بطاقتنا الشخصية
بقلم/ د.عائض القرني
نشر منذ: 15 سنة و 5 أشهر و 4 أيام
الجمعة 17 يوليو-تموز 2009 08:51 ص

شرفنا الوحيد الذي عرفنا به العالم هو رسالة الإسلام الخالدة، فلم نُعرف في العالم ببطاقة شخصية تعرفنا، إلا بالإسلام، ليس لنا هوية ولا ريادة ولا سيادة ولا قيادة إلا بالإسلام، ليس لنا تميز بين أمم الأرض ولا خصوصية ولا رفعة ولا علو إلا بالإسلام «ولاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ»، العالم لا ينتظر منا أن نقدم له عبقريات في الآداب والفنون والعلوم، فقد سبقنا العالم في هذا بمراحل، وأنجزنا في هذا الحقل إنجازات تبهر العقول، وتخلب الألباب، فهل نأتي إليه ونحن بدائيون في هذا الباب باكتشافات أصبحت عنده قديمة؟.. والعالم لا ينتظر منا صناعات متطورة ولا اختراعات متفوقة في عالم الطب والهندسة والتكنولوجيا، فهيهات. لقد أبدع سوانا أيما إبداع في هذه الاختراعات، واخترق الفضاء، ووصل إلى عطارد والمريخ وأنتج القنبلة النووية وتفنن في الاستيلاء على ثروات المعمورة وخيارات الأرض، والعالم لا ينتظر منا فلسفات مذهبية أرضية ولا نظريات اجتماعية ولا مناهج قوميّة بشرية؛ فها هي مناهج الغرب والشرق وفلسفاته ونظرياته تملأ الكون، فينال عليها عباقرتهم أعلى الجوائز العالمية. العالم ينتظر منا شيئا واحدا امتزنا به واختصنا الله به وشرفنا ورحمنا به وامتنَّ علينا به «لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِّنْ أَنفسهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ»، وليس لنا إلا هذه البطاقة بين أمم الأرض؛ بطاقة الإسلام، فإما أن نحملها ونتشرف بالدعوة إليها فيعرفنا الناس ويحترمنا البشر ويكرمنا العالم كما عرف أسلافنا واحترمهم وأكرمهم؛ لأنهم حملوا بطاقة لا إله إلا الله، وإما أن ننبذها ونطرحها ونهملها ونبحث عن بطاقة أخرى غير الإسلام فلا يعترف بنا أحد ولا يكرمنا بشر ولا يحتفي بنا أناس. ماذا نقدم للعالم إذا لم نقدم لهم رسالة الإسلام؟.. هل نقدم لهم طرحا سياسيا ونحن في عالم السياسة مبتدئون فقراء أميّون؟.. هل نقدم لهم نظرية فلسفية ونحن لا نملك قدرتهم في الفلسفة ولا مستواهم في هذا الفن فهم أساتذته ورواده؟.. هل نقدم لهم دراسة جديدة في الآداب والفنون والعلوم وقد سبقونا بمئات السنوات واستعمروا بها أكثر بلاد المسلمين وصاروا فيها آية للسائلين وقبلة للباحثين؟.. هل نقدم لهم اختراعات واكتشافات في علم الطب والهندسة والطيران والبحار وعلم التربة والفضاء وهم مضرب المثل في هذه الأبواب، بل هم أبطال هذا الميدان ونجومه ونحن بالنسبة لهم كطالب صغير في الصف الأول الابتدائي يجلس مع أستاذ كبير عبقري فريد؟.. هل نقدم لهم روايات شرقية تُبنى على الخيال وتُنسج من عالم المغامرات والأهوال، وهم الذين كتبوا روايات خدرت العقل وأصابت من قرأها بذهول وسكر لروعة الحبكة وإبداع الطرح والأخذ بمجامع النفوس؟. إذاً فماذا نقدم لهم؟.. ما هو الشيء الذي تميزنا به وأصبح علامة فارقة لنا وأصبح بطاقة شخصية يعرفنا بها البشر؟.. ما هو الشيء الذي هو عندنا وليس عندهم؟.. نجده نحن ويفقدونه، ننعم به وهم ما عرفوه وما ذاقوه، وهم يبحثونه عندنا ويسألوننا عنه وينتظرون منا أن ندلّهم عليه ونهديهم إليه؟ ومن بساطتنا وسذاجتنا أننا أحيانا نريد أن نحدثهم عن ثقافتهم وعبقرياتهم واختراعاتهم ونذكر أسماء علمائهم ورموزهم لنظهر أننا مثقفون مطلعون عارفون، فيقابلوننا بابتسامات صفراء ساخرة بأنهم أعرف منا بهذه الفنون وهذه المصطلحات وهذه الأسماء ولسان حالهم يقول: «هَـذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا»، بل قال لنا بعض الدكاترة والأساتذة من العرب والمسلمين الذين يدرسون في الغرب: لا تحدثونا كعلماء دين ودعاة للإسلام عمّا سبقنا إليه الغرب من علوم مادية واكتشافات هائلة وإعجاز علمي وطب وتكنولوجيا وروايات وآداب، ولكن حدثوا العالم عن هذا الكنز الثمين الغالي، عن هذا التفرد والتميز الذي شرّفنا الله به، قال تعالى: «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ» أي: شرف لك ولمن اتبعك، فيا علماء الإسلام ويا دعاة الإسلام: بالإسلام فقط نُعرف في العالم، وبه وحده نُكرّم ونُحترم ونُقدر، وبدونه فنحن كسائر البشر ممن يعيش التخلف الصناعي والعلمي والتكنولوجي والسياسي والاقتصادي