إهدائيةٌ نثريةٌ إلى الكابتن عبدالعزيز القاضي (2)
بقلم/ د.عبدالمنعم الشيباني
نشر منذ: 16 سنة و 6 أشهر و 16 يوماً
الثلاثاء 10 يونيو-حزيران 2008 04:41 م

معك مرةً أخرى ياعبدالعزيز القاضي ياعقل الكرة اليمنية في عقود الذهب ثم انظر كيف تبدل الحال ولم يعد للكرةِ ذهباً ولا فضةً لأن الجيل الكروي الفريد وأنتم روادهُ أنَّى له أن يعود ثم هيهات ياشيخ الكرة اليمنية أن يدرك الجهال الجمال والمثال، ومن رموز الخيبة والهزيمة والفشل هذه المعاني، بعد أن أفسدهم الفساد وأتى على بنيانهم من القواعد.

لابد لي قبل أن أخوض في النثريةِ الإهدائية مرة أخرى أن أشكر ومن غير حدود الفيلسوف الجميل والأديب الشاعر صديقي (شاهر الله يرزقه) الذي استوعب بحسه وتفاعلاته النبيلة من نوعٍ خاص حديث الأمجاد بدقائق تفاصيلها وأسرارها ثم أشكره نبهني إلى دقة الفترة الكروية للكابتن عبدالعزيز القاضي (من 1971 إلى 1987) وكنت والله قد كتبت عبارةً بين قوسين تقول (أرجو من المراقبين تصحيح الفترة الزمنية) ثم أسقطت العبارة عند الطباعة ومع ذلك كانت مقاربةً للفترة أنقصتُ سنةً أو سنتين. ثم لا يفوتني أن أشكر وضاح علي سعيد من عدن مراقب ومشجع كبير يتحفنا في كل مرة بمداخلاته القيمة عن الكرةِ العدنية وعمالقتها وأعدهُ إن شاء الله في الحلقة القادمة بنجمٍ كرويٍ عدني يذكر بالأمجاد، ثم هذه تحية إلى عبدالهادي ناجي علي القلم الشريف والفكر النظيف في الوسط الرياضي الذي تفاعل واسعاً مع ما كتبناه ونكتبه عن الرياضة.

أعود إلى الكابتن القاضي فأقول كنت أيها الكابتن الجميل المحور الكروي في منطقة (السنتر) تدور من حولك سائر المراكز الأخرى، تتحكم أنت بمصائر حركتها في الملعب تحكم القائد العادل في تعامله مع أعضاء فريقه من جهة وطموحه الشريف نحو تحقيق نتيجة المبارآة ضد الفريق الأخر بروحٍ متواضعةٍ نبيلةٍ مع سبق إصرار للفوز. دعني أتذكر واقعةً كروية هيهات أن تغزب عن ذاكرتي. كانت المبارآة حاسمةً بالنسبةِ لأهلي تعز فإما أن يفوز أما شعب إب (العنيد) وإما الهبوط إلى الدرجة الثانية وكانت المبارآة في ملعب الشهداء بتعز للموسم الكروي 1981 أو 82 (أرجو تصحيحاً من المراقبين) وكانت من أقوى المبارآت في تاريخ الكرة اليمنية الذهبية عرضاً وإثارةً ونديةً استنفر لها (العنيد) كل طاقاته ونجومه بقيادة (الحمَّامي) و (الصباحي) من عمالقة الكرة اليمنية المعاصرين للقاضي في الفترة الذهبية، مدعوماً بجمهور عرمرم (جمهور العنيد) الذي لايفارق النادي في حله وترحاله، الجمهور الأكثر عناداً وشغباً وتعصباً وحماسةً وحلاوةً وإثارةً. ولعب أهلي تعز مبارآةً كبيرةً قادها عبدالعزيز القاضي جنباً إلى جنب مع تلميذه (أحمد غنمة) الذي أكد في تلك المبارآة- أي الغنمة -أنه تلميذ القاضي وخليفته في الملعب. وخسِر أهلي تعز نتيجة المبارآة 1-3 وسط ذهول الجمهور الأهلاوي والتعزاوي فقد ابتسم الحظ للثعلب الماكر الحبيشي وأطاح بآمال الأهلي في تلك المبارآة، واستحيا أعضاء فريق العنيد من ابتسامة القاضي وهو يهنئهم بالفوز ويعانقهم واحداً واحدا، هذا هو عبدالعزيز القاضي الكابتن والقائد ابتسامةٌ مثاليةٌ صادقة في أصعب لحظات الخسارة، لم يشتم أحداً في الملعب، ولم يبصق في وجه أحدٍ، ولم (ينطح) أحداً، وبكت الجماهير في المدرجات جماهير الأهلي وتعز وقطاعٌ من جماهير العنيد من نبل تلك اللحظة الدرامية للقاضي وكنتُ واحداً ممن بكى بالرغم من أني لم أكن أهلاوياً (المرحلة الإعدادية، مدرسة الشعب في تعز).

ثم حدثهم ياعبدالعزيز أنكم كنتم تلعبون بكل ما أتيتم من إخلاصِ وجهدٍ من أجلِ غاياتٍ مثالية حُباً وعشقاً ليس إلا ولم تكونوا تسعون وراء الشهرة والمغنم، وكان عطائكم طويلا وعمركم في الملعب مديدا وامتدت قامتكم عبر الأجيال، وكنتم تحترمون القميص الذي تلبسونه والعلم الذي تمثلونه، ولم يكن الناس حينها يسمعون بالغش والفساد والشللية والمحسوبية إلا قليلا، بل لم يكونوا يوظفوا الإنتصارات التوظيف الحزبي الرخيص أو الشللي المنتفع في حزب الحكومة. أتذكر عباراتك لي حين التقينا في الباص المسافر من تعز إلى صنعاء عام 1998، ثم استرحنا في مطعم لتناول طعام الإفطار في (يريم)، لن تذكرني، ولكن لابأس فأنا أتذكر ما قلته لي كيف أنَّ (الفلوس) لم تكن قط تخطر ببالكم لقاء مشواركم الجميل مع الكرة، ثم دعني أتذكر ياعبدالعزيز كيف أصريت أن تحمل معي الأمتعة من فرزة موقف السيارات (التاكسي) بباب اليمن حين وصلنا في تلك الظهيرة الهاجرة حتى أقلني (الدباب) الذي يتجه إلى شارع هائل.

ما أكتبه فيك أيها الكابتن الخلوق ليس حنيناً ولا بكاءً على الأطلال، بل إطلالةُ ذكرى جميلةٍ (لمن كان له قلبٌ) أو نبضٌ يحس بقيمة الجمال الروحي والإمتاع الكروي والأداء المثالي لعمالقة الزمن الجميل. أقول هذا نثرأً أهديه إليك بعد غيابٍ لكل عناصر المثال ليس من واقعنا الكروي فحسب بل ومن كل زوايا هذا الواقع المتردي، الواقع المشغول بتصفية الحسابات مع كل ما هو جميل، واقعٌ يقوده رموز الفشل والخيبة والآنتكاسة والتزلف البليد ممن لا يحسنون سوى التآمر على الرواد أو الإنقلاب على أهل الإنجاز أو التخطيط ليدفنوا صناع الإنتصارات في مقابر جماعية كمقابر مسلمي البوسنة والهرسك.

وماذا عن أهلي تعز من بعدك وكيف فعل بهم الزمان؟ وما أخبار الطليعة والتلال وشمسان ووحدة عدن والجيل وهل لا يزال العنيدُ عنيداً؟ عد بنا وبهم يا كابتن عبدالعزيز إلى نجوم العهد المؤثل للكرة اليمنية، حدِّثهم عن حميد نشطان وعبدالله هرر وجميل تمباكو وخالد سالمين والقيراط. حدِّثهم عن الماس والسبوع وشرف محفوظ وأحمد الأحمدي وشكيب البشيري وعبدالله الصنعاني وجمال حمدي، ثم حدِّثهم عن عزيز الكميم وأبي علي غالب وأحمد غالب ومحمد سلطان، ثم حدِّث الجيل إن شئت عن أشهر أساطير حراسة المرمى في تاريخ الجزيرة والخليج للقرن العشرين طارق رُبان وعادل إسماعيل وحسين ميسري وإبراهيم عبدالرحمن وسعيد نعوم وعبدالملك فوز وأمين السنيني، هؤلاء هم أمثلةٌ للرواد وليسوا كل الرواد وهم قبسٌ ضئيلٌ من نارٍ كانت تتقد طموحاً وانتصاراً وإنجازاً رفعت إسم اليمن مشطراً واسم اليمن ملتحماً في المحافل الدولية وصنعت ما لم يصنعه السياسيون، وهل صنعوا إلا الفشل والهزيمة والفساد والخيبة.

وتبقى أنت يا عبدالعزيز قصة الإزدهار في زمن الإنكسار فبأي ألوان النثر أو هيجان البحر يمكن للمرء أن يعبر وهذه قامتك العملاقةُ وشموخك الأسمر يطل علينا من وراء عقود خلت وأمجاد سلفت تقول بلسان الحال ولغة المقال: (عبدالعزيز القاضي عملاق الكرة اليمنية).

ومضات شعرية

1

طلعَ النَّصرُ علينا مرةً

فرميناهُ بسهمٍ أجدبِ

وشربنا أسفاً من بعده

ليس إلاكِ صحارى يعرُبِ

ثمَّ أطرقنا... وقلنا .. ربما

أو يعود المجدُ للمنتخبِ

وخسِرنا أول الشوطِ ولم

نحُسن التَّسجيل في المغُتصِبِ

واستراحت عندنا إنجلترا

والبرازيلُ وآسادً الشرى

وهوت تونسُ بعد المغربِ

ورجَعنا بانتصارات الهوى

وشربنا خيبة الكأس الذي

شرِبت منهُ جميعُ العربِ

2

من أين أبدأُ والحديثُ بغير حرفك باردٌ

وبغيرِ نيرانِ القصيدةِ

كيف يشتعلُ الكلام...

ولستُ يا عبدالعزيز مُحدثاً

لولا عيونٌ من عيون الدهر تسكُنني

وأسرارٌ من العهد الجميل

حفظتها ذهباً لمثلِ اليوم

أنثرها عليك قصيدةً كشفت كنوز الأرض......،

والأعداءُ كم كنزوا من "الفيد" الرَّخيص (يقاتل المعنى)

ليسلبنا عيون الشعرِ

والأسماءِ

والحُزن النبيل.

***

*شاعر يمني وباحث في الأدب الإنجليزي الرواية.