسي المرتكز على إقامة دويلة أو إمارة أيا ما كانت التسمية في محاولة لاستنساخ تاريخ الإمامة في اليمن التي كانت مشاريعها السياسية تنطلق من ذات المكان... فالذي يدافع عن نفسه – بحسب دعاواهم – لا يمكنه أن يتوسع في الاستيلاء على الأرض وانتهاك سيادة الدولة، وهذا ما أدركه المواطنون اليمنيون الذين التفوا حول قيادة الدولة والجيش في المعركة الجديدة التي اندلعت في 11 آب (أغسطس) الماضي بشكل لم يحدث طوال المواجهات السابقة التي كان يشوب موقفهم تجاهها كثير من الشكوك حول جدية الدولة في الحسم وحول مدى مظلومية المتمردين، لكنهم عندما رأوا تمدد المواجهات خلال الحرب الخامسة إلى مديرية (بني حشيش) التي تبعد عن العاصمة صنعاء نحو 50 كيلومترا أدركوا أن استمرار تمرد هذه الجماعة بفكرها الديني العنصري المتطرف أصبح يشكل خطرا ماحقا على استقرار البلد كله، ولذلك ما إن اندلعت الحرب السادسة حتى كان المواطنون في جميع أنحاء البلاد وبالذات في محافظة صعدة يضعون أيديهم على قلوبهم من الخوف خشية اتخاذ الحكومة قرارا بوقف الحرب قبل إنهاء التمرد وإخماده بشكل كامل... ويبدو أن استراتيجية الرئيس علي عبد الله صالح في التعامل مع المتمردين خلال العام الذي توقفت فيه المواجهات كانت ناجحة بكل المقاييس من حيث فضح مخططاتهم ونواياهم وتهيئة الرأي العام لمواجهة أخيرة معهم حتى وإن طالت، وهذا ما حدث بالفعل حيث يمكن القول هذه المرة إن ورقة التمرد الحوثي قد احترقت بالفعل. ومع بدء المواجهات في آب (أغسطس) الماضي كان جميع المراقبين يدركون أنها ستكون مواجهة طويلة لكنها حاسمة بالتأكيد، خاصة وقد سبق للرئيس صالح نفسه إخماد تمرد يساري مسلح في سنوات حكمه الأولى بقوة السلاح بعد أن كانت المفاوضات تصل دوما لطريق مسدود، ومنذ البداية اتضح أن الجيش أعد تكتيكات جديدة في مواجهة حرب العصابات الحوثية، لكنه وقد فوجئ بالكم الهائل للألغام التي زرعها المتمردون على طريق حرف سفيان – صعدة وغيرها من المناطق لإعاقة تقدمه رهانا منهم على أنه لن يصمد في حرب طويلة، ازداد تصميمه على خوض المعركة حتى إخماد التمرد واستعادة السيطرة على المديريات التي استولوا عليها... وفي ظل استمرار المواجهات العنيفة فوجئ الرأي العام اليمني والعربي والدولي بالهجمات المفاجئة التي شنها الحوثيون على أراضي المملكة العربية السعودية في محاولة واضحة لأقلمة الحرب واستثارة أي قدر من التعاطف المحلي معهم، إلا أنهم في الوقت ذاته كشفوا بالفعل عن أبعاد التدخل والمخطط الإيراني لإشعال المنطقة في حال فشل مخطط إنشاء الدويلة الحوثية... والحقيقة أن هجمات المتمردين على الأراضي السعودية لم تثر أي تعاطف محلي معهم، بل إنها أشاعت مزيدا من القلق لدى الرأي العام اليمني الذي أدرك مجددا أن إخماد فتنتهم أصبح ضرورة لا بد منها لا يمكن التراجع عنها، فاليمنيون يدركون اليوم أهمية علاقات بلادهم مع المملكة ليس فقط لاستقرار المنطقة بل لازدهار البلدين وإخراج اليمن من أزمته الاقتصادية، خاصة بعد طيهما ملف مشكلة الحدود باتفاقية منصفة لكليهما في حزيران (يونيو) 2000م، ولذلك أدركوا بسهولة انتهازية هدف الحوثيين من إقحام المملكة في المواجهات المسلحة... ومن جانبها أدركت قيادة المملكة حقيقة الهدف الذي يتجاوز الحجم السياسي للحوثيين إلى حجم سياسي أكبر يمتد إلى طهران التي فقدت أعصابها في الآونة الأخيرة وأخذت تطلق تصريحات مؤيدة بوضوح للتمرد الحوثي رغم أنها حرصت على التحفظ طوال الفترات السابقة، وبناء على ذلك حرصت المملكة على أن تقتصر إجراءاتها الأمنية والعسكرية في إطار الردع والحيلولة دون أي تسلل للمتمردين إلى أراضيها.

مهما طالت المعركة فإنها ستنتهي باستعادة الحكومة اليمنية سيادتها على الأرض التي استولى عليها المتمردون الحوثيون ليقيموا عليها مشروعهم الصغير ويستعيدوا بها أحلامهم الضائعة ويحيوا عليها أفكارهم العنصرية المريضة التي تجاوزها الزمن ويجعلوا منها امتدادا للإمبراطورية الإيرانية... وإذا كانت هذه هي خلاصة أهداف مشروع التمرد الحوثي فإن الوعي بها ومواجهتها لا يمكن أن ينتهي بالنصر العسكري في أرض المعركة، بل يجب أن يستمر بالمعالجات المسؤولة فكريا وثقافيا وتعليميا واقتصاديا وتنمويا، ذلك أن معظم الشباب الذين يقاتلون في صفوف التمرد إما ناقصي التعليم وإما يعانون البطالة أو يعيشون حالة تجهيل كاملة بعيدا عن العصر، وهذه الأسباب وغيرها تجعل مسؤولية الحكومة اليمنية في اجتثاثها كبيرة بعد انتهاء الحرب لكنها مسؤولية يجب أن تجد كل الدعم من أشقاء اليمن في دول مجلس التعاون الخليجي تحديدا، فهذه الأسباب هي نفسها مع فوارق بسيطة التي يشعل بها الانفصاليون في جنوب اليمن وقود الأزمة التي يحيكونها منذ أكثر من ثلاث سنوات في تلك المحافظات بغرض إعادة تمزيق اليمن وتفتيت وحدته الوطنية، وهو في النهاية الهدف نفسه الذي يسعى إليه الحوثيون.

*نقلاً عن الاقتصادرية