قطر قاطرة الربيع العربي
بقلم/ القدس العربي
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 9 أيام
الإثنين 12 مارس - آذار 2012 07:10 م
 

  

الهزة التي ألمت بالمنطقة العربية أبرزت القوة الصاعدة لقطر وسياسة الخارجية المميزة التي تبنتها، والتي تتضمن دورا فاعلا في معظم مراكز الهزة في المنطقة. هذه السياسة خليط من الانتهازية والطموح متداخلة مع قوة اقتصادية هائلة واستعداد لاستخدامها لاغراض سياسية، بالتوازي مع ضعف مراكز القوة الاساس داخل المنطقة وخارجها، تسمح بدخول الامارة الى الفراغ الذي نشأ والمكانة السياسية الجديدة.

قوة قطر الاقتصادية هي نتيجة مباشرة لاحتياطات الغاز الطبيعي التي وهبت بها. فالامارة هي اليوم المصدرة الاكبر في العالم للغاز الطبيعي ( LNG )، وفي اراضيها الاحتياطات الاكبر في العالم من الغاز الطبيعي بعد روسيا وايران. هذا المقدر المطلوب جعل مواطني قطر (250 الف من أصل نحو مليون مقيم) اصحاب الدخل الخام للفرد الاعلى في العالم، مع معدل نمو مذهل لاكثر من 18 في المائة في 2011. الى جانب هذه القوة الاقتصادية، خلقت عائلة ال ثاني الحاكمة في الامارة ادارة هائلة النفوذ في شكل شبكة التلفزيون 'الجزيرة' التي تحولت منذ اطلاقها في 1996 الى أداة ناجحة في ادارة علاقاتها الخارجية. معدل المشاهدة لهذه الشبكة في الشرق الاوسط عال على أي حال، والثورات التي ألمت بالمنطقة زادت شعبيتها. بالنسبة لقطر، فان هذه الشبكة تشكل أداة مركزية لتحقيق النفوذ. الشبكة تكيف طبيعة التقارير، لتعجب زعماء معينين، من خارج العالم العربي ايضا، وتنتقد آخرين يفهمون أي قوة يوجد لبث المحطة في الرأي العام وذلك كرافعة ضغط لتغيير سياستهم تجاه قطر. في هذا السياق، فان التغطية التلفزيونية العاطفة أكثر للاسرة المالكة السعودية في بث المحطة أثبت نفسه كأداة ناجعة في تحسين علاقات قطر العربية السعودية.

بمجرد التغطية الكبيرة التي تمنحها الشبكة للنزاعات المختلفة في العالم العربية، فانها تحصن بقدر كبير العائلة الحاكمة ضد الانتقاد على انعدام الديمقراطية في الدولة. فأحداث 'الربيع العربي' أدخلت كل الاسرة المالكة في العالم العربي، وقطر معهم الى نطاق اشكالي. فمن جهة، كلهم يسعون الى الابقاء على شكل النظام والسيطرة المطلقة على السياقات السياسية الداخلية ومن جهة اخرى، توجد رغبة في تبني موقف يتماثل زعما مع الجماهير العربية التي خرجت الى الشوارع احتجاجا على الفساد والقمع. لضمان ان تطيع الشبكة تعليمات الامير، نحي عن منصبه في ايلول 2009، المدير العام، خنفر، الذي اكتسب لنفسه سمعة المؤيد المتحمس للسياقات الديمقراطية ونشاط المجتمع المدني في العالم العربي، ولكن ايضا صورة المؤيد للحركات الاسلامية بما فيها حماس. وليس صدفة أن خليفته هو ابن للعائلة المالكة.

دور قطر في الاحداث والسياقات في العالم العربي في العقد الاخير مثير للانطباع. ففي الازمة في اليمن عملت قطر الى جانب عضويتها في 'مجلس التعاون الخليجي' كوسيط وأدت الى رحيل (وان كان بشروط جيدة) الرئيس السابق صالح. وفي الحرب الاهلية في سوريا تقود بنشاطها (باسناد سعودي لا بأس به) معظم شقيقاتها العربيات. حكامها لا ينفون الان بانهم يرسلون السلاح والمساعدات المالية الكبيرة للثوار السوريين. ارساليات السلاح هذه تثير بطبيعة الحال اسئلة هامة مثل ممن ستشتري السلاح الذي سنبعثه الى المعارضة السورية، كيف يصل اليها السلاح، هل قطر تحظى بالتشجيع، الدعم والتعاون مع دول اخرى تسعى الى عدم كشف نفسها كمساعدة بشكل نشيط للثوار السوريين.

قطر، الضالعة ايضا في تثبيت النظام الجديد في تونس، ساعدت، ربما اكثر من أي جهة عربية اخرى، في اسقاط نظام القذافي. فقد دفعت قطر نحو العملية العسكرية للناتو في ليبيا بل وبعثت (اضافة الى اتحاد الامارات) بست طائرات قتالية كمساعدة رمزية في جهود الناتو لفرض الحظر الجوي على ليبيا. وكانت قطر الدولة العربية الاولى التي اعترفت بحكومة الثوار في ليبيا، بل وباعت باسمهم النفط وزودتهم بمساعدات اقتصادية وعسكرية واسعة. في هذا الاطار دربت وسلحت قوات المعارضة بل وبعثت بقوات عنها ساعدت عمليا في القتال. هذه السياسة سمحت لقطر بصرف الانتباه عما يجري في الخليج وبرهنت على أنها عضو محترم ومسؤول في الاسرة الدولية. من ناحيتها، قطفت منذ الان ثمار استثمارها فزعماء الغرب لم يوفروا في الثناء على الفعل الزعامي والاخلاقي الذي تقوم به.

مؤخرا يبرز نشاط الامارة ايضا في النزاع الداخلي في الساحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس وقد احتلت، مؤقتا على الاقل، مكان مصر المنشغلة في مشاكلها الداخلية، كعراب مركزي في مساعي الوساطة بين المنظمتين. اتفاق الاطار الذي تحقق في 6 شباط 2012 بين هاتين الحركتين وقع في الدوحة عاصمة قطر وحمل اسمها. كما أنه بين الاردن وزعيم حماس، خالد مشعل، توسطت قطر وولي العهد القطري حضر لقاء الملك الاردني مع مشعل.

في نهاية شباط 2012 اطلق أمير قطر مبادرة جديدة تدعو الى تحقيق دولي لكل اعمال اسرائيل في القدس منذ 1967 واستهدفت 'محو مواقعها الاسلامية والعربية'. ودعا الامير مندوبي 'مؤتمر الدوحة الدولي لحماية القدس' الى قرار من مجلس الامن في الامم المتحدة، لتشكيل لجنة تحقيق في الموضوع. وهذه المبادرة ستكسب قطر نقاط استحقاق اخرى في الشارع العربي، تحتاجها الان بسبب سياستها تجاه سوريا، رغم ان فرص تحققها متدنية للغاية.

نشاط قطر العلني على مستوى الفلسطيني الاسرائيلي يلحق باسرائيل قدرا كبيرا من الضرر. علاقات قطر مع جهات كايران وحماس علاقات في نظرها تساعد على منع المس بها من تلك الجهات دفعت اسرائيل ضمن امور اخرى الى القطع التام لعلاقاتها مع قطر والاغلاق بشكل نهائي لمكتب الممثلية الدبلوماسية في الدوحة في اذار 2011، ومنع حاملي جوازات سفر قطرية من زيارة المناطق ووقف التعاون بين قطر والصناعات الامنية في اسرائيل. رغم ذلك، فان قطر لم تخف استعدادها لاقامة علاقات علنية مع اسرائيل شريطة أن تثبت القدس بنظر قطر جديتها في المسيرة السياسية، وهو شرط متدن بقدر كبير عن الشروط التي يطرحها العالم العربي لاقامة علاقات علنية مع اسرائيل.

الاستثمارات التي تنفذها قطر، من خلال صندوق الاستثمارات الحكومي، في شرقي آسيا، اوروبا والولايات المتحدة في مشاريع بنية تحتية، املاك عقارية، مؤسسات مالية بل ونوادي كرة قدم تجعل الامارة لاعبا مركزيا ذا نفوذ في هذه الساحات. من الصعب ايجاد في التاريخ الحديث حالة مشابهة لدولة صغيرة اخرجت الى حيز التنفيذ سياسة خارجية فاعلة جدا. لغرض التشبيه فان لوكسنبورغ ايضا لها احصاءات مشابهة ولكن تطلعاتها ضيقة وبالطبع نفوذها السياسي أيضا.

تتميز قطر في تشخيص سياقات وميول في المنطقة وخارجها وتسبق الاخرين في التصدي لها. وبالنسبة لقطر، فان التشخيص السريع للميول في الرأي العام العربي والوقوف خلفها ضروري للحفاظ على أمنها، طالما هي لا تصل الى بوابتها او تعرض للخطر علاقاتها مع جيرانها الاقوياء، السعودية وايران. هكذا حصل ايضا بالنسبة لنهجها من 'الربيع العربي' والدور المركزي الذي كان لها في المجريات.

في الداخل ايضا، تسعى قطر الى الاستباق والتصدي للانتقاد الذي قد يوجه اليها في هذا السياق. امير قطر، حمد بن خليفة، اعلن مؤخرا بانه سيجري انتخابات لـ 'مجلس الشورى' القطري لاول مرة في تاريخ الدولة في النصف الثاني من العام 2013. وعلى حد قوله، في ضوء التغييرات الكبيرة في المنطقة، لا ينبغي الاكتفاء برسائل التهدئة بل حث اصلاحات متواصلة. الوعد باجراء الانتخابات سيسمح لقطر العبور بسلام الاشهر القريبة القادمة على الاقل فيما تواصل التمتع باستقرار سياسي واقتصادي وتكون سندا سياسيا واقتصاديا للقوى الراديكالية في المنطقة. وذلك في ظل استغلال الفراغ الزعامي الذي خلفته الاكبر منها، لحث اجندتها المميزة التي تحركها مصالح البقاء الصرفة.

* نظرة عليا – القدس العربي