وفي الحوار طلاسم جديدة !!
بقلم/ عبد القوي العديني
نشر منذ: 11 سنة و 6 أشهر و 15 يوماً
الثلاثاء 11 يونيو-حزيران 2013 04:59 م

امتلأت صنعاء بصور الشهيد حسين بدر الدين الحوثي , واحتفت الأحزاب السياسية وفي مقدمتها الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري بالحوثي نكاية بحزب الإصلاح ؛ الذي شارك بإغراق صنعاء بصور عملاقة للرمز السياسي للأطماع السياسية الشيعية في اليمن .

ولان الشارع حق عام , فان على الحكومة ان تدرك أهمية دورها ومسؤوليتها في حماية الأماكن العامة من صراع السياسية على الجدران والشوارع , وإيجاد القوانين المناسبة والمنظمة للمدن , وعلى الأحزاب ان تحترم الذوق العام , والاكتفاء بوسائلها الإعلامية للتعبير عن مشاريعها خصوصا وقد أصبحت في اليمن مشاريع هدم أكثر من كونها برامج ومشاريع تتنافس لخدمة المواطن .

أما بعد : فقد تتابع عزيزي القارئ السرد المطلسم للسياسة اليمنية , وتجد مواجهه شرسة بين كل الأطراف التي تتداخل صفوفها واصطفافها وتتشابك مع الاحتفاظ بالأجندات والبرامج وبأعلى قدر من التشدد والحرص على استمرار لعبة قياس قوة الأطراف المضادة والمواجهة , وحتى المواقف المحاذية بنفس المسار المتفنن في صناعة الأزمات .

ويزداد المشهد غموضا , وأنت ترى في اليمن مستشار رئيس الجمهورية لشؤون الدفاع والأمن وقد أصبح أكثر قوة وجاذبية ببد لته المدنية , وبأخباره التي تتصدر نشرات الأخبار وصفحات الميديا , وهو يستقبل السفراء والوفود بإطلالة الرجل الثاني الذي ليس له اول.

وفي مؤتمر الحوار ينسحب المؤتمر الشعبي العام ويحتج ويتمسك بقضايا عامة كان بالأمس ضدها , بينما يزعم الحوثيون أنهم الهداة المنتظرون , لكنهم يفتقدون للغة الحوار , بل ويواجهونه بشراسة عجيبة , ويطلبون من كل الأطياف القبول بما قطعوا آو مزقوا من كيان هذه الدولة التي استسلمت للابتزاز ورضخت للفوضى وعجزت الآن عن مواجهة التمردات المعادية للدولة وللمجتمع , وليس لقوة الدولة ان تثب من عثرتها وكبوتها إلا بفعل وإرادة لا تنتمي لأجندات الماضي بأي شكل من الأشكال , فالحراك السياسي أصبح اليوم غامضا في شكله ، لكنه حاد وخطير في مضمونه .. بل ومخيف .

وكما اختار هذا المجتمع بكل قناعة وصدق طريق الساحات ووقع فيها بعشق أنبل لحظاته وأوقاته , وزينها بقيمه وأوجاعه ونضالاته , تعتريه الدهشة ونفس الوجع وهو يتابع أخبار الفساد والإفساد المتضاعف مع لغة المساومة والتقاسم, وتزداد الرؤية ضبابية وغموضاً .. فمالذي يجري في اليمن .. وماذا ينتظرها؟

شخصيا .. تبدو لي الصورة متجمدة لسنوات قادمة , ولن تشهد البلاد أكثر من المشاريع والبنى التي ستقوم كحلول عاجلة وضرورية للمؤسسات والمشاريع العامة , اما على صعيد رؤوس الأموال الخاصة والمستثمرة فستبقى مشلولة , او بطيئة المسار , لكون طلاسم المستقبل السياسي في اليمن لا يقدم أي تطمينات .

أما على المستوى السياسي , فسيبقى كل طرف متمسكا بحصته من مصادر القوى ومقوماتها , ولن يكون التمدد متاحا وممكنا إلا لمن يجيد فن اللعب على الأرض .

قد يتمكن الحوثي من تحقيق توسع ونشاط فاعل وسط أنصاره وجماعاته المؤمنة ببرامجه ورؤاه المذهبية , وقد يحظى بفترة أطول يعمل فيها في ظل لغة الاحتواء من أطراف محلية ودولية , ومع زمن مؤقت لسياسة عدم المواجهة التي يتبعها الخصوم في الوقت الراهن .

وعلى نفس المسار والمعتركات الراهنة التي تزداد تصلبا في الوقت الراهن في المحافظات الجنوبية , فان المشهد السياسي بمجمل تناقضاته , سيستمر متأرجحا ولن يكون له موقفا ايجابيا ولن تمثل مواقفه السلبية في الحوار اي أهمية على صعيد الفعل السياسي , لكون الجميع نزل الى ملعب واحد ؛ فكيف للمباراة ان تنتظم وللمنافسة ان تشتد وقد تجاوزت الإعداد اللاعبة لأكثر من ثمانية فرق محلية وأيدلوجية ووطنية ومذهبية ودولية ؟

لعل الشيء الايجابي المهم والمثمر ، من وسط كل هذه الفوضى ينبع من التوازن الذي يزداد رسوخا ويعزز بعض الأطراف والقوى السياسية التي كانت ضعيفة بالأمس , وهو ما يعد أكثر ورقة تطمين للرئيس عبدربه منصور هادي ,وستسود سنوات حكمه لغة التمديد والتسويات والصراعات التي لن تتيح لأي طرف الانفراد بالحكم او العودة باليمن الى مربع اللون الواحد .

ومع وجود مثل هذه الأجواء التي ان تبسمت تفعل بمشقة كبيرة , تبقى العوامل المطمئنة والحديث فيها مغامرة محفوفة بالمخاطر .

وهناك رجال حول الرئيس لا يتمتعون بالثقة والنزاهة والمصداقية ، فكيف نثق بعدالة قرارات الرئيس وكيف ستكون سياسته إذا كان من حوله ينقلون له واقع مغلوط ويطمئنونه بأن \" كل شي تمام يافندم\".

ومن خلال معايشتي اليومية ومتابعتي لأحداث ومواقف وانطباعات لمستها من أشخاص حول الرئيس ، أشعر بذهول وأنا اسمع كيف تمرر بعض القضايا , وكيف يزعم رجال حول الرئيس بأنهم أنجزوا او احتووا مواقف ونفذوا بطولات زعمها الراوي ولم يشهدها احد.

كيف لنا ان نطمئن بمسار نزيه وصحيح وآمن , ومثل هؤلاء بجوار الرئيس الذي أحببناه وتوقعنا انه سيواجه الفساد بقوة وسيدير البلاد بحكمة وعدل .

والعدل سيظل أسمى القيم الإنسانية علي وجه الأرض ... وتبقى الأوطان أقدس الممتلكات التي يجب ان تحظى بإخلاص وولاء الجميع ودون استثناء , وان تجرم كل الأيادي التي تحاول زعزعة استقرار البلد ، خصوصا التي تنطلق من الولاءات العمياء التي تقدم أطماعها وتفضلها على مصلحة السلام الاجتماعي وتنال من قوة الدولة وهيبتها ومستقبلها .

إن الأوطان تقوم بالنوايا والأعمال ألصادقة , ولو في ظل صراع متنافس , ولكن بأفضل البرامج التي تشحذ الهمم وتخدم الأوطان , لكنها لا تقوم بمتعصب , او بمكر منظم لإغراق الشعب وإفراغ حقوقه بمدار مطلسم ومستقبل يفتقد حتى الى القليل من المؤشرات المبددة للمخاوف التي تكبر وتتناسل بدقة متناهية تبدوا أحيانا وكأنها الشيء المسلم به والمعتاد عليه كأسلوب سائد لإدارة هذه البلاد المنكوبة بأحزابها التي عجزت عن خلق مناخ سياسي وثقافي صحيح وموجه لتجاوز التحديات .

وبحسب وصف صديق عزيز , فإن الكتابة عن اليمن تبدو كمن يكتب عن معبد عتيق مهجور في صحراء كبيرة ، وكيفما نصوره يظل عتيقا صحراوي بنظر من قدموا مصالحهم وأجنداتهم الخاصة , ودون أي مراعاة او خوف من الله والضمير الإنساني بهذا الشعب .

وعلى القوى الانتقالية ان تفكر بخيارات جديدة , بدلاً من انشغالها بتسوية الأرضية المتوقعة لمرحلة ما بعد الانتقالية 

وبالعدل والنزاهة فقط يمكن لليمن ان تقوم من تحت الخراب ومن تحت ردم القوى الضالة , ولن يتحقق ذلك إلا بالقضاء العادل والبيئة الآمنة للاستثمار .